تسعى دولة إسرائيل في المرحلة الراهنة الى تنفيذ مخططين: السيطرة على أكبر رقعة من أرض فلسطين التاريخية مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين, وإعادة صقل هوية "العربي الإسرائيلي" بصورة تشبه النموذج التي سعت الى بلورته أيام الحكم العسكري وهو نموذج نقيد للجيل الجديد الذي نشأ وهو يعتز بعروبته وبقوميته. إن عملية إستهداف القيادات والأحزاب السياسية في الداخل هي جزء لا يتجرأ من هذه الأجندة. تقرير لجنة أور كان المؤشر الأول لمن سيكون المستهدف في السنوات التي تلت هبة أكتوبر. لجنة اور سعت الى تحميل كل من الدكتور عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح وعضو الكنيست السابق عبد المالك دهامشة جزء من مسؤولية مقتل وإصابة العشرات من أبناء شعبنا في الداخل, وذلك بناء على معلومات كان قد زودها لها جهاز الامن العام (الشاباك) حيث تطرقت هذه المعلومات، بالأساس، إلى تحليل التيارات السياسية في المجتمع العربي.
واتهمت اللجنة القيادات العربية المذكورة بشرعنة اللجوء للعنف كوسيلة لتحقيق المكاسب السياسية من خلال الإستناد الى تقارير الشاباك المبنية على أساليب ملتوية ومرفوضة كفصل مقولات عينية للقيادات العربية عن سياقها الأوسع أو الإستناد الى معلومات مغلوطة وغير دقيقة وغيرها من السبل. وفي الحقيقية إذا دققنا بشكل عميق وقرأنا تصريحات أعضاء الكنيست العرب جميهم بدون إستثناء بتلك الحقبة كنا سنجد مقولات تشبه المقولات التي نسبت لقيادة التجمع والحركة الإسلامية لكن تجاهل هذه المقولات الشبيهة عندما كان مصدرها أحزاب أخرى لم يكن "هفوة" أو خطأ غير مقصود, إنما هو يؤكد بأن الحركات الملاحقة والمستهدفة حددت بشكل واضح وعيني منذ تلك الفترة.
لماذا التجمع والحركة الإسلامية بالذات؟ بروفسور يوأب بيلد يجيب على هذا السؤال خلال شهادته أمام لجنة أور. فهو يقول بأنه يستشف من الاسئلة التي وجهت له من قبل اللجنة بأن مؤسسات الدولة حددت منذ البداية الدور المسموح به للقيادة السياسية العربية, وهو بالأساس دور المحافظ على سلامة الجمهور. لكن هذا المفهوم للقيادة ولدورها هو مفهوم خاطئ, خاصة عندما يدور الحديث عن قيادات سياسية لأقليات مضطهدة. دور القيادة الحقيقي هو العمل على حماية وتحصيل حقوق ومصالح الأقلية التي تمثلها, وأن تعبر عن ضاتقتها وطموحاتها وتطلعتها المستقبلية ونقدها لسياسات الدولة المجحفة بصورة لا تؤدي الى صدام, حيثما أمكن. وبما أن قيادة التجمع الوطني الديموقراطي رفضت قبول الدور المشوه الذي تتوخاه منها الدولة العبرية ومؤسساتها, بل هي أصرت على لعب دورها التاريخي والطبيعي بالدفاع عن قضية شعبها العادلة وجدت نفسها ملاحقة ومستهدفة من قبل أجهزة الأمن.
المواجهة مع التجمع الوطني الديموقراطي كانت أسرع من المواجهة مع الحركة الإسلامية لسبب بسيط وهو أن نقطة التقاء الاولى كانت اسهل وهي قضية خوض إنتخابات الكنيست. شعار "دولة كل مواطنيها" كان صفعة في وجه المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية ليس لأن إطلاق هذا الشعار كان المناسبة الاولى التي يعبر من خلالها الفلسطنيون في الداخل عن مناهضتهم للصهيونية, بل لان هذا الشعار لم يكن شعارا رومانسيا له أبعاد تاريخية فحسب بل هو شعار يعكس قيم هي في صلب مفهوم الديمقراطية اللبرالية الحديثة وأهمها مبدأ المواطنة المتساوية. دولة اليهود لا تستطيع ان تكون دولة كل مواطنيها وبالتالي هي تتناقض مع اهم ركائز الديموقراطية. شعار دولة كل مواطنيها فضح زيف وهشاشة ما يسمى بالديموقراطية الأسرائيلية. والتوقيت الذي طرح به هذا الشعار كان ملائم أيضا. إذ أن نشوب حروب ونزاعات قومية وإثنية في دول شرقي أوروبا بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي حول تعريف الدولة وعلاقتها بالقوميات المختلفة داخلها وحول حقوق الاقليات فتح ملف الديموقراطية اللبرالية وملف المواطنة الديموقراطية من جديد. حتى في الغرب, في كندا على سبيل المثال, بسبب التركيبة السكانية وشعور الكنديين من اصل فرنسي بأنهم مهمشين ومواطنتهم منقوصة نتيجة لهيمنة الثقافة الانجلو-سكسونية تمحور النقاش في سؤال المواطنة حول إشكالية مفهوم "حيادية الدولة" ومؤسساتها الثقافية ورموزها إتجاه المجموعات السكانية المختلفة وما هي الخطوات التي يجب إتباعها لكسر هيمنة الاغلبية وضمان المواطنة المتساوية للجميع.
الحالة الإسرائيلية طبعا مختلفة تماما لان الدولة لا تدعي الحياد أصلا فهي لا تدعي على سبيل المثال أنها دولة كل الإسرائيليين وفي المقابل نحن ندعي بأن الثقافة الإسرائيلية تعكس هيمنة الأغلبية اليهودية. طرح خطاب دولة كل مواطنيها ومقارنته مع نضالات الاقليات في العالم لضمان حقها في المواطنة المتساوية فضح بصورة حادة عنصرية هذه الدولة. النقاشات حول يهودية الدولة والتي كانت نوع من انواع المحظورات لم تعد كذلك على الاقل في الأكاديمية الإسرائيلية.
هذا واقع جديد لم تتعود عليه المؤسسة الصهيونية وهي سعت لمحاربته بكل وسيلة. كانت هنالك اكثر من محاولة لشطب التجمع من خوض الإنتخابات لكن المحاولة الاخيرة عام 2003 كانت الأخطر وهي تختلف بشكل جدري عن محاولة شطب باقي الاحزاب العربية.
في المحاولات السابقة كانت المبادرة لشطب التجمع الوطني الديموقراطي هي من أحزاب اليمين أسوة بباقي الاحزاب العربية لكن في المحاولة الاخيرة لشطب التجمع المبادرة كانت للمستشار القضائي للحكومة والقاضي في المحكمة العليا اليوم الياكيم روبنشطاين وكانت هذه المحاولة مستندة التي تقارير مخابراتية للشاباك. محاولة الشطب الأخيرة كانت تستند الى إدعائين الإدعاء الأول هو أن طرح التجمع يلغي أو مناهض ليهودية الدولة اما الإدعاء الثاني مفاده بأن التجمع يدعم كفاح مسلح لتنظيم إرهابي ضد دولة إسرائيل (وهذا البند حول منع القائمة التي تدعم كفاح مسلح ضد إسرائيل تم إدخله بعد محاكة د. بشارة الجنائية حول خطابة في قرداحة وام الفحم).
تدخل الشاباك والمستشار القضائي للحكومةشخصيا لمحاولة شطب التجمع هو دليل على مأزق المؤسسة الصهيونية الأخلاقي وتخوفها من تبعات طرح شعار دولة كل مواطنيها المستقبلية, داخليا ودوليا. وبما ان محاولات شطب التجمع بائت بالفشل لان شطب حزب يطالب بأن تصبح الدولة دولة كل مواطنيها هو أمر لا يمكن تسويقه في العالم, كانت محاولات لشطب التجمع بناءا على التعديل الأخير متهمة إياه بدعم عمليات مسلحة ضد إسرائيل, لكن محاولتها هذه فشلت ايضا لانها كانت واهية ولا أساس لها.
وعندما فشلت المراهنات على شطب التجمع بدأت الملاحقة الشخصية لعزمي بشارة لانه كان ولا زال يشكل رمزا للحركة الوطنية الديموقراطية في الداخل فحاولت تجريم خطاباته السياسية وملاحقته جنائيا. لكن هذه المحاولة فشلت أيضا لان تجريم عضو في البرلمان بسبب خطابات سياسية هو أمر منافي بحد ذاته لروح الديموقراطية وبالتالي كان من الصعب على جها القضاء تبريره أو تسويقة كخطوة لا تتنافى مع الديموقراطية.
المرحلة الثالثة كانت تلفيق ملف أمني محكم ضد عزمي بشارة بعد حرب تموز بهدف إقصائه نهائيا من العمل السياسي. وتلت هذه المرحلة سلسلة من القوانين العنصرية التي تستهدف الحد من الحريات السياسية لقيادات التيار الوطني كمحاولة تمرير قانون لمنع كل من زار دولة "عدو" من الترشيح للإنتخابات أو محاولة تعديل القانون المواطنة بهدف سحب مواطنة كل من تتهمه إسرائيل "بخرق الولاء للدولة".
أما السلسلة الأخيرة من الملاحقات فهي تستهدف بالأساس النشطاء في الحركة الوطنية بهدف تخويفهم من المشاركة في الحياة السياسية من خلال اللجوء الى وسائل تتبع في الأنظمة الظلامية كتمرير رسالة واضحة لنشطاء التجمع بأنهم مراقبون من قبل أجهزة الأمن على مدار الساعة.
الجواب على هذه السلسة من الملاحقات هو التشبث بقوة أكبر بالثوابت الوطنية وبتوعية الجمهور وخاصة الشباب حول حقوقهم السياسية وتحشيد الرأي العام ضد هذه المحاولات البائسة بتخويف الناس. هنالك إجماع بأن القضاء الإسرائيلي قد فقد مصداقيته الى حد كبير فيما يتعلق بالدفاع عن حقوقنا المدنية والسياسية وهنالك محاولات أو حديث عن تدويل قضيتنا في الداخل. إذا كان المقصود بتدويل القضية التوجه للامم المتحدة ومؤسساتها فالتاريخ يثبت وللأسف مدى محدودية هذه الخطوة وعدم نجاعتها. أما إذا كان المقصود بهذه الخطوة التواصل مع اطر شعبية أخرى في العالم بهدف دعم قضيتنا كنقابات عمالية وإتحادات برلمانية وغيره من الاطر فهذه خطوة مهمة. في المقابل لا يجوز التعامل مع هذه الخطوة كمخرج أسهل أو كبديل عن دور القيادة الوطنية في الداخل بتصعيد النضال الشعبي لمواجهة مخططات الدولة القمعية. فتجربتنا وتجربة كل شعوب العالم ثتبت بأن النضال الشعبي والجماهيري الديموقراطي (كالتظاهر وإقامة لجان شعبية وغيرها من الفعاليات الإحتجاجية) هو الضمان الوحيد لإنجاز المكاسب. فالحلول والمكاسب لا تأتي مستوردة من الخارج أو من خلال التركيز على نضالات نخبوية.
الفصل كحلّ إسرائيلي شامل- حسن جبارين
لقراءة الكلمة من ملف pdf كما وردت في الملحق أنقر هنا
يمكن أن نشير اليوم، وفي نظرة تفحصية إلى الوراء، إلى تحوّل بارز وواضح حدث مع العنصرية الإسرائيلية، يتمثل في أنّ إسرائيل مارست عنصريتها سابقًا، وحتى بضع سنين خلت، من دون قوانين رسمية ومباشرة، وكان هذا أحد الفروقات التي باينت بين إسرائيل وبين نظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، الذي كان مكشوفا بقوننته المباشرة.
وإذا نظرنا اليوم إلى الضفة الغربية المحتلة، فسنرى أنّ الحديث يدور عن أبرتهايد بكل المعايير، مع أنه، ومن الناحية الرسمية، لا توجد قوانين أبرتهايد في إسرائيل، ونحن نعتقد أنّ إسرائيل أكثر ذكاءً من أن تسنّ قوانين أبرتهايد تقوم على الفصل العنصري الجليّ.
وما نلمسه اليوم في هذا السياق هو أننا دخلنا في مرحلة جديدة، تبدي إسرائيل فيها استعدادًا لتبني قوانين عنصرية مباشرة، وفي مقدمتها، كما رأينا، قانون منع لمّ الشمل بين الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر. ويمكن لقضايا د. عزمي بشارة وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، منذ العام 1995، وهذه التغييرات الرسمية المُقَوْننة، أن تعطينا فكرة عن التغييرات التي حصلت في الساحة الإسرائيلية، بحيث يجدر بنا البحث عن الأسباب، ومحاولة استشراف الإستراتيجيات.
الملف الأول كان في عام 1995، عندما تم تقديم طلبات لمُسجّل الأحزاب لمنع تسجيل "التجمع" كحزب سياسي، لكن مُسجّل الأحزاب أقرّ تسجيل الحزب. وفي العام 1999 قدّم اليمين طلبًا آخر في أعقاب مقابلة مع بشارة في صحيفة "هآرتس" العبرية الإسرائيلية، التي تحدث فيها عن أنّ مكونات الشعب اليهودي جاءت بعد قيام دولة إسرائيل، لكنّ المستشار القانوني روبنشتاين عارض طلب الشطب. وفي عام 2001 قدّم روبنشتاين بنفسه لائحتي اتهام بمساعدة جهاز الأمن العام، "الشاباك"، واعترف حينها بأنّ "الشاباك" كان أساس ادعائه في هذه اللوائح. وفي 2003 قدّم المستشار القانوني و"الشاباك" طلبًا آخر لمنع "التجمع" وبشارة من الترشح للكنيست، وهذا الطلب رفضته المحكمة العليا الإسرائيلية بأغلبية سبعة قضاة ضد أربعة.
واتهمت اللجنة القيادات العربية المذكورة بشرعنة اللجوء للعنف كوسيلة لتحقيق المكاسب السياسية من خلال الإستناد الى تقارير الشاباك المبنية على أساليب ملتوية ومرفوضة كفصل مقولات عينية للقيادات العربية عن سياقها الأوسع أو الإستناد الى معلومات مغلوطة وغير دقيقة وغيرها من السبل. وفي الحقيقية إذا دققنا بشكل عميق وقرأنا تصريحات أعضاء الكنيست العرب جميهم بدون إستثناء بتلك الحقبة كنا سنجد مقولات تشبه المقولات التي نسبت لقيادة التجمع والحركة الإسلامية لكن تجاهل هذه المقولات الشبيهة عندما كان مصدرها أحزاب أخرى لم يكن "هفوة" أو خطأ غير مقصود, إنما هو يؤكد بأن الحركات الملاحقة والمستهدفة حددت بشكل واضح وعيني منذ تلك الفترة.
لماذا التجمع والحركة الإسلامية بالذات؟ بروفسور يوأب بيلد يجيب على هذا السؤال خلال شهادته أمام لجنة أور. فهو يقول بأنه يستشف من الاسئلة التي وجهت له من قبل اللجنة بأن مؤسسات الدولة حددت منذ البداية الدور المسموح به للقيادة السياسية العربية, وهو بالأساس دور المحافظ على سلامة الجمهور. لكن هذا المفهوم للقيادة ولدورها هو مفهوم خاطئ, خاصة عندما يدور الحديث عن قيادات سياسية لأقليات مضطهدة. دور القيادة الحقيقي هو العمل على حماية وتحصيل حقوق ومصالح الأقلية التي تمثلها, وأن تعبر عن ضاتقتها وطموحاتها وتطلعتها المستقبلية ونقدها لسياسات الدولة المجحفة بصورة لا تؤدي الى صدام, حيثما أمكن. وبما أن قيادة التجمع الوطني الديموقراطي رفضت قبول الدور المشوه الذي تتوخاه منها الدولة العبرية ومؤسساتها, بل هي أصرت على لعب دورها التاريخي والطبيعي بالدفاع عن قضية شعبها العادلة وجدت نفسها ملاحقة ومستهدفة من قبل أجهزة الأمن.
المواجهة مع التجمع الوطني الديموقراطي كانت أسرع من المواجهة مع الحركة الإسلامية لسبب بسيط وهو أن نقطة التقاء الاولى كانت اسهل وهي قضية خوض إنتخابات الكنيست. شعار "دولة كل مواطنيها" كان صفعة في وجه المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية ليس لأن إطلاق هذا الشعار كان المناسبة الاولى التي يعبر من خلالها الفلسطنيون في الداخل عن مناهضتهم للصهيونية, بل لان هذا الشعار لم يكن شعارا رومانسيا له أبعاد تاريخية فحسب بل هو شعار يعكس قيم هي في صلب مفهوم الديمقراطية اللبرالية الحديثة وأهمها مبدأ المواطنة المتساوية. دولة اليهود لا تستطيع ان تكون دولة كل مواطنيها وبالتالي هي تتناقض مع اهم ركائز الديموقراطية. شعار دولة كل مواطنيها فضح زيف وهشاشة ما يسمى بالديموقراطية الأسرائيلية. والتوقيت الذي طرح به هذا الشعار كان ملائم أيضا. إذ أن نشوب حروب ونزاعات قومية وإثنية في دول شرقي أوروبا بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي حول تعريف الدولة وعلاقتها بالقوميات المختلفة داخلها وحول حقوق الاقليات فتح ملف الديموقراطية اللبرالية وملف المواطنة الديموقراطية من جديد. حتى في الغرب, في كندا على سبيل المثال, بسبب التركيبة السكانية وشعور الكنديين من اصل فرنسي بأنهم مهمشين ومواطنتهم منقوصة نتيجة لهيمنة الثقافة الانجلو-سكسونية تمحور النقاش في سؤال المواطنة حول إشكالية مفهوم "حيادية الدولة" ومؤسساتها الثقافية ورموزها إتجاه المجموعات السكانية المختلفة وما هي الخطوات التي يجب إتباعها لكسر هيمنة الاغلبية وضمان المواطنة المتساوية للجميع.
الحالة الإسرائيلية طبعا مختلفة تماما لان الدولة لا تدعي الحياد أصلا فهي لا تدعي على سبيل المثال أنها دولة كل الإسرائيليين وفي المقابل نحن ندعي بأن الثقافة الإسرائيلية تعكس هيمنة الأغلبية اليهودية. طرح خطاب دولة كل مواطنيها ومقارنته مع نضالات الاقليات في العالم لضمان حقها في المواطنة المتساوية فضح بصورة حادة عنصرية هذه الدولة. النقاشات حول يهودية الدولة والتي كانت نوع من انواع المحظورات لم تعد كذلك على الاقل في الأكاديمية الإسرائيلية.
هذا واقع جديد لم تتعود عليه المؤسسة الصهيونية وهي سعت لمحاربته بكل وسيلة. كانت هنالك اكثر من محاولة لشطب التجمع من خوض الإنتخابات لكن المحاولة الاخيرة عام 2003 كانت الأخطر وهي تختلف بشكل جدري عن محاولة شطب باقي الاحزاب العربية.
في المحاولات السابقة كانت المبادرة لشطب التجمع الوطني الديموقراطي هي من أحزاب اليمين أسوة بباقي الاحزاب العربية لكن في المحاولة الاخيرة لشطب التجمع المبادرة كانت للمستشار القضائي للحكومة والقاضي في المحكمة العليا اليوم الياكيم روبنشطاين وكانت هذه المحاولة مستندة التي تقارير مخابراتية للشاباك. محاولة الشطب الأخيرة كانت تستند الى إدعائين الإدعاء الأول هو أن طرح التجمع يلغي أو مناهض ليهودية الدولة اما الإدعاء الثاني مفاده بأن التجمع يدعم كفاح مسلح لتنظيم إرهابي ضد دولة إسرائيل (وهذا البند حول منع القائمة التي تدعم كفاح مسلح ضد إسرائيل تم إدخله بعد محاكة د. بشارة الجنائية حول خطابة في قرداحة وام الفحم).
تدخل الشاباك والمستشار القضائي للحكومةشخصيا لمحاولة شطب التجمع هو دليل على مأزق المؤسسة الصهيونية الأخلاقي وتخوفها من تبعات طرح شعار دولة كل مواطنيها المستقبلية, داخليا ودوليا. وبما ان محاولات شطب التجمع بائت بالفشل لان شطب حزب يطالب بأن تصبح الدولة دولة كل مواطنيها هو أمر لا يمكن تسويقه في العالم, كانت محاولات لشطب التجمع بناءا على التعديل الأخير متهمة إياه بدعم عمليات مسلحة ضد إسرائيل, لكن محاولتها هذه فشلت ايضا لانها كانت واهية ولا أساس لها.
وعندما فشلت المراهنات على شطب التجمع بدأت الملاحقة الشخصية لعزمي بشارة لانه كان ولا زال يشكل رمزا للحركة الوطنية الديموقراطية في الداخل فحاولت تجريم خطاباته السياسية وملاحقته جنائيا. لكن هذه المحاولة فشلت أيضا لان تجريم عضو في البرلمان بسبب خطابات سياسية هو أمر منافي بحد ذاته لروح الديموقراطية وبالتالي كان من الصعب على جها القضاء تبريره أو تسويقة كخطوة لا تتنافى مع الديموقراطية.
المرحلة الثالثة كانت تلفيق ملف أمني محكم ضد عزمي بشارة بعد حرب تموز بهدف إقصائه نهائيا من العمل السياسي. وتلت هذه المرحلة سلسلة من القوانين العنصرية التي تستهدف الحد من الحريات السياسية لقيادات التيار الوطني كمحاولة تمرير قانون لمنع كل من زار دولة "عدو" من الترشيح للإنتخابات أو محاولة تعديل القانون المواطنة بهدف سحب مواطنة كل من تتهمه إسرائيل "بخرق الولاء للدولة".
أما السلسلة الأخيرة من الملاحقات فهي تستهدف بالأساس النشطاء في الحركة الوطنية بهدف تخويفهم من المشاركة في الحياة السياسية من خلال اللجوء الى وسائل تتبع في الأنظمة الظلامية كتمرير رسالة واضحة لنشطاء التجمع بأنهم مراقبون من قبل أجهزة الأمن على مدار الساعة.
الجواب على هذه السلسة من الملاحقات هو التشبث بقوة أكبر بالثوابت الوطنية وبتوعية الجمهور وخاصة الشباب حول حقوقهم السياسية وتحشيد الرأي العام ضد هذه المحاولات البائسة بتخويف الناس. هنالك إجماع بأن القضاء الإسرائيلي قد فقد مصداقيته الى حد كبير فيما يتعلق بالدفاع عن حقوقنا المدنية والسياسية وهنالك محاولات أو حديث عن تدويل قضيتنا في الداخل. إذا كان المقصود بتدويل القضية التوجه للامم المتحدة ومؤسساتها فالتاريخ يثبت وللأسف مدى محدودية هذه الخطوة وعدم نجاعتها. أما إذا كان المقصود بهذه الخطوة التواصل مع اطر شعبية أخرى في العالم بهدف دعم قضيتنا كنقابات عمالية وإتحادات برلمانية وغيره من الاطر فهذه خطوة مهمة. في المقابل لا يجوز التعامل مع هذه الخطوة كمخرج أسهل أو كبديل عن دور القيادة الوطنية في الداخل بتصعيد النضال الشعبي لمواجهة مخططات الدولة القمعية. فتجربتنا وتجربة كل شعوب العالم ثتبت بأن النضال الشعبي والجماهيري الديموقراطي (كالتظاهر وإقامة لجان شعبية وغيرها من الفعاليات الإحتجاجية) هو الضمان الوحيد لإنجاز المكاسب. فالحلول والمكاسب لا تأتي مستوردة من الخارج أو من خلال التركيز على نضالات نخبوية.
الفصل كحلّ إسرائيلي شامل- حسن جبارين
لقراءة الكلمة من ملف pdf كما وردت في الملحق أنقر هنا
يمكن أن نشير اليوم، وفي نظرة تفحصية إلى الوراء، إلى تحوّل بارز وواضح حدث مع العنصرية الإسرائيلية، يتمثل في أنّ إسرائيل مارست عنصريتها سابقًا، وحتى بضع سنين خلت، من دون قوانين رسمية ومباشرة، وكان هذا أحد الفروقات التي باينت بين إسرائيل وبين نظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، الذي كان مكشوفا بقوننته المباشرة.
وإذا نظرنا اليوم إلى الضفة الغربية المحتلة، فسنرى أنّ الحديث يدور عن أبرتهايد بكل المعايير، مع أنه، ومن الناحية الرسمية، لا توجد قوانين أبرتهايد في إسرائيل، ونحن نعتقد أنّ إسرائيل أكثر ذكاءً من أن تسنّ قوانين أبرتهايد تقوم على الفصل العنصري الجليّ.
وما نلمسه اليوم في هذا السياق هو أننا دخلنا في مرحلة جديدة، تبدي إسرائيل فيها استعدادًا لتبني قوانين عنصرية مباشرة، وفي مقدمتها، كما رأينا، قانون منع لمّ الشمل بين الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر. ويمكن لقضايا د. عزمي بشارة وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، منذ العام 1995، وهذه التغييرات الرسمية المُقَوْننة، أن تعطينا فكرة عن التغييرات التي حصلت في الساحة الإسرائيلية، بحيث يجدر بنا البحث عن الأسباب، ومحاولة استشراف الإستراتيجيات.
الملف الأول كان في عام 1995، عندما تم تقديم طلبات لمُسجّل الأحزاب لمنع تسجيل "التجمع" كحزب سياسي، لكن مُسجّل الأحزاب أقرّ تسجيل الحزب. وفي العام 1999 قدّم اليمين طلبًا آخر في أعقاب مقابلة مع بشارة في صحيفة "هآرتس" العبرية الإسرائيلية، التي تحدث فيها عن أنّ مكونات الشعب اليهودي جاءت بعد قيام دولة إسرائيل، لكنّ المستشار القانوني روبنشتاين عارض طلب الشطب. وفي عام 2001 قدّم روبنشتاين بنفسه لائحتي اتهام بمساعدة جهاز الأمن العام، "الشاباك"، واعترف حينها بأنّ "الشاباك" كان أساس ادعائه في هذه اللوائح. وفي 2003 قدّم المستشار القانوني و"الشاباك" طلبًا آخر لمنع "التجمع" وبشارة من الترشح للكنيست، وهذا الطلب رفضته المحكمة العليا الإسرائيلية بأغلبية سبعة قضاة ضد أربعة.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007