اذا اردنا توصيف الازمة التي يتخبط بها النظام الراسمالي (المتخلف والتبعي) في لبنان، لقلنا انها ازمة بنيوية، مرتبطة بالاساس، بطبيعة وبظروف نشوئه في كنف الاستعمار.
هذه الازمة البنيوية، هي ازمة عصية على الحل، بالتالي، وقد بلغ فيها عامل الاستعصاء، اليوم، نقطة اللاعودة، اي، ان اطراف الطبقة البرجوازية الحاكمة، الذين وافقوا، بالامس وبالاجماع، على تنظيم حصصهم في السلطة من خلال تثبيتهم لقانون الستين، والذين تكتلوا، اليوم، بعد خمسة اشهر من رهانات على الخارج، ضمن ما سمي بحكومة الاكثرية، لم يعد بامكانهم ، حتى لو ارادوا ذلك، ايجاد مخارج حقيقية للازمة التي يتخبطون بها ويتخبط بها نظامهم.
هذا ما ابرزته عشرات الكتب والدراسات والتصريحات، وهذا ما ركزت عليه الوثيقة السياسية للحزب الشيوعي التي قدمت الى مؤتمره العاشر ةالتي عادت الى نفس الشعار الذي طرحه مؤتمر الحزب الثالث في العام 1972 : نحو حكم وطني ديمقراطي ( واضيفت اليه ميزتان جديدتان : علماني مقاوم)، للتدليل على ان ظروف التغيير قد نضجت مرة جديدة.
اما الخلاصات السريعة التي يمكن تقديمها للدلالة على نقطة اللاعودة،فمنها ما جاء على لسان اصحاب هذا النظام، وبالتحديدفي وثيقة "باريس 3 " التي تؤشر الى انه حتى ولو تحققت كل " الاصلاحات" المطروحة في الوثيقة سابقة الذكر، اي الخصخصة المتمادية واعادة الهيكلة، فان هذه "الاصلاحات" لن تستطيع اخراج الاقتصاد اللبناني من ازمته.
أما في المجال السياسي، فقد دلت احداث السنوات الثلاث الماضية، منذ ما بعد العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 وما تبعه من استقالات من الحكومة ومن اعتصام حول السرايا الحكومي، أنه يكفي ان يضع زعيم طائفة ما "فيتو" حول قضية او ان يتخذ موقفاً معيناً من اخرى لكي تشل المؤسسات، ومعها كل الوطن.
اما على الصعيد الاجتماعي، فقد وصلت الازمة الى تحويل نصف اللبنانيين الى فقراء و 34% منهم الى ما دون حافة الفقر المدقع ... هذا، عدا عن ظاهرتي البطالة والهجرة وعن المشاكل التي تعترض مسيرة العمل والصحة والتعليم وتحد من دور الخدمات الاساسية، خاصة وان وجهة الخصخصة (التي وافق عليها ممثلو جميع الكتل دون استثناء، عبر موافقتهم على وضع مقررات "باريس3" موضع التنفيذهي الوجهة الاساس، وان هذه الوجهة ستعفي الدولة من اي التزام تجاه اغلبية مواطنيها).
انطلاقاً من هذا التوصيف، وعلى اساسه، نطرح مسألة التغيير مجدداً، مع التأكيد ان مفهوم الحكم الوطني الديمقراطي التي نطرحها ليست مهمات اشتراكية، اي اننا لا نطرح التغيير الجذري. بل نقول إن الظروف الموضوعية، الداخلية، للتغيير تتوافر، اليوم، اكثر من اي وقت مضى، حتى اكثر من سبعينيات القرن الماضي، يوم طرح التغيير على نطاق واسع وواجهته البرجوازية اللبنانية بحرب اهلية استباقية لمنع سقوط نظامها، مستفيدة من عوامل خارجية مساعدة، لعل ابرزها الصراع السوري – الفلسطيني للامساك بورقة تصدر المواجهة في الصراع العربي – الاسرائيلي.
ونسارع للقول اننا لا نطرح مهمات اشتراكية لأن توفر الظروف حالياً يصطدم ، مرة جديدة، بالعامل الاقليمي المعيق، من جهة، وخاصة ( وهنا بيت القصيد) بالعامل الذاتي، اي بعدم نضوج قوى التغيير، علماً بأننا نرى، من جهتنا، انه اذا لم نحسن الاداء، هذه المرة، فاننا سنسهم ولو بصورة غير مباشرة في القضاء على وجود لبنان.
من هي هذه القوى؟ وما هو دور القوى الجذرية ضمنها (اي الشيوعيون واليسار الماركسي)؟ ومع من يمكن ان تصيغ هذه القوى الجذرية تحالفاتها، في ظل اضمحلال الحركةالمطلبية والحركة الشعبية، بقيادة النقابات، وفي ظل لجوء اطراف البرجوازية جميعها الى ترسيخ الانقسامات الطائفية العامودية التي تخفي خلف جدرانها السميكة الصراع الطبقي؟ او على الاقل تهمش دوره في هذه المرحلة؟
اتوقف هنا قليلاً لأعطي لمحة تاريخية عن تحالفات وطنية، ذات طابع طبقي تغييري(ولو جزئياً) ميزت النصف الثاني من القرن العشرين، وهي تحالفات جبهوية يمكن الاستفادة من تجربتها، خاصة في تحييد العوامل السلبية التي طغت عليها.
أول الامثلةهو نشوء "جبهة الاحزاب" ، في العام 1966، التي ضمت الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، والتي حاولت وضع برنامج للتغيير، بالاستفادة من التغيرات الحاصلة في العالم العربي بعد تأميم قناة السويس والانقلابات القومية العسكرية.
هذه الجبهة لم تعش طويلاً لأسباب مختلفة، لعل اهمها انها كانت حركة ائتلافية فوقية، اي ان الشعارات التي طرحتها كانت تتوافق والمرحلة، إلا انها لم تستطع ان تؤسس لجبهة بين الفئات الشعبية وهي لم تطرح الوصول الى السلطة بالأساس.
ثاني هذه الامثلة هو "تجمع الاحزاب والفئات الوطنية والتقدمية"، وهو تحالف ضم الشيوعيين والاشتراكيين اضافة الى حزب البعث وبعض الفئات الناصرية. هذا التحالف كان متقدماً عن الذي سبقه، كونه ادى الى نشوء جبهات محلية مهمة،بدءاً بمؤتمر الاحزاب والقوى التقدمية في الشمال ووصولاً الى جبهة القوى التقدمية في بعلبك ، هذه الجبهات لم تستطع ان ترتقي الى حد طرح شعار التغيير ...، وإن تكن قد لعبت، كلها، ادواراً مهمة في المسألة الوطنية وفي المعارك المطلبية ( وفي هذا المجال، نشير الى نشوء التنظيم النقابي الموحد والى التعاون الطلابي في اطار "الاتحاد الوطني").
ثالث هذه الامثلة هو "الحركة الوطنية" التي وضعت برنامجاً متكاملاً لها، هو البرنامج المرحلي للاصلاح، إلا انها، هي ايضاً، فشلت في المهمة التي وضعتها اي التغيير، ليس بسبب التدخل المتجدد للعامل الاقليمي (عبر الدخول العسكري السوري)، بل كذلك لأن القوى السياسية التي تحالفت لتشكل رافعة لهذا البرنامج انفرط عقدها في ظل التناحر السوري- الفلسطيني ونتيجة الاوهام التي نشأت لدى بعضها حول امكانية استخدام العامل الفلسطيني، الخارجي، كأحدى ادوات التغيير في الداخل.
نسوق هذه الامثلة ونحن في خضم تجربة جديدة من الائتلاف، وعلى مستويين مختلفين، لكي نستفيد من دراسة التجارب لنفعل النقاط الايجابية ونحاول الابتعاد عن السلبيات قدر المستطاع، ذلك ان الاختلاف حول تحديد طبيعة المرحلة، في كل من التجارب السابقة، وإهمال العامل الاقليمي اوتثقيله قد اديا الى الفشل في نهاية المطاف.
ما هي اوجه الاختلاف مع المراحل الماضية؟
اولاً – كانت الحركة الشعبية، وبالتحديد الحركة النقابية، قوية وشبه موحدة وذات طابع تقدمي، اي انها كانت تطرح شعار ضرورة التغيير. ويمكن، في هذا الصدد، ذكر مئات الاضرابات والمظاهرات الكبرى الصدامية ( من مزارعي التبغ الى عمال غندور الى المظاهرة الضخمة التي نظمها الاتحاد الوطني للنقابات، الى اضراب الخمسين يوماً للحركة الطلابية، الى المظاهرات الطلابية اللاحقة، الى اضرابات المعلمين...الخ).
ثانياً- كان عامل الانقسام العامودي، الطائفي اقل تأثيراً من اليوم، وكانت الحركة اليسارية لوحدها تطرح مسألة التحرير ومواجهة العدو الصهيوني وحل الصراع العربي- الاسرائيلي من خلال الدعوة لاقامة دولة فلسطين.
ثالثاً- كانت القوى السياسية المتحالفة من اجل التغيير ملتقية على فهم متقارب نسبياً لطبيعة كل مرحلة من المراحل.
أما اليوم، فالحركة النقابية مشلولة وغائبة كلياً عن مجرى الاحداث، إن بسبب التفريغ المصطنع للنقابات والاتحادات النقابية، أم بسبب دخول الانقسامات المصطنعة على قيادتها. والحركة الطلابية، هي الاخرى، مشرذمة ومتموضعة داخل الخنادق المذهبية والطائفية، ولا يكفي اجراء بعض الانتخابات في بعض الجامعات للقول إن هذه الحركة قد استعادت جزءاً من عافيتها.
أما الاحزاب السياسية، فأغلبيتها الساحقة طائفية او مذهبية، تعمل الى التجميع على اساس الولاء لزعيم الطائفة، أما تلك التي خرجت عن الطائفية، فهي إما مأزومة بسبب علاقاتها الخارجية ( او بسبب تحالفاتها مع الاحزاب الطائفية)، وإما غير قادرة على ايجاد خطاب جاذب بديل للخطاب الطائفي المسيطر بحيث تستطيع الاسهام في تأطير الشباب الرافض للانقسامات المذهبية والطائفية ضمن ما تطمح له من حركة مدنية علمانية، تشكل بديلاً للواقع القائم وتفتح الافق رحباً نحو التغيير.
من هذا المنطلق، ندعو اليوم الى تفعيل التحالف الاستراتيجي المتمثل بـ "اللقاء التشاوري اليساري" من خلال السير ضمن خطين متوازيين: الخط الاول، ويكمن في برنامج الاصلاح الديمقراطي للنظام الطائفي والمتمثل، اولا وقبل اي شئ آخر، في الدعوة الى قانون مدني موحد للاحوال الشخصية، وثانياً، في تنظيم لقاءات مناطقية وقطاعية لكل الشخصيات والتيارات اليسارية او التي مرت بتنظيمات اليسار ولم "تتخندق" ضمن تجمعي 8و14 آذار السابقين، وهذا يتطلب وضع روزنامة عمل سريعة الوتائر وخطة عمل ملموسة.
كما ندعو الى بحث جدي في استعادة النقابات العمالية لدورها، ليس فقط عن طريق العمل لاقرار هيكلية جديدة، بل عبر برنامج مطلبي ونضالي يضع، مع حركة المعلمين وكل المتضررين من الازمة الاقتصادية وكل المجبرين على حمل اوزارها، خطة لاستعادة حق العمل وديمومته ولتفعيل الضمان الاجتماعي والصحي ووضع ضمان الشيخوخة موضع التنفيذ، وخاصة، لإلزام الدولة بدعم القطاعات المنتجة، اي وضع الخطط الآيلة الى تطوير الزراعة والصناعة بما يخفف من البطالة ويخلق فرص عمل للشباب ويضع الآليات لاعادة تجميع الفئات المنتجة ذات المصلحة في التغيير ويجب علينا الدعوة الى لقاء للاحزاب الشيوعية والعمالية ولكل قوى التغيير الديمقراطي في منطقتنا، منطلقين من ضرورة ان يأخذ هذا اللقاء بعين الاعتبار تطور الازمة، بمنحييها القومي والاجتماعي، إن بالنسبة للقضية الفلسطينية أم بالنسبة لدور الجماهير العربية في مواجهة الوجود الاستعماري الجديد على ارضنا ونهبه المتوحش لثرواتنا وسيطرته على مقدراتنا.
إن تحركنا الداخلي، المستند الى عمق شعبي عربي يهدف الى التغيير يخفف من امكانية العرقلة التي سيلجأ اليها النظام العربي السائر في ركاب الحل الاميركي.
إلا أننا كيسار مدعوون ، قبل اي شئ آخر، لتقييم تجاربنا التحالفية، بالنسبة للبعض، وخلافاتنا الصدامية، بالنسبة لبعض الآخر، إن إبان الحرب الاهلية أم في المرحلة الراهنة، حيث لا يزال البعض يراهن على عوامل طائفية، ومنها بالتحديد دور مقاومة حزب الله، كوجه رئيسي من اوجه التغيير، حتى لا نقول الوجه الوحيد، وهم بنظرون لذلك بالقول ان التناقض الرئيسي المتوجب علينا السعي لحله هو عامل التحرير دون سواه وان الظروف الموضوعية للتغيير لم تنضج بعد.
هذا لا يعني انني ادعو للتقوقع ضمن طروحات يسارية ضيقة، بل على العكس من ذلك، أرى ان التوافق على تحديد التناقض الرئيسي يسهم بشكل افضل في تحديد القوى التي لا بد لنا من الانفتاح عليها من اجل فعل التغيير.ذلك ان فرصة تهيئة التغيير وشروطه وادواته واضحة ولا يجب ان نضيعها مجدداً.
هذه الازمة البنيوية، هي ازمة عصية على الحل، بالتالي، وقد بلغ فيها عامل الاستعصاء، اليوم، نقطة اللاعودة، اي، ان اطراف الطبقة البرجوازية الحاكمة، الذين وافقوا، بالامس وبالاجماع، على تنظيم حصصهم في السلطة من خلال تثبيتهم لقانون الستين، والذين تكتلوا، اليوم، بعد خمسة اشهر من رهانات على الخارج، ضمن ما سمي بحكومة الاكثرية، لم يعد بامكانهم ، حتى لو ارادوا ذلك، ايجاد مخارج حقيقية للازمة التي يتخبطون بها ويتخبط بها نظامهم.
هذا ما ابرزته عشرات الكتب والدراسات والتصريحات، وهذا ما ركزت عليه الوثيقة السياسية للحزب الشيوعي التي قدمت الى مؤتمره العاشر ةالتي عادت الى نفس الشعار الذي طرحه مؤتمر الحزب الثالث في العام 1972 : نحو حكم وطني ديمقراطي ( واضيفت اليه ميزتان جديدتان : علماني مقاوم)، للتدليل على ان ظروف التغيير قد نضجت مرة جديدة.
اما الخلاصات السريعة التي يمكن تقديمها للدلالة على نقطة اللاعودة،فمنها ما جاء على لسان اصحاب هذا النظام، وبالتحديدفي وثيقة "باريس 3 " التي تؤشر الى انه حتى ولو تحققت كل " الاصلاحات" المطروحة في الوثيقة سابقة الذكر، اي الخصخصة المتمادية واعادة الهيكلة، فان هذه "الاصلاحات" لن تستطيع اخراج الاقتصاد اللبناني من ازمته.
أما في المجال السياسي، فقد دلت احداث السنوات الثلاث الماضية، منذ ما بعد العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 وما تبعه من استقالات من الحكومة ومن اعتصام حول السرايا الحكومي، أنه يكفي ان يضع زعيم طائفة ما "فيتو" حول قضية او ان يتخذ موقفاً معيناً من اخرى لكي تشل المؤسسات، ومعها كل الوطن.
اما على الصعيد الاجتماعي، فقد وصلت الازمة الى تحويل نصف اللبنانيين الى فقراء و 34% منهم الى ما دون حافة الفقر المدقع ... هذا، عدا عن ظاهرتي البطالة والهجرة وعن المشاكل التي تعترض مسيرة العمل والصحة والتعليم وتحد من دور الخدمات الاساسية، خاصة وان وجهة الخصخصة (التي وافق عليها ممثلو جميع الكتل دون استثناء، عبر موافقتهم على وضع مقررات "باريس3" موضع التنفيذهي الوجهة الاساس، وان هذه الوجهة ستعفي الدولة من اي التزام تجاه اغلبية مواطنيها).
انطلاقاً من هذا التوصيف، وعلى اساسه، نطرح مسألة التغيير مجدداً، مع التأكيد ان مفهوم الحكم الوطني الديمقراطي التي نطرحها ليست مهمات اشتراكية، اي اننا لا نطرح التغيير الجذري. بل نقول إن الظروف الموضوعية، الداخلية، للتغيير تتوافر، اليوم، اكثر من اي وقت مضى، حتى اكثر من سبعينيات القرن الماضي، يوم طرح التغيير على نطاق واسع وواجهته البرجوازية اللبنانية بحرب اهلية استباقية لمنع سقوط نظامها، مستفيدة من عوامل خارجية مساعدة، لعل ابرزها الصراع السوري – الفلسطيني للامساك بورقة تصدر المواجهة في الصراع العربي – الاسرائيلي.
ونسارع للقول اننا لا نطرح مهمات اشتراكية لأن توفر الظروف حالياً يصطدم ، مرة جديدة، بالعامل الاقليمي المعيق، من جهة، وخاصة ( وهنا بيت القصيد) بالعامل الذاتي، اي بعدم نضوج قوى التغيير، علماً بأننا نرى، من جهتنا، انه اذا لم نحسن الاداء، هذه المرة، فاننا سنسهم ولو بصورة غير مباشرة في القضاء على وجود لبنان.
من هي هذه القوى؟ وما هو دور القوى الجذرية ضمنها (اي الشيوعيون واليسار الماركسي)؟ ومع من يمكن ان تصيغ هذه القوى الجذرية تحالفاتها، في ظل اضمحلال الحركةالمطلبية والحركة الشعبية، بقيادة النقابات، وفي ظل لجوء اطراف البرجوازية جميعها الى ترسيخ الانقسامات الطائفية العامودية التي تخفي خلف جدرانها السميكة الصراع الطبقي؟ او على الاقل تهمش دوره في هذه المرحلة؟
اتوقف هنا قليلاً لأعطي لمحة تاريخية عن تحالفات وطنية، ذات طابع طبقي تغييري(ولو جزئياً) ميزت النصف الثاني من القرن العشرين، وهي تحالفات جبهوية يمكن الاستفادة من تجربتها، خاصة في تحييد العوامل السلبية التي طغت عليها.
أول الامثلةهو نشوء "جبهة الاحزاب" ، في العام 1966، التي ضمت الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، والتي حاولت وضع برنامج للتغيير، بالاستفادة من التغيرات الحاصلة في العالم العربي بعد تأميم قناة السويس والانقلابات القومية العسكرية.
هذه الجبهة لم تعش طويلاً لأسباب مختلفة، لعل اهمها انها كانت حركة ائتلافية فوقية، اي ان الشعارات التي طرحتها كانت تتوافق والمرحلة، إلا انها لم تستطع ان تؤسس لجبهة بين الفئات الشعبية وهي لم تطرح الوصول الى السلطة بالأساس.
ثاني هذه الامثلة هو "تجمع الاحزاب والفئات الوطنية والتقدمية"، وهو تحالف ضم الشيوعيين والاشتراكيين اضافة الى حزب البعث وبعض الفئات الناصرية. هذا التحالف كان متقدماً عن الذي سبقه، كونه ادى الى نشوء جبهات محلية مهمة،بدءاً بمؤتمر الاحزاب والقوى التقدمية في الشمال ووصولاً الى جبهة القوى التقدمية في بعلبك ، هذه الجبهات لم تستطع ان ترتقي الى حد طرح شعار التغيير ...، وإن تكن قد لعبت، كلها، ادواراً مهمة في المسألة الوطنية وفي المعارك المطلبية ( وفي هذا المجال، نشير الى نشوء التنظيم النقابي الموحد والى التعاون الطلابي في اطار "الاتحاد الوطني").
ثالث هذه الامثلة هو "الحركة الوطنية" التي وضعت برنامجاً متكاملاً لها، هو البرنامج المرحلي للاصلاح، إلا انها، هي ايضاً، فشلت في المهمة التي وضعتها اي التغيير، ليس بسبب التدخل المتجدد للعامل الاقليمي (عبر الدخول العسكري السوري)، بل كذلك لأن القوى السياسية التي تحالفت لتشكل رافعة لهذا البرنامج انفرط عقدها في ظل التناحر السوري- الفلسطيني ونتيجة الاوهام التي نشأت لدى بعضها حول امكانية استخدام العامل الفلسطيني، الخارجي، كأحدى ادوات التغيير في الداخل.
نسوق هذه الامثلة ونحن في خضم تجربة جديدة من الائتلاف، وعلى مستويين مختلفين، لكي نستفيد من دراسة التجارب لنفعل النقاط الايجابية ونحاول الابتعاد عن السلبيات قدر المستطاع، ذلك ان الاختلاف حول تحديد طبيعة المرحلة، في كل من التجارب السابقة، وإهمال العامل الاقليمي اوتثقيله قد اديا الى الفشل في نهاية المطاف.
ما هي اوجه الاختلاف مع المراحل الماضية؟
اولاً – كانت الحركة الشعبية، وبالتحديد الحركة النقابية، قوية وشبه موحدة وذات طابع تقدمي، اي انها كانت تطرح شعار ضرورة التغيير. ويمكن، في هذا الصدد، ذكر مئات الاضرابات والمظاهرات الكبرى الصدامية ( من مزارعي التبغ الى عمال غندور الى المظاهرة الضخمة التي نظمها الاتحاد الوطني للنقابات، الى اضراب الخمسين يوماً للحركة الطلابية، الى المظاهرات الطلابية اللاحقة، الى اضرابات المعلمين...الخ).
ثانياً- كان عامل الانقسام العامودي، الطائفي اقل تأثيراً من اليوم، وكانت الحركة اليسارية لوحدها تطرح مسألة التحرير ومواجهة العدو الصهيوني وحل الصراع العربي- الاسرائيلي من خلال الدعوة لاقامة دولة فلسطين.
ثالثاً- كانت القوى السياسية المتحالفة من اجل التغيير ملتقية على فهم متقارب نسبياً لطبيعة كل مرحلة من المراحل.
أما اليوم، فالحركة النقابية مشلولة وغائبة كلياً عن مجرى الاحداث، إن بسبب التفريغ المصطنع للنقابات والاتحادات النقابية، أم بسبب دخول الانقسامات المصطنعة على قيادتها. والحركة الطلابية، هي الاخرى، مشرذمة ومتموضعة داخل الخنادق المذهبية والطائفية، ولا يكفي اجراء بعض الانتخابات في بعض الجامعات للقول إن هذه الحركة قد استعادت جزءاً من عافيتها.
أما الاحزاب السياسية، فأغلبيتها الساحقة طائفية او مذهبية، تعمل الى التجميع على اساس الولاء لزعيم الطائفة، أما تلك التي خرجت عن الطائفية، فهي إما مأزومة بسبب علاقاتها الخارجية ( او بسبب تحالفاتها مع الاحزاب الطائفية)، وإما غير قادرة على ايجاد خطاب جاذب بديل للخطاب الطائفي المسيطر بحيث تستطيع الاسهام في تأطير الشباب الرافض للانقسامات المذهبية والطائفية ضمن ما تطمح له من حركة مدنية علمانية، تشكل بديلاً للواقع القائم وتفتح الافق رحباً نحو التغيير.
من هذا المنطلق، ندعو اليوم الى تفعيل التحالف الاستراتيجي المتمثل بـ "اللقاء التشاوري اليساري" من خلال السير ضمن خطين متوازيين: الخط الاول، ويكمن في برنامج الاصلاح الديمقراطي للنظام الطائفي والمتمثل، اولا وقبل اي شئ آخر، في الدعوة الى قانون مدني موحد للاحوال الشخصية، وثانياً، في تنظيم لقاءات مناطقية وقطاعية لكل الشخصيات والتيارات اليسارية او التي مرت بتنظيمات اليسار ولم "تتخندق" ضمن تجمعي 8و14 آذار السابقين، وهذا يتطلب وضع روزنامة عمل سريعة الوتائر وخطة عمل ملموسة.
كما ندعو الى بحث جدي في استعادة النقابات العمالية لدورها، ليس فقط عن طريق العمل لاقرار هيكلية جديدة، بل عبر برنامج مطلبي ونضالي يضع، مع حركة المعلمين وكل المتضررين من الازمة الاقتصادية وكل المجبرين على حمل اوزارها، خطة لاستعادة حق العمل وديمومته ولتفعيل الضمان الاجتماعي والصحي ووضع ضمان الشيخوخة موضع التنفيذ، وخاصة، لإلزام الدولة بدعم القطاعات المنتجة، اي وضع الخطط الآيلة الى تطوير الزراعة والصناعة بما يخفف من البطالة ويخلق فرص عمل للشباب ويضع الآليات لاعادة تجميع الفئات المنتجة ذات المصلحة في التغيير ويجب علينا الدعوة الى لقاء للاحزاب الشيوعية والعمالية ولكل قوى التغيير الديمقراطي في منطقتنا، منطلقين من ضرورة ان يأخذ هذا اللقاء بعين الاعتبار تطور الازمة، بمنحييها القومي والاجتماعي، إن بالنسبة للقضية الفلسطينية أم بالنسبة لدور الجماهير العربية في مواجهة الوجود الاستعماري الجديد على ارضنا ونهبه المتوحش لثرواتنا وسيطرته على مقدراتنا.
إن تحركنا الداخلي، المستند الى عمق شعبي عربي يهدف الى التغيير يخفف من امكانية العرقلة التي سيلجأ اليها النظام العربي السائر في ركاب الحل الاميركي.
إلا أننا كيسار مدعوون ، قبل اي شئ آخر، لتقييم تجاربنا التحالفية، بالنسبة للبعض، وخلافاتنا الصدامية، بالنسبة لبعض الآخر، إن إبان الحرب الاهلية أم في المرحلة الراهنة، حيث لا يزال البعض يراهن على عوامل طائفية، ومنها بالتحديد دور مقاومة حزب الله، كوجه رئيسي من اوجه التغيير، حتى لا نقول الوجه الوحيد، وهم بنظرون لذلك بالقول ان التناقض الرئيسي المتوجب علينا السعي لحله هو عامل التحرير دون سواه وان الظروف الموضوعية للتغيير لم تنضج بعد.
هذا لا يعني انني ادعو للتقوقع ضمن طروحات يسارية ضيقة، بل على العكس من ذلك، أرى ان التوافق على تحديد التناقض الرئيسي يسهم بشكل افضل في تحديد القوى التي لا بد لنا من الانفتاح عليها من اجل فعل التغيير.ذلك ان فرصة تهيئة التغيير وشروطه وادواته واضحة ولا يجب ان نضيعها مجدداً.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007