صريح الكلام في عصر الظلام / بقلم : خليل الطميزي
الجيل الذي قاد حركة الاستقلال والتحرير في اواسط القرن الماضي ، وانجز مرحلة تعتبر من ازهى مراحل تاريخنا المعاصر ، هذا الجيل هو من اسقط حلف بغداد ، واحبط مخططات الهيمنة والاحتواء لمنطقتنا ، وشارك في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز لتكون الداعمة لحركات التحرر في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ايمانا منه بأن قضية الحرية واحدة لا تتجزأ ، وان الاستقلال وحق تقرير المصير لكل شعوب الارض هو حق لا جدال فيه ، لا يمكن التنازل عنه او التراجع عن انجازه . وعلى الصعيد الداخلي نشروا التعليم وافتتحوا الاف المدارس ، وجعلوا التعليم الزاميا لمستويات معينة تضمن استيعاب المرء لمتغيرات العصر ، قناعة منهم بأن التعليم يشكل البنية الاساسية للتنمية والتقدم والنهوض ، فشعب لا يتعلم فهو بالقطع لن يتقدم . هذا الجيل الذي عاش لحظات الانتصار والانجاز الوطني على غير صعيد ، يعتبر بحق المؤسس لعصر نهضوي عربي .
ولكن وللأسف تبدلت الاحوال ، وتغيرت الظروف ، وجاءت حركة الرياح غير مواتية لتحرف سفينة نهضتنا عن مقاصدها وتفقدها قدرة السير في الاتجاه الصحيح ، جرى كل ذلك بفعل خارجي وتناغم اقليمي في فضاء ثقافي ظلامي اسست له ورعته مدرسة " ابن باز " مدعومة بسيل جارف من البترودولار ، لتسود ذهنية التحريم والتكفير لدرجة ان " ابن باز " هذا قد اصدر فتوى في اوائل الستينيات يكفر فيها كل من يقول بكروية الارض ، ومات وهو ينكر كرويتها . وهنا من حق المرء ان يسأل : اين سيوصلنا هذا الفكر الذي ينكر حقيقة بديهية يعرفها اطفال السنة الرابعة الابتدائية .
وجاءت هزيمة حزيران التي تحولت بها ومعها مظاهر النهضة الى ردة صريحة ، توالت بعدها مسلسلات الهزائم والانكسارات وفي كل المجالات السياسية منها والاقتصادية والثقافية والنفسية.
في عصر النهضة اختار السوريون فارس الخوري رئيسا لوزرائهم ، وقد اثبت جدارة في عمله يشهد لها تاريخ سوريا الحديث ، ورأينا آنذك ان الكثيرين من الاخوة المسيحيين وهم يقودون حركات واحزاباً وطنية شاركت بفعالية واقتدارفي معارك التحرير ، و ابدوا فيها حرصا مميزا على الوحدة الوطنية باعتبارها الشرط والضرورة لانتصار الشعوب . اما في عصر الردة يأتي خريجو مدرسة " ابن باز " مطالبين بفرض الجزية على المسيحيين وتحديدا على اقباط مصر ليزرعوا بذلك فتنة طائفية في اكبر واهم دولة عربية ، ما زالت فصولها الخطيرة تتوالى ، مع ان سيدنا عمر ابن الخطاب المؤسس الفعلي للدولة الاسلامية قد اعفى القبائل العربية النصرانية من دفعها ، فلمصلحة من تستباح وحدة مصر الوطنية ؟ وهل دعاة فرض الجزية في القرن الحادي والعشرين احرص من سيدنا عمر على الاسلام ؟ وهل هم اعلم بالاسلام منه ؟
في عصر النهضة كان العمال العرب في الموانىء والمطارات العربية يمتنعون عن تفريغ وتحميل سفن وطائرات الدول الاستعمارية اذا ما تعرضت بعدوان على دولة عربية ، وهذا ما جرى ابان العدوان الثلاثي على مصر ، اما في زمن الردة وعندما اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت عاصمته بيروت ، لم يتحرك لنا ساكن شعوبا وحكومات . وكانت المظاهرة الوحيدة التي خرجت احتجاجا على العدوان في ميدان الملوك بتل ابيب ، فيا للعار.
اما على صعيد الانظمة والحكومات فحدث ولا حرج ، فقد حولنا _ وهذا اختراع يسجل لنا _ الانظمة الجمهورية الى جمهوزيات وراثية ، فالمهم ان يبقى شيخ القبيلة ومليشياته العشائرية والطائفية ، واذا ما هزمنا في معركة وبقي الشيخ فهو النصر المبين ، واذا ما احتلت ارضنا واستمر الشيخ في كرسيه فلا مشكلة
واذا ما استشرى الفقر وتزايدت اعداد الاميين وتراجع التعليم ، وانهار الاقتصاد وزادت المديونية بفعل النهب والفساد فلا ضير في ذلك فكلها من نعم الشيخ ومن فضل طويل العمر علينا .
اما فلسطين التي تخوض مرحلة التحرر في ظروف صعبة ومعقدة واستثنائية لم تعرفها حركات التحرر في مشارق الارض ومغاربها ، مما يفرض علينا ان نعض بالنواجذ على مفتاح الانتصار وشرطه المتمثل في الوحدة الوطنية ، والتي لم تعد موجودة بعد ما جرى ويجري في غزة ، لنغرق جميعا في مأساة غير مسبوقة ، فمثلا اذا ما تقدم طرف باقتراح للتهدئة ووافقت عليه الرئاسة حفاظا على المصالح الوطنية العليا لشعبنا ، قوبل فورا بالرفض من قبل " حماس " حفاظا على مقاومة لم تعد موجودة خارج احياء " الصبرة والشجاعية " متهمة الرئاسة بالخيانة والتآمر ، واذا ما جاء دور " حماس " بعد اشهر لتطلب تهدئة دون عرض او طلب من احد بذريعة المحافظة على المصالح الوطنية العليا لشعبنا الغلبان وحماية مقاومته متهمة كل من يخرقها بالخيانة والتآمر ، ان ما يجري من تبدل في الادوار ، وتباين في المواقف ، واختلاف في الارآء ، افقد المواطن القدرة على التمييز بين الوطنية والمقاومة وبين الخيانة والتآمر ، وصار لا يعرف اين تكمن مصلحته افي التهدئة ام في خرقها ، وادخل الجميع في جدل بيزنطي حول اسبقية البيضة على الدجاجة ام الدجاجة على البيضة .
نخلص من كل ما تقدم اننا نعيش زمناً غابت عنه وحدة الصف ووحدة الهدف ووحدة الارض ، ولا يسع المرء ازاء هذا الا ان يقول : لا حول ولا قوة الا بالله ، وعظم الله اجركم فيكم وفينا ، وانا لله وانا اليه راجعون
الجيل الذي قاد حركة الاستقلال والتحرير في اواسط القرن الماضي ، وانجز مرحلة تعتبر من ازهى مراحل تاريخنا المعاصر ، هذا الجيل هو من اسقط حلف بغداد ، واحبط مخططات الهيمنة والاحتواء لمنطقتنا ، وشارك في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز لتكون الداعمة لحركات التحرر في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ايمانا منه بأن قضية الحرية واحدة لا تتجزأ ، وان الاستقلال وحق تقرير المصير لكل شعوب الارض هو حق لا جدال فيه ، لا يمكن التنازل عنه او التراجع عن انجازه . وعلى الصعيد الداخلي نشروا التعليم وافتتحوا الاف المدارس ، وجعلوا التعليم الزاميا لمستويات معينة تضمن استيعاب المرء لمتغيرات العصر ، قناعة منهم بأن التعليم يشكل البنية الاساسية للتنمية والتقدم والنهوض ، فشعب لا يتعلم فهو بالقطع لن يتقدم . هذا الجيل الذي عاش لحظات الانتصار والانجاز الوطني على غير صعيد ، يعتبر بحق المؤسس لعصر نهضوي عربي .
ولكن وللأسف تبدلت الاحوال ، وتغيرت الظروف ، وجاءت حركة الرياح غير مواتية لتحرف سفينة نهضتنا عن مقاصدها وتفقدها قدرة السير في الاتجاه الصحيح ، جرى كل ذلك بفعل خارجي وتناغم اقليمي في فضاء ثقافي ظلامي اسست له ورعته مدرسة " ابن باز " مدعومة بسيل جارف من البترودولار ، لتسود ذهنية التحريم والتكفير لدرجة ان " ابن باز " هذا قد اصدر فتوى في اوائل الستينيات يكفر فيها كل من يقول بكروية الارض ، ومات وهو ينكر كرويتها . وهنا من حق المرء ان يسأل : اين سيوصلنا هذا الفكر الذي ينكر حقيقة بديهية يعرفها اطفال السنة الرابعة الابتدائية .
وجاءت هزيمة حزيران التي تحولت بها ومعها مظاهر النهضة الى ردة صريحة ، توالت بعدها مسلسلات الهزائم والانكسارات وفي كل المجالات السياسية منها والاقتصادية والثقافية والنفسية.
في عصر النهضة اختار السوريون فارس الخوري رئيسا لوزرائهم ، وقد اثبت جدارة في عمله يشهد لها تاريخ سوريا الحديث ، ورأينا آنذك ان الكثيرين من الاخوة المسيحيين وهم يقودون حركات واحزاباً وطنية شاركت بفعالية واقتدارفي معارك التحرير ، و ابدوا فيها حرصا مميزا على الوحدة الوطنية باعتبارها الشرط والضرورة لانتصار الشعوب . اما في عصر الردة يأتي خريجو مدرسة " ابن باز " مطالبين بفرض الجزية على المسيحيين وتحديدا على اقباط مصر ليزرعوا بذلك فتنة طائفية في اكبر واهم دولة عربية ، ما زالت فصولها الخطيرة تتوالى ، مع ان سيدنا عمر ابن الخطاب المؤسس الفعلي للدولة الاسلامية قد اعفى القبائل العربية النصرانية من دفعها ، فلمصلحة من تستباح وحدة مصر الوطنية ؟ وهل دعاة فرض الجزية في القرن الحادي والعشرين احرص من سيدنا عمر على الاسلام ؟ وهل هم اعلم بالاسلام منه ؟
في عصر النهضة كان العمال العرب في الموانىء والمطارات العربية يمتنعون عن تفريغ وتحميل سفن وطائرات الدول الاستعمارية اذا ما تعرضت بعدوان على دولة عربية ، وهذا ما جرى ابان العدوان الثلاثي على مصر ، اما في زمن الردة وعندما اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت عاصمته بيروت ، لم يتحرك لنا ساكن شعوبا وحكومات . وكانت المظاهرة الوحيدة التي خرجت احتجاجا على العدوان في ميدان الملوك بتل ابيب ، فيا للعار.
اما على صعيد الانظمة والحكومات فحدث ولا حرج ، فقد حولنا _ وهذا اختراع يسجل لنا _ الانظمة الجمهورية الى جمهوزيات وراثية ، فالمهم ان يبقى شيخ القبيلة ومليشياته العشائرية والطائفية ، واذا ما هزمنا في معركة وبقي الشيخ فهو النصر المبين ، واذا ما احتلت ارضنا واستمر الشيخ في كرسيه فلا مشكلة
واذا ما استشرى الفقر وتزايدت اعداد الاميين وتراجع التعليم ، وانهار الاقتصاد وزادت المديونية بفعل النهب والفساد فلا ضير في ذلك فكلها من نعم الشيخ ومن فضل طويل العمر علينا .
اما فلسطين التي تخوض مرحلة التحرر في ظروف صعبة ومعقدة واستثنائية لم تعرفها حركات التحرر في مشارق الارض ومغاربها ، مما يفرض علينا ان نعض بالنواجذ على مفتاح الانتصار وشرطه المتمثل في الوحدة الوطنية ، والتي لم تعد موجودة بعد ما جرى ويجري في غزة ، لنغرق جميعا في مأساة غير مسبوقة ، فمثلا اذا ما تقدم طرف باقتراح للتهدئة ووافقت عليه الرئاسة حفاظا على المصالح الوطنية العليا لشعبنا ، قوبل فورا بالرفض من قبل " حماس " حفاظا على مقاومة لم تعد موجودة خارج احياء " الصبرة والشجاعية " متهمة الرئاسة بالخيانة والتآمر ، واذا ما جاء دور " حماس " بعد اشهر لتطلب تهدئة دون عرض او طلب من احد بذريعة المحافظة على المصالح الوطنية العليا لشعبنا الغلبان وحماية مقاومته متهمة كل من يخرقها بالخيانة والتآمر ، ان ما يجري من تبدل في الادوار ، وتباين في المواقف ، واختلاف في الارآء ، افقد المواطن القدرة على التمييز بين الوطنية والمقاومة وبين الخيانة والتآمر ، وصار لا يعرف اين تكمن مصلحته افي التهدئة ام في خرقها ، وادخل الجميع في جدل بيزنطي حول اسبقية البيضة على الدجاجة ام الدجاجة على البيضة .
نخلص من كل ما تقدم اننا نعيش زمناً غابت عنه وحدة الصف ووحدة الهدف ووحدة الارض ، ولا يسع المرء ازاء هذا الا ان يقول : لا حول ولا قوة الا بالله ، وعظم الله اجركم فيكم وفينا ، وانا لله وانا اليه راجعون
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007