من طبيعة الأمم أنها تمر بكل المراحل التي يمر بها الإنسان في رحلة حياته؛ فهي تولد في البداية ضعيفة ثم تقوى تدريجيًّا، حتى تصل إلى مرحلة الشباب حيث القوة المفرطة التي قد تكون بلا حكمة أحيانًا، ثم تدخل في طور جديد من الخبرة والاستقرار، ثم إنها في النهاية تدخل في مرحلة الشيخوخة فالاحتضار.
رأينا هذه المراحل كلها في الدولة الفارسية والرومانية، ورأيناها في حضارة الفراعنة والبابليين، ورأيناها في دولة التتار، ورأيناها في إنجلترا وفرنسا، ورأيناها مؤخرًا في الاتحاد السوفيتي، ونراها اليوم في دولة أمريكا!
لقد وصلت أمريكا في غضون الستين سنة الماضية - منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية - إلى أقصى درجات مجدها، وحققت من النجاحات ما لم تكن تحلم بتحقيقه، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سنة 1991م، وأصبحت أساطيلها تجوب الدنيا بكاملها، ووصلت هيمنتها إلى معظم قصور الرئاسة في العالم، واستقرت أوضاعها إلى حد كبير، وباتت - كما هو واضح - قطبًا أوحد في العالم ليس له منافس.
وعلى الرغم من الصدمة المفاجئة التي حدثت لها في سبتمبر 2001م - بصرف النظر عن فاعلها - إلا أنها تمالكت نفسها بسرعة، واستغلت الحدث استغلالاً سياسيًّا احترافيًّا؛ فمدت سيطرتها على أجزاء كثيرة من الدنيا بدعوى حرب الإرهاب، ووضعت أقدامها في أفغانستان والعراق، بل وبدأت تبحث بخُطا حثيثة عن أماكن صراع أخرى في السودان وليبيريا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وغيرها.
كل هذا رأيناه جميعًا، ولم يكن التصاعد الأمريكي خافيًا على أحد، لكن هذا التصاعد لم يكن ليستمر أبدًا؛ لأن استمراره مخالف للسنن الثابتة في هذا الكون.. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} (يس: 68).
لا بد من الدخول في مرحلة الشيخوخة، وليس بالضرورة أن يحدث في الشيخوخة موت سريع، أو هبوط حاد، إنما المعتاد أن تتراجع القوة تدريجيًّا، ويفقد الشيخ طرفًا من إمكانياته وقدراته كل يوم.
لقد رأينا تراجعًا واضحًا في القوة الأمريكية، وخاصة من سنة 2004م وإلى الآن؛ ولذلك شواهد كثيرة..
لقد فشلت أمريكا في فرض سيطرة آمنة على دولة العراق المسلمة؛ وذلك مع مرور أضعاف المدة التي حددتها أمريكا لفرض السيطرة.
وفشلت أمريكا في القضاء على حركة طالبان وزعمائها مع أنها نجحت في تغيير نظام الحكم هناك، ووضعت حكومة عميلة، وغضت الطرف عن سقوط برويز مشرف في باكستان، ولم تستطع الوقوف بجوراه مع كونه واحدًا من أكبر حلفائها في جنوب آسيا.
وفشلت أمريكا في اتخاذ أي تصرّف حازم ضد كوريا الشمالية التي أعلنت بوضوح وصرامة أنها لن توقف تطوير سلاحها النووي، وكذلك حدث مع إيران التي تحثُّ الخُطا في مشروعها النووي أيضًا.
وفشلت أمريكا في قمع النمو الصيني المتزايد، بل اضطرت إلى عقد اتفاقات ومعاهدات ومهادنات، ورأينا التنين الصيني يغزو أسواق العالم، ورأينا اتفاقات صينية نفطية على أعلى مستوى، ورأينا غزوًا للفضاء، ورأينا تطويرًا للسلاح والطائرات والتقنية، كل ذلك وليس هناك رد فعل مناسب من القوة الأمريكية.
وفشلت أمريكا أيضًا في ترويض الدب الروسي، الذي راودته الأحلام من جديد لاستعادة أمجاد الآباء، فانطلق في الشيشان وغيرها من جمهوريات الجنوب الروسي، والآن في جورجيا، ووضعت روسيا أنفها في معظم المباحثات العالمية، وأصبح لزامًا على أمريكا أن تغض الطرف حتى لا تستخدم روسيا الفيتو ضد قرارات أمريكا بخصوص فلسطين ولبنان وسوريا وإيران.
وفشلت أمريكا كذلك في قمع الانتفاضات المتتالية في أمريكا اللاتينية، ولم تعد المسألة هناك شعبية فقط، بل أصبحت حكومية أيضًا، وجاهر الجميع بالعداء المباشر للقوة الأمريكية، وبدأت نماذج لاتينية قوية في الظهور مثل البرازيل وفنزويلا، بل ولعلنا سمعنا مؤخرًا عن طرد السفراء الأمريكيين في بوليفيا والمكسيك، وكذلك هندوراس.
وسمعنا بالاستفتاءات المتتالية في اليابان من أجل إنشاء جيش ياباني، والخروج من الهيمنة العسكرية الأمريكية الموجودة منذ أكثر من ستين سنة.
ونسمع الآن عن أكبر أزمة مالية في تاريخ أمريكا.
كل هذه المشاهد وغيرها تشير إلى أن أمريكا دخلت بالفعل في مرحلة الشيخوخة، كالتي دخلت فيها إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مرحلة قد تمتد لفترات طويلة، ولكن لا بد لها من نهاية، وسيصل الأمر إلى ما وصل إليه قبل ذلك مع القوى العالمية السابقة.. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الفتح: 23).
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا بقوة..
ماذا نحن فاعلون إزاء هذه التغيرات العالمية الكبرى؟ وهل سنكتفي بالمشاهدة والمراقبة؟ وهل نكتفي بالتخمين: من سيكون خليفة لأمريكا؟ هل هو التنين الصيني؟ أم الدب الروسي؟ أم تراهم الهنود؟ أم سيكون التحالف الأوربي الجديد؟
إن التاريخ الإنساني بكامله يشهد أن الضعفاء ليس لهم مكان في خريطة العالم، وأن العالم لا يحترم حقًّا، ولا يقدِّر أحدًا إلا إذا كان محميًّا بقوة، وأنواع القوة كثيرة، لكن لا بُدَّ من قوة، وبغيرها سيتنازل المسلمون عن مكانتهم التي أرادها الله عز وجل لهم.
إن أمة الإسلام أمة باقية خالدة، والذي يحدث إذا تخلى جيل عن الأخذ بأسباب السيادة والتمكين أن الله عز وجل يستبدل هذا الجيل بكامله، ويأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم.
فلنحذر جميعًا سنة الاستبدال، ولنبحث جميعًا عن قوتنا وأسبابها، ومن أراد تفصيلاتها فهي موجودة في كل صفحة من صفحات القرآن والسنة، والحديث عنها ضروري، والبحث عنها واجب. وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
رأينا هذه المراحل كلها في الدولة الفارسية والرومانية، ورأيناها في حضارة الفراعنة والبابليين، ورأيناها في دولة التتار، ورأيناها في إنجلترا وفرنسا، ورأيناها مؤخرًا في الاتحاد السوفيتي، ونراها اليوم في دولة أمريكا!
لقد وصلت أمريكا في غضون الستين سنة الماضية - منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية - إلى أقصى درجات مجدها، وحققت من النجاحات ما لم تكن تحلم بتحقيقه، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سنة 1991م، وأصبحت أساطيلها تجوب الدنيا بكاملها، ووصلت هيمنتها إلى معظم قصور الرئاسة في العالم، واستقرت أوضاعها إلى حد كبير، وباتت - كما هو واضح - قطبًا أوحد في العالم ليس له منافس.
وعلى الرغم من الصدمة المفاجئة التي حدثت لها في سبتمبر 2001م - بصرف النظر عن فاعلها - إلا أنها تمالكت نفسها بسرعة، واستغلت الحدث استغلالاً سياسيًّا احترافيًّا؛ فمدت سيطرتها على أجزاء كثيرة من الدنيا بدعوى حرب الإرهاب، ووضعت أقدامها في أفغانستان والعراق، بل وبدأت تبحث بخُطا حثيثة عن أماكن صراع أخرى في السودان وليبيريا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وغيرها.
كل هذا رأيناه جميعًا، ولم يكن التصاعد الأمريكي خافيًا على أحد، لكن هذا التصاعد لم يكن ليستمر أبدًا؛ لأن استمراره مخالف للسنن الثابتة في هذا الكون.. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} (يس: 68).
لا بد من الدخول في مرحلة الشيخوخة، وليس بالضرورة أن يحدث في الشيخوخة موت سريع، أو هبوط حاد، إنما المعتاد أن تتراجع القوة تدريجيًّا، ويفقد الشيخ طرفًا من إمكانياته وقدراته كل يوم.
لقد رأينا تراجعًا واضحًا في القوة الأمريكية، وخاصة من سنة 2004م وإلى الآن؛ ولذلك شواهد كثيرة..
لقد فشلت أمريكا في فرض سيطرة آمنة على دولة العراق المسلمة؛ وذلك مع مرور أضعاف المدة التي حددتها أمريكا لفرض السيطرة.
وفشلت أمريكا في القضاء على حركة طالبان وزعمائها مع أنها نجحت في تغيير نظام الحكم هناك، ووضعت حكومة عميلة، وغضت الطرف عن سقوط برويز مشرف في باكستان، ولم تستطع الوقوف بجوراه مع كونه واحدًا من أكبر حلفائها في جنوب آسيا.
وفشلت أمريكا في اتخاذ أي تصرّف حازم ضد كوريا الشمالية التي أعلنت بوضوح وصرامة أنها لن توقف تطوير سلاحها النووي، وكذلك حدث مع إيران التي تحثُّ الخُطا في مشروعها النووي أيضًا.
وفشلت أمريكا في قمع النمو الصيني المتزايد، بل اضطرت إلى عقد اتفاقات ومعاهدات ومهادنات، ورأينا التنين الصيني يغزو أسواق العالم، ورأينا اتفاقات صينية نفطية على أعلى مستوى، ورأينا غزوًا للفضاء، ورأينا تطويرًا للسلاح والطائرات والتقنية، كل ذلك وليس هناك رد فعل مناسب من القوة الأمريكية.
وفشلت أمريكا أيضًا في ترويض الدب الروسي، الذي راودته الأحلام من جديد لاستعادة أمجاد الآباء، فانطلق في الشيشان وغيرها من جمهوريات الجنوب الروسي، والآن في جورجيا، ووضعت روسيا أنفها في معظم المباحثات العالمية، وأصبح لزامًا على أمريكا أن تغض الطرف حتى لا تستخدم روسيا الفيتو ضد قرارات أمريكا بخصوص فلسطين ولبنان وسوريا وإيران.
وفشلت أمريكا كذلك في قمع الانتفاضات المتتالية في أمريكا اللاتينية، ولم تعد المسألة هناك شعبية فقط، بل أصبحت حكومية أيضًا، وجاهر الجميع بالعداء المباشر للقوة الأمريكية، وبدأت نماذج لاتينية قوية في الظهور مثل البرازيل وفنزويلا، بل ولعلنا سمعنا مؤخرًا عن طرد السفراء الأمريكيين في بوليفيا والمكسيك، وكذلك هندوراس.
وسمعنا بالاستفتاءات المتتالية في اليابان من أجل إنشاء جيش ياباني، والخروج من الهيمنة العسكرية الأمريكية الموجودة منذ أكثر من ستين سنة.
ونسمع الآن عن أكبر أزمة مالية في تاريخ أمريكا.
كل هذه المشاهد وغيرها تشير إلى أن أمريكا دخلت بالفعل في مرحلة الشيخوخة، كالتي دخلت فيها إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مرحلة قد تمتد لفترات طويلة، ولكن لا بد لها من نهاية، وسيصل الأمر إلى ما وصل إليه قبل ذلك مع القوى العالمية السابقة.. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الفتح: 23).
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا بقوة..
ماذا نحن فاعلون إزاء هذه التغيرات العالمية الكبرى؟ وهل سنكتفي بالمشاهدة والمراقبة؟ وهل نكتفي بالتخمين: من سيكون خليفة لأمريكا؟ هل هو التنين الصيني؟ أم الدب الروسي؟ أم تراهم الهنود؟ أم سيكون التحالف الأوربي الجديد؟
إن التاريخ الإنساني بكامله يشهد أن الضعفاء ليس لهم مكان في خريطة العالم، وأن العالم لا يحترم حقًّا، ولا يقدِّر أحدًا إلا إذا كان محميًّا بقوة، وأنواع القوة كثيرة، لكن لا بُدَّ من قوة، وبغيرها سيتنازل المسلمون عن مكانتهم التي أرادها الله عز وجل لهم.
إن أمة الإسلام أمة باقية خالدة، والذي يحدث إذا تخلى جيل عن الأخذ بأسباب السيادة والتمكين أن الله عز وجل يستبدل هذا الجيل بكامله، ويأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم.
فلنحذر جميعًا سنة الاستبدال، ولنبحث جميعًا عن قوتنا وأسبابها، ومن أراد تفصيلاتها فهي موجودة في كل صفحة من صفحات القرآن والسنة، والحديث عنها ضروري، والبحث عنها واجب. وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007