ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


    قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء

    ابو وطن
    ابو وطن

    مشرف المنتديات الفلسطينية  مشرف المنتديات الفلسطينية



    ذكر
    عدد الرسائل : 6822
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : مشرف شبكات حاسوب
    المزاج : ولا احلى من هيك
    رقم العضوية : 7
    الدولة : قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء Palest10
    نقاط : 9042
    تقييم الأعضاء : 10
    تاريخ التسجيل : 14/11/2007
    وسام مسابقة الضيف المجهول : قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء Empty

    قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء Empty قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء

    مُساهمة من طرف ابو وطن الجمعة يناير 11, 2008 12:16 pm

    <table class=page_title cellSpacing=0 width="100%" border=0 cellpading="0"><tr valigh="top"><td style="FONT-WEIGHT: bold; FONT-SIZE: 20px; COLOR: #990000" align=left>قراءة في فكر عزمي بشارة: المحتوى الديمقراطي للعروبة والوعاء العروبي للديمقراطية../ د.طاهر حمدي كنعان*</TD></TR></TABLE>
    <table class=body cellSpacing=0 width="100%" border=0 cellpading="0"><tr><td align=left>*د. طاهر حمدي كنعان، عالم اقتصادي معروف، دكتور الاقتصاد من جامعة كامبردج، ووزير اقتصاد أردني ونائب رئيس حكومة أردني سابق </TD></TR></TABLE>هذه المادة مراجعة لكتاب د.عزمي بشارة "في المسألة العربية، مقدمة لبيان ديمقراطي عربي

    يقدم الكتاب عدداً من الأطروحات الفكرية ضمن سعيه إلى التحديد النظري الدقيق لعدد من المفاهيم المحورية كتلك الخاصة بالعلاقة بين "العروبة" و"الديمقراطية" ونظيرتها العلاقة بين "الدولة" و"المواطنة"، وكتلك الخاصة بـ "الهويات القاتلة"، كما سماها أمين معلوف، التي تلغي فرادة الفرد وحريته ضمن اضطراره، صوناً لأمنه وربما لحياته ذاتها، للتماهي مع "جماعة عضوية" كالعائلة والقبيلة، ويستبدل بها الولاء القومي للوطن من خلال بناء دولة - أمة المواطنين التي هي حاجة عملية لتوحيد غالبية الشعب حتى في الدولة القطرية لكي لا ينهار إلى عشائر وقبائل وطوائف. فالقومية العربية ليست مجرد "إثنية" مختلقة بل جامع ثقافي من الدرجة الأولى يقوم على عناصر قائمة موضوعياً مثل اللغة المشتركة، والتعبيرات المختلفة عن تطلعات سياسية مشتركة لها تاريخ حديث وقديم. والقومية العربية، حتى بعناصرها الرومانسية، ليست مجرد حالة رومانسية بل حاجة عملية ماسة وبراغماتية للوصول ليس فقط إلى مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي، بل أيضا لتزويد المواطن بهوية ثقافية جامعة تحيّد الطوائف والعشائر والعصبيات عن التحكم بالانتماء السياسي للفرد.

    إن المفاهيم التي يسعى الكتاب إلى تبيانها والأطروحات المقدمة لصياغة بيان ديمقراطي عربي هي التي غالباً ما يلتبس فهمها عند الكثير من المفكرين السياسيين ومن الحركات السياسية المتأثرة بذلك الالتباس والمعرضة بذلك إلى التيه في تجارب سياسية غير مجدية. ولما كان هذا الجهد الفكري بطبيعة أهدافه نظرياً وتجريدياً، فإن نصوصه تقتضي قدراً غير قليل من التأني والصبر في القراءة لاستيعاب أبعادها وإدراك مراميها. وفيما يلي إيجاز لأهم تلك المفاهيم والطروحات.

    أولاً، الديمقراطية في سياق التاريخ والمجتمع

    استدامة الديمقراطية حيث هي قائمة وتأسيسها حيث هي غائبة


    إحدى الطروحات المحورية في الكتاب هي التمييز بين الديمقراطية كما نشأت تاريخياً نتاجاً لعملية إنضاج طويلة لهذه الظاهرة الاجتماعية التي نشاهدها في عصرنا وقد اكتملت صورتها المؤسسية المحددة وأضحت قادرة على استدامة ذاتها وظائف وغايات، وبين المبادرة المستعجلة لتأسيسها أو "إعادة إنتاجها" في مجتمعات كالمجتمعات العربية على الخلفية التاريخية التي قادت إلى واقعها الراهن وضمن السياق الدولي والمؤثرات الخارجية التي تكتنفها من كل الجهات. هناك فرق كبير بين الأمرين: نشوء الظاهرة تاريخياً وإعادة إنتاجها آنياً.

    ويلفت الكتاب النظر إلى أن الخطأ الذي يقع فيه المهتمون بإنشاء الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية هو استصغارهم شأن تلك العملية التاريخية والتوهّم أن الديمقراطية تنشأ بمجرد توفر مقوماتها التي يتم تشخيصها من استقراء خصائص الديمقراطيات الكبرى كالفرنسية أو البريطانية أو الألمانية أو الهندية، غافلين عن أن الديمقراطية التي تأسست تاريخياً في هذه الدول - الأمم باتت نظاماً يستديم ذاته بعوامل أعمق غوراً من تلك المقومات.

    والحال هو أن معرفة الشروط المطلوب توفرها لتأسيس ديمقراطيات جديدة وتحديد هذه الشروط لا تكون بمجرد تعداد الصفات أو المقوّمات أو العناصر التي ميزت الديمقراطيات التاريخية، والتساؤل عن ورودها أو غيابها في هذا المجتمع أو ذاك، ومن ثم استنتاج مدى ابتعاد أو اقتراب هذا المجتمع من تأسيس نظام ديمقراطي. إن نظرية نشوء الديمقراطية المبنية على الإستقراء التاريخي قد تستنتج أن العوامل الحاسمة في نشوء الديمقراطية كانت متماهية مع بعض العناصر التي أصبحت تعرف بعناصر "الحداثة" مثل نمو الطبقة الوسطى الواسعة في مقابل الإقطاع والإكليروس كما حدث في فرنسا، ونشوء مفهوم جديد للأمة وارتفاع مستوى التعليم وصعود القومية على أنقاض الإنتماءات الأصغر.. إلخ.

    وفي بعض الحالات ارتبط نشوء الديمقراطية بالصراع بين الكنيسة والنبلاء والملك وتحالفات شتى قامت بالتوازي مع ذلك... إلخ. ما يجعل الشروط التاريخية لهذا كله لانهائية وغير محددة بحيث لا يمكن استحضارها من جديد، بل يصعب في ذلك الإستقراء للتاريخ الاختيار بين ما يعتبر الأسباب الجوهرية لنشوء وتطور الديمقراطية وبين التفاصيل التاريخية اللانهائية التي سبقت هذا التطور. لكن بعض عناصر الحداثة، وبالذات النزعة اللبرالية، لم تكن أساسية في نشوء الديمقراطية. وفي هذا الصدد يشير الكاتب إلى أن الأمر احتاج إلى بضعة قرون لكي تلتقي الديمقراطية مع اللبرالية في الحداثة ذاتها.

    فاللبراليون المدافعون عن الحريات وحقوق المواطن والسوق الحرة لم يكونوا ديمقراطيين تاريخيا، والديمقراطيون من بداية الثورة الفرنسية غالبا لم يكونوا لبراليين. ومن هذه الزاوية ربما يمكن النظر إلى الوراء والقول "إن الأمر احتاج إلى حربين عالميتين وإلى تحول الاشتراكية من دون حريات (الديمقراطيات الشعبية كما وصفت ذاتها) إلى أحد أسوا أنواع الاستبداد، حتى بدأ الناس بتصور الديمقراطية كنظام ديمقراطي لبرالي يقوم على حكم الأغلبية بموجب القواعد الديمقراطية اللبرالية بما فيها الرقابة على حكم الأغلبية واستقلال القضاء والحريات وتعميم المواطنة وحقوقها."

    ثانياً، الديمقراطية في عالمنا العربي الراهن

    لا تستحضر الديمقراطية باستحضار "مقومات"، بل يصنعها مناضلون ديمقراطيون


    في المقابل، في رأي مؤلف الكتاب، أنه "لا يمكن بحال من الأحوال تأسيس أو إنشاء نظام ديمقراطي في مرحلتنا التاريخية المعاصرة من دون ديمقراطيين حاملين لقيمها، (تثقيل العبارات وارد في النص الأصلي!) خاصة وأن المطلوب من التأسيس أن يتم دفعة واحدة فلا يعيد عبور المراحل التي قطعتها الديمقراطيات التاريخية.

    يمكن تخيل دور شخوص وأحزاب غير ديمقراطية في عملية تطوير الديمقراطية ونشوئها تاريخيا من دون أن تدري ومن دون وعي منها لطبيعة الدور الذي قامت به. ولكن لا يمكن أن يُبدأ عن سبق الإصرار بتأسيس نظام ديمقراطي في أي منطقة بما في ذلك المنطقة العربية من دون أن يكون الديمقراطيون متورطين في عملية ذلك التأسيس للديمقراطية فكرا وبرنامجا."

    الثقافة المؤسسة للديمقراطية

    "وفي كل مرحلة من مراحل تاريخ نشوء الديمقراطية والصراع على توسعها وتطورها"، يضيف المؤلف، " كان الرعيل الأول من الديمقراطيين يحمل مثلا ديمقراطية، في سياق عصره ومقارنة بما كان، على الأقل. الحال أن الديموقراطية لا تبدأ إلا حين يبادر بإنشائها "الديمقراطيون الأوائل" بمعنى حملة قيم وثقافة تؤمن بداية بسيادة وحقوق الشعب وبالعدالة كحالة من المساواة وبرفض الامتيازات المحصورة في فئات معينة. وكان توق هؤلاء الوطنيين الجمهوريين للاستقلال الوطني والعدالة حقيقيا. في حين أن من يطرح استيراد النظام الديمقراطي جاهزا على بارجة إلى البلدان العربية هم نيو-ليبراليون لا يحملون قيم الليبرالية والديمقراطية ولا الحماس لتحقيق ما يرونه عدالة إطلاقاً.

    ويعتقدون عادة أن هناك تناقضا بين العدالة والإنصاف والبراغماتية التي رفعت إلى درجة القيمة حينا، أو إلى درجة الترادف مع العقلانية أحيانا. هناك ترويج نيولبرالي للتناقض بين العدالة والعقلانية، لا يميز مراحل انطلاق التحولات الديمقراطية بل مراحل الانحلال. ويكفي أن نأخذ مثلا نصائح اللبراليين الجدد العرب المتكررة بألف صيغة للشعب الفلسطيني عند كل مفترق بالتخلي عن العدالة والقبول بموازين القوى فيصلا بينهم وبين إسرائيل، والقبول بشروط الأخيرة للتسوية بحجة الواقعية وعدم تفويت الفرص. ليست هذه صفات ومزايا ولا مميزات الثقافة المؤسِّسَة للديمقراطية."

    من لا يؤمن بقيم الحق والعدل لا يكون ديمقراطيا

    ويبين الكاتب أنه بالرغم من ذلك فإن حلفاء الولايات المتحدة ووكلاء بضاعتها الديمقراطية الجاهزة للتصدير، وبالذات فيما يخص القضية الفلسطينية، لا ينفكون ينصحون شعوب المنطقة بعدم قبول فكرة العدالة أصلاً كمبدأ، وإنما قبول معايير غير حقوقية من نوع موازين القوى وغيرها، وهي نابعة من أفكار وفلسفات قد تعمل في ظل النظام الديمقراطي ولكنها بحد ذاتها لم تنتج ديمقراطية في يوم من الأيام.

    ومن يتخلى عن مفاهيم الحق والعدل لا يمكن أن يكون ديمقراطياً حقيقياً. ... "ويجب أن لا يخطر في البال أنه لو وضعنا "جورج بوش" بعقليته الحالية مواطنا أو سياسيا في بلد ليس فيه ديمقراطية فهو يستطيع أن يقود أو يبدأ أو يساهم في عملية تأسيس ديمقراطية; هو لن يستطيع ذلك لأنه ليس ديمقراطياً. الديمقراطية تتضمن قيماً أساسية من أهمها الصدق والعدالة، وبوش كسائر "المحافظين الجدد" بعيد أقصى البعد عن الإيمان بهذه القيم."

    ويؤكد الكاتب أن الديمقراطية في حالة مثل حالة البلدان العربية هي فوق كل شيء وقبل كل شيء مسألة سياسية نضالية، لا تقدم على صينية من فضة، ولا على دبابة من فولاذ. والأخيرة تؤدي إلى جباية ضحايا من الآخرين، فيبدو الطرف الذي يناضل ويضحي هو الطرف المناهض لـ"الديمقراطية"، ويضيف:

    "هنالك طبعا من يرد على هذا الكلام بحجة أميركية مفادها أن التدخل الأجنبي، والأميركي تحديدا، حيوي ولا يمكن تجنبه أو الاستغناء عنه في عملية إنشاء الديمقراطيات في "دول مستعصية على التحول" لا يمكن أن يسقط فيها النظام من دون تدخل أجنبي. وقد أنشئت مثل هذه النظم بتدخل خارجي، أميركي تحديدا، بعد "عملية بناء الأمة" .. في اليابان وألمانيا وايطاليا. ولكن هذا غير صحيح. فقد كانت اليابان وألمانيا وإيطاليا أمما حديثة قبل الاحتلال، وفي مرحلة حداثة متطورة ووحدة وطنية أدت إلى بدايات نظام ديمقراطي. وكان هنالك إصلاح استمر عقودا في حالة إمبراطورية "ميجي" وتعثر في العشرينيات من القرن العشرين في حالة اليابان، وفي ألمانيا كانت جمهورية فايمر، وايطاليا عاشت تجربة ديمقراطية عقدين قبل مرحلة موسوليني.

    وعج تاريخ تلك البلاد الحديث بديمقراطيين واشتراكيين كقوى اجتماعية وأحزاب وأفراد أصحاب مشاريع ديمقراطية وتقاليد وقواعد اجتماعية في المنافي والمعتقلات. لم يخلق تدخل الولايات المتحدة وحكمها العسكري في تلك الدول نظاما ديمقراطيا من لا شيء. كما أن تدخل الولايات المتحدة جاء منسجما مع التجانس والوحدة الوطنية في هذه الدول وليس حليفا لتقسيمها ومعاديا لثوابتها القومية."

    ولقد خصص الكاتب مساحة كبيرة من نصوصه لكي يبرهن على أن التحول الديمقراطي أكثر جدية من أن يعهد به إلى من لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين حقيقيين ما داموا تحت أي عذر يتراخون في التصدي الفكري والعملي للمشروع الامبريالي للمحافظين الجدد في البيت الأبيض والبنتاغون.

    ثالثاً، القومية هي الوعاء الأكثر جدوى لإنجاح المشروع الديمقراطي

    لقد وظف عزمي بشارة ذخيرة فكرية وعلمية ضخمة لفرز المثقفين الذين يدركون أن إضفاء الأولوية القصوى على الديمقراطية وعلى تمكينها من استعادة المبادرة العربية الوطنية والاجتماعية، يقتضي وجود الوعاء الذي يحتويها والإطار الذي تتشكل فيه وهو الـ "نحن" المتخيلة imagined community. إن هذه "النحن" ليست جماعة عضوية بل هي أشمل من ذلك، ولكنها متخيّلة بأدوات مثل الطباعة والنشر والدولة والتعليم والتـأريخ وكأنها جماعة عضوية. هذه الـ "نحن" ضرورة لازمة لتطوير درجة من التسامح والثقة تمكّن من احتواء سوق وطنية، ومن الاختلاف والتنافس، وتمكن من احتواء التنافس على تعريف الخير العام لهذه الجماعة وتنظيمه بشكل سلمي، (هذه أولويات سابقة لكل النظريات حول بنية الديمقراطية مثل الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وغيرها، لأنها الشرط لفعل هذه النظريات). وفي إطار العضوية في الجماعة السياسية، القومية، ينشأ بدايةً الحديث عن حقوق المواطن ثم يتوسع، حتى يصبح تعريف المواطنة في الدولة تعريفا كونياً متجاوزاً للقومية. إن القومية تتحمل في داخلها النقاش السياسي وتبادل السلطة بالسبل السلمية، والنقاش السياسي يتحول إلى أحزاب، وهذه الأحزاب تحمل وتتحمل الاختلاف في وجهات النظر السياسية بحيث لا ينفرط المجتمع وينحل إلى طوائف وجماعات أهلية متصارعة متحاربة... القومية هي إمكانية "نحن" متخيلة تحتوي هذه العملية.

    جوهر القومية هو دولة المواطنة

    وفي أساس الفكرة القومية عند عزمي بشارة "بناء دولة المواطنة التي تكون ملكاً لجميع مواطنيها من دون أي تمييز عرقي أو إثني أو ديني أو طائفي بين المواطنين سواء في حقوقهم فيها أو واجباتهم تجاهها.."، ولذلك تتناقض الفكرة القومية أيما تناقض مع التشكيلات القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية التي شكلت زمر "الجماعات العضوية التي تعود في تكوينها إلى سلسلة تاريخ طويلة آخر حلقاتها الإمبراطورية العثمانية".

    وكانت الشعوب التي استظلت بهذه "الدولة العلية" بما فيها معظم الشعوب العربية مجرد رعايا للسلطان. وفي غياب حقوق المواطنة بالمفهوم والممارسة الحديثة كانت "مرجعية" الفرد للمحافظة على حقوقه والدفاع عن مصالحه هو العائلة أو العشيرة أو الطائفة التي ينتسب إليها، يحتمي بعزوتها أو أموالها في وجه الوالي أو الانكشاري من منفذي القمع السلطاني.

    بسبب هذه الخلفية، فإن انتقال الولايات العثمانية سابقاً إلى العصر الحديث وتحولها عبر المرحلة الكولونيالية إلى "دول" مستقلة لم يؤدّّ إلى تحوّل أي منها إلى "دولة أمة" بمفهومها الحديث، بمعنى أن كل من يعيش في كنفها يرتبط بالدولة ارتباطاً يلغي كل الولاءات العائلية أو العشائرية أو القبلية ويستبدل بها الولاء للوطن.

    فكما أشرنا في مستهل هذه المراجعة، القومية العربية قبل مرحلة بناء أمة المواطنين هي حاجة عملية لتوحيد غالبية الشعب حتى في الدولة القطرية لكي لا ينهار إلى طوائف، وهي ليست مجرد "إثنية" مختلقة مركبة بل جامع ثقافي من الدرجة الأولى يقوم على عناصر قائمة غير مختلقة مثل اللغة المشتركة، والتعبيرات المختلفة عن تطلعات سياسية مشتركة لها تاريخ حديث وقديم. والقومية العربية، حتى بعناصرها الرومانسية، ليست مجرد حالة رومانسية بل حاجة عملية ماسة وبراغماتية في الوصول ليس فقط إلى مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي، بل أيضا لتزويد المواطن بهوية ثقافية جامعة تحيّد غالبية الطوائف والعشائر، العربية على الأقل، عن التحكم بانتماء الفرد السياسي.

    الديمقراطية ممكنة في الدولة القطرية.. بشروط!

    لذلك يفتح عزمي بشارة الباب على مصراعيه حتى لأقطار من اختراع سايكس بيكو أن تنجز ديمقراطية مستقيمة شريطة أن تنجح مثل هذه الدولة القطرية في تشكيل أمة مدنية على أساس الانخراط في مواطنة حقوقية بحيث تكون الدولة - الأمة المدنية، وليس العشيرة أو الطائفة، هي الضمان ضد الاستبداد. بل قد يستغرب بعض القوميين العرب التمييز الذي يقيمه الكاتب بين قومية عربية ثقافية ينتمي إليها غالبية المواطنين في الدول العربية من جهة، وأمة سياسية قائمة على المواطنة القطرية: هي مجتمع مدني نحو الداخل وأمة نحو الخارج.

    ويمكن أن يستنتج من هذا التمييز تصوّر حالة عربية تنشأ فيها دول قطرية يتشكل مجتمعها على أساس ديمقراطي حقيقي من المواطنين المتساوين فعلاً في الحقوق والواجبات متجاوزين أية روابط عشائرية أو طائفية إلى الولاء الخالص "للوطن". في هذه الحالة قد لا يتم إنجاز دولة-أمة على المستوى العربي الشامل في الأمد القريب، بل قد تنشئ هذه الأقطار مرحلياً بدلاً من ذلك متّحداً اقتصادياً ثقافياً أو commonwealth كونها تضم شعوباً تجمعها قومية ثقافية مشتركة، وهذه حالة متقدمة جداً قياساً بالواقع العربي الحالي، وقد تكون هي التمهيد المطلوب لأي اتحاد طوعي. لكن الدول العربية القطرية القائمة، مع الأسف الشديد، فشلت في عملية بناء الأمة على أساس المواطنة، أو على الأقل على أساس هوية محلية إثنية متخيلة مثلا.


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين سبتمبر 23, 2024 6:29 pm