بقلم: نور الدين عواد - هافانا، كوبا
منذ انتهاء الحرب الباردة ومعها القطبية الثنائية، التي سادت العلاقات الدولية اعتبارا من الانتصار على الفاشية والنازية والعسكرتاريا في الحرب العالمية الثانية، تعيش القارة الامريكية اللاتينية حراكا اجتماعيا وسياسيا متصاعدا، يتجلى في التغيرات المجتمعية بدرجات ووتائر متفاوتة بين بلدانها، التي شهدت ولا زالت تشهد تحولات متشابهة الجذرية في انظمتها السياسية وبناها الاقتصادية، تبعا لطبيعة القوى الطبقية المتربعة على راس هرم سلطة الدولة، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، نزوعا نحو تحقيق الانعتاق النهائي لشعوبها، بعد ان بدات بانتزاع استقلالها السياسي عن الاستعمار الاوروبي منذ 200 عام.
ومع انفلات عقال العولمة الليبرالية الجديدة، بدات بالظهور تكتلات اقتصادية وسياسية لتملا الفراغ الناجم عن اندثار الاشكال التحالفية السابقة، ولعل ابرزها الاتحاد الاوروبي بكل ما له وما عليه، ومحاولات بلورة اتحاد افريقي، و "سيان" الآسيوي...الخ.
الامبريالية، والامريكية تحديدا، ما زالت تحاول فرض شكل وحيد للتكتل في فضاء بلدان العالم الثالث، وأعني به "مناطق التجارة الحرة" والشراكات الاقتصادية كالمتوسطية، والشرق اوسطية وما شابهها، خدمة لراس المال المعولم، وحرصا على توفير المواد الخام والاولية واليد العاملة الرخيصة (التي تصل حد العبودية) والاسواق المفتوحة على مصراعيها دون حسيب (من خلال اضعاف او تفكيك دول المحيط) الا ان مخططاتها ومشاريعها ليست قضاء وقدرا لا مرد له.
امريكا اللاتينية تقدم الدليل الملموس على فشل الاستراتيجية الامبريالية الامريكية في عولمة سيطرة راس المال وزبانيته، تعبيرا عن هرطقات المحافظين الجدد، في خلق عالم على صورة ومقاس "الحضارة الغربية" وتخليد نمط الحياة الامريكية،انطلاقا من "نهاية التاريخ والايديولوجيا" [1] مرورا بـ "صدام الحضارات" [2] الحتمي، من خلال الحروب الوقائية والفجائية ومكافحة الارهاب واشاعة ديموقراطية الفوضى الخلاقة [3] وابادة شعوب وامم واستعباد اخرى....
لقد شكل انتصار وصمود الثورة الكوبية اول اختراق استراتيجي لمشروع الهيمنة والسيطرة الامبريالية الامريكية على القارة الامريكية اللاتينية، وجاء انتصار وصمود وصعود الثورة البوليفرية في فنزويلا بمثابة اختراق استراتيجي ثاني لتلك الاستراتيجية الاستعلائية، المستندة الى عقيدة مونرو [4] منذ بداية القرن التاسع عشر. وما توالي "الثورات" والتغيرات في مختلف بلدان القارة الا مؤشرا على اتجاه السيرورة التاريخية للمنطقة، نحو الخروج من اطار التبعية والخضوع للامبريالية.
ان الوضع الحالي في القارة ليس الا انعكاسا للمنطق الذي حكم الصيرورات الاجتماعية التاريخية في القارة، من خلال "تعاقب الثورة والثورة المضادة والاصلاح والارتداد عن الاصلاح" [5]، اي ان الصراع تاريخي، ولا يزال مفتوحا بين قوى الثورة ونقيضها الداخلي والخارجي، ويمر حاليا بمرحلة "كسر عظم" سيتقرر على اثرها مصير شعوب وامم القارة ومصير الامبراطورية الامريكية فيها.
المحصلة الراهنة لتفاعلات قوى الصراع تشير الى ان "المصالح القومية والحيوية الامريكية" في المنطقة في خطر متزايد، كما تشير الى انسداد الافق امام توسعها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وهذا هو ما يفسر الانعطافة الامبريالية الحالية نحو امريكا اللاتينية، ومحاولة "شرق اوسطتها" من خلال افتعال حرب استنزاف بين دول المنطقة، وشرذمة وتفتيت كل من بوليفيا وفنزويلا والاكوادور[6] ، بتسعير النعرات الاقليمية داخل كل دولة، واعادة رسم جغرافيتها السياسية على اساس عنصري ـ عرقي واقتصادي،مما يؤدي في حالة حصوله، الى نوع من العودة الى "عهد الاقطاع" اي اشاعة اقطاعيات في العالم الثالث في ظل العولمة الليبرالية الجديدة، بكل ما يترتب على ذلك من تفكيك للدول الوطنية وتذرير للشعوب والامم واخراجها من سياقها التاريخي، وتغريبها عن ثقافتها وحضارتها، لكي تقع فريسة سهلة ولقمة سائغة بين فكي الفكر الواحد وثقافة اللاثقافة، تأتمر وتطيع دون اعتراض كالانسان الالي المبرمج وصولا الى عبودية اثينا .[7]
ولا يخفى على المراقبين للوضع في امريكا اللاتينية، ان المصالح الامريكية تواجه مشاكل جدية تتمثل في: وجود حكومات مناهضة للامبرالية في فنزويلا وبوليفيا والاكوادور ونيكاراغوا، تتبنى مواقف مشابهة للمواقف الكوبية؛ انتخاب فيرناندو لوغو رئيسا للباراغواي، وهو قس تقدمي مناهض للامبريالية وعولمتها [8]؛ استحالة الحاق الهزيمة بالقوات المسلحة الثورية الكولومبية فارك وقوات جيش التحرير الوطني، على يد القوات الحكومية وفرق الموت والتشكيلات شبه العسكرية التابعة لها، على الرغم من حجم المساعدات العسكرية الامريكية لحكومة آلفارو أوريبي (اسرائيل امريكا اللاتينية) ويضاف الى ذلك توقعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بحدوث انفجارات اجتماعية في بلدان العالم الثالث، بسبب [9]المجاعة العالمية التي اخذت تنجم عن ازمة المواد الغذائية الحالية .
لكن ليس بالضرورة ان تهب الرياح الامريكية اللاتينية بما تشتهي سفن الاسطول الامريكي الرابع [10]. وما الاعلان عن تاسيس اتحاد شعوب امريكا اللاتينية "أوناسور" يوم 23 مايو الجاري الا دليلا على هذه الحقيقة.
اتحاد شعوب امريكا الجنوبية "أوناسور"
منذ مطلع القرن التاسع عشر، طرح محرر امريكا اللاتينية سيمون بوليفر رؤيته لمصير الاراضي والاقاليم التي كان يتم تحريرها من براثن الاستعمار الاسباني، مؤكدا على ضرورة اقامة اتحاد او فيدرالية سياسية (اتحاد جمهوريات) على طريق تاسيس الامة الامريكية اللاتينية، بمعناها القومي والجيوسياسي. غير ان الظروف الموضوعية والذاتية لم تكن مؤاتية بما فيه الكفاية لتحقيق ذلك الحلم المشروع.
وفي نهاية القرن المذكور، طرح البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي رؤيته لذلك الاتحاد، على انه "اتحاد روحي مستتر" على الرغم من ان مارتي في لحظة اخرى من حياته، عاد وقال ان "مالم يفعله بوليفر في اميريكا لا زال بانتظار الانجاز".
ومع انتصار الثورة البوليفرية في فنزويلا بقيادة أوغو شافيس، ظهر مشروع بوليفر من جديد، وبزخم كبير ودعم غير مشروط من فيديل كاسترو، في اطار ما يطلق عليه "البديل البوليفري للامريكتين آلبا".
هذه هي الاسبقيات التاريخية لهذه الخطوة الصحيحة، التي قامت بها دول امريكا الجنوبية مؤخرا، باتجاه ارساء الاسس المتينة لانجاز التكامل بينها دون مشاركة او مباركة اللولايات المتحدة الامريكية. ويشكل هذا الحدث اختراقا ثالثا للاستراتيجية الامبريالية الامريكية على طريق الخلاص منها نهائيا.
وللعلم فان الاسبقيات الحديثة لهذا الاتحاد، تتمثل في الاسس التي اقرتها عام 2004، كل من فنزويلا، الارجنتين، بوليفيا، الاوروغواي،البرازيل، والاكوادور. وكانت قمة برازيليا التي عقدت يوم 30سبتمبر 2005، قد حددت مجال عمل هذا الاتحاد على النحو التالي: الحوار السياسي، التكامل المادي، البيئة، التكامل الطاقوي، آليات التمويل الامريكي الجنوبي، التفاوتات بين بلدان المنطقة، الترويج للتماسك الاجتماعي، الاندماج الاجتماعي، العدالة الاجتماعية ومجال الاتصالات السلكلة واللاسلكية. وفوق كل ذلك حلف عسكري دون الولايات المتحدة الامريكية.
لكن الاسس النهائية للاتحاد، تم اقرارها في "القمة الاولى للطاقة في امريكا الجنوبية" التي عقدت في جزيرة مارغاريتا الفنزويلية يوم 16ابريل2007، اذ اطلق عليها الرئيس شافيس لقب "القمة المثلى" بسبب قراراتها الملموسة على طريق التكامل. وتم الاتفاق على عقد قمة على مستوى رؤساء الدول من اجل التوقيع على الاتفاق النهائي، في كولومبيا في شهر ديسمبر 2007.
الا ان الرئيس آلفارو أوريبي أجّل القمة لغاية يناير 2008، دون تحديد اي تاريخ، مما حدى بوزير الخارجية الفنزويلية نيقولاس مادورو، الى المطالبة يوم 19يناير بحسم موعد الانعقاد. وقال ان الموقف الكولومبي "على صلة بمحاولات عرقلة تقدم اتحاد بلدان امريكا الجنوبية أوناسور...هناك من لا يؤمنون بوحدة امريكا الجنوبية [11] لانهم لا زالوا يفكرون بان مستقبل القارة يجب ان يكون في خدمة وعبودية مصالح السلطان الامريكي". وجاء شافيس اكثر صراحة من وزير خارجيته اذ قال بان أوريبي يضع العراقيل امام الاتحاد بأوامر من واشنطن.
على اثر ذلك حددت الحكومة الكولومبية موعد القمة يومي 28 و29مارس 2008، في قرطاجنة. غير ان عدوانها على الاكوادور يوم الاول من مارس 2008 عكر الجو تماما. وهنا تحركت الحكمة البرازيلية لانقاذ المبادرة، وحصلت على الاجماع من اجل عقد القمة في 23مايو الجاري وهكذا كان.
وقام رؤساء 12 دولة [12] بالتوقيع على الاتفاق التاسيسي لاتحاد بلدان امريكا الجنوبية "أوناسور" الذي يعد حدثا تاريخيا هاما؛ قد يضطلع بدور اقليمي ودولي على غرار الاتحاد الاوروبي مع الاحتفاظ بفارق نوعي بين الحالتين: الاتحاد الاوروبي يلعب دوره في اطار الاستراتيجية الامبريالية العالمية، وتحت مظلة الامبريالية الامريكية، بينما الاتحاد الامريكي الجنوبي يلعب دور في اطار استراتيجية العالمثالثية، وخارج نطاق وهيمنة الجزمة الامريكية.
وعلى الرغم من عدم اقرار مشروع "مجلس الدفاع الامريكي الجنوبي" [13] بموجب مبادرة من البرازيل(العقبة الاساسية كولومبيا المنخرطة في "علاقة الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واسرائيل" [14]) الا انه لا مناص من ذلك، سواء كان كهيئة تابعة للاتحاد ام تكتلا خارجه، لانه لا يمكن الحفاظ على استقلالية وتنمية القارة، دون استراتيجية وقوة عسكرية متكاملة، قادرة على ردع الاطماع الامبريالية، او على الاقل التصدي لها والدفاع عن مصالح وثروات ومستقبل المنطقة وشعوبها
منذ انتهاء الحرب الباردة ومعها القطبية الثنائية، التي سادت العلاقات الدولية اعتبارا من الانتصار على الفاشية والنازية والعسكرتاريا في الحرب العالمية الثانية، تعيش القارة الامريكية اللاتينية حراكا اجتماعيا وسياسيا متصاعدا، يتجلى في التغيرات المجتمعية بدرجات ووتائر متفاوتة بين بلدانها، التي شهدت ولا زالت تشهد تحولات متشابهة الجذرية في انظمتها السياسية وبناها الاقتصادية، تبعا لطبيعة القوى الطبقية المتربعة على راس هرم سلطة الدولة، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، نزوعا نحو تحقيق الانعتاق النهائي لشعوبها، بعد ان بدات بانتزاع استقلالها السياسي عن الاستعمار الاوروبي منذ 200 عام.
ومع انفلات عقال العولمة الليبرالية الجديدة، بدات بالظهور تكتلات اقتصادية وسياسية لتملا الفراغ الناجم عن اندثار الاشكال التحالفية السابقة، ولعل ابرزها الاتحاد الاوروبي بكل ما له وما عليه، ومحاولات بلورة اتحاد افريقي، و "سيان" الآسيوي...الخ.
الامبريالية، والامريكية تحديدا، ما زالت تحاول فرض شكل وحيد للتكتل في فضاء بلدان العالم الثالث، وأعني به "مناطق التجارة الحرة" والشراكات الاقتصادية كالمتوسطية، والشرق اوسطية وما شابهها، خدمة لراس المال المعولم، وحرصا على توفير المواد الخام والاولية واليد العاملة الرخيصة (التي تصل حد العبودية) والاسواق المفتوحة على مصراعيها دون حسيب (من خلال اضعاف او تفكيك دول المحيط) الا ان مخططاتها ومشاريعها ليست قضاء وقدرا لا مرد له.
امريكا اللاتينية تقدم الدليل الملموس على فشل الاستراتيجية الامبريالية الامريكية في عولمة سيطرة راس المال وزبانيته، تعبيرا عن هرطقات المحافظين الجدد، في خلق عالم على صورة ومقاس "الحضارة الغربية" وتخليد نمط الحياة الامريكية،انطلاقا من "نهاية التاريخ والايديولوجيا" [1] مرورا بـ "صدام الحضارات" [2] الحتمي، من خلال الحروب الوقائية والفجائية ومكافحة الارهاب واشاعة ديموقراطية الفوضى الخلاقة [3] وابادة شعوب وامم واستعباد اخرى....
لقد شكل انتصار وصمود الثورة الكوبية اول اختراق استراتيجي لمشروع الهيمنة والسيطرة الامبريالية الامريكية على القارة الامريكية اللاتينية، وجاء انتصار وصمود وصعود الثورة البوليفرية في فنزويلا بمثابة اختراق استراتيجي ثاني لتلك الاستراتيجية الاستعلائية، المستندة الى عقيدة مونرو [4] منذ بداية القرن التاسع عشر. وما توالي "الثورات" والتغيرات في مختلف بلدان القارة الا مؤشرا على اتجاه السيرورة التاريخية للمنطقة، نحو الخروج من اطار التبعية والخضوع للامبريالية.
ان الوضع الحالي في القارة ليس الا انعكاسا للمنطق الذي حكم الصيرورات الاجتماعية التاريخية في القارة، من خلال "تعاقب الثورة والثورة المضادة والاصلاح والارتداد عن الاصلاح" [5]، اي ان الصراع تاريخي، ولا يزال مفتوحا بين قوى الثورة ونقيضها الداخلي والخارجي، ويمر حاليا بمرحلة "كسر عظم" سيتقرر على اثرها مصير شعوب وامم القارة ومصير الامبراطورية الامريكية فيها.
المحصلة الراهنة لتفاعلات قوى الصراع تشير الى ان "المصالح القومية والحيوية الامريكية" في المنطقة في خطر متزايد، كما تشير الى انسداد الافق امام توسعها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وهذا هو ما يفسر الانعطافة الامبريالية الحالية نحو امريكا اللاتينية، ومحاولة "شرق اوسطتها" من خلال افتعال حرب استنزاف بين دول المنطقة، وشرذمة وتفتيت كل من بوليفيا وفنزويلا والاكوادور[6] ، بتسعير النعرات الاقليمية داخل كل دولة، واعادة رسم جغرافيتها السياسية على اساس عنصري ـ عرقي واقتصادي،مما يؤدي في حالة حصوله، الى نوع من العودة الى "عهد الاقطاع" اي اشاعة اقطاعيات في العالم الثالث في ظل العولمة الليبرالية الجديدة، بكل ما يترتب على ذلك من تفكيك للدول الوطنية وتذرير للشعوب والامم واخراجها من سياقها التاريخي، وتغريبها عن ثقافتها وحضارتها، لكي تقع فريسة سهلة ولقمة سائغة بين فكي الفكر الواحد وثقافة اللاثقافة، تأتمر وتطيع دون اعتراض كالانسان الالي المبرمج وصولا الى عبودية اثينا .[7]
ولا يخفى على المراقبين للوضع في امريكا اللاتينية، ان المصالح الامريكية تواجه مشاكل جدية تتمثل في: وجود حكومات مناهضة للامبرالية في فنزويلا وبوليفيا والاكوادور ونيكاراغوا، تتبنى مواقف مشابهة للمواقف الكوبية؛ انتخاب فيرناندو لوغو رئيسا للباراغواي، وهو قس تقدمي مناهض للامبريالية وعولمتها [8]؛ استحالة الحاق الهزيمة بالقوات المسلحة الثورية الكولومبية فارك وقوات جيش التحرير الوطني، على يد القوات الحكومية وفرق الموت والتشكيلات شبه العسكرية التابعة لها، على الرغم من حجم المساعدات العسكرية الامريكية لحكومة آلفارو أوريبي (اسرائيل امريكا اللاتينية) ويضاف الى ذلك توقعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بحدوث انفجارات اجتماعية في بلدان العالم الثالث، بسبب [9]المجاعة العالمية التي اخذت تنجم عن ازمة المواد الغذائية الحالية .
لكن ليس بالضرورة ان تهب الرياح الامريكية اللاتينية بما تشتهي سفن الاسطول الامريكي الرابع [10]. وما الاعلان عن تاسيس اتحاد شعوب امريكا اللاتينية "أوناسور" يوم 23 مايو الجاري الا دليلا على هذه الحقيقة.
اتحاد شعوب امريكا الجنوبية "أوناسور"
منذ مطلع القرن التاسع عشر، طرح محرر امريكا اللاتينية سيمون بوليفر رؤيته لمصير الاراضي والاقاليم التي كان يتم تحريرها من براثن الاستعمار الاسباني، مؤكدا على ضرورة اقامة اتحاد او فيدرالية سياسية (اتحاد جمهوريات) على طريق تاسيس الامة الامريكية اللاتينية، بمعناها القومي والجيوسياسي. غير ان الظروف الموضوعية والذاتية لم تكن مؤاتية بما فيه الكفاية لتحقيق ذلك الحلم المشروع.
وفي نهاية القرن المذكور، طرح البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي رؤيته لذلك الاتحاد، على انه "اتحاد روحي مستتر" على الرغم من ان مارتي في لحظة اخرى من حياته، عاد وقال ان "مالم يفعله بوليفر في اميريكا لا زال بانتظار الانجاز".
ومع انتصار الثورة البوليفرية في فنزويلا بقيادة أوغو شافيس، ظهر مشروع بوليفر من جديد، وبزخم كبير ودعم غير مشروط من فيديل كاسترو، في اطار ما يطلق عليه "البديل البوليفري للامريكتين آلبا".
هذه هي الاسبقيات التاريخية لهذه الخطوة الصحيحة، التي قامت بها دول امريكا الجنوبية مؤخرا، باتجاه ارساء الاسس المتينة لانجاز التكامل بينها دون مشاركة او مباركة اللولايات المتحدة الامريكية. ويشكل هذا الحدث اختراقا ثالثا للاستراتيجية الامبريالية الامريكية على طريق الخلاص منها نهائيا.
وللعلم فان الاسبقيات الحديثة لهذا الاتحاد، تتمثل في الاسس التي اقرتها عام 2004، كل من فنزويلا، الارجنتين، بوليفيا، الاوروغواي،البرازيل، والاكوادور. وكانت قمة برازيليا التي عقدت يوم 30سبتمبر 2005، قد حددت مجال عمل هذا الاتحاد على النحو التالي: الحوار السياسي، التكامل المادي، البيئة، التكامل الطاقوي، آليات التمويل الامريكي الجنوبي، التفاوتات بين بلدان المنطقة، الترويج للتماسك الاجتماعي، الاندماج الاجتماعي، العدالة الاجتماعية ومجال الاتصالات السلكلة واللاسلكية. وفوق كل ذلك حلف عسكري دون الولايات المتحدة الامريكية.
لكن الاسس النهائية للاتحاد، تم اقرارها في "القمة الاولى للطاقة في امريكا الجنوبية" التي عقدت في جزيرة مارغاريتا الفنزويلية يوم 16ابريل2007، اذ اطلق عليها الرئيس شافيس لقب "القمة المثلى" بسبب قراراتها الملموسة على طريق التكامل. وتم الاتفاق على عقد قمة على مستوى رؤساء الدول من اجل التوقيع على الاتفاق النهائي، في كولومبيا في شهر ديسمبر 2007.
الا ان الرئيس آلفارو أوريبي أجّل القمة لغاية يناير 2008، دون تحديد اي تاريخ، مما حدى بوزير الخارجية الفنزويلية نيقولاس مادورو، الى المطالبة يوم 19يناير بحسم موعد الانعقاد. وقال ان الموقف الكولومبي "على صلة بمحاولات عرقلة تقدم اتحاد بلدان امريكا الجنوبية أوناسور...هناك من لا يؤمنون بوحدة امريكا الجنوبية [11] لانهم لا زالوا يفكرون بان مستقبل القارة يجب ان يكون في خدمة وعبودية مصالح السلطان الامريكي". وجاء شافيس اكثر صراحة من وزير خارجيته اذ قال بان أوريبي يضع العراقيل امام الاتحاد بأوامر من واشنطن.
على اثر ذلك حددت الحكومة الكولومبية موعد القمة يومي 28 و29مارس 2008، في قرطاجنة. غير ان عدوانها على الاكوادور يوم الاول من مارس 2008 عكر الجو تماما. وهنا تحركت الحكمة البرازيلية لانقاذ المبادرة، وحصلت على الاجماع من اجل عقد القمة في 23مايو الجاري وهكذا كان.
وقام رؤساء 12 دولة [12] بالتوقيع على الاتفاق التاسيسي لاتحاد بلدان امريكا الجنوبية "أوناسور" الذي يعد حدثا تاريخيا هاما؛ قد يضطلع بدور اقليمي ودولي على غرار الاتحاد الاوروبي مع الاحتفاظ بفارق نوعي بين الحالتين: الاتحاد الاوروبي يلعب دوره في اطار الاستراتيجية الامبريالية العالمية، وتحت مظلة الامبريالية الامريكية، بينما الاتحاد الامريكي الجنوبي يلعب دور في اطار استراتيجية العالمثالثية، وخارج نطاق وهيمنة الجزمة الامريكية.
وعلى الرغم من عدم اقرار مشروع "مجلس الدفاع الامريكي الجنوبي" [13] بموجب مبادرة من البرازيل(العقبة الاساسية كولومبيا المنخرطة في "علاقة الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واسرائيل" [14]) الا انه لا مناص من ذلك، سواء كان كهيئة تابعة للاتحاد ام تكتلا خارجه، لانه لا يمكن الحفاظ على استقلالية وتنمية القارة، دون استراتيجية وقوة عسكرية متكاملة، قادرة على ردع الاطماع الامبريالية، او على الاقل التصدي لها والدفاع عن مصالح وثروات ومستقبل المنطقة وشعوبها
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007