ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:26 pm

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    أجرى الحوار : أ. وليد محمّد علي

    تحرير : أ. منصور إبراهيم

    في هذه الظّروف الحسّاسة التي تمرّ فيها قضيّتنا الفلسطينية، وللوقوف على آخر تطوّرات المشهد الفلسطينيّ والإقليمي، أجرت مجلّة (دراسات باحث) مجموعة من اللّقاءات السياسية-الفكرية مع أبرز قيادات العمل الوطنيّ الفلسطيني. فكانت حواراتٌ مع الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والدكتور رمضان عبدالله شلّح ، أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والأستاذ عباس زكي، ممثّل منظّمة التحرير الفلسطينية في لبنان. واليوم، نلتقي الدكتور ماهر الطّاهر، مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الخارج.

    س: كيف ترون نتائج العدوان الصهيوني على غزة؟ وهل أثّرت هذه الحرب الوحشيّة على المشروع الوطني الفلسطيني بشكلٍ عام؟

    ـ إن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أواخر العام الماضي ومطلع العام الحالي، يؤكّد، وبشكلٍ صارخ، أننا أمام عدوٍ لا يريد السّلام. والرّأي الذي كنّا نجاهر به منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، بأن الهدف الصهيوني هو ترويض المشروع الوطنيّ الفلسطيني، وليس إيجاد حلٍ سياسي، قد تأكّد بالوقائع خلال الخمسة عشر عاماً الماضية؛ وأيضاً عندما حصل العدوان الغاشم على غزة، بالقتل والتدمير واقتراف الجرائم التي لا نظير لها. ما وضعنا -من وجهة نظري- أمام سؤالٍ استراتيجي: هل هناك إمكانيّة لحلولٍ سياسيةٍ مع هذا الكيان الصهيوني، أم لا؟ وجوابنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعن قناعةٍ راسخة، بأننا لسنا أمام أيّ أفقٍ لأيّة عملية سلام، وأنه لا يمكن التعايش مع هذا الكيان، ومع دوره أو وظيفته العدوانيّة في المنطقة. نحن أمام مشروعٍ استعماريٍ له أهدافٌ كبرى في فلسطين، وفي عموم المنطقة، ولا يمكن بناء سلامٍ معه، على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

    عندما حصل العدوان على غزة، كان من الواضح أن الهدف الرئيس له هو سحق المقاومة الفلسطينية، وتجريد شعبنا من أيّ وسائل قوّة. وبالتّالي، محاولة فرض الاستسلام عليه؛ أي بمعنىً آخر: نحن أمام مشروعٍ يريد فرض استسلامٍ كاملٍ على الشعب الفلسطيني، وجعل «إسرائيل» القوّة الإقليميّة الكبرى، المسيطِرة اقتصادياً وعسكرياً في عموم المنطقة. لذلك، المطروح اليوم على القيادات الفلسطينية أوّلاً، وعلى القيادات العربية ثانياً، الإجابة على سؤالٍ كبير: هل هناك أفقٌ واقعي لعملية السلام؟

    و جوابنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: لا يوجد أيّ أفقٍ لعملية سلام. ولذا، علينا أن نقوم بعملية مراجعةٍ موضوعية، صادقة ونزيهة، لكلّ المسار السياسي الذي انطلق منذ توقيع اتفاقات أوسلو وحتى الآن، لكي نصل إلى استراتيجيةٍ شاملةٍ للمواجهة، تقوم على قاعدة توحيد الصفّ الفلسطيني، وعلى أساس رؤيةٍ سياسية، لأن خيار الحلّ السياسي قد فشل؛ وبالتالي، فتح المجال أمام خياراتٍ أخرى، من وجهة نظرنا، تتجسّد أساساً بالحفاظ على المقاومة وتطوير هذه المقاومة، لأن «إسرائيل» لن تنسحب لا من الأراضي الفلسطينية، ولا من الأراضي العربية، ما لم تصل إلى قناعةٍ بأن استمرار احتلالها مكلِفٌ اقتصاديا،ً ومكلِفٌ بشرياً. وبدون ذلك، لن تكون هناك أيّة حلول، لأن الترجمة الفعلية للممارسات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية خلال الأعوام الطويلة الماضية، تفيد بأنها كانت تعيق، وتعرقل، وتمنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة. ونحن اليوم أمام واقعٍ جديد: الضفة الغربية مقطّعة الأوصال، جدارٌ عازل، واستيطانٌ يتمدّد، ما يطرح علينا السؤال البديهي: أين ستقوم الدولة الفلسطينية؟ إن كلّ من يطّلع على الخرائط، على زحف الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، سيصل إلى استنتاجٍ بأنه لم تعد توجد مقوّماتٌ لقيام دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة. وأكثر من ذلك، هناك سؤالٌ كبيرٌ حول مشروع الحلّ المرحلي، الذي طرِح إثر حرب أكتوبر 1973. وهنا أتذكّر دراسة منذ عام 1974، لكاتبٍ فلسطينيٍ تحدثّ عن الحلّ المرحلي والسلطة الوطنية، حيث شهدت الساحة الفلسطينية في ذلك الوقت انقساماً. وكنّا، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نرى، حينها، أن مسألة الحلّ المرحلي غير واقعيّة، فرفضناها، وشكّلنا جبهة الرفض. ومن ثمّ انقسم الوضع الفلسطيني بشكلٍ خطير.

    وكذلك انقسمت الساحة العربية. وقد اقترح كاتب المقال علينا (في حينه) أن نعمل في اتجاه خوض غمار الحلّ المرحلي. وبرأيه، كان الفلسطينيون والعرب سيصلون بعد عشرين عاماً، أو خمسة وعشرين عاماً، إلى استنتاجٍ بأن «إسرائيل» لن تقبل حتّى بالحلّ المرحلي. وبالتّالي، هم سوف يتوحّدون من جديدٍ في مواجهة المشروع الصهيوني! وهنا نتساءل: هل هناك واقعيّة في طرح هذا الحلّ؟ وهل هناك إمكانيّة لترجمته عبر عملية مفاوضات؟ برأيي، لقد جاء الجواب الحاسم في هذه المرحلة: لسنا أمام أيّ احتمالٍ واقعيٍ عبر المفاوضات لانتزاع الحدّ الأدنى من حقوقنا الوطنية. صحيحٌ أنه يمكن لنا أن نصل إلى استعادة الأراضي المغتصبة عام 1967، وإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّةٍ وعاصمتها القدس. لكن هذه مهمّةٌ كفاحيّةٌ لن تُنجز فقط عبر المفاوضات؛ فهي تحتاج إلى تعديلٍ في موازين القوى، واللّجوء إلى كلّ وسائل الكفاح، وعلى رأسها المقاومة. لذلك، أعتقد أن العدوان الصهيوني على غزة كانت له بالفعل انعكاساتٌ وتداعياتٌ على الوضع الفلسطيني. ومن أهمّ هذه التداعيات:

    1- نحن لسنا أمام أفقٍ واضحٍ لحلٍ سياسي، عادلٍ ونهائيٍ لقضيّتنا!

    2 - من خلال صمود شعبنا، اتّضح أن لخيار المقاومة وهزيمة المشروع الصهيوني وخططه التوسّعية العدوانيّة إمكانيّة نجاحٍ واقعيّة؛ وهذا ما أكّدته تجربة المقاومة في غزة، كما تجربة المقاومة اللبنانية، عندما صمدت (مع الشعب) لمدّة (33) يوماً (في العام 2006). وقد صمدت غزة مؤخّراً لمدّة (22) يوماً. إذاً، نحن لدينا فرصة واقعيّة لتحقيق إنجازاتٍ ملموسةٍ وكبيرة، من خلال خيار الصمود والمقاومة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:27 pm

    : انطلاقاً من هذا التحليل، نحن اليوم أمام تحدٍ جديد: هناك فشلٌ لمسارٍ سياسي طويل جرّبناه لسنوات. ولدينا تجربة المقاومة التي منعت -على الأقلّ- العدوّ الصهيوني من أن يحقّق كامل أهدافه. ولكن للأسف، لا نستطيع إكمال هذا الإنجاز، والبناء عليه، بسبب حالة الانقسام الفلسطيني. والجبهة الشعبية، التي لها تاريخها الكفاحي، ولديها تجربتها وحضورها، تدرك هذا كلّه. ونحن الآن أمام واقعين: قطاع غزة محاصر، وفي الضفة الغربية، سلطةٌ فلسطينيةٌ أضعف من أن تواجه مشاريع العدو في تحويل الضفة إلى كنتونات ؛ أي سلطةٌ عاجزةٌ عن فعل شيئ. والدّليل في ما حصل أثناء محرقة غزة، حيث كان دور الضفة الغربية – كما نعرف– محدوداً! ما هو تصوّر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لإنهاء حالة الانقسام هذه، بهدف كسر الحصار من جهة، ولتجاوز حالة الضعف التي تعيشها سلطة رام الله من جهةٍ أخرى، رغم الدّعم الدولي والعربي الكبير لها، ولو أنه دعمٌ مقنّن، ( أوّل بأوّل )، بحيث تُدفع المخصّصات، وحتى أحياناً الرّواتب، عبر القروض!
    ـ مشكلتنا في الساحة الفلسطينية، وفي الساحة العربية، أننا أمام رؤىً متناقضة فيما يتعلّق بالرّؤية السياسية، أو المشروع السياسي، أو الاستراتيجية السياسية. نحن أمام منهجٍ سياسي ـ وهذا برأيي تبلور بشكلٍ واضحٍ بعد حرب أكتوبر 1973 ـ بدأ يطرح المفاوضات والحلول السياسية مع «إسرائيل»، مقابل إسقاط خيار المقاومة نهائياً، عندما أعلن أنور السادات: إن حرب أكتوبر هي آخر الحروب! وبالتالي، وجِد نهجٌ في الساحة الفلسطينية، وفي الساحة العربية، يرى ضرورة إسقاط خيار المقاومة واللّجوء فقط إلى الحلول السياسية. وهذا المسار جُرّب على مدى فترةٍ زمنيةٍ طويلة، تجاوزت ثلاثين عاماً. وماذا كانت الحصيلة؟! إذا استثنينا عملية "الانسحاب" الإسرائيلي من سيناء، والتي كان ثمنها إخراج مصر من دائرة الصراع العربي-الصهيوني، و"اصطياد الحوت الكبير"، المتمثّل بمصر، كدولةٍ عربيةٍ كبرى في المنطقة.
    صحيح أن «إسرائيل» دفعت ثمناً بالانسحاب، لكنّها أخرجت مصر من دائرة الصراع في المنطقة، وكبّلتها بمجموعةٍ من الاتفاقات السياسية والاقتصادية. وإذا استثنينا عملية الانسحاب من سيناء، فإن أراضي الجولان السوري ما زالت محتلّة؛ الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية ما زالت محتلّة؛ وفي لبنان، الصهاينة لم ينسحبوا إلاّ تحت ضربات المقاومة. وبالتّالي، مشكلتنا الرئيسية في الساحتين الفلسطينية والعربية، أننا أمام انقسامٍ عميقٍ في الرّؤى، منذ ثلاثة عقود ونيّف.
    هناك نهجٌ ثبت فشله، وهو المتمثّل بالرّهان على حلولٍ سياسيةٍ عبر الرّعاية الأمريكية. وهناك نهجٌ مناقض يرى ضرورة تعديل موازين القوى واستمرار المقاومة. وهذا النهج اختبِر على الأرض وفي الميدان، وقد برهن أنه الأكثر نجاعة ، والأكثر واقعيّة في السّعي تحقيق أهدافه. وأتصوّر أنه بعد ثلاثة عقود، «إسرائيل» تعيش اليوم مأزقاً استراتيجياً، لأنها لم تعد قادرة على تحقيق المزيد من التوسّع. لقد جرّبت "حظّها" في لبنان، وجرّبته في غزة، حيث اتّضح أكثر فأكثر حجم مأزق المشروع الصهيوني في المنطقة. و«إسرائيل» الآن لا تستطيع أن تلبّي متطلّبات السلام وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. وهي أصبحت عاجزة عن تحقيق أهدافها وفرض إرادتها على محيطها.
    إذاً، نحن أمام فشلٍ استراتيجيٍ للمشروع الصهيوني. فـ«إسرائيل» غير قادرةٍ على تلبية متطلّبات السلام؛ وقناعتي أنها لا تريد سلاماً حقيقياً، لأنها ترى (قادتها ومفكّروها) أن هذا السلام سينعكس سلباً على المشروع الصهيوني، و سيؤدّي إلى انتهائه عملياً. لكن أيّ سلامٍ هو هذا؟! السلام الحقيقي هو السلام الذي يقوم على قاعدة الإقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية، واستعادة الأراضي العربية المحتلّة. و«إسرائيل » لا تستطيع السّير في هذا الطريق. لقد قرأتُ بعض الدراسات لمفكّرين إسرائيليين، يعتبرون فيها أنّ خيار الدولة الفلسطينية المستقلّة يمثّل خطراً استراتيجياً على مستقبل الكيان الصهيوني! والصهاينة في وضعٍ لا يستطيعون فيه متابعة مسار السلام؛ وكذلك هو وضعهم فيما يخصّ الخيار العسكري، حيث اتضح أن قوّة «إسرائيل» لها حدود، وهي ليست مطلقة. فـ"إسرائيل" هزِمت فعلاً في لبنان؛ وفي غزة، حصل صمودٌ أسطوري، حمل نوعاً من الهزيمة للمشروع الإسرائيلي. وفي عملية تقييمٍ ذاتية، فإن الرّهان على حلولٍ سياسيةٍ قد فشل فشلاً ذريعاً ؛ وبالتّالي، المطلوب من أصحاب هذا الرّهان إعادة النّظر فيه ملياً! وأعتقد أننا أمام فرصةٍ كبيرة، كفلسطينيّين وكعرب، كي نبلور إستراتيجية جديدة، تقوم على أن إمكانيّة هزيمة هذا الكيان هي إمكانيّة واقعيّة، نستطيع أن ننطلق منها، عندما تتوفّر مجموعة من العوامل والشّروط، التي تمكّننا من تحقيق الانتصار الكامل.
    س : لكن، هذا التطوّر الموضوعيّ في الصراع، الذي أدّى إلى المأزق الذي يعيشه العدوّ الصهيوني، لم يُستثمر من جانبنا، ونحن غير قادرين على التأثير فيه، بفعل الانقسام الوطني. لذا، كيف ترون المخرج من حالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية؟ لأنه ـ وبصراحة ـ هذه الساحة، وهي مقسّمة ومشرذمة ، لن تستفيد من هذا التطوّر؛ والكيان الصهيوني، إذا ما بقينا على ما نحن عليه، قادرٌ على تجديد مشروعه، فيستفيد من ثغراتنا، ويعود لينقضّ مجدّداً على الوضع الفلسطيني؟
    ـ هذا سؤالٌ مهم. لاحظ أوّلاً أنه حتى بالنسبة إلى الفريق السياسي في الساحة الفلسطينية، الذي اختار الرّهان على المسار السياسي وفق الرّؤية الأمريكية، وتوهّم إمكانيّة الوصول إلى حلول، قد تمّ إضعافه إلى الحدّ الأقصى من قبل «إسرائيل». فلو أخذنا، على سبيل المثال، تجربة الرئيس (الراحل) ياسر عرفات، الذي قدّم تنازلاتٍ كبرى وجوهرية، عندما اعترف بحقّ «إسرائيل» في الوجود، وب القرار(242)، ونبْذ ما يسمّى بالعنف والإرهاب، وألغى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية عملياً بحضور الرئيس الأمريكي كلينتون؛ فرغم هذه التنازلات، التي قال عنها شمعون بيريز بأنها تنازلاتٍ لم تكن تحلم بها الحركة الصهيونية، فإن الرئيس عرفات لم يُعطَ شيئاً مهمّاً من قبل أمريكا أو «إسرائيل»، ووصل إلى قناعةٍ في كامب ديفيد، خلال المفاوضات التي جرت بحضور كلينتون وباراك، في أيلول من العام 2000، بأن المطلوب من السلطة أن تتحوّل إلى أداةٍ لخدمة الاحتلال، وليس لإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة، أو شبه مستقلّة؛ وأن المطلوب منه أن يتحوّل إلى موظفٍ لدى الاحتلال. لذلك، توقّف عرفات في كامب ديفيد ، ولم يعد قادراً على تقديم المزيد من التنازلات، وقال لهم: لا، لأنه أدرك جيّداً أنه أمام حلٍ لا يتضمّن حقّ العودة للاّجئين الفلسطينيين، وهذا خطٌ أحمر بالنسبة إلى "إسرائيل"؛ ولا يتضمّن إنسحاباً من القدس؛ أو إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ ذات سيادةٍ واستقلال! ورغم كلّ ذلك، هم كانوا يريدون نصّاً صريحاً وواضحاً يقول بانتهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ توقّف أبو عمار عند هذا الحدّ، ليحاصَر لاحقاً في "المقاطعة"، ومن ثمّ جرى اغتياله بالسمّ.
    ولنأخذ حالياً تجربة الرئيس أبو مازن. فرغم كلّ "المرونة" التي أبداها، وما أعلنه بأنه ليس مع خيار المقاومة، و أنه يرفض هذا الخيار، مع ممارسته أقصى درجات المرونة، فإن «إسرائيل» شنّت عدوانها الغادر على قطاع غزة، ودمّرت كلّ شيء ، وسحقت أبو مازن سحقاً. وبالتّالي، الصهاينة لا يريدون معتدلين ولا متشدّدين، بل هدفهم تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، وإيجاد أداةٍ داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، تمكّن الاحتلال من تأبيد احتلاله، إنما بوسائل أخرى! هذا التناقض في الرّؤى السياسية ولّد انقساماً عميقاً في الساحة الفلسطينية. وبرأيي، إن جذر الانقسام الفلسطيني هو الموضوع السياسي، قبل أيّ شيءٍ آخر. وهذا الانقسام موجودٌ قبل أن تتأسّس حركة حماس؛ أي أن هناك انقساماً قديماً حول كيفيّة إدارة الصراع مع العدوّ. وعندما تحوّل التيّار الإسلامي إلى قوّةٍ رئيسةٍ في الساحة الفلسطينية، وفازت (حماس) في انتخابات المجلس التشريعي في الداخل، أصبحنا أمام فصائل متصارعةٍ، ودخلنا في دائرة انقسامٍ أكثر عمقاً، خصوصاً عندما حصل بين هذه الفصائل تكافؤٌ في موازين القوى، فدخل الانقسام مرحلة جديدة.
    نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كنّا ولا زلنا نقول، بأنه رغم الصراع السياسي الحاد، إلاّ أننا ما نزال في مرحلة تحرّرٍ وطني، ونحن نواجه عدواً يريد إضعاف الجميع، وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني. إن الخلافات السياسية، مهما بلغ مداها، تعالج بالحوار، وبعدم اللّجوء إلى السلاح، الذي يخدم المشروع الصهيوني، لأنه يتسبّب في عملية تدميرٍ ذاتيٍ للواقع الفلسطيني. لذلك، نحن خطّأنا اللّجوء إلى الحسم العسكري، وقلنا بأنه رغم التناقض السياسي، يجب أن نحتكم للجماهير، وأن نعبّئ الشعب، وأن نحاصر الاتجاه السياسي الذي أوقع ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية، والذي وقّع اتفاقات أوسلو.
    واليوم، تكرّس الانقسام ـ مع الأسف ـ وازداد عمقاً، ونشأت حكومة في رام الله، وحكومة في غزة؛ أي أننا أصبحنا أمام سلطتين، في ظلّ الاحتلال. وبرأيي، لا يستحق الأمر كلّ الدّماء التي سالت، وكلّ هذا الصراع الذي حصل، لأننا جميعاً لا زلنا نخضع للاحتلال. وحتى غزة لا زالت تخضع للاحتلال. ويبقى السؤال الكبير: كيف نعالج الانقسام الفلسطيني في ظلّ هذا التناقض السياسي الحادّ؟ البعض يقول: من الصّعب حصول ذلك، في ظلّ اتجاهٍ سياسيٍ يجاهر بإسقاط خيار المقاومة، واعتماد المفاوضات كخيارٍ وحيدٍ لانتزاع حقوقنا! وهناك اتجاهٌ آخر يقول: إن المقاومة هي الطريق الأفضل. فهل يمكن التوفيق بين هذين الاتجاهين؟ نحن في الجبهة الشعبية، جوابنا على هذا السؤال هو بالرّجوع إلى التجربة في الساحة الفلسطينية. وقد أشرتُ آنفاً إلى تجربة ياسر عرفات، الذي قدّم تنازلاتٍ كبرى؛ لكنّه في النهاية قال: لا! لأنه أدرك أن المطلوب هو إيجاد سلطةٍ فلسطينيةٍ تشكّل أداة بيد الاحتلال. فهل هناك قوى فلسطينية تقبل أن تشكّل أداة بيد الاحتلال؟!! وبرأيي، إن مجموع القوى في الساحة الفلسطينية: حركة فتح، حماس، الجبهة الشعبية، الجهاد، وكلّ القوى الأخرى، تستطيع أن تحاصر الاتجاه السياسي داخل السلطة، الذي يريد الاستمرار في هذا المسار، رغم ما أفرزته التجربة السياسية من خيبات. وحتى الآن، هناك إصرارٌ على مواصلة السّير بذات الاتجاه، رغم اتضاح الحقائق على الأرض! نحن أمام عدوٍ لا يريد أيّ سلام؛ فيما تشكّلت مجموعةٌ من المصالح لدى اتجاهٍ سياسيٍ فلسطينيٍ معروف، وهو يريد الحفاظ على هذه المصالح، ولا يريد إعادة النظر في خياراته السياسية الفاشلة.
    ولكن، كيف نتعامل مع هذا الاتجاه التسووي؟ هل نتعامل معه بالقوّة، أم من خلال عزله جماهيرياً؟ برأيي، لو أننا خضنا "المعركة" بطريقةٍ سليمة، ووحّدنا جهود كلّ الفصائل، بما في ذلك حركة فتح -وهناك قوى داخلها ترفض السّير بهذا الاتجاه- لتمكّنا، بعد توحيد صفوف هذه القوى، من محاصرة وعزل هذا الفريق، سياسياً وجماهيرياً. وبتقديري، نحن قادرون على عزله دون اللّجوء إلى الحسم العسكري؛ لأنّنا أمام عدوٍ لا يريد أن يقدّم لأحدٍ شيئاً. وعلى سبيل المثال، الانتخابات الأخيرة التي حصلت في «إسرائيل»، والتي جاءت بالقوى الأكثر عنصرية، والأكثر تطرّفاً، اللّيكود وليبرمان؛ واليوم، نتنياهو يتحدّث عن سلامٍ اقتصادي! وهو يقول بكلّ وضوح: إن حقّ العودة والقدس والاستقلال الوطني قضايا غير قابلةٍ للبحث، والمطلوب تحسين المستوى الاقتصادي للفلسطينيين فقط! إذاً، هي محاولة لإفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها الوطني، وتحويلها إلى مسألةٍ إنسانية (مساعدات وإغاثة). وهذا طرحٌ مذلٌ لا يمكن أن يقبل به الشعب الفلسطيني وقواه السياسية الحيّة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:28 pm

    س:أوافقك الرأي أنه توجد داخل "فتح" قطاعات واسعة وشخصيات مهمّة ترفض السّير بهذا الطريق ـ النهج السياسي ـ لكن السلطة في رام الله لم تعد بيد "فتح"، بل بيد أشخاص لم يكن لهم أيّ علاقةٍ بالمشروع النضالي. مثلاً، لدينا ياسر عبد ربه، صاحب وثيقة جنيف؛ سلام فيّاض، وله موقفه المعروف! إذاً، وكأنّه يُراد صياغة سلطة مطواعة في الضفة الغربية، مهمّتها الأساسية أن تحّصل رواتب موظّفيها. يقال أن لدينا مدراء عامّين في الضفة أكثر ممّا هو موجود في الصين؛ وهؤلاء يحتاجون رواتب! وكأنّ كلّ أهدافنا الوطنية اختصِرت بتحقيق حاجات ولوازم هذه السلطة، التي أصبحت عاجزة عن تحقيق شيء. كيف نواجه هذه الحالة؟ خاصّة أن الدعم الرسمي الدولي والعربي لازال قوياً لهذه السلطة، التي تمكّنت بفعل التنسيق الأمنيّ مع الأميركيين من شلّ حركة أهل الضفة الغربية خلال الحرب على غزة، ولم تعد هي فقط المشلولة! كيف الخروج من هذا المأزق المستفحِل ؟
    ج : من أشدّ المخاطر التي ترتّبت على اتفاقات أوسلو، محاولة إيجاد بنىً ومؤسساتٍ على الأرض، تمكّن العدوّ الصهيوني وأمريكا من فرض واقعٍ جديدٍ على الشعب الفلسطيني. وبالتّالي، نحن أمام مشروعٍ تتمّ ترجمته ميدانياً، عبر خلق مؤسساتٍ اقتصاديةٍ واجتماعية، تؤمّن مصالح فئاتٍ معيّنةٍ في إطار السلطة الفلسطينية، من أجل أن تتمسّك بهذا المشروع، وتتوغّل نحو المزيد من التفريط بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وأنا أوافقك الرأي -وقد سمعتُ ذلك من قياداتٍ داخل حركة فتح- حول أن السلطة في الضفة الغربية لم تعد بيد "فتح"، وأن هناك قوىً أخرى تنشأ على الأرض. ونحن أمام خطرٍ حقيقيٍ في ما يتعلّق بهذا الأمر. كيف يمكننا مواجهة هذا المخطّط؟ أنا أعرف أن الجنرال الأمريكي "دايتون" يجري اتصالات، فيما تتمّ عمليّات تدريبٍ لمجموعاتٍ داخل الضفة الغربية، بهدف ضرب المقاومة، عبر التنسيق الأمنيّ الذي يتمّ بين بعض الأجهزة التابعة للسلطة و«إسرائيل» ودايتون . نعم، هناك مخططٌ للقضاء على المقاومة، ولجعل الناس بدون رواتب أو مساعدات من الدول المانحة، حيث سيواجهون أوضاعاً إقتصادية ومعيشيّة غير مسبوقة. وبالتّالي، الخطر الأساسي الذي نجم عن اتفاقات أوسلو أنه خلق هذه البنى الاجتماعية، مع مجموعةٍ من المصالح المرتبطة بها، من أجل تقويض المشروع الوطني الفلسطيني. وهذا المخطّط واضحٌ بالنسبة إلينا؛ ومواجهته تتمّ من خلال وحدةٍ فلسطينيةٍ حقيقية، تنهي حالة الانقسام؛ لأننا -بصراحة- أمام خطرين داهمين: خطر نهج الانحراف السياسي، والبُنى التي يشكّلها على الأرض لضرب المشروع الوطني؛ وخطر الانقسام. وكلا الخطرين يغذّيان بعضهما البعض. لذلك، من الضّروري أن نخرج جميعاً من هذا المأزق، الذي دخلنا فيه بفعل اتفاقات أوسلو. اليوم، هناك سلطةٌ على الأرض في غزة، وسلطةٌ أخرى في الضفة، وهناك أوضاعٌ مكشوفة. وهذا يطرح سؤالاً كبيراً حول المستقبل الاستراتيجي للمقاومة في ظلّ هذا الواقع الفلسطيني المتردّي. إتفاق أوسلو أصبح مصيدة للفلسطينيّين، لا نعرف كيفيّة الخروج منها.
    وهنا تطرح سيناريوهاتٌ متعدّدة: سيناريو يقول بحلّ السلطة، لأن هذه السلطة، وما خلّفته من التزامات، قد كبّلت الشعب الفلسطيني. والمخرج بأن يتمّ حلّها، وأن نعيد الاعتبار للصراع الأساس، ولكوننا حركة تحرّرٍ وطنيٍ في مواجهة الاحتلال. وحالياً، لدينا صورة مختلفة شوّهت القضية الفلسطينية، في وجود سلطتين تتصارعان. وهناك موضوع التهدئة؛ وكأننا أمام جيوش متحاربة أو دول! وبالتّالي، يحقّ لنا التساؤل: هل نحن سلطة؟ أم حركة تحرّر وطني؟ ما هي ماهيّتنا اليوم كفلسطينيّين، أو كثورةٍ فلسطينية، وكحركة تحرّرٍ فلسطينية؟
    ومقابل سيناريو حلّ السلطة، نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نقدّم التصوّر التّالي:
    - إنهاء حالة الانقسام.
    - إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، التي شلّت مؤسّساتها لصالح مؤسّسات السلطة.
    - بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية.
    - الاستمرار في خيار المقاومة والممانعة.
    إن هذا التصوّر ممكن التحقيق، لأن هناك قوىً مؤثّرة داخل حركة فتح، في الداخل والخارج، على استعداد للسّير بهذا الاتجاه. والآن تجر حواراتٌ فلسطينية-فلسطينية، من أجل بلورة هذه المسائل. لقد لمستُ في حوارات القاهرة –وكانت فتح ممثّلة بوفدٍ كبير- داخل الحركة إستعداداً لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة وإعادة بناء منظمة التحرير. وأيضاً، لمسنا لدى إخوتنا في حركة حماس، جدّيّة من أجل إنهاء حالة الانقسام.
    ومن خلال الحوارات التي أجرِيت، تمّ الاتفاق، على سبيل المثال –وقد صيغ هذا الكتاب- على اختيار مجلسٍ وطنيٍ جديد، بالانتخاب حيث أمكن ذلك، وبالتوافق الوطني حيث يتعذّر الانتخاب، ووفق مبدأ التمثيل النسبيّ الكامل. هذه النقطة تمّ إقرارها من قبل كلّ الأطراف، وهذا تطوّرٌ مهمٌ جداً، فيما يتعلّق بمسألة منظمة التحرير الفلسطينية، ومشاركة كافّة القوى الوطنية والإسلامية في أطرها، لأن حركة حماس، قبل سنوات، لم يكن لديها تصوّرٌ واضحٌ حول مستقبل المنظمة؛ في حين كان هناك إضعاف لمنظمة التحرير لصالح السلطة.
    الآن، وعلى ضوء ما أفرزته التجربة على الأرض، توجد اتجاهاتٌ فاعلةٌ باتت ترى أنه لا بدّ من إعادة توحيد الصفّ الفلسطيني. والعنوان الأساس، بالنسبة إلينا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هو منظمة التحرير، لأنها الإطار الجامع والموحّد للشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده.
    وهناك مخطّطٌ جديٌ يُرسم من قِبل أمريكا و"إسرائيل"، وربّما مع بعض الدول العربية، يستهدف إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية. وهناك أيضاً أطرافٌ فلسطينيةٌ متورطةٌ في هذا المخطّط. لذلك، نحن اليوم أمام فرصةٍ جدّيّةٍ لاستعادة الوحدة الوطنية، ولإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. وقد اتفقنا (في مصر) على تنظيم العلاقة بين المنظمة والسلطة، بالشّكل الذي تكون فيه المنظمة هي المرجعيّة العليا للسلطة؛ مع إنهاء أيّ تداخلٍ في المهام والمسؤوليات بين السلطة وبين المنظمة؛ لأنه خلال الخمسة عشر عاماً الماضية جرى إضعاف مؤسسات المنظمة لصالح السلطة، وأصبح "وزير الخارجية" في السلطة هو الذي يحضر اجتماعات القمّة العربية وليس رئيس الدائرة السياسية، الأخ فاروق القدّومي؛ وهذا يشكّل خطراً حقيقياً على منظمة التحرير.
    هناك إمكانيةٌ إذن لإنهاء الانقسام، واستعادة المنظمة. ومن وجهة نظرنا، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يجب إعادة بناء منظمة التحرير، وإجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ نتّفق على موعدها. وهذه أيضاً كانت نقطةٌ مهمّةٌ في الحوارات التي حصلت في القاهرة، على أن تُجرى انتخاباتٌ رئاسيةٌ في موعدٍ أقصاه 25/1/2010.
    وكذلك اتّفقنا على أن الهيئة التي اتّفِق على تشكيلها في حوارات القاهرة في آذار 2005، والتي تتكوّن من الأمناء العامّين وأعضاء اللّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومن شخصياتٍ وطنيةٍ مستقلّة، ستُدعى للاجتماع فور الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة.
    إذاً، نحن إزاء عمليّةٍ جدّيةٍ يمكن أن ينتج عنها اتفاقٌ فلسطينيٌ شامل، لإنهاء النزاع وإعادة بناء الوحدة الوطنية. لكن، ما زالت هناك قضايا خلافيّة أساسية حتى هذه اللّحظة. وهنا أعود للموضوع السياسي لأقول: إن جذر القضايا في الساحة الفلسطينية سياسي، حيث يوجد إصرارٌ بأن يكون برنامج الحكومة على أساس الالتزام بالاتفاقات الموقّعة بين منظمة التحرير و"إسرائيل". وهذا الأمر، بالنسبة إلينا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مرفوضٌ رفضاً قاطعاً، لأنه لا يمكن بعد مضيّ ستة عشر عاماً على اتفاق أوسلو، وبعد سقوط هذا الخيار، أن يقولوا لقادة الفصائل: "تفضّلوا والتزموا بهذه الاتفاقات إلتزاماً كاملاً"، بعد أن مُنيتْ بفشلٍ ذريع. بل المطلوب من القوى التي راهنت على "أوسلو" أن تعيد النظر في حساباتها. لكن، مازال الإصرار الشديد من قِبل أطرافٍ داخل السلطة في رام الله، بأن يتضمّن برنامج الحكومة الجديدة إلتزاماً كاملاً بالاتفاقات الموقّعة، كي تتمكّن هذه الحكومة من إعادة الإعمار ورفع الحصار، وحتى يتعامل معها المجتمع الدولي!
    ونحن، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، طرحنا فكرة تقول: إن الشأن السياسي أمرٌ لا يتعلّق بالحكومة. فهذه الحكومة هي لسلطة حكمٍ إداريٍ ذاتيٍ محدودٍ في الضفة الغربية وغزّة، وفق اتفاقات أوسلو. والشأن السياسي يعود إلى منظمة التحرير الفلسطينية؛ وبالتّالي، هذه الحكومة ليست بحاجة إلى برنامجٍ سياسي, لأن لديها مهاماً محدّدة تتعلّق بإعادة الإعمار، والقيام بمهام إداريةٍ في مناطق السلطة، والإعداد للانتخابات. وهذه نقطة خلافٍ رئيسة، وهي العقدة الأهم.
    الإخوة في حماس وافقوا على الإعلان عن احترام الاتفاقات. وهذا أمر تمّ التوافق عليه في اتفاق مكة. لكنّنا، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قلنا: لا التزام ولا احترام، وليس من داعٍ لوضع برنامجٍ سياسي. هذه نقطة الاختلاف الأساسية التي لم نتمكّن من التوصّل إلى اتفاقٍ حولها. وبالتّالي، لم نتمكّن من توقيع الاتفاق. وهناك نقاطٌ خلافيّةٌ أخرى، من ضمنها تحديد الفترة من الآن وحتى تشكيل وانتخاب المجلس الوطني الجديد، الذي توافقنا عليه، وقضية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وانتخاب لجنةٍ تنفيذيةٍ جديدة، وكيفيّة إدارة الشأن الفلسطيني في المرحلة الانتقالية. كلّ هذه المسائل كانت موضع خلافٍ جدّي. الإخوة في "فتح" يريدون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي الانضمام إلى منظمة التحرير؛ أي بمعنى أن يصبح لهما أعضاء في اللّجنة التنفيذية الحالية. لكن حماس والجهاد رفضتا ذلك. ونحن في الجبهة الشعبية قدّمنا اقتراح تشكيل قيادةٍ وطنيةٍ موحّدةٍ ومؤقّتة، أي إيجاد إطارٍ قياديٍ فلسطينيٍ مؤقّت، تحدّد مهامه بدقّة، حتى نصل إلى الانتخابات. هذه النقطة لم تُحسم، ولم نتوصّل إلى اتفاقٍ حولها.
    النقطة الثالثة التي بقيت موضع خلاف هي مسألة إجراء انتخابات المجلس التشريعي، ووفق أيّ مبدأ سوف تُجرى. فهناك رغبة لدى كلّ الفصائل الفلسطينية بأن يُعتمد مبدأ التمثيل النسبيّ الكامل، لكلٍ من انتخابات المجلس الوطني في الخارج والمجلس التشريعي في الداخل. الإخوة في حركة حماس وافقوا على مسألة التمثيل النسبي الكامل، في انتخابات المجلس الوطني في الخارج؛ لكنّهم لم يوافقوا عليها بالنسبة لانتخابات المجلس التشريعي، وقالوا بمبدأ المناصفة بين التمثيل النسبيّ والقوائم. وهذه نقطةٌ مازالت معلّقة. لكن، بالنتيجة، ما تمّ الاتفاق عليه –كما ذكرت- وثّق كتابة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:30 pm

    س: بعد فشل العدوان على غزّة، هناك محاولاتٌ جديدةٌ لترميم الوضع الفلسطيني، مقابل تشديد الضغط على الناس وابتزازهم عبر الحصار وتجميد عملية الإعمار. وكأنّ المُراد هو إستكمال ما فشل العدوان في تحقيقه. كيف يمكن أن نواجه ذلك؟ ما هو المخرج من مأزق استمرار الحصار ومأزق إعادة الإعمار؟
    صحيح؛ هناك محاولاتٌ سياسيةٌ جدّيةٌ تريد أن تستثمر معاناة الشعب الفلسطيني، بسبب التدمير الذي حصل في غزة، والحصار المفروض على سكّان القطاع. هناك قوىً تريد الابتزاز السياسي، عبر الحصول على تنازلاتٍ مقابل إنهاء معاناة الناس في قطاع غزة بشكلٍ خاص. ولذلك، أعلنت أن الدول الأوروبية والدول المانحة، أنها ليست على استعدادٍ لأن تقدّم المساعدات ما لم تضمن عدم تدمير ما سيعاد بناؤه! وقد التقيتُ مع وفدٍ أوروبيٍ في دمشق، قال لي أعضاؤه: نحن قدّمنا مساعداتٍ أكثر من مرّة إلى الشعب الفلسطيني، ولكن تمّ تدميرها. فكيف سنقدّم أموالاً جديدة، ما لم نضمن أن تحصل تهدئة دائمة؟! وما لم نضمن أنه لن تُطلَق صواريخ؟ أي ما لم نضمن أن لا يتمّ تدمير ما سنبنيه مرّة أخرى؟
    هناك قضايا مترابطة؛ ما لم يُطرح علناً علينا، كفلسطينيين، وكفصائل، أنه مقابل فكّ الحصار وإعادة الإعمار، يجب أن يكون هناك إقرارٌ بما تريده اللّجنة الرباعية من الاعتراف بـ"إسرائيل"، والالتزام بالاتفاقيّات التي وقّعتها منظمة التحرير؛ وحينها، يمكن إعادة الإعمار وفتح المعابر. لكن، نحن نقول بصراحة: إذا كان ثمن إعادة الإعمار وفتح المعابر هو الاستسلام السياسي، فالفصائل لن تقبل بهذا الثّمن.
    لا يمكن لنا تحت أيّ ظرفٍ من الظروف أن نخضع، ونقدّم تنازلاتٍ سياسية كبرى. صحيحٌ أن هناك معاناة قاسية يعيشها شعبنا في غزّة؛ وصحيحٌ أن هناك حصاراً ظالماً. لكن، إذا كان الثّمن هو التخلّي عن حقوقنا، أو التنازل عنها، فجوابنا: لا. ويجب البحث عن سُبلٍ أخرى لفكّ الحصار وإعادة الإعمار، دون أن نقدّم لأحدٍ التنازلات السياسية التي يريدها.
    س: ظهرت مؤخّراً دعوة، فسّرها كلٌ باتجاهه، حول تشكيل جبهةٍ وطنيةٍ فلسطينية. فالبعض خشي أن تكون هذه الجبهة بديلاً عن منظمة التحرير. هذا الطّرح تحبّذه القوى التي ترفض الخضوع، إنّما في سياق المنظمة، ومن أجل إعادتها إلى موقعها الطبيعي، لأن هدم إنجاز المنظمة لا يجادل فيه إلاّ الأحمق؛ لكن إبقاءها على حالها الرّاهن واستمرار اختطافها –وأنت قلت إن من يمثّل الفلسطينيين في القمّة العربية هو وزير خارجيّة السلطة وليس رئيس الدائرة السياسية في المنظّمة- بغضّ النظر عن ملاحظاتنا على المنظمة التي يجب إعادة بنائها. كيف ترى هذه الدعوة (من قبل حماس)؟ وكيف يمكن للفصائل الرافضة لامتطاء السلطة للمنظمة أن تصيغ تحالفاً معيّناً، فيما لو تأمّن الدّعم اللاّزم لهذه الصيغة؟
    نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نرى أن منظمة التحرير هي الإطار الذي يجب المحافظة عليه، مع ضرورة إجراء إصلاحٍ جذريٍ في المنظمة، لأنها الآن شبه مشلولة، والمجلس الوطني لم يُعقد منذ أعوامٍ طويلة، ومؤسّسات المنظمة لا تعمل، والميثاق جرى العبث به وإلغاؤه! وبالتّالي، نحن أمام واقعٍ مريرٍ لمنظمة التحرير، لا نُحسَد عليه، ولا يسرّ صديقاً. لكن، في المقابل، هناك خشية من قِبلنا من وجود مخطّط أمريكي-إسرائيلي مدعومٍ من أطراف عربية! يستهدف تفتيت وإنهاء المنظمة، وعلينا ألاّ نقلّل من حجمه وتأثيره؛ لذلك، فإن الحفاظ على المنظمة مسألة في غاية الأهمية، لأن الهدف من شطبها هو تحويل الفلسطينيين إلى مجموعاتٍ سكّانية، فيصبح لدينا تجمّعاتٍ متشتّتة في الدول العربية لا يجمعها جامع. لذا، نحن نركّز على أهمّية تفعيل منظمة التحرير، حيث تُجرى حوارات فلسطينية-فلسطينية جدّية لإعادة بنائها.
    كما يجب حشد كلّ الجهود لإنجاح هذه الحوارات، وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة الاعتبار للمنظمة. إذا نجحنا في هذا الأمر، نكون قد حقّقنا إنجازاً كبيراً؛ وإمكانيّة النجاح متوفّرة وقائمة، رغم المصاعب المحيطة، والتناقضات السياسية الراهنة. فلنركّز جهودنا بهذا الاتجاه. وأما فيما يتعلّق بالصيغ المرتبطة بالمقاومة، والاتجاهات الأكثر تقارباً مع بعضها، فإن الجبهة الشعبية، خلال مسيرتها الكفاحية، جرّبت كلّ هذه الصيغ. فبعد طرح مسألة التسوية والحلول السياسية، بادرنا إلى تشكيل جبهة الرفض في مرحلةٍ من المراحل. لكن، كان واضحاً أن هذه الصيغة ليست بديلاً عن منظمة التحرير. ثمّ شكّلنا إطاراً لمنع الانحراف بعد اتفاقيّات أوسلو؛ فتأسّست جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني.
    وهناك صيغٌ أخرى شهدتها الساحة الفلسطينية، وكلّها كانت على قاعدة أنها في إطار منظمة التحرير، وليست خارجة عنها. وقد جرّبنا الصيغة الأخيرة، التي لعبت دوراً في تعبئة الجماهير ضدّ مسار التسوية، وضدّ نهج الانحراف.
    الآن، طالما هناك حوارات داخلية، فلنركّز على إنجاحها؛ لأنه –وبصراحة- هناك من يطرح: إذا كنتم تريدون بناء المنظمة، وإنهاء الانقسام، فما حاجتنا لخيارات أخرى؟! وهناك من لديه شكوك بوجود نوايا لإنشاء مرجعيّاتٍ بديلةٍ عن المنظمة. ولتبديد الشكوك، يجب تركيز جهدنا لإنجاح هذه الحوارات، وإعادة بناء المنظمة، وإشراك القوى الإسلامية ضمن إطارها، كقوىً رئيسةٍ فاعلة؛ وبالتّالي، نجمع كلّ طاقات الشعب الفلسطيني تحت قيادة مرجعيّة منظمة التحرير الفلسطينية
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:31 pm

    س: شهد العدوان الصهيوني على غزّة مفارقة من الجدير الوقوف عندها. فقد ظهر أن القضية الفلسطينية استعادت الزخم الشعبيّ حولها، رغم كلّ محاولات الإحباط، والإيحاء للشعوب العربية والإسلامية بأنها غير معنيّة، وأنّ كلّ واحدٍ معنيّ بقضيته! لكننا شاهدنا خروج مظاهرات مليونية في أكثر من مكان. في المقابل، لاحظنا أنه في دول عربية، أو ما يسمّى محور الاعتدال، كان الموقف الرسمي فيها معادياً للمقاومة. ألا ترى أننا بحاجةٍ إلى إعادة تقييم مفهوم العمق الاستراتيجي للمقاومة؟ فالشعوب في وادٍ، والأنظمة الرسمية في وادٍ آخر. كيف يمكن الإفادة من هذا الالتفاف الشعبي، للقول بأن خيار المقاومة هو خيار مقبول شعبياً، وأن على الأنظمة ، حتى تكون مقبولة من شعوبها، تبنّي هذا الخيار؟
    الحرب على غزّة قدّمت لنا دروساً أو معاني عديدة، من أهمّها، التأكيد بأن المحاولات التي جرت على مدى سنين مضت، لعزل القضية الفلسطينية عن بُعدها الوطني، وبُعدها العربي والإسلامي، قد باءت بالفشل الذّريع. فمن الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها قيادة منظمة التحرير، أنها ركّزت على شعار "يا وحدنا"، و"القرار الفلسطينيّ المستقل"، وعلى إضعاف البعد العربيّ والبعد الإسلاميّ والبعد الدوليّ للقضية الفلسطينية. صحيحٌ أن إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية مسألةٌ حيويةٌ، وكذلك مواجهة سياسة الطّمس التي تمارسها "إسرائيل"، باعتبار أن الشعب الفلسطيني هو النقيض للمشروع الصهيوني؛ لكن هذا شيء، ومحاولات ضرب أو إضعاف البُعد القوميّ والبُعد الإسلاميّ والبُعد الأمميّ للقضية الفلسطينية شيءٌ آخر.
    نحن في الجبهة الشعبية، ندعو إلى إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني. ولكن في الوقت ذاته، ندعو إلى ترابطٍ جدليٍ وثيقٍ بين بُعدها الفلسطينيّ وبُعدها العربي، كما بُعدها الإسلاميّ وبُعدها الأمميّ (الإنساني) الدولي. قضية فلسطين قضية كبيرة. وقد بذِلت محاولاتٌ أمريكية-إسرائيلية محمومة لتصفيتها. وإلاّ ما الذي يفسّر أن "إسرائيل" كانت ترفض وجود وفدٍ عربيٍ موحّدٍ للمفاوضات؟ لأنها تريد أن تكون مرجعيّة ما يسمّى عملية السلام أمريكية، ولكلّ مسارٍ من المسارات على حِدة، بهدف عزل القضية الفلسطينية عن أبعادها العربية والإسلامية والعالمية. وقد مورست جهودٌ كبيرةٌ خلال سنواتٍ مديدة لضرب هذه الأبعاد، بهدف إنهاء القضية الفلسطينية، والاستفراد بالطّرف الفلسطيني.
    لكن، رغم ذلك، حصل العدوان الإسرائيلي على غزّة، فعادت القضية الفلسطينية، التي تسعى الدوائر الإمبريالية والصهيونية لتصفيتها، وكأنّها ولِدت للتوّ، واستعادت وهجها الكبير. وهذا ما لمسناه أثناء العدوان على غزة، بخروج الملايين من الناس إلى الشوارع في العواصم العربية والإسلامية، وفي المدن العالمية؛ وهذا يدلّل على مدى عمق وأهمّية هذه القضية، في وجدان الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي. وبالتّالي، علينا -كفلسطينيين وكقياداتٍ فلسطينية- أن نثمّر هذه الأبعاد لصالح قضية فلسطين، خاصّة أننا أمام عدوٍ يمتلك اختلالاً كبيراً في موازين القوى المادّية لصالحه.
    نحن بحاجة إلى كلّ العوامل التي تمكّننا من استعادة موازين القوى لمصلحتنا، سواء عبر المقاومة العسكرية، أو بكلّ أشكال النضال، بما فيها العمل السياسي والدبلوماسي، والإعلامي والجماهيري. علينا أن نعيد الاعتبار، كثورةٍ فلسطينية، للعلاقات مع الجماهير العربية، وليس فقط مع الأنظمة؛ فالفصائل الفلسطينية، خلال الأربعين عاماً الماضية، غلّبت روابطها مع الأنظمة العربية على حساب العلاقة مع الجماهير وقواها الشعبية. نحن بحاجةٍ إلى وضع استراتيجية عمل، حتى توثّق علاقتنا مع الحركة الشعبية، العربية-الإسلامية- العالمية، لنجعل من هذه الحركة الشعبية فعلاً منظّماً، لا ينطلق فقط عندما يحصل التدمير والعدوان!
    يجب أن نسعى لإيجاد علاقةٍ فلسطينيةٍ جديدة مع الأطر الشعبية العربية والدولية، تمكّننا من استثمار هذه الطاقات بشكلٍ فعليٍ ومتواصل، لصالح القضية الفلسطينية. وهذا مشروعٌ كبير.
    وبالمناسبة، كانت الحركة الشعبية التي حصلت خلال العدوان الصهيوني على غزّة، أكبر من الحركة الشعبية التي انطلقت خلال العدوان الصهيوني على لبنان في تموز عام 2006. وأيضاً أكبر من تلك التي حصلت أثناء الحرب الأمريكية على العراق. فما هو السبب؟ لأن قضية فلسطين واضحة كلّ الوضوح بعدالتها؛ وهي بالتّالي ليست موضع خلاف. فأثناء الحرب على العراق، كان هناك خلاف حولها حتى بين القوى الشعبية العربية. أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فهناك وحدة في إطار الحركة الشعبية، على أساس أن هذه القضية عادلة، وأن هناك شعباً يتعرّض للظلم، ويتعرّض للعدوان؛ ولا بدّ من التضامن معه.
    الآن، المطلوب منّا، كفلسطينيين، أن نستثمر هذه الحركة الشعبية لتحويلها إلى فعلٍ منظّمٍ له صفة الديمومة. وهذه –بتصوّري- إحدى المهام الكبيرة الملقاة على عاتقنا، كقوىً وفصائل فاعلةٍ في الساحة الفلسطينية.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:32 pm

    س: نحن على أبواب الذّكرى الحادية والستّين على نشوء القضية الفلسطينية. بعد مرور كلّ هذه السنين، وصل المشروع الصهيوني إلى مأزق؛ كيف توصّفون هذا المأزق؟ وأيضاً، المشروع الوطني الفلسطيني يمرّ في مرحلةٍ حرجة! كيف تقرؤون هذا المشهد؟ الكيان الصهيوني بعد واحدٍ وستّين عاماً على زرعه في المنطقة؛ والمشروع الفلسطيني بعد واحدٍ وستّين سنة على النّكبة!
    لقد دخل المشروع الصهيوني، بعد واحد وستّين عاماً على احتلاله لأرض فلسطين، مأزقاً وجودياً عميقاً:
    - أوّلاً: إن قدرة هذا المشروع على استقدام المزيد من المستوطنين الصهاينة إلى فلسطين باتت محدودة للغاية. أي أن أحلام الحركة الصهيونية في أن يستقرّ عشرة ملايين "يهودي" على أرض فلسطين قد باءت بالفشل.
    - ثانياً: إن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه في مناطق الـ 48، ووصول عدد أهلنا هناك إلى نسبةٍ تقارب 20% (مليون وثلاثمئة ألف إنسان، تشبّثوا بالأرض، وثبتوا عليها أيضاً)، أدّى إلى ما سمّي القنبلة الديموغرافية الفلسطينية، التي لها معنىً تاريخياً. وهذا ما يفسّر طرح الحركة الصهيونية أو "إسرائيل" لمسألة وجودية "الدولة"، بسبب الخشية العميقة على المستقبل الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
    - ثالثاً: لقد ولّى عهد الحروب الخاطفة ونقل المعارك إلى خارج الحدود، وتحقيق إنجازاتٍ عسكريةٍ بسرعةٍ قياسية، وهي النظرية العسكرية التي قام عليها الكيان الصهيوني منذ تأسيسه. هذه النظرية فشلت، خاصّة في عدوان تموز 2006، والعدوان على غزة؛ اتّضح للجميع أن قدرات هذا الكيان محدودةٌ وليست مطلقة. وبالتّالي، هناك مأزقٌ وجوديٌ حقيقي يعيشه المشروع الصهيوني.
    في المقابل، حقّق المشروع الوطني الفلسطيني إنجازاتٍ نوعيّة، وثبت على الأرض، سواء في المناطق المحتلّة سنة 1948، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن هذا المشروع يعيش أيضاً مأزقاً كبيراً. فهناك نزاعٌ أو خلافٌ يتعلّق بقضية أو خيار المقاومة، وخاصّة داخل فلسطين. وهناك انهيارٌ في البُعد الرسميّ العربيّ للقضية الفلسطينية، المرتبطة أشدّ الارتباط بالوضع العربي العام. فهي تتقدّم بتقدّمه، وتتراجع بتراجعه! واليوم، هذه الأوضاع العربية المزرية، تنعكس سلباً على القضية الفلسطينية، خاصة أننا أصبحنا أمام واقعٍ عربيٍ جديد!
    في السابق، كان هناك توافقٌ على أن "إسرائيل" هي العدوّ، وهي التي تعتدي علينا دوماً؛ لكن، اليوم هناك واقعٌ عربيٌ مختلف، بعض أطرافه تحمّل المقاومة مسؤولية كلّ ما يجري؛ وهذا تحوّلٌ نوعيٌ خطير.
    عندما حصل عدوان تموز 2006 على لبنان، حمّلت أنظمةٌ عربيةٌ حزب الله مسؤولية الحرب! وعندما حصل العدوان على غزة، أيضاً هناك أنظمةٌ عربيةٌ حمّلت حماس المسؤولية. وهذا تحوّلٌ في غاية الخطورة. إذا كان الشعب الفلسطيني خاضعاً للاحتلال، فمن حقّه أن يقاوم هذا الاحتلال. كيف يمكن أن يحمّل أحدٌ المقاومة المسؤولية، إذا كان الشعب اللبناني قد تعرّض للعدوان ولاحتلال أرضه، واستطاع أن يطرد هذا الاحتلال عام 2000؛ ثم تعرّض لعدوانٍ غادرٍ ومبيّتٍ عام 2006، وكانت مسألة "خطف" الجنديين مجرّد ذريعة لـ"إسرائيل".
    عندما نكون أمام هذا الوضع، بأن تحمّل المقاومة في فلسطين أو في لبنان مسؤولية "توتير" المنطقة، فهذا تطوّرٌ سلبيٌ في الواقع العربي، لم يكن موجوداً في السابق. لذا، أقول: نعم، المشروع الوطني الفلسطيني يواجه مصاعب كبيرة، سواء فيما يتعلّق بقضية المقاومة في الداخل، أو لجهة الحصار المحكم الذي يعيش الشعب الفلسطيني في ظلّه منذ سنوات.
    نحن نواجه واقعاً عربياً مزرياً. وهناك شبه انهيارٍ في النظام الرسمي العربي. ولكن مع ذلك، أعتقد أننا، وبعد مرور واحد وستّين سنة على نكبة الشعب الفلسطيني، حقّقنا إنجازاتٍ ملموسة، أهمّها أن نظرية طمس أو تبديد هوية الشعب الفلسطيني قد فشلت فشلاً ذريعاً. واليوم، يعيش (12) مليون فلسطيني، على أرض الوطن وفي دول اللّجوء والشّتات، متمسّكين بقضيتهم. ونظرية غولدا مائير (الكبار سيموتون، والصّغار سينسون) أيضاً باءت بالفشل. ونحن نلاحظ أن الأجيال الفلسطينية الجديدة لا تزال متشبّثة بالأرض وبالحقوق. وبالتّالي، سقطت كلّ محاولات تبديد وطمس الشخصية الفلسطينية. فنحو 45% من الشعب الفلسطيني يعيشون حالياً على الأرض الفلسطينية، حيث انتقل مركز ثقل النضال الوطني الفلسطيني إلى الدّاخل. والمواجهات صارت وجهاً لوجه مع قوّات الاحتلال، على الأرض الفلسطينية. وأتصوّر أن "إسرائيل" تواجه مشكلة حقيقية وجدّية، فيما يتعلّق بتطوّر الواقع الديموغرافيّ الفلسطيني؛ وهي تخشى على مستقبلها؛ حيث يعيش اليوم في أراضي 48 والضفة الغربية وغزة، قرابة (5) مليون فلسطيني. فكيف سيكون الحال بعد (20-30 سنة)؟
    أتصوّر أن مأزق المشروع الصهيوني يتعمّق يوماً بعد يوم. والمستقبل هو للشعب الفلسطيني، لأن المشروع العنصري يحمل بذور فنائه من داخله. ولكن، في الظّاهر، يبدو هذا المشروع مستمرّاً وقوياً، بسبب ضعف الواقع العربي، وكذلك الواقع الفلسطيني، وليس استناداً إلى عوامل قوّةٍ داخليةٍ لهذا المشروع. ورغم أن هذا المشروع مدعومٌ من الولايات المتحدة ومن الغرب عموماً، إلا أنّ عوامل الضّعف الذّاتية لدينا، هي التي تعطي هذا المشروع القوّة والاستمراريّة؛ وبالتّالي، عندما نتمكّن –كفلسطينيين وكعرب- من معالجة واقعنا المريض، أتصوّر أن جهاتٍ فلسطينيةٍ وعربيةٍ عديدةٍ ومؤثّرة، باتت ترى –على ما يبدو- أن تغيير هذا الواقع، وتحقيق إنجازاتٍ وانتصارات، يتعارض مع مصالحها. وهذه مشكلة فعليّة. وإلاّ ما الذي يفسّر أن تصل الأمور إلى حدّ تحميل المقاومة المسؤولية عن كلّ ما يجري؛ وكأن "إسرائيل" تريد السلام، لكن المشكلة في المقاومة! ألم تبرهن التجربة أننا أمام عدوٍ لا يريد سلاماً أصلاً؟! هل نجحت تجارب المفاوضات الماضية؟!
    في لقاءٍ لي مع الرئيس أبي مازن هنا في دمشق، سألته: لقد جُرّب خيار أوسلو على مدى فترةٍ زمنيةٍ ليست قصيرة. واتّضح أننا أمام عدوٍ لا يريد السلام. هل هناك قيادة عاقلة في العالم تطرح خياراً واحداً فقط (المفاوضات)؟! وإذا ما فشل هذا الخيار، فأيّ قيادةٍ ناجحةٍ يجب أن تضع بدائل؛ وفي حال فشل أيّ خيار، تلجأ إلى وسائل أخرى . فكان جوابه: لماذا لا نطرح خيار الدولة الديموقراطية؟ نحن في "فتح" صُنّاع هذا الخيار!
    فقلت له: إذاً، لماذا لا تطرح هذا الخيار مجدّداً؟
    فردّ: من المبكر طرحه.
    ولم تصل الأمور إلى هذا الحدّ! أي أن أبو مازن لم ييأس بعد من المفاوضات! مع العلم أن شعبنا الفلسطيني مستعدٌ دوماً للتضحية والعطاء؛ فطيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة (22 يوماً)، هل رفع أحدٌ رايات الاستسلام؟! وفي لبنان أيضاً، حيث استمرّ العدوان (33) يوماً، هل رفع أحدٌ رايات الاستسلام؟!
    فإذا كان لدينا شعب لديه كلّ هذا الاستعداد للتضحية والعطاء، لماذا لا نستند إلى إمكاناته وطاقاته، ونرسم استراتيجية عملٍ نتصدّى على أساسها للعدوّ الصهيوني؟
    برأيي، هناك سببان رئيسان: انعدام الإدارة السياسية، واليأس أو الهزيمة من الداخل؛ والعامل الثاني: هو المصالح الاجتماعية والاقتصادية التي تكوّنت لدى فئات وشرائح اجتماعيةٍ معيّنةٍ داخل مجتمعنا الفلسطيني، وفي المجتمعات العربية؛ وهي التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام إدارة الصمود والمواجهة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:33 pm

    س: ذكرتم أن المشروع الصهيوني دخل مرحلة الانكماش والتقوقع. لكن هذا المشروع لا يزال يحمل أبعاداً متعدّدة: فهناك بُعد تهديد الشعب الفلسطيني؛ وهو بُعدٌ وطني. وبُعد إبقاء العالم العربي متخلّفاً ومجزّأ؛ وهذا بُعدٌ قومي. وبُعد الاستيلاء على مقدّسات المسلمين والمسيحيين؛ وهذا بُعدٌ دينيٌ في الصّراع. في السّابق، كان البُعد الوطني يبدو وكأنه متصادمٌ مع البُعد القومي؛ والبُعد القوميّ وكأنه متصادمٌ مع البُعد الإسلامي؛ والبُعد الإسلامي لم يكن يرى بُعداً وطنياً للصّراع؛ وكلّ منهما كان يلغي الآخر. الآن، أصبح الكثير من الناس ينظرون إلى جميع هذه الأبعاد بشكلٍ مترابط، وليس إلى كلّ بعدٍ على حساب الآخر. باستشرافك للمستقبل، هل نحن قادرون أن نعيد للصراع أبعاده المختلفة: إن تحرير فلسطين واجبٌ وطنيٌ وقوميٌ ودينيٌ وإنساني؟ أم هل أنّ المشروع الصهيوني سيعود ويلملم أوراقه، لأننا غير قادرين على استثمار انتصاراتنا عليه؟ وأمامنا شاهد؛ فحرب تشرين الأوّل/أكتوبر/1973، موضوعياً، شكّلت بالمعنى العسكري، ضربة للكيان الصهيوني؛ لكنّه استوعبها. وانقلب انتصارنا العسكري عليه إلى هزيمةٍ سياسيةٍ لنا!
    بالنظر إلى كلّ ما ذكِر سابقاً؛ هل يمكن أن يتكرّر سيناريو ما بعد حرب أكتوبر، فتعود الحركة الصهيونية لتستوعب هزائمها أو تراجعاتها، وتنقضّ مرّة أخرى على المشروع الوطني الفلسطيني خصوصاً، وعلى مشروع الأمّة ككلّ؟
    هذا الاحتمال يرتبط بالواقع العربيّ والواقع الفلسطيني، كما بالعوامل الاجتماعية وقدرتها على الفعل والحركة في المرحلة القادمة. إذا أردنا أن نجيب على سؤالٍ كان يطرحه دوماً (الرّاحل) الحكيم: لماذا استمرّ المشروع الصهيوني لمدّة ستّين سنة؟ ولماذا تمكّن من تحقيق أهدافٍ عديدةٍ وكبيرة؟ علينا أن نعيّن أسباب تراجع المشروع النّهضويّ العربي، مع تمكّن المشروع الصهيوني من البقاء حتى هذه اللّحظة؟
    ومع قناعتي بأن هناك مأزقاً استراتيجياً للمشروع الصهيوني، فإن عوامل ضعفٍ كثيرة، تتعلّق بالواقعين العربي والفلسطيني، وتخلّف بُنية المجتمع العربي، تلعب دوراً مؤثّراً في فقدان مشروعٍ متكاملٍ للمواجهة بين التيّارات السياسية والفكرية العربية والأنظمة العربية. وهناك تبايناتٌ شديدةٌ في الرّؤى حيال مواجهة "إسرائيل". فهل نمتلك اليوم رؤية موحّدة في مواجهة هذا المشروع؟ الجواب هو: لا! فالبعض منّا يرى إمكانيّة للتعايش مع الصهاينة؛ والبعض الآخر يرى عدم إمكانيّةٍ لتطبيق حقّ العودة! وهناك دولٌ اعترفت بـ"إسرائيل"، وأوجدت سفاراتٍ لها في عواصم عربية؛ وبالتّالي، نحن لا نمتلك مشروع رؤيةٍ موحّدةٍ لمواجهة هذا الخطر الصهيوني التوسّعي، الذي يطال الجميع.
    في السنين الماضية، كانت العلاقة بين التيّارات الفكرية والسياسية العربية تقوم على قاعدة الاحتراب وليس التوافق. هكذا كانت العلاقة بين التيّار القوميّ والتيّار الإسلامي، وبين التيّارين القوميّ والإسلاميّ والتيّار اليساري! وأنا أعتقد أن القوى المستعمِرة كانت تسعى لتسعير الخلافات بين هذه التيّارات السياسية. وعلينا أن نستخلص درساً كبيراً، بعد ستّين سنة من هذا الصراع مع الكيان، بأن ننشئ جبهة موحّدة بين مختلف هذه التيّارات، نتّفق في إطارها على الثّوابت، وعلى الرّؤية التي تجمعنا في مواجهة الخطر الرئيس، المتمثّل بالمشروع الصهيوني، الذي مازال يهدّدنا جميعاً، ويهدّد الأمن القوميّ للأمّة العربية.
    صحيحٌ أن في "إسرائيل" تباينات أو حتى تناقضات بين القوى السياسية (اللّيكود-العمل-كاديما-الأحزاب الدينية)؛ لكنّها، رغم تناقضاتها وخلافاتها، لديها مصالح عليا وثوابت وخطوط حمر. هناك اتفاقٌ بين مجموع القوى السياسية الرئيسية في الكيان العنصري حول أن حقٌ العودة للاّجئين الفلسطينيين هو خطٌ أحمر (مرفوض)، كما على عدم الانسحاب من القدس، ورفض إزالة الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية! ونحن في الساحة العربية أيضاً، ورغم وجود خلافاتٍ بين التيّارات السياسية أو حتى تناقضات، لكن هناك ثوابت ومصالح عليا تجمعنا. وكاتجاهاتٍ فكريةٍ وسياسية، نحن بحاجةٍ إلى جبهةٍ سياسيةٍ عريضة، تضمّ مختلف القوى والأحزاب، في مواجهة التناقض الرئيس مع الاستعمار، ومع الحركة الصهيونية.
    أتصوّر أن هناك جوانب صحيحة أو سليمة يطرحها كلّ تيّارٍ من التيّارات. لكن، كما ذكرت، فإن كلّ تيّارٍ يعتقد أنه يمتلك كلّ الحقيقة ويريد إلغاء التيّار الآخر؛ فمثلاً، التيّار القوميّ طرح فكرة الوحدة العربية في مواجهة المخاطر الخارجية. وهذا –برأيي- شعارٌ سليمٌ تماماً. التيّار اليساري طرح مسألة البُعد الاجتماعيّ لجهة تحقيق المساواة والعدالة؛ كما أثار المسألة الطبقيّة. وهذا أيضاً طرحٌ سليم.
    التيّار الإسلامي طرح مسألة الموروث الحضاريّ للأمّة، وضرورة الاستناد إلى هذا الموروث في مواجهة التحدّيات والمخاطر الخارجية. وأيضاً هذا طرحٌ سليم.
    وأتساءل هنا: ألا نستطيع أن نأخذ الجوانب السليمة التي طرحها كلّ تيارٍ من هذه التيّارات لنؤسّس جبهة عريضة، تجمع طاقات الأمّة، و كلّ هذه القدرات المبدّدة لمواجهة المشروع المعادي؟!
    الجواب: نعم، نستطيع ذلك. فالتيّار الإسلاميّ الجهاديّ الكفاحيّ أصبح تيّاراً رئيساً في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، ويجب أن يتمّ استيعابه في إطار حركة التحرّر العربية، والحركة المناهضة للاستعمار والصهيونية.
    وهناك عاملٌ ثالثٌ مؤثّرٌ أيضاً، هو أزمة الديموقراطية في الواقع العربي، وفي الواقع الفلسطيني، والتي لعبت دوراً سلبياً كبيراً، حيث أن الكثير من طاقاتنا قد بدّدت، لأنه لم يكن لدينا علاقات ديموقراطية سليمة، لا داخل مجتمعاتنا ولا في إطار علاقاتنا مع بعضنا البعض.
    أيضاً، هناك عامل الترابط بين القوميّ والوطني، حيث واجهنا مشكلة في الساحة الوطنية، وفي الساحة العربية، بين تيّارٍ يقول بأن الأولويّة هي للعامل الوطني، وآخر يرجّح البُعد القومي؛ فطرِحت شعارات على شاكلة "لبنان أوّلاً"، و"القرار الفلسطيني المستقل"، بالتوازي مع محاولاتٍ لعزل القضية الفلسطينية عن بُعدها القومي. وهذا طرحٌ عايشناه في الساحة الفلسطينية، وفي الساحة العربية، في ظلّ تيّاراتٍ في الساحة العربية باتت ترفع شعار: ما الذي يجمعنا؟ ويجب علينا أن نركّز على البُعد الوطني، وعلى الدولة القُطرية! لذلك، ينبغي إيجاد علاقةٍ سليمةٍ بين البُعد الوطنيّ والبُعد والقومي؛ وأنا على قناعةٍ بأنه لا يمكن للدول العربية، كلٌ على حِدة، أن تسهم في بناء مشروعٍ جدّيٍ يعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات العربية من دون أن تتوحّد طاقات هذه الأمّة، وترسّخ علاقة سليمة وجدليّة بين البُعدين الوطنيّ والقومي، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيّات القُطرية، لكن ضمن إطار بُعدها القومي؛ فلا نغلّب هذا البعد على الآخر، ونحقّق علاقة سليمة، جدليّة وموضوعية بين البعدين، لكي نتمكّن بعد ذلك من تجميع إمكانيّات الأمّة اللاّزمة لمواجهة التناقض الرئيس مع المشروع الصهيوني.
    وبرأيي، فإن هذه العوامل، إذا ما عالجناها بشكلٍ سليم، ستعمّق مأزق المشروع الصهيوني، وصولاً إلى دحر هذا المشروع نهائياً.
    وخلاصة الفكرة التي أريد أن أصل إليها، أن "الأمر" يعتمد علينا، أي على العامل الذاتيّ العربي، وعلى العامل الفلسطيني تحديداً!
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:34 pm

    س: هناك تحوّلاتٌ عالميةٌ رافضةٌ للعنصرية، في عالمٍ متغيّرٍ بشكل متسارع، إضافة إلى التحوّلات الإقليمية. والكيان الصهيوني لم يستطع أن يشكّل أداة قادرة على "تأديب الشعوب العربية طيلة المراحل الماضية. هل يؤثّر هذا التحوّل على صورة الكيان وعلى دوره الوظيفي؟ وبالتّالي، هل هو يخفّف أو يضعِف من التأييد الدولي للمشروع الصهيوني، بما يخدم مشروعنا التحرّري لاحقاً؟
    أعتقد أن المشروع الصهيوني مرتبطٌ أشدّ الارتباط بالمشروع الرأسماليّ العالمي، أو المشروع الاستعماري العالمي. وقد لاحظنا أن الدور الوظيفيّ لـ"إسرائيل" تحجّم. وإلاّ ما الذي يفسّر إرسال الولايات المتحدة الأمريكية جيوشها لاحتلال العراق، سوى أن قدرة هذا المشروع الصهيوني على تشكيل أداةٍ رادعةٍ لضرب الواقع العربي قد تراجعت. والولايات المتحدة الأمريكية، أو الاستعمار الغربيّ بشكل عام، بات يدرك محدوديّة هذا المشروع، وكذلك قدرته على التحرّك. وبالتّالي، هناك أزمةٌ على مستوى المشروع الاستعماري، كما على مستوى النظام الرأسماليّ الدولي. وهناك أزمةٌ أيضاً داخل المشروع الصهيوني، المرتبط بهذا النظام الدولي.
    وتوجد قوىً واتجاهات لدى الرأي العام العالمي، وداخل المعسكر الرأسمالي، وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، باتت تدرك خطر المشروع الصهيوني وعنصريّته وتأثيره المدمّر في المنطقة، وحتى على أمن هذه الدول ذاتها. وبالتّالي، هناك تصاعدٌ في درجة الوعي، سواء في بريطانيا وألمانيا، أو في أمريكا وفرنسا، حول طبيعة الحركة الصهيونية ومخاطرها؛ وهذا يصبّ في مصلحتنا، كفلسطينيّين وكعرب، وهو نتاج صمودنا من جهة، وتصدّينا لهذا المشروع واستهدافاته في المنطقة، من جهةٍ أخرى.
    إن التطوّرات العالمية في المرحلة المقبلة جدّ مؤثّرة، خاصّة إذا أخذنا بالاعتبار أنه مرّت فترة طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية، حيث كنّا أمام واقعٍ دوليٍ يقوم على قاعدة سيطرة القطب الواحد، في تلك المرحلة. وفي المرحلة التي تسلّم فيها بوش الإبن البيت الأبيض، واجهنا سلسلة من الحروب:
    إحتلال أفغانستان، إحتلال العراق، هجومٌ شاملٌ – تحت شعار محاربة "الإرهاب" –على المنطقة من أجل إخضاعها، والسّيطرة عليها. لكن هذا المشروع فشل، سواء في العراق أو في أفغانستان، وبدأ يواجه مشاكل جدّية؛ حتى حصلت عملية تغييرٍ طالت الإدارة الأمريكية نفسها، بوصول أوباما والديموقراطيين.
    وهناك كلامٌ واقعيٌ اليوم عن تغيير السياسة الأمريكية في العالم؛ كما عن الانسحاب النهائي من العراق ومن أفغانستان. وأعتقد أن هذا النظام الدولي، الذي حاول أن يسيطر لفترةٍ من الوقت ضمن إطار القطب الواحد، يشهد حالياً تغييراتٍ هامّة، تسير باتجاه تشكيل نظامٍ متعدّد الأقطاب. ونحن نتلمّس بداياتٍ لهذا التحوّل التاريخي: تطوّر في الدّور الرّوسي، تطوّرٌ في دور الصين، تطوّرٌ في دور الهند، وكذلك بالنسبة لليابان. وبالتّالي، لم نعد أمام عالمٍ يحكمه قطبٌ واحد. هناك صيرورة باتجاه نوعٍ من التوازن العالمي، أو النظام متعدّد الأقطاب. ولكن اكتمال هذا التحوّل يحتاج إلى وقت.
    النقطة الأخيرة، في سياق الجواب على السؤال، هي أنّ مأزق النظام الرأسماليّ يتعمّق، مع تبلور الأزمة الاقتصادية العالمية. ويتحدّث العديد من الكتّاب والخبراء عن أزمةٍ أعمق من تلك التي حصلت عام 1929. فهناك الآن ملايين العاطلين عن العمل؛ وتلاحظون حجم المظاهرات والإضرابات التي بدأت في مراكز البلدان الرأسمالية القوية.
    وفي المقابل، هناك دراساتٌ ومقالاتٌ تؤكّد على أهمّية العودة لقراءة كتب ماركس، حيث ارتفعت مبيعاتها من عشرة آلاف نسخة إلى مئة ألف نسخة. وهذا يعني أن الناس بدأوا يتلمّسون وجود أزمةٍ حقيقيةٍ في بُنية النظام الرأسمالي، الذي لم يعد يشكّل النظام الأمثل بالنسبة للبشرية! هناك مشكلات كبرى في العالم حالياً، حتى أنّ البعض نادى باعتماد الاقتصاد الإسلامي كجزء من حلّ الأزمة الاقتصادية الرّاهنة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:34 pm

    س : يزعم البعض بأن الفلسطينيين والعرب يضيّعون فرصة تاريخية في كلّ مرّة. فهم ضيّعوا قرار التقسيم، وغيره، ليتراجعوا لاحقاً عمّا رفضوه. واليوم، الأمريكيون يطرحون حلاً أو تصوّراً للحلّ، فلماذا لا تقبلون به، خاصّة أن نتنياهو ليس الوحيد الذي يتحدّث عن "الحلّ الاقتصادي"؛ فلدينا توني بلير (ممثّل الرباعية)، حيث مفاعيل عمله على الأرض تنطوي على حلٍ اقتصادي. كيف تحلّلون هذا المنطق القائل بأن الفلسطينيين العرب هم من أضاعوا فرص الحلّ السابقة التي طرِحت؟ وأن عليهم ألا يضيّعوا الفرصة المطروحة الآن؟!
    أتصوّر أن هذا منطق تضليل، وفيه تشويهٌ للتاريخ. إنه منطقٌ يريد قلب المفاهيم، وتزييف وعي الشعب الفلسطيني والشعب العربي. ولنتساءل هنا بصراحة: ما هو المطروح علينا كفلسطينيين؟! حلّ الدولتين! هذا كلامٌ طرحته الإدارة الأمريكية السابقة نظرياً، وتتحدّث به الإدارة الحالية. لكن الأمريكيين يعرفون أن الكيان الصهيوني لا مستقبل له في ظل وجود (5) ملايين فلسطيني على الأرض الفلسطينية. ولأن التطوّرات الديموغرافية هي لصالح الشعب الفلسطيني؛ وهم يبحثون عن حلّ مأزق المشروع الصهيوني فحسب. فـ"إسرائيل" لا تستطيع الاستمرار في سياسة الدمج؛ لذلك، بدأ هؤلاء يبحثون عن حلولٍ من أجل معالجة مشاكل وأزمات هذا المشروع. ومن هذه الحلول، قضايا تتعلّق بالفصل مع الفلسطينيين. لكن، كنْ على ثقة، إن طرح حلّ الدولتين نظري. فهم لا يريدون دولة فلسطينية مستقلّة وذات سيادة. لا الولايات المتحدة الأمريكية، ولا المؤسّسة العسكرية-الأمنية في "إسرائيل". وهناك دراساتٌ تحذّرهم من مخاطر هذا الطّرح!
    إذاً، لنناقش ما هو مطروح عملياً، حتى لا يتمّ تضليلنا. المطروح هو إيجاد كيانٍ فلسطينيٍ في غزة وفي بعض أجزاء من الضفة الغربية، مسيطرٍ عليه، إقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، من قِبل "إسرائيل". هذا هو الحلّ الممكن. ومقابل ذلك، تتمّ تصفية حقّ العودة للاّجئين الفلسطينيين، وقضية القدس. وهذا الكيان الفلسطيني الخاضع للسّيطرة الإسرائيلية الكاملة، والبعيد كلّ البُعد عن الاستقلال الوطني، سوف يحلّ مشاكل "إسرائيل"، وحتى مشاكل المشروع الصهيوني، وليس مشاكل الشعب الفلسطيني! ومن لديه تصوّرٌ جدّيٌ آخر، فليقدّمه لنا.
    أما عند يتحدّث بوش -أو أوباما حالياً- عن حلّ الدولتين، فحديثه خداعٌ وتضليل. وبالتّالي، نحن لم نضيّع أيّ فرصة؛ وليست هناك من فرصٍ ضائعة. بالعكس، لقد جرّب هذا الخيار عبر المفاوضات، ولفتراتٍ طويلة. واتّضح أنه أثناء تلك المفاوضات ، كان العدوّ يطبّق على الأرض مشروعه الاستيطاني الذي يضرب كلّ مقومات إقامة الدولة الفلسطينية، ويعمل باتجاه إقامة الكيان (الفلسطيني) المسيطر عليه من قِبل "إسرائيل"، التي أدركت أنها لن تستطيع أن تتحكّم بالشعب الفلسطيني، كما تحكّمت به وسيطرت عليه سابقاً؛ وهي لا تملك القدرة على الاستمرار باحتلال كامل الأراضي الفلسطينية. وبالتالي، بدأ الصهاينة يبحثون عن حلول؛ من هنا نشأت فكرة اتفاقات أوسلو، بهدف إيجاد سلطة حكمٍ إداريٍ ذاتيٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس لإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة، بل لخلق كيانٍ فلسطينيٍ ينمو تحت السيطرة الإسرائيلية،ما يجعل من الفلسطينيين عبيداً أو عمّالاً لدى "إسرائيل".
    هذا هو الحلّ المطروح، وهو لا ينهي مشاكلنا كفلسطينيّين. وأيّ حديثٍ غير هذا هو تضليل. وقد برهنت الأحداث والوقائع الملموسة أننا لسنا أمام حلّ الدولتين! حتى لو جاء شارون وقال: خذ الحكم الذاتي، وسمّه دولة أو إمبراطورية عظمى؛ أنت حرّ! وقد يأتي رئيس أمريكي أو رئيس وزراء بريطاني ليقول: سمّه دولة؛ أنت حرّ! لكن، في المضمون، هذا "الكيان" ليس دولة فلسطينية مستقلّة.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:36 pm

    س: ما يؤكّد المنطق الذي تتحدّث به، هو أن في الكيان اليوم حكومة على رأسها بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيّتها ليبرمان، وهي تقول ذلك بالفم الملآن. بتقديرك، كيف ستتعامل "الحكومتان" (حكومة رام الله وحكومة حماس) مع الحكومة الصهيونية الجديدة ومنطقها العسكري والأمني المكشوف؟
    كما قلت، الشيء الذي أخفته حكومتا كاديما والعمل، ولم تصرّحا به علناً، وكانتا موافقتان عليه ضمنياً، هو أنهما ليسا مع دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة. لكن "ميّزة" نتنياهو أنه يقول الأمور بوضوح؛ فهو أعلن منذ أن جاء إلى الحكم أنه يريد سلاماً إقتصادياً مع الفلسطينيين. وفي كتابه (مكان تحت الشمس)، "أكّد" نتنياهو أن العرب لا يفهمون إلاّ لغة الرّدع والقوّة. وبالتّالي، هو لا يؤمن إلاّ بسلامٍ يقوم على التخويف وسياسة العدوان، ولا يعتقد بسلامٍ حقيقي في المنطقة.
    والآن، السؤال المطروح على قادة السلطة الفلسطينية: هل ستستمرّون في نفس الرّهانات البائسة؟ وهل يجوز لكم سلوك طريق المفاوضات العبثيّة والمدمّرة؟ أم أنه يجب عليكم إعادة النظر في الرّؤية الاستراتيجية والسياسية المعتمدة؟ هذا سؤالٌ كبيرٌ مطروحٌ على السلطة الفلسطينية.
    فيما يتعلّق بالحكومتين، أقول إن التحدّيات أو التطوّرات المتسارعة في "إسرائيل" تتطلّب الإسراع في مساعي إنهاء الانقسام، وتوحيد البيت الفلسطيني، وإعادة اللّحمة، لمواجهة هذه المخاطر المتصاعدة.
    س: يجري الحديث عن تغييرٍ حقيقيٍ في أمريكا، مع قدوم أوباما. البعض يجدّد وهمه في أن الوضع في ظلّ قيادة أوباما سيكون مختلفاً عن عهد بوش! لكن العدوان الأخير على غزّة غطّاه أوباما. كيف ترى تطوّر الأمور في ظلّ الإدارة الجديدة؟ وهل هذه الإدارة قادرة على الحفاظ على مصالحها في المنطقة مع استمرار دعمها للكيان؟ أم أن مأزقها سيجبرها على تغيير موقفها من الدّعم المطلق للكيان؟ وهل هي قادرة على تجاوز ضغوط اللّوبي الصهيوني فيما لو أرادت ذلك؟
    في الإجابة على هذا السؤال، لديّ ثلاث نقاط:
    أ‌) علينا، كفلسطينيّين وكعرب، ألاّ نراهن كثيراً على الآخرين. أي بمعنى أن هناك تغييراً في "إسرائيل"؛ وسوف يتركّز الاهتمام حول ما سيحصل داخل الساحة الإسرائيلية ، ومن سيفوز في الانتخابات، ربطاً بالأوهام حول تجديد مسار الحلول السياسية. واليوم، الرّهانات تجدّدت بالنسبة إلى الولايات المتحدة، على اعتبار أن بوش ذهب، وجاءت إدارة جديدة، وسيحصل الضغط المطلوب على "إسرائيل"! وأعتقد أنه لا يجب أن تتركّز رهاناتنا في هذا الاتجاه؛ لأنه في منطق العلاقات الدولية، هناك موازين قوى وعلاقات هي التي تقرّر. فبوش لم يمنحنا شيئاً لا نستطيع انتزاعه؛ وبالتّالي، الرّهان يجب أن ينصبّ على العامل الذاتي، أو على العوامل الداخلية، وليس على العامل الخارجي. لا أقول بأن علينا ألاّ ننظر بأهمّية للتغيير الذي يحصل حولنا؛ فلا يجب أن نتجاهل انتخاباتٍ تحصل في "إسرائيل" أو في أمريكا. هذه عوامل نراقبها ونتابعها باهتمام. ولكن، يجب أن نبني حساباتنا على أساس عوامل القوّة الداخلية أوّلاً.
    ب‌) في أمريكا، الرئيس يتمتّع بصلاحياتٍ واسعة، لكنه لا يحكم أمريكا لوحده. فهناك مؤسّسات أو نظام مؤسّساتي. لذا، أنا لا أتوقّع الكثير من أوباما. صحيحٌ أن أوباما ليس بوش. وقطعاً، سيكون هناك تغييرٌ في التكتيكات المتّبعة في إدارة الشؤون العالمية، حيث بدأنا نتلمّس بعض هذه التغييرات عند الحديث عن توقيت الانسحاب من العراق، ومن أفغانستان. لكن، نحن لا نراهن على تغييراتٍ استراتيجية، لأن هناك مؤسّسات في أمريكا.
    ت‌) في الولايات المتحدة، سواء في عهد الإدارات الجمهورية أو الإدارات الديموقراطية، كانت هناك ثوابتٌ فيما يتعلّق بـ"إسرائيل" بشكلٍ خاص، من قِبل هذه الإدارات. لذلك، أنا لا أتوقّع تغييراً جوهرياً فيما يتعلّق بدعم "إسرائيل" اللاّمحدود، والاعتماد عليها كركيزةٍ عدوانيةٍ في المنطقة، من أجل الهيمنة على مقدّراتها وشعوبها.
    هذه العوامل الثلاثة التي أنطلق منها في رؤيتي أو تحليلي للأمور. ومع ذلك، أقول: يجب أن نراقب سياسة أوباما الخارجية. وإذا ما حصل أيّ تغييرٍ لصالحنا، فأهلاً وسهلاً به!
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:40 pm

    : بعد هذا العمر المديد للجبهة الشعبية، واستمرارها رغم كلّ الهزّات والمؤامرات، أسألكم حول هذه التجربة، منذ الأيام الأولى، عندما كان العدوّ يقرّ بأن الفدائيين يحكمون غزّة ليلاً وهو يحكمها نهاراً، إلى تجربة جيفارا، وحتى دور الجبهة في المواجهة الأخيرة في غزّة، هذا من جانب. ومن جانبٍ آخر، كان دور الجبهة الشعبية المهمّ في مؤسّسات المنظمة؛ لكن علّة المنظمة أنها ضرِبَت من قِبل القائمين عليها ، لأن سبب إنشائها هو تحرير فلسطين، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني. كيف تقيّم الجبهة الشعبية تجربتها؟ وما هي نصائحها لذاتها وللآخرين؟
    لا شكّ أن تجربة الجبهة الشعبية كتنظيمٍ عريقٍ في الساحة الفلسطينية، وكذلك في الساحة العربية –باعتبارها نتاج حركة القوميّين العرب، هي تجربة تاريخية مؤثّرة في مسار الكفاح الفلسطيني، وحتى الكفاح العربي. وعلى قاعدة هذه المسيرة التي يزيد عمرها عن أربعين عاماً، هناك حاجةٌ ملحةٌ فعلاً إلى تقييمٍ شامل:
    أين أخطأنا وأين أصبحنا؟ أنا أتذكّر المرحوم المؤسّس جورج حبش، أنه حين تنحّى عن الهيئات القيادية للجبهة، كان يشغله سؤالٌ كبير: لماذا لم نستطع تحقيق أهدافنا، رغم أننا قدّمنا تضحيات جسيمة، وطنياً قومياً؟! أقول بصراحة: إنه من أخطائنا الكبيرة في ساحتنا الفلسطينية، وكذلك في الساحة العربية، أننا لا نقيّم تاريخنا ولا نستخلص الدروس من تجاربنا. صحيحٌ أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أجرت في بعض المحطّات عمليات تقييم. لكنّني أعتقد أننا بحاجةٍ إلى عملية تقييمٍ جذريةٍ وشاملةٍ لسياسات القوى والفصائل المختلفة في الساحة الفلسطينية، كما في الساحة العربية عموماً. ويجب أن تكون عملية تقييمٍ صادقةٍ ونزيهةٍ وجريئة، من أجل أن تأخذ بعبَرها الأجيال القادمة. فهذا الصراع مع الأعداء طويلٌ ومستمرّ؛ وهو صراعٌ تاريخي، ولن ينتهي إلاّ بتحرير الأرض الفلسطينية، ودحر المشروع الصهيوني وحُماته. إن معركتنا هي معركة أجيال، ولن تُحسم في وقتٍ قريب.
    من هنا، تكتسب عملية التقييم أهمّية كبرى، سواء كان التقييم في الجانب السياسي أو الجانب النّظري، أو الجانب التنظيمي، أو في بُعد العلاقة مع الجماهير والشعب. لا شكّ أن هناك إنجازاتٍ تحقّقت، و لا يجب التقليل من شأنها. لقد خضنا معارك كبيرة ودامية، خلال مسيرتنا الكفاحية طيلة العقود الأربعة الماضية، وحقّقنا مكاسب؛ فقد بقيت القضية الفلسطينية حيّة، وظلّ الشعب الفلسطيني يناضل ويكافح بمختلف الأشكال. لكن، في المقابل، هناك أخطاءٌ جسيمة وقعنا فيها. لذلك، يجب أن تُجرى مراجعة شاملة لتجربة المقاومة الفلسطينية المعاصرة، بما فيها تجربة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ونحن نستعدّ لعقد المؤتمر السّابع للجبهة الشعبية –عقدنا ستّة مؤتمرات خلال مسيرتنا الكفاحية؛ وآخر مؤتمرٍ للجبهة عقِد عام (2000)- لقد شكّلنا لجنة تحضيرية للإعداد للمؤتمر السّابع، تضمّ رفاقاً قياديّين من الداخل والخارج؛ ونحن في ورشة عملٍ كبيرةٍ لإعداد وثائق المؤتمر. وآمل أن نعدّ وثائق تتناسب مع طبيعة المرحلة وتحدّياتها الكبيرة، وأن تجري الجبهة عملية المراجعة المطلوبة، حتى نستطيع أن ننهض ونستنهض طاقاتنا، لأنه حصل تراجعٌ لدى القوى اليسارية في الساحة الفلسطينية، ولدى التيّار القومي في الساحة العربية بشكلٍ عام. وهذا التراجع له أسبابه الموضوعية، وكذلك أسبابه الذّاتية. وينبغي أن نمتلك من الجرأة ما يمكّننا من أن نضع اليد على الجرح، ونسأل: لماذا حصلت حالات التراجع؟ لماذا حصل إخفاقٌ هنا أو هناك؟ ثمّ نشخّص أوضاعنا من جديد، وبوتيرةٍ أعلى، وبفاعليةٍ أكبر؛ وحتى نستمرّ بكفاحنا المرير ضدّ الاحتلال.
    وعموماً، أستطيع أن أقول: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تميّزت بثلاث محطّات خلال مسيرتها الكفاحية الطويلة:
    1- فيما يتعلّق بالرّؤية السياسية، جسّدت الجبهة خطاً سياسياً جذرياً مبدئياً في التعامل مع العنوان السياسي للصراع، وفي رؤيتها الاستراتيجية للمشروع الصهيوني. وهذا المنهج يسجّل للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أي بمعنى أنّنا لم نفقد البوصلة خلال مسيرتنا الكفاحية، ولم نفقدها فيما يخصّ الرّبط بين الاستراتيجية والتكتيك؛ فلم نجعل التكتيّ ينتهك الاستراتيجية. صحيحٌ أننا طرحنا عنوان الهدف المرحلي، وبعض المسائل التكتيكية؛ لكنّنا (بإمكانك أن تعود لوثائقنا منذ التأسيس وحتى اللحظة) لم نفقد البوصلة أبداً فيما يتعلّق برؤيتنا الاستراتيجية، وفي صراعنا مع الغزوة الصهيونية، لجهة عدم التعايش معها، ومع أهدافها الشّريرة في المنطقة. إن ميزة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تكمن في محافظتها على سلامة الرّؤية السياسية للصراع بالمعنى الاستراتيجي.
    2- طيلة مسيرة الجبهة الشعبية، خلال الأربعين عاماً الماضية، تميّزت مسلكيّة قياداتها بالتقشّف والنّزاهة والاستقامة. ولم تسجّل في تاريخ الجبهة ظواهر فسادٍ وإفساد. نعم، ظهرت بعض الحالات الفردية هنا أو هناك. لكن، في إطار الجبهة الشعبية الكبير، تمكّنا –ونقول هذا بكلّ اعتزاز- من الحفاظ على مبدأ الاستقامة والنّزاهة في كلّ حياتنا ومسلكيّتنا. لذلك، لن تجد في الجبهة الشعبية ظواهر فسادٍ على امتداد مسيرتها الكفاحية، رغم ما عرفته الساحة الفلسطينية من ظواهر مماثلة. الدكتور جورج حبش رحل، ولم يوقّع في تاريخ حياته، ولم يسجّل أيّ شيءٍ باسمه على الإطلاق. والشهيد أبو علي مصطفى، عندما اغتالته "إسرائيل"، واستشهد على أرض الوطن، كان راتبه لا يتجاوز (300) دولار شهرياً! البعض قد لا يصدّقنا؛ لكن هذه حقيقةٌ أعرفها جيّداً؛ والشهيد أبو علي مصطفى كان يعيش حياة عادية، وكان إنساناً زاهداً، وهو لا يمتلك من متاع الدّنيا شيئاً. وهو استشهد، وكان لا يملك أيّ موارد ماليّةٍ على الإطلاق. هذه أعلى رموز الهيئات القيادية في الجبهة الشعبية. وأستطيع أن أقول أن الشهيدين، الحكيم وأبو علي مصطفى، جسّدا نموذجاً في الجانب المسلكيّ-الأخلاقي، نعتزّ به في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
    3- المسألة الثالثة، التي تميّزت بها الجبهة، والتي نفخر بها، أنها خلقت مؤسّسة ديموقراطية، لا تحكمها قيادة فرديّة، أو شخص. لدينا هيئات قيادية جماعيّة كانت تقود العمل في الجبهة. ومع أنّنا لا نقلّل من وزن ودور وأهمّية الدكتور جورج حبش كقائد، وما لعبه في هذه المسيرة الكفاحيّة، وكذلك من دور الشهيد أبو علي مصطفى، لكنّنا في النهاية تمكنّا من بناء مؤسسةٍ لا تُضرب برحيل القائد، أو استشهاده ... وهنا أتذكّر الكلمة التي ألقاها الدكتور جورج حبش في المؤتمر العامّ الخامس، وكانت قد ألمّت به أزمةٌ صحّيةٌ في ذلك الوقت، حيث قال:"أنا مرتاح. وأعتزّ أنني أسهمت في بناء حزبٍ سيستمرّ ويتواصل". وفعلاً، إستشهد أبو علي مصطفى، وكان الحكيم قد تنحّى عن موقعه القيادي، والرفيق أحمد سعدات اعتِقل، وهو ما يزال في السجن الصهيوني. لكن الجبهة الشعبية استمرّت، رغم الضربات الكبيرة التي وجّهت إليها. فهي استمرّت بحكم وجود قيادةٍ جماعيّة، ومؤسّسة عملٍ جماعي. وبالتّالي، فإن ترسيخ العمل الديموقراطيّ داخل الجبهة الشعبية هو من الميّزات التي نعتزّ بها.
    وهناك أيضاً بعض المحطّات الأخرى؛ ففي بعض اجتماعات اللّجنة المركزية العامّة للجبهة، كان للرفيق جورج حبش رأيٌ معيّن، وللّجنة المركزية رأيٌ آخر، وهو كان يلتزم بالقرار العام. أقول ذلك بكلّ صدق. كان الحكيم يلتزم بالقرار، مع أن الجميع يعرف وزن الحكيم ودوره ومكانته، والكاريزما التي كان يتمتّع بها. وأتذكّر في محطّةٍ أخرى، أن الدكتور حبش وأبو علي مصطفى –الأمين العام ونائبه- كان لهما موقفٌ معيّن، واللّجنة المركزية اتخذت موقفاً آخر؛ وهما التزما بالموقف المركزي. وبالتّالي، نحن تمكّنّا من بناء مؤسّسةٍ ديموقراطية، حيث نحتكم جميعاً للهيئات وللقرارات الجماعيّة، بغضّ النّظر عن رأي أيّ رفيقٍ بهذه القرارات.
    كان لدينا اجتهادات وتباينات أحياناً في بعض المسائل التكتيكية؛ لكن الجبهة الشعبية يحكمها في النهاية قرار هيئاتها القيادية.
    هذه المسائل الثلاث نعتزّ بها في إطار مسيرة الجبهة الشعبية، مع تاريخنا الكفاحي المعروف لدى جماهير شعبنا، والعمليات العسكرية التي قامت بها الجبهة، والدّور النضالي الذي مارسته على الأرض. صحيحٌ أن هناك تراجع لهذا الدّور؛ لكننا نأمل أن ننهض به مجدّداً، بعد أن نبحث في الأسباب التي أدّت إلى هذا التراجع. فنحن نريد أن نستنهض أوضاعنا من جديد، على كلّ المستويات، الثقافية والسياسية والتنظيمية. وآمل أن يقوم المؤتمر القادم للجبهة بورشة عملٍ جدّيّة، من أجل التقييم واستخلاص الدروس، بما يمكّننا من تعزيز نضالنا، وخدمة أهداف شعبنا.
    نقطة أخيرة، أرى من الضّروري أن أشير إليها، وهي أن الجبهة الشعبية –تاريخياً- كانت تدعو وتعمل ما بوسعها من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية. وكانت ترى أن هذه بوصلة يجب ألاّ نضيّعها في أيّ مرحلةٍ من المراحل.
    نعم؛ لقد حصلت خلافات، وحتى تناقضات حادّة بيننا وبين المرحوم ياسر عرفات وحركة فتح. وفي بعض المراحل، كنّا نخرج من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكنّا نشكّل جبهات معارضة (مع غيرنا). لكن، لم نفقد في أيّ مرحلةٍ من مراحل كفاحنا، ضرورة التزام الوحدة الوطنية الفلسطينية. وكانت العلاقة مع الجميع تقوم على أساس (وحدة-صراع-وحدة). وبالتّالي، كانت مسألة الوحدة الوطنية ركيزة من ركائز رؤيتنا للعمل الوطني في الساحة الفلسطينية.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Palest10
    نقاط : 16070
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty

    حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر Empty رد: حوار سياسي- فكري أجرته مجلة " دراسات باحث" مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مسئولها في الخارج د. ماهر الطّاهر

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:41 pm

    س: الدكتور ماهر الطّاهر، مسؤل الخارج في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما هي الكلمة الأخيرة التي توجّهها إلى أبناء شعبنا في غزة بعد العدوان الأخير، وأيضاً إلى أبناء فلسطين عموماً، كما إلى أبناء الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، الذين وقفوا معنا بحقّ في مواجهة هذا العدوان الصهيوني الغاشم؟
    أقول أوّلاً لأبناء شعبنا في غزة: لقد سجّلتم ملحمة تاريخية، بكلّ معنى الكلمة، في الصمود والإصرار على التمسّك بالأهداف. ورغم الجريمة أو المحرقة التي اقترفها العدوّ الصهيونيّ على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فقد واجهتم هذا العدوان بكلّ صلابة، وبكلّ إرادة. هذه الإرادة التي تعبّر عن عظمة وصلابة الشعب الفلسطيني المكافح، الذي استمرّ في نضاله على مدى قرنٍ من الزمان، ولم يرفع راية الاستسلام، رغم كلّ الظروف القاسية التي مرّ بها. وأقول للمقاومين: لقد رفعتم رأس شعبكم، ورأس أحرار العالم عالياً عالياً. وأقول لشعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلّة عام 1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس: نعم، لقد سطّرتم ملاحم بطولةٍ وثباتٍ على الأرض الفلسطينية، وحقّقتم إنجازات عظيمة. والآن، مركز الثّقل الرئيسيّ في الصراع هو على أرض فلسطين. ومعركتنا متواصلة ومستمرّة ومفتوحة؛ وهي لن تتوقّف إلاّ بدحر هذا المشروع الصهيوني العنصري في فلسطين.
    وأخيراً، أقول لجماهير أمّتنا العربية ولأحرار العالم: لقد وقفتم مع الشعب الفلسطيني وقفات عزٍ ومبدأ، شكّلت أحد الأسباب الرئيسية في تدعيم صمودنا في مواجهة الهجمة الاستعمارية، التي لا تستهدف فلسطين فقط؛ بل المنطقة بأسرها. وبالتّالي، فإن كفاحنا هو جزءٌ من الكفاح العربي في مواجهة المشروع الإمبريالي-الصهيوني؛ وهو جزءٌ من الصراع العالمي لقوى التقدّم والحرّية والسلام. وفي النتيجة، سينتصر مشروع التقدّم والحرّية والاستقلال، وستندحر الإمبريالية وخططها السوداء في العالم

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 05, 2024 8:59 am