عكـــا أخيـــراً
الحلقة الأولى
غزة تشتعل بالغضب ، أطفال وشباب وشيوخ يقدّمون للعالم بأسره دروساً في التصدي والمواجهة . . وشوارع تل أبيب بدأت تنسى رعد تلك الصواريخ التي هزت سماءها قادمة من بغداد . . تجربة قاسية عاشتها الشعوب العربية انتهت كالعادة بهزيمة جديدة يمكن أن تضعها على رفها المكدس بالهزائم واليأس والإحباط .
أوقف سيارة الأجرة وركب متجهاً إلى البيت ، كان السائق يتابع الأخبار والخوف يملأ عينيه . . طريقته في الحديث جعلته يشعر بالغثيان ، تركه يتحدث لوحده وبدأ يحدث نفسـه :
- " جئت إلى تل أبيب مكرهاً بعد وفاة أبي ، وقد عشت هنا أكثر من عشر سنوات ، كنت أتمنى أن أكمل تعليمي لكن ما حدث غير مسار حياتي وجعلني أخيراً رودي ، أمي وأخوتي الصغار هم سر بقائي هنا إلى الآن ، كان يجب أن يعيشوا حياة كريمة هناك في غزة " .
" رودي " إنه الوحيد الذي لم يلبس " كمامات الخنازير " - كما كان يسميها - . . كان يراهم كالخنازير إذا لبسوها ، لم يهرع إلى الملاجئ عند سماعه صفارات الإنذار ، ولم يرهبه شبح الموت الذي كان يلاحق " أهل " تلك المدينة ، اعتاد أيامه كأنها نُسخت على ورقة كربونية ، كانت حياته تافهة ، لهو وخمر وتشرّد ، بلا وطن ولا طموح ولا أمنيات . . ربما كان العربي الوحيد الذي ما زال يعمل في تل أبيب في ذلك الوقت العصيب ، كان يعمل في أحد شركات الأزياء هناك ، يناديه الجميع رودي ولا أحد يعرف اسمه الحقيقي سوى مديره فيلكس وزوجته تسيفيا ، ملامحه التي لا تشبه العرب جعلته يتحرك بسهولة في شوارع المدينة دون أن يعترضه أحد .
أرسل له فيلكس عاملتان دفعة واحدة ، وطلب منه أن يختبر كفاءتهما للعمل في مصنع الشركة ، ميرا الإيرانية السمراء ، ودينا الإيرلندية الشقراء صديقتان حميمتان اختارهما بدقة وقدم لهما راتباً خيالياً لتقبلا العمل في شركته . . رودي يفهم عقلية مديره جيداً ، ويفهم السبب الحقيقي وراء هذه الهدية الدسمة التي أرسلها له .
" فيلكس الملعون لا يريدني أن أقترب من عشيقته أوريت ، فأحضر قنبلتان من الجمال لتتفجرا في وجهي ، كل واحدة منهما لها مذاقها الخاص ، لو أنه يستطيع الاستغناء عني لفعل ، لكنه يعرف خسارته الفادحة لو فكر في ذلك "
السنوات الطويلة التي قضاها في تل أبيب جعلته يحمل طباعهم ويفكر مثلهم ، بدأت تأخذه حياة تل أبيب وتشده إليها بطريقة غريبة جعلته ينسى أنه جاء إلى هنا قادماً من غزة وأنه مهما يطول مكوثه هنا ، فإن رمالها التي تحمل همّ الوطن ستشدّه إليها كالمغناطيس .
تسيفيا هي التي أطلقت على رودي هذا الاسم ، رددت أمامه أكثر من مرة :
" أرى فيك ملامح ابني الوحيد الذي مات قبل أن يكمل عامه العشرين ، غرق في البحر ، ابتلعته الأمواج وقذفته إلى الشاطئ بعد أيام جثة هامدة ، جئت هنا لأفقد فلذة كبدي ، هذه البلاد الملعونة ستبتلعنا جميعاً واحداً تلو الآخر " وفي كل مرة كان رودي يمسح دموعها ويضمّها إليه مقبّلاً يديها النحيفتين .
كان فيلكس يحذرها من تهوّرها في التعامل مع رودي بهذه الطريقة .
" إنه عربي ، وقد يأتي يوماً شاهراً في وجهنا السلاح !! "
لم تهتم تسيفيا بمخاوف زوجها ، كانت ترد عليه بسخرية كلما حدثها بهذه الطريقة .
" خوفكم من الموت يكاد يقتل إحساسنا بالحياة ، اتركوا الأمور تسير كما هي ، لا تلوثوا حياتنا بأفكاركم اللعينة "
" نعم هاجس الموت يلاحقنا حتى في منامنا ، لا تريد أن تفهم أن هناك حرباً قادمة بالفعل ، ويمكنها أن تندلع في أي لحظة ، إن خوفنا من الموت يمنحنا مزيداً من الحياة . . . كم أنت غبية يا تسيفيا !! ، اليهود جديرون بالحياة لأنهم يفهموها بسرعة أما أنت فلا . . " لم يجرؤ فيلكس أن يرد على زوجته بهذه الطريقة فهي سبب ثرائه ، لكنه كان يتمتم بهذه الإجابات لنفسه فقط .
لم تكن تسيفيا يهودية ، ولم تشعر للحظة بأنها تنتمي إلى هذه الأرض كما يدعي زوجها ، وجودها هنا ليس أكثر من مشروع استثماري ، لكن زوجها كان ينغّص عليها حياتها حينما كان يقحمها في أحاديث السياسة .
انتهت الحلقة الأولى
الأحداث القادمة شيقة ومثيرة
أبو فريد
الحلقة الأولى
غزة تشتعل بالغضب ، أطفال وشباب وشيوخ يقدّمون للعالم بأسره دروساً في التصدي والمواجهة . . وشوارع تل أبيب بدأت تنسى رعد تلك الصواريخ التي هزت سماءها قادمة من بغداد . . تجربة قاسية عاشتها الشعوب العربية انتهت كالعادة بهزيمة جديدة يمكن أن تضعها على رفها المكدس بالهزائم واليأس والإحباط .
أوقف سيارة الأجرة وركب متجهاً إلى البيت ، كان السائق يتابع الأخبار والخوف يملأ عينيه . . طريقته في الحديث جعلته يشعر بالغثيان ، تركه يتحدث لوحده وبدأ يحدث نفسـه :
- " جئت إلى تل أبيب مكرهاً بعد وفاة أبي ، وقد عشت هنا أكثر من عشر سنوات ، كنت أتمنى أن أكمل تعليمي لكن ما حدث غير مسار حياتي وجعلني أخيراً رودي ، أمي وأخوتي الصغار هم سر بقائي هنا إلى الآن ، كان يجب أن يعيشوا حياة كريمة هناك في غزة " .
" رودي " إنه الوحيد الذي لم يلبس " كمامات الخنازير " - كما كان يسميها - . . كان يراهم كالخنازير إذا لبسوها ، لم يهرع إلى الملاجئ عند سماعه صفارات الإنذار ، ولم يرهبه شبح الموت الذي كان يلاحق " أهل " تلك المدينة ، اعتاد أيامه كأنها نُسخت على ورقة كربونية ، كانت حياته تافهة ، لهو وخمر وتشرّد ، بلا وطن ولا طموح ولا أمنيات . . ربما كان العربي الوحيد الذي ما زال يعمل في تل أبيب في ذلك الوقت العصيب ، كان يعمل في أحد شركات الأزياء هناك ، يناديه الجميع رودي ولا أحد يعرف اسمه الحقيقي سوى مديره فيلكس وزوجته تسيفيا ، ملامحه التي لا تشبه العرب جعلته يتحرك بسهولة في شوارع المدينة دون أن يعترضه أحد .
أرسل له فيلكس عاملتان دفعة واحدة ، وطلب منه أن يختبر كفاءتهما للعمل في مصنع الشركة ، ميرا الإيرانية السمراء ، ودينا الإيرلندية الشقراء صديقتان حميمتان اختارهما بدقة وقدم لهما راتباً خيالياً لتقبلا العمل في شركته . . رودي يفهم عقلية مديره جيداً ، ويفهم السبب الحقيقي وراء هذه الهدية الدسمة التي أرسلها له .
" فيلكس الملعون لا يريدني أن أقترب من عشيقته أوريت ، فأحضر قنبلتان من الجمال لتتفجرا في وجهي ، كل واحدة منهما لها مذاقها الخاص ، لو أنه يستطيع الاستغناء عني لفعل ، لكنه يعرف خسارته الفادحة لو فكر في ذلك "
السنوات الطويلة التي قضاها في تل أبيب جعلته يحمل طباعهم ويفكر مثلهم ، بدأت تأخذه حياة تل أبيب وتشده إليها بطريقة غريبة جعلته ينسى أنه جاء إلى هنا قادماً من غزة وأنه مهما يطول مكوثه هنا ، فإن رمالها التي تحمل همّ الوطن ستشدّه إليها كالمغناطيس .
تسيفيا هي التي أطلقت على رودي هذا الاسم ، رددت أمامه أكثر من مرة :
" أرى فيك ملامح ابني الوحيد الذي مات قبل أن يكمل عامه العشرين ، غرق في البحر ، ابتلعته الأمواج وقذفته إلى الشاطئ بعد أيام جثة هامدة ، جئت هنا لأفقد فلذة كبدي ، هذه البلاد الملعونة ستبتلعنا جميعاً واحداً تلو الآخر " وفي كل مرة كان رودي يمسح دموعها ويضمّها إليه مقبّلاً يديها النحيفتين .
كان فيلكس يحذرها من تهوّرها في التعامل مع رودي بهذه الطريقة .
" إنه عربي ، وقد يأتي يوماً شاهراً في وجهنا السلاح !! "
لم تهتم تسيفيا بمخاوف زوجها ، كانت ترد عليه بسخرية كلما حدثها بهذه الطريقة .
" خوفكم من الموت يكاد يقتل إحساسنا بالحياة ، اتركوا الأمور تسير كما هي ، لا تلوثوا حياتنا بأفكاركم اللعينة "
" نعم هاجس الموت يلاحقنا حتى في منامنا ، لا تريد أن تفهم أن هناك حرباً قادمة بالفعل ، ويمكنها أن تندلع في أي لحظة ، إن خوفنا من الموت يمنحنا مزيداً من الحياة . . . كم أنت غبية يا تسيفيا !! ، اليهود جديرون بالحياة لأنهم يفهموها بسرعة أما أنت فلا . . " لم يجرؤ فيلكس أن يرد على زوجته بهذه الطريقة فهي سبب ثرائه ، لكنه كان يتمتم بهذه الإجابات لنفسه فقط .
لم تكن تسيفيا يهودية ، ولم تشعر للحظة بأنها تنتمي إلى هذه الأرض كما يدعي زوجها ، وجودها هنا ليس أكثر من مشروع استثماري ، لكن زوجها كان ينغّص عليها حياتها حينما كان يقحمها في أحاديث السياسة .
انتهت الحلقة الأولى
الأحداث القادمة شيقة ومثيرة
أبو فريد
عدل سابقا من قبل أبو فريد في الإثنين أكتوبر 13, 2008 11:56 am عدل 1 مرات (السبب : خطأ إملائي)
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007