ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


2 مشترك

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Palest10
    نقاط : 16080
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأحد أغسطس 03, 2008 2:43 am

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته


    ما أن انتصرت المقاومة الإسلامية في لبنان في 24 أيار عام 2000 محققة أول انتصار تاريخي كبير.. منذ وجد الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في قلب عالمنا العربي والإسلامي عام 1948 حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في الأرض التي بارك الله سبحانه ما فيها ومن فيها وما حولها ومن حولها وذلك بتاريخ 28 أيلول عام 2000 أي بفارق زمني لم يتعدّ الأشهر الأربعة. وحيث شخصت أنظار الملايين في العالمين العربي والإسلامي نحو الحدثين الهامين ولم تنفك مشدودة تتابع تسارع واتساع المواجهات والعمليات النوعية والعطاءات السخية المنبعثة من حبات القلب والروح والدم.. فالمعادلات الجديدة التي فرضتها المقاومة والانتفاضة أحدثت انقلاباً في الصورة بعد مرور خمسين عاماً على قيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين.. تاركة الحلف الصهيوني الأميركي في حالة من الهلع والعجز والإرباك...
    ومع التخبط الذريع، كانت عملية -السور الواقي- التي أطلقت فيها يد شارون -رمز الإرهاب والجريمة- بقرار ضمن صمت الحكام وحصار الحدود ولجم القرار الدولي..
    وكان أن اجتيحت الضفة .. بهدف كسر الإرادات التي أبت إلا أن تتعملق أكثر في جنين، في الأم الرمز، في الاستشهاديات، في الصغار والكبار، في الرجال والنساء.. وحيث فلسطين مجدداً تأبى إلا أن تكون التعبير الحيّ لأمة حية وترفض ان تذل..
    غير أن ما يهمنا هنا، بعد النهوض العارم الذي شهده الشارع العربي والإسلامي هو دورنا في عملية ترسيخ الحسم النفسي والعملي في مقاومة التطبيع.. في مقابل ما يروج له الحكام من انفتاح وتطبيع رسمي..
    لكن وقبل الحديث عن فعالية مقاومة التطبيع على هذا الصعيد لا بد من المرور على نقاط نقف فيها على مفهوم التطبيع وما ينطوي عليه من مضمون وأخطار..

    تعريف التطبيع:

    التطبيع لغوياً هو العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها.. وفي الصراع العربي الصهيوني يقصد به الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات سيادة وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية وآليات الصراع إلى آليات تطبيع.. وبالتالي التخلي عن مشروع الأمة والانصياع لخدمة المشروع الصهيوني.
    يقول الصهيوني -شيمون شامير- في محاضرة ألقيت في جامعة "تل أبيب" "إن مصطلح التطبيع هو مفهوم غير عادي، ففي معاهدات السلام التي تنظم العلاقات بين الدول، لا يتكلم عادة عن التطبيع، والمفهوم الشامل عن التطبيع إنما هو من مبتكرات الصراع العربي الإسرائيلي. وقد نشأ من عدم التناسق في النزاع، ومن ان مضمون اتفاق السلام مع بلد عربي يأتي -كما نتوقع نحن الإسرائيليين- بمنافع محدودة للغاية في مقابل شيء من العرب -اعتراف، قبول استعداد للحياة في سلام معنا- والصعوبات في عدم التناسق هذا تمت ترجمتها في مفهوم التطبيع".
    أما كلمة التطبيع فقد شرعت مع اتفاقيات -كامب ديفيد- المشؤومة. التي وقعت في 17 أيلول/سبتمبر عام 1978 حيث وردت عبارة علاقات عادية أو طبيعية.. والمقصود إنهاء حال المقاطعة.. التي انتهت بقرار رسمي في شباط عام 1980.
    وهكذا حل مفهوم مقاومة التطبيع في مصر بدل مفهوم المقاطعة. لأن المقاطعة فقدت الأساس القانوني الذي كانت تستند إليه.. وبالتالي باتت مقاومة التطبيع محصورة في التحرك الشعبي في مواجهة حركة التطبيع الرسمي الذي فرضته معاهدات الحكام التي تتالت، والتي لم تكن إلا خيطاً في نسيج متكامل يهدف إلى إخضاع المنطقة كلياً واستثمارها سياسياً واقتصادياً...

    التطبيع في ميزان استراتيجية العدو الصهيوني تجاه المنطقة:

    جوهر التطبيع -كما مرّ- هو إحداث تغيير على الجانب العربي والإسلامي .. على أن يبدأ هذا التغيير بالتسليم بوجود "إسرائيل" كدولة يهودية في المنطقة.. ويمتد إلى تقييد قدرات العالم العربي العسكرية وتغيير معتقداته السياسية.. وإعادة صياغة شبكة علاقاته.. إضافة إلى تحقيق مطالب أمنية وإقليمية.. وصولاً إلى تغيير المواقف تجاه هذا الكيان.. بصورة جذرية.
    وبقدر ما يبدو التطبيع في ذاته هدفاً من أهداف الاستراتيجية الصهيونية لتحقيق أهداف العدو في المنطقة فإنه أيضا يعد أداة من أدواتها في العمل، ويتكامل مع أدوات العمل الأخرى من عسكرية ودبلوماسية.. فالعمل العسكري مهما كانت طاقاته وقدراته يبقى عاجزاً عن تحقيق جزء هام من الأهداف الحيوية للحركة الصهيونية.
    فهو مثلاً عاجز عن تحقيق إدماج "إسرائيل" في المنطقة، وعاجز عن تلبية احتياجاتها المنظورة لمصادر المياه، كما أنه عاجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي، وهذا ما تتكفل به الاستراتيجية الإسرائيلية للتطبيع.

    عقبات أمام التطبيع:

    يقول الكاتب الصهيوني ألوف هارايفن إن هناك أربع عقبات صعبة أمام التطبيع وأهمها الموقف الثقافي والعقائدي للعرب وللإسلام تجاه "إسرائيل" واليهود، والحل يستدعي الاعتماد والارتكاز على ضرورة وجود برامج مركبة في المجال التعليمي الثقافي.. بهدف تفتيت الملامح السلبية للجانب الآخر، وأن تقام برامج ذات موقف متزن ايجابي، وأحد الأسس الحيوية لبرنامج كهذا هو الفحص الشامل والتغيير الكامل للبرامج التعليمية ولكل ما في المدارس.

    المضمون الثقافي لمشروع التطبيع الصهيوني:

    يمثل التطبيع الثقافي الدعامة الرئيسية للتطبيع بشكل عام من وجهة نظر الكيان الصهيوني اذ المطلوب ببساطة نزع العداء من العقل العربي استكمالاً لمحاولة نزع السلاح من اليد العربية، وهي المهمة التي يتكفل بها التطبيع السياسي الأمني.
    وهذه المهمة لدى الصهيوني ليست بالمهمة المستحيلة.. بل هي ممكنة.. وكل عقدة عندهم لها حلها..
    فإذا كانت مناهج التربية والتعليم تحض على الكراهية فإنه يمكن تغييرها لتشيع قيم السلام.
    وموقف الإسلام من اليهود أيضا له حله، فإذا كانت "المفاهيم السلبية" تسود الدين الإسلامي فيمكن إزالتها.. ولذا ورد في تفاصيل تلك الاتفاقيات ـ سواء كامب ديفيد أو وادي عربة ـ انه لا يجوز لأجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إضافة إلى الكتب المدرسية ـ في هذين النظامين تداول الآيات القرآنية التي تحمل ذماً لليهود.
    وفي مؤتمر التسامح الذي عقد قبل سنتين ونصف في المغرب العربي قال ديفيد ليفي وزير خارجية العدو حينها انه "من اجل أن يقوم التسامح بيننا وبين العرب والمسلمين فلا بد من استئصال جذور الإرهاب، وإن من جذور الإرهاب سورة البقرة من القرآن..".
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Palest10
    نقاط : 16080
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأحد أغسطس 03, 2008 2:44 am

    عقبات أمام التطبيع:

    يقول الكاتب الصهيوني ألوف هارايفن إن هناك أربع عقبات صعبة أمام التطبيع وأهمها الموقف الثقافي والعقائدي للعرب وللإسلام تجاه "إسرائيل" واليهود، والحل يستدعي الاعتماد والارتكاز على ضرورة وجود برامج مركبة في المجال التعليمي الثقافي.. بهدف تفتيت الملامح السلبية للجانب الآخر، وأن تقام برامج ذات موقف متزن ايجابي، وأحد الأسس الحيوية لبرنامج كهذا هو الفحص الشامل والتغيير الكامل للبرامج التعليمية ولكل ما في المدارس.

    المضمون الثقافي لمشروع التطبيع الصهيوني:

    يمثل التطبيع الثقافي الدعامة الرئيسية للتطبيع بشكل عام من وجهة نظر الكيان الصهيوني اذ المطلوب ببساطة نزع العداء من العقل العربي استكمالاً لمحاولة نزع السلاح من اليد العربية، وهي المهمة التي يتكفل بها التطبيع السياسي الأمني.
    وهذه المهمة لدى الصهيوني ليست بالمهمة المستحيلة.. بل هي ممكنة.. وكل عقدة عندهم لها حلها..
    فإذا كانت مناهج التربية والتعليم تحض على الكراهية فإنه يمكن تغييرها لتشيع قيم السلام.
    وموقف الإسلام من اليهود أيضا له حله، فإذا كانت "المفاهيم السلبية" تسود الدين الإسلامي فيمكن إزالتها.. ولذا ورد في تفاصيل تلك الاتفاقيات ـ سواء كامب ديفيد أو وادي عربة ـ انه لا يجوز لأجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إضافة إلى الكتب المدرسية ـ في هذين النظامين تداول الآيات القرآنية التي تحمل ذماً لليهود.
    وفي مؤتمر التسامح الذي عقد قبل سنتين ونصف في المغرب العربي قال ديفيد ليفي وزير خارجية العدو حينها انه "من اجل أن يقوم التسامح بيننا وبين العرب والمسلمين فلا بد من استئصال جذور الإرهاب، وإن من جذور الإرهاب سورة البقرة من القرآن..".

    الهجوم الفكري الصهيوني لمواجهة مصادر العداء:

    يشغل الإسلام بالتحديد حيزاً هاماً من اهتمامات الفكر الصهيوني كمصدر عداء للصهيونية و"إسرائيل"، وفي تقدير أهميته في ميزان الصراع - العربي الإسرائيلي، إذ ينظر إليه في الفكر السياسي الصهيوني على انه يغذي الصراع كمصدر أساسي من مصادر كراهيتهم، حيث يحفل القرآن والتراث الإسلامي بالصور السلبية عن بني إسرائيل.
    من هنا حظيت الممارسات الصهيونية تجاه الإسلام باهتمام وقدر كبير من النشاطات المنظمة.. ومراكز البحوث الإسرائيلية أصدرت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع ومنها:
    بحث عن "اثر الفكر الإسلامي في الصراع ضد الصهيونية"، وهو رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة "تل أبيب" ومنها: "أثر الإسلام كعنصر من عناصر الصراع العربي الإسرائيلي".
    وقد أخذ المخطط الصهيوني تجاه الإسلام أشكالا وأوجهاً متعددة بهدف توجيه جهد مركّز لتأسيس علاقات وحوارات مع رموز دينية وإقامة مؤتمرات حول وحدة الأديان وغيرها، ومن يراقب بهدوء وموضوعية يرَ أن أسلحة عديدة تستخدم في هذه العملية.
    يمثل التطبيع الخيار الأميركي للمعادلة الخاصة بوجود واشنطن في الشرق الأوسط حيث تعد شبكة أبحاث الشرق الأوسط واحدة من أهم أدوات العمل الأميركي تجاه المنطقة كأداة للسيطرة والتطبيع.. سواء منها المؤسسات المعنية بالدراسات الميدانية. أو خبراء مكافحة التمرد الشعبي الذين يُدربون على تكريس العلم في خدمة الاقتصاد والسياسة، وإسقاط كل تحفظ علمي وأخلاقي في هذا المجال.
    هذه باختصار بعض ملامح المشروع الصهيوني للتطبيع مع العالمين العربي والإسلامي. والفكرة الأساسية التي تتلاقي عندها خطوط المشروع تجاه المنطقة هي ـ كما مرّ ـ التغيير من خلال تفتيت ما يسمونه الملامح السلبية في ثقافتنا، وبالطبع كلها تبدأ بالتغيير من جانبنا ولا يهم مقدار ما يدوسه هذا التغيير من حقوق ومعتقدات.. ففي حديث للرئيس الأميركي السابق كلينتون ـ مع جريدة أوتاواسيتندان ـ الكندية أنه: "اقترح على عرفات رفع الحرم القدسي لتمكين اليهود من الوصول إلى بقايا هيكل سليمان الموجود أسفله -بحسب زعمهم- وسيصبح الموقع الأكثر مردوداً في التاريخ. -وقال له- ثق بي فأنا لست يهودياً". هذه الخاصية في المشروع الصهيوني لا تقف عند حدود الفكر ولكنها تمتد إلى كل ثوابت المنطقة.. فالأردن كيان مفتعل يمكن بحث أمره، والشعب الفلسطيني يمكن نقله إلى مكان مجاور.. ولبنان يمكن تقسيمه والجولان يتعين ضمّه وكأن المنطقة مجموعة قطع هندسية يمكنها أن تتشكل مرة لتسع "إسرائيل". ويمكن أن تتشكل أخرى لتسع أمن "إسرائيل" ويمكن أن يعاد ترتيبها مرة تالية لتسع أحلامها التاريخية بالتوسع.
    ويبقى أهم ما في هذا المشروع الصهيوني للتطبيع مع المنطقة العربية هو مضمونه الأميركي ـ كما هو حالياً ـ في ما ينطوي عليه تحالف مع العدو من عدوان متجدد، أما الأخطر في هذه السياسة فهو ما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام من سعي أميركي لمحاصرة البيئة الثقافية المعادية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية، إذ المطلوب أميركياً تجفيف ينابيع الرفض والمقاومة حتى لو كانت آتية من القرآن الكريم والتراث الإسلامي أو أي تراث إنساني آخر.

    مخاطر التطبيع:

    إذا كانت عملية التطبيع مع العدو الصهيوني ستقود المنطقة إلى الكارثة.. من خلال إخضاعها للسيطرة العسكرية والأمنية والهيمنة الاقتصادية، فإن أخطار التطبيع الثقافي تتمثل في تدمير مقومات الأمة.. باعتبار أن الهيمنة على روح الأمة وعقلها وفكرها ووجدانها يشكل بالنسبة للعدو هدفاً رئيسياً وسياسة ثابتة.
    ومن هنا كان أخطر جبهات التطبيع هو التطبيع الثقافي الذي معناه ابتداءً التخلي عن كل ما يحويه المخزون الثقافي من النصوص التي تصنفهم أعداءً.. إلى السماح للفكر اليهودي والصهيوني بالتمدد باتجاه كل القطاعات كما لو أنه إحدى حالات الفكر السائدة التي يحق لها التمظهر في عالمنا بشكل عادي.
    ولا يستبعد أبداً أن يسعى الصهاينة من ضمن مشروعهم الذين يحاولون فرضه على الأنظمة الى أن يصبح الفكر الصهيوني والإيديولوجيا اليهودية مادة للتدريس في مدارس ومعاهد وكليات العالم العربي والإسلامي.
    ومن هنا فإن الدعوات الصهيونية إلى التسريع في انجاز التطبيع الثقافي مع العالم العربي يشكل اليوم أكبر عملية تحدّ ليس فقط للعقل العربي والإسلامي فحسب، بل للوجدان والقيم والتراث الذي يكوّن الشخصية العربية الإسلامية.
    فالصهاينة بحكم خبرتهم في التعاطي مع تشكيل الرأي العام.. يدركون أبعاد هذه الخطوط ويعرفون أن إحراز أي تقدم على هذا المسار إنما يعزز التحرك على الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية لخدمة المشروع الصهيوني التوسعي.
    فخسارة المعارك العسكرية أو السياسية ـ على سبيل المثال ـ يمكن أن تعوض مهما طال الزمن أو قصر إذا ما كانت الأمة محافظة على عقائدها وقيمها وثقافتها.. ولكنها إذا خسرت هذه المعركة الحضارية أصبحت نظرتها إلى الحياة والكون نظرة متأمركة ومتصهينة.. وأصبحت قيمها الأخلاقية والحياتية ومقوماتها الحضارية والثقافية المختلفة تنمّ عن هذا الاتجاه، وهذا ما لا يمكن تعويضه ولو خلال عشرات السنين.. وعليه فإن مسألة التطبيع تتعدى مخاطر الاحتلال العسكري ومخاطر النهب الاقتصادي والسيطرة السياسية.. فهذه كلها عرفتها مختلف شعوب الأمة العربية والإسلامية، واستطاعت بعد فترة من الزمن أن تتخلص منها.. لأنها كانت تمسّ السطح ولم تستطع أن تمسّ المكوّن العقائدي الحضاري.
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Palest10
    نقاط : 16080
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الأحد أغسطس 03, 2008 2:44 am

    من نتائج التطبيع:

    لمعرفة حجم ولون وتفاصيل الأضرار التي تنجم عن التطبيع الثقافي مع العدو والانفتاح على المجتمع الصهيوني المحتل فإن ذلك يقتضي دراسة المظاهر الاجتماعية الفاسدة في "إسرائيل" من الانحطاط الخلقي إلى تعاطي المخدرات، إلى تفشي الأمراض الجنسية.. إلى شيوع ألوان الفن المبتذل.. إذ من المؤكد تسرب هذه الظواهر السلبية المنحطة إلى مجتمعاتنا العربية والمسلمة دون أن يعي مسؤولوها مدى الأخطار التي قد تترتب على مثل هذا الاحتكاك المتبادل والذي تفوق مخاطره التطبيع السياسي والاقتصادي.
    وليس هذا مبالغة في المخاوف فعلائم التخريب الأخلاقي والثقافي قد بدأت بالفعل من جراء التفاعل والاحتكاك بين المجتمعين الصهيوني والمصري ـ كمثال ـ وتسرب المفاسد الاجتماعية الإسرائيلية الى هذا الشعب العربي المسلم ومنها:
    - توغل النساء اليهوديات المشبوهات تحت واجهة السياحة وتبادل الخبرات الفنية والثقافية.
    - أن عدد الزيجات المختلطة بين شبان مصريين وفتيات إسرائيليات بلغ واحداً وعشرين ألف حالة.
    - تزوير نسخ من القرآن الكريم.. إضافة إلى البذور والأسمدة المشعة ونقل الإيدز الذي أحدث ضجة كبيرة..
    - علكة اللبان –الإسرائيلية- التي تؤدي إلى العقم.. والتي عرضت للبيع بأثمان زهيدة جداً بالقرب من المدارس في الضفة والقطاع.. وهي مخلوطة بهرمون يقضي على القدرة على التكاثر بل وعلى النظام الوراثي لدى الشباب على حد قول الوزير الفلسطيني -عبد العزيز شاهين- حيث تمت مصادرة 20 طناً من هذه العلكة في مدينة واحدة.
    إنها عينات محدودة من كوارث التطبيع.. وإذا كانت حالياً محدودة ببلد أو أكثر فإنها ستتسع بعد أن يوقع عدد آخر من الحكام على مثل هذه الاتفاقات الخبيثة الفاسدة.

    مقاومة التطبيع:

    مقابل عجز الحكام كان لا بد للشعوب العربية والإسلامية من أن تشهر سلاح مقاومة التطبيع الذي هو ليس أكثر من رد فعل تلقائي لدى الأفراد والأسر في مواجهة كل ما يستهدف عقائدها وقيمها وتراثها الديني والحضاري.
    إن الدوائر الأميركي والصهيونية تدرك تماماً أن عملية التزوير الكبرى التي يراد ان تؤسس عليها طموحات المعتدين، لا يمكن أن تنجح ولا يمكن أن تستمر إذا نجحت إلا على أنقاض التماسك النفسي والوجداني في الأمة، وهذا بالذات هو باعث قلقهم، ودليلنا ما هو ماثل اليوم.
    عشرون عاماً على الاتفاقيات ولا يزال التطبيع ينحصر بين الفئات الحاكمة والمشروع الصهيوني في المنطقة، ومجاله لا يزال يقتصر على العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، فأسطورة الحاجز النفسي الناشئة من المكوّن العقائدي للفرد في هذه الأمة، هي التي ما زالت تقف سداً منيعاً في مواجهة سيل الدهاء والمكر الصهيوني.. وهذا ما يمكن أن نقرأه أيضاً في نموذج آخر على أرض فلسطين.
    فبعد خمسة وثلاثين عاماً كاملة من الاحتلال الإسرائيلي والقمع وطمس الهوية وجهود الاحتواء لا يزال الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، في مخيم جنين وسائر البلدات، عاجزاً عن أن يجني ثمار عدوانه.. خمسة وثلاثون عاماً ولد في ظلها جيل كامل لا يعرف سوى واقع الاحتلال والتهويد.. لكن هذا الجيل باعترافهم جاء أشد مقتاً لهم وجرأة عليهم.. بحيث ان كل ما تملكه الصهيونية من أدوات عجزت عن قهر إرادة شعب صغير في بقعة صغيرة.

    فعالية العمل النسائي في مقاومة التطبيع:

    مما تقدم.. ندرك أن الحركة ضد التطبيع لا بد أن تصبح أحد أهم أسلحة المقاومة العربية والإسلامية الشاملة.. وإن فعالية دور المرأة في هذه الحركة يكمن في تطوير التفاعل الشعبي وتحويله الى احتضان حقيقي لقضايانا المصيرية والهامة. وإن مقاومة التطبيع من هذا المنظور هي عملياً تحصين الأمة من الاختراق وعدم السماح للخطة الصهيونية الأميركية بهز التماسك الشعبي الوجداني بإيجاد الثغرات.
    فالتحرك الحيوي الفاعل على مستوى الأسرة ـ كمثال ـ وحده كفيل بإحباط المخططات الصهيونية الخبيثة التي تستهدف مجتمعاتنا وثقافتنا الأصيلة وزعزعة إيماننا الوثيق بقيمنا الأخلاقية وتراثنا الديني.. وإن حضور المرأة الفعلي والحقيقي في مختلف المجالات قادر على إحداث حركة هامة على صعيد مقاومة التطبيع، إذ باستطاعتها:
    1- إقامة سياج واقٍ ومنيع داخل الأسرة.. لا يمكن أن تخترقه مكائد أو إغراءات او اتفاقات، فهي مطالبة بالدفاع عن هذا الحصن تحت أقصى الظروف.
    2- إيجاد نمط حياة مقاومة التطبيع إضافة إلى مقاطعة البضائع الأميركية والشركات الداعمة لليهود.. نمط حياة ينطلق من واقع الهجمة ومخاطر التطبيع التدميرية التي تهددنا جميعاً.
    3- تعميم ثقافة مقاومة التطبيع والمقاطعة.. بشتى الوسائل لا سيما من خلال إدخال مثل هذه الثقافة عبر البرامج التعليمية.. إذ لا بد أن تعي كل مربية في مؤسسة تعليمية وكل ربة أسرة وكل فعالية نسائية أن من يمارس التطبيع هو شريك في جريمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي والوحشية الصهيونية التي تستبيح كل شيء.
    4- الاستفادة الفردية مما توفره تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة وخصوصاً الانترنت في المعركة الإعلامية مع العدو. وهذه المعركة الهامة يمكن أن تخوضها المرأة بجدارة داخل بيتها.
    5- تسليح الأبناء بمبادئ الدين والقناعات التي تستعصي على كل وسائل البث المرئي والمسموع مهما كانت قوتها. فإذا كان التطبيع الذي تسعى إليه الحركة الصهيونية هو الدخول إلى بيوتنا بلا استئذان وبلا رقابة وصولاً إلى إنهاء المقاطعة وتحقيق التطبيع عبر السموم الفكرية التي تسمح للصهيونية بالعبث والتخريب في فكر الأجيال وأخلاقياتهم التي تربو عليها.. وكنا إلى هذا نمر في مرحلة حساسة سخر فيها هذا الحلف كل إمكانياته وجند فيها أفضل خبراته ليغزونا من الداخل، فإن هذا الأمر يدعونا إلى النهوض لتوجيه الجهود النسائية سواء منها الفردية أو الجماعية كمؤسسات ومنظمات أهلية نحو مواقع المسؤولية والفوز بحمل الأمانة وخوض غمارها.
    فدور المرأة في المقاومة والانتفاضة الذي دخل التاريخ بعطائه.. هو اليوم سند ورصيد هامّ للمرأة في سائر أقطارنا العربية والإسلامية، ويمكن أن يكون نواة استقطاب لمختلف الشرائح النسائية في مجتمعاتنا وصولاً إلى انخراط الطاقة النسائية المخلصة في ميدان الفعل المباشر لمواجهة العدو الصهيوني ومخططاته.
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الإثنين أغسطس 04, 2008 1:04 am

    التطبيـــــــع الجزء الأول
    Normalization
    «التطبيع» هو تغيير ظاهرة ما بحيث تتفق في بنيتها وشكلها واتجاهها مع ما يعده البعض «طبيعياً». ولكن كلمة «طبيعة» كلمة لها عدة معان. وقد استخدمنا هذه الكلمة بمعنى «الطبيعة/المادة»، والتطبيع في هذه الحالة يعني إعادة صياغة الإنسان حسب معايير مستمدة من عالم الطبيعة/المادة بحيث تصبح الظاهرة الإنسانية في بساطة وواحدية الظاهرة الطبيعية/المادية .
    ولكن كلمة «طبيعي» يمكن أن تعني «مألوف» و«عادي»، ومن ثم فإن التطبيع هو إزالة ما يعده المطبَّع شاذاً، ولا يتفق مع المألوف والعادي و«الطبيعي» .
    وقد ظهر المصطلح لأول مرة في المعجم الصهيوني للإشارة إلى يهود المنفى (العالم) الذين يعدهم الصهاينة شخصيات طفيلية شاذة منغمسة في الأعمال الفكرية وفي الغش التجاري، ويعملون في أعمال هامشية مثل الربا وأعمال مشينة مثل البغاء. وقد طرحت الصهيونية نفسها على أنها الحركة السياسية والاجتماعية التي ستقوم بتطبيع اليهود، أي إعادة صياغتهم بحيث يصبحون شعباً مثل كل الشعوب (انظر الباب المعنون «مسألة الحدودية والهامشية»، وانظر أيضاً المداخل التالية: «إصلاح اليهود واليهودية» ـ «نفع اليهود» ـ «تطبيع الشخصية اليهودية»). ومع إنشاء الدولة الصهيونية اختفى المصطلح تقريباً من المعجم الصهيوني بسبب حاجة الدولة الصهيونية الماسة لدعم يهود العالم لها .
    ولكن المصطلح عاود الظهور مرة أخرى في أواخر السبعينيات بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد. ولكنه طُبِّق هذه المرة على العلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ طالبت الدولة الصهيونية بتطبيع العلاقات بين البلدين، أي جعلها علاقات طبيعية عادية، مثل تلك التي تنشأ بين أي بلدين. وقد قاوم الشعب المصري هذا التطبيع .

    الشـــــذوذ البنيـــــوي
    Structural Abnormality
    إذا كانت بنية الظاهرة هي مجموعة العلاقات المتشابكة التي تكوِّن هذه الظاهرة وتمنحها صفاتها الأساسية ومنحناها الخاص الذي يميزها عن غيرها من الظواهر، فإن الشذوذ البنيوي هو حالة لصيقة ببنية هذه الظاهرة، أي بتركيبها الجوهري. وإصلاح هذا الشذوذ يعني تغيير بنية هذا الشيء تماماً .
    ونحن نذهب إلى أن السمة الأساسية للدولة الصهيونية أنها تجمُّع استيطاني إحلالي يوظِّف الديباجات اليهودية، وأن نقطة انطلاقه هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المهوَّدة، التي تذهب، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، إلى أن اليهود شعباً عضوياً يعيش في الغرب ولا ينتمي إليه، ولذا يجب أن يوطَّن في أرض أجداده، أي فلسطين، التي يجب أن تفرغ ممن قد يتصادف وجوده فيها من البشر. وقد ترجمت هذه الصيغة إلى الشعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ".

    التطبيـــع السياســـــي والاقتصــــادي
    Political and Economic Normalization
    «التطبيع السياسي والاقتصادي» هو إعادة صياغة العلاقة بين بلدين بحيث تصبح علاقات طبيعية. وتصر إسرائيل على أن التطبيع السياسي والاقتصادي بينها وبين الدول العربية هو شرط أساسي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. ولكن يوجد خلل أساسي في المفهوم وفي المحاولة، فالتطبيع السياسي والاقتصادي يجب أن يتم بين بلدين طبيعيين، وهو الأمر الذي لا يتوافر في الجيب الاستيطاني الصهيوني بسبب شذوذه البنيوي. فالدولة الصهيونية لا تزال تجمُّعاً استيطانياً وليس دولة للمواطنين الذين يعيشون داخل حدودها. ويعطي قانون العودة الحق ليهود العالم في "العودة" إلى فلسطين المحتلة باعتبارها وطن أجدادهم بعد أن تركوها منذ ألفي عام، وينكر هذا الحق على الفلسطيني الذي اضطر لمغادرة فلسطين منذ بضعة أعوام. كما يتبدى الشذوذ البنيوي في علاقة الدولة الصهيونية بالمنظمة الصهيونية وبالوكالة اليهودية، فهي علاقة شاذة ليس لها نظير في الدول الأخرى. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بعضوية مشروطة بهيئة الأمم المتحدة، وشرط قبولها في المنظمة الدولية هو إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، وهو الأمر الذي لا توجد أية مؤشرات على احتمال تنفيذه في المستقبل القريب .
    ويتبدى شذوذ إسرائيل البنيوي بشكل واضح في علاقتها بالفلسطينيين ومحاولتها الدائبة أن تحاصرهم مجازياً وفعلياً، وأن تفتت وجودهم القومي وأن تضرب عليهم بيد من حديد وأن تستغلهم باعتبارهم مادة بشرية وسوقاً للسلع. كما يتبدى في علاقتها بالعالم العربي الذي تراه باعتباره " المنطقة"، أي مجرد مكان لا تاريخ له ولا اتجاه، ولذا فهي تعتبره سوقاً للسلع ومصدراً للمواد الخام والعمالة الرخيصة وحسب، وتطرح السوق الشرق أوسطية بديلاً للسوق العربية المشتركة. لكل هذا تصبح محاولة التطبيع مع الفلسطينيين ومع الدول العربية محاولة يائسة ترتطم ببنية الكيان الصهيوني الشاذة غير الطبيعية التي تتبدى في سلوكه الشاذ غير الطبيعي .

    التطبيـــــــــع المعرفــــــــي
    Epistemological Normalization
    «التطبيع المعرفي» هو محاول إضفاء صبغة طبيعية على ظاهرة لها خصوصيتها وتفردها وشذوذها بحيث تبدو هذه الظاهرة وكأنها تنتمي إلى نمط عام متكرر هي في واقع الأمر لا تنتمي له، ومن ثم يتم إدراكها وتخيُّلها ورصدها داخل هذا الإطار. ونحن نذهب إلى أن الخطاب السياسي العربي في تحليله للظاهرة الصهيونية قد سقط في محظورين :
    1 ـ المغالاة في التخصيص إلى درجة الأيقنة وهي سمة يتسم بها الخطاب المعادي لليهود الذي يرى أن اليهود مصدر كل شرور العالم، وأن الدولة الصهيونية تعبير عن المؤامرة الصهيونية الأزلية. وهذا الخطاب يخرج بالظاهرة الصهيونية من عالم الظواهر الإنسانية ويدخل بها عالم الظواهر الشيطانية، ومن ثم فلا حل لها .
    2 ـ المغالاة في التعميم وإسقاط كل سمات الخصوصية، وهي سمة يتسم بها الخطاب الذي يصف نفسه بأنه «علمي » و«موضوعي»، والذي يذهب إلى أن الدولة الصهيونية هي دولة مثل أي دولة أخرى، ومن ثم يصبح الحديث عن الدولة الصهيونية حديثاً عاماً عن "قوة العدو العسكرية والاقتصادية" دون أي اهتمام بالمنحنى الخاص للظاهرة الصهيونية .
    وقد أدَّت المغالاة في التعميم، باسم العلمنة والموضوعية، إلى تطبيع النظام السياسي الإسرائيلي، أي محاولة دراسته باعتباره كياناً سياسياً طبيعياً عادياً بحيث تُستخدَم نفس المقولات التحليلية العامة التي تُستخدَم في دراسة النظم السياسية في العالم الغربي، وكأن الكيان السـياسي الإسـرائيلي لا يختلف في أسـاسـياته عن أي كيان سياسي آخر. فيتم الحديث عن نظام الحزبين في الديموقراطية الإسرائيلية، وعن أن كلاًّ من إنجلترا وإسرائيل لا يوجد فيهما دستور؛ أو أن النظام السياسي الإسرائيلي يتبع النمط الأنجلو أمريكي ( الثنائي) لا النمط الأوربي الأكثر تعددية؛ وأن النقابات العمالية قوية في إسرائيل، كما هو الحال في أوربا وليس كما هو الحال في الولايات المتحدة .
    وعلماء السياسـة العرب الذين يتبنون مثل هذه الرؤية يُخطئـون مرتين: من الناحيـة المعرفيـة ومن الناحيـة الأخلاقيـة. فمن الناحية المعرفية، يمكن القول بأن وصفهم للظاهرة الصهيونية ليس ذا مقدرة تفسيرية عالية، فهو غير قادر على تفسير ظاهرة مثل المنظمة الصهيونية أو دور الوكالة اليهودية التي تساعد سكان الدولة الصهيونية من اليهود، وتستبعد العرب، فهذه المؤسسة ليس لها نظير في أية «ديموقراطية» أخرى. كما أنه غير قادر على تفسير قانون العودة، ولا ضخامة الدعم المادي والمعنوي الذي يقدمه العالم الغربي للجيب الصهيوني. كما أنهم يُخطئون من الناحية النضالية والأخلاقية: إذ كيف يمكن الحديث عن ديموقراطية تستند إلى حادثة اغتصاب أرض وذبح بعض سكانها وطرد البعض الآخر واستبعاد لمن تبقى من العملية السياسية نفسها؟ والفشل الإدراكي المعرفي التفسيري هنا هو نفسه الفشل النضالي الأخلاقي، إذ أن التطبيع يخفي عن الأنظار (وعن الضمير ) الظروف الخاصة بالكيان الصهيوني ككيان استيطاني إحلالي، كما يخفي حقيقة أن استيطانية الكيان الصهيوني وإحلاليته واعتماده الكامل على الدعم الغربي هو القانون الأساسي الذي يحكم ديناميته ومساره في الماضي والحاضر. فهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تُفسِّر عدم وجود دستور حتى الآن في إسرائيل، وتُفسِّر أهمية قانون العودة ومركزيته. وهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تجعلنا نكتشف أن الأحزاب الإسرائيلية ليست في أساسها أحزاباً وإنما مؤسسات استيطانية استيعابية تضطلع بوظائف لا تضطلع بها الأحزاب السياسية في الدول الأخرى ويتم تمويلها عن طريق المنظمة الصهيونية " العالمية". وهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تُفسِّر ضخامة الدعم الإمبريالي لإسرائيل ودور إسرائيل كدولة وظيفية .
    وظاهرة مثل الكيبوتسات (المزارع الجماعية) وظواهر أخرى مثل عسكرة المجتمع الإسرائيلي، والطبيعة الاستيطانية الإحلالية للدولة الصهيونية، واعتماد وجودها واستمرارها على الولايات المتحدة بشكل تام، وإدراك الصهاينة لهذا الواقع بدرجات متفاوتة هو الذي يحدِّد سلوكهم وحربهم وسلمهم، وما ينكرونه علينا وما قد يُقررون منحنا إياه. وإسقاط هذه الأبعاد الخاصة يجعل عملية التطبيع المعرفية المنهجية عملية تسويغ وتبرير غير واعية للوجود الصهيوني وإضفاء درجة من الشرعية عليه .
    وسنحاول في مداخل هذا المجلد أن نتناول خصوصية الظاهرة الصهيونية وأن نبيِّن البُعد الصهيوني أو «صهيونية» الظواهر الإسرائيلية المختلفة .

    تطبيـــــــــع المصطلــــــــح
    Normalization of Terminology
    حاول الخطاب السياسي العربي أن يتعامل مع الظاهرة الصهيونية في تفردها وعموميتها، فهي كانت بالفعل ظاهرة جديدة كل الجدة على الشعب العربي سواء في فلسطين أن خارجها: أن تأتي كتلة بشرية، تحت رايات الاستعمار البريطاني وتدريجياً تبدأ في احتلال الأرض إما بالقوة العسكرية أو من خلال شراء الأراضي إما مباشرةً من بعض كبار الملاك أو بشكل غير مباشر من خلال وسطاء ثم تتحول الكتلة البشرية الغازية، بين يوم وليلة، إلى دولة تستولي على جزء كبير من فلسطين ثم تقوم بطرد السكان الأصليين، يساندها في ذلك العالم الغربي بأسره .
    ورغم أن التجربة الصهيونية الاستيطانية تجربة فريدة في كثير من جوانبها إلا أن هناك جوانب منها مشتركة مع ظواهر أخرى، فهي جزء من الغزوة الاستعمارية التي أخذت شكل استعمار عسكري مباشر في بعض البلدان العربية. فهناك التجربة المصرية والسودانية والعراقية واليمنية مع الاستعمار البريطاني، والتجربة السورية واللبنانية والمغربية والتونسية مع الاستعمار الفرنسي، والتجربة الليبية والصومالية مع الاستعمار الإيطالي. كما أخذت الغزوة الاستعمارية شكل الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر. كما يُلاحَظ أن الاستعمار الإنجليزي أخذ شكل الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في جنوب السودان، حيث قام بنقل (ترانسفير) السودانيين المسلمين حتى يجعل الجنوب خالياً من العرب ( بالألمانية: أراب راين Arabrein)
    وفي محاولة الخطاب العربي وصف الغزوة الصهيونية في خصوصيتها وعموميتها، كان أول مصطلح استُخدم هو « إسرائيل المزعومة»، وهو مصطلح ليس له أية مقدرة تفسيرية، وكان تعبيراً عن عدم التصديق العربي لما حدث. وظهرت مصطلحات مماثلة أخرى مثل «شذاذ الأفاق». وهو مصطلح استُخدم في فلسطين للإشارة إلى المستوطنين الصهاينة، يحاول التهوين بشكل مبالغ فيه من ظاهرة الغزو الصهيوني، وإن كان قد نجح في رصد ظاهرة عدم التجذر التي تسم المجتمعات الاستيطانية. ولكن مع منتصف الخمسينيات بدأ الحديث عن إسرائيل باعتبارها " مخلب القط" للاستعمار الغربي (وهو مصطلح استمر فيما بعد في عبارة "إسرائيل كحاملة طائرات")، وباعتبارها "قاعدة الاستعمار الغربي". وهي مصطلحات تقترب إلى حدٍّ ما من الطبيعة الوظيفية للظاهرة الصهيونية .
    ولا يزال الخطاب العربي يتأرجح في محاولته تسمية دولة إسرائيل فهي أحياناً «الدولة الصهيونية» وأحياناً أخرى «الدولة اليهودية»، وهناك من يشير إليها أحياناً باعتبارها «الدولة العبرية». ونحن لا نستخدم اصطلاح «الدولة اليهودية» (إلا إذا اضطرنا السياق لذلك) لأن ليس له قيمة تصنيفية أو تفسيرية، إذ لا يمكن تفسير سلوك إسرائيل استناداً إلى التوراة والتلمود. كما لا نستخدم مصطلح «الدولة العبرية» لأنه لا دلالة له، ولأنه يحاول تطبيع الدولة الصهيونية إذ أنه يفترض وجود ثقافة عبرية وهوية عبرية ذات مصالح قومية محددة، وهو أمر خلافي إلى حدٍّ كبير. فالدولة الصهيونية لا تزال تدَّعي أنها دولة كل يهود العالم، وهي ولا شك مجتمع مهاجرين غير مستقر ولم تتحدد هويته بعد. وهي لا تزال تشغل الأرض الفلسطينية وترفض عودة الفلسطينيين. ومن ثم فنحن نشير لإسرائيل باعتبارها « الدولة الصهيونية»، و«الصهيونية» هنا تعني «الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني». كما نشير لها بأنها «الدولة الوظيفية» أو «الدولة الصهيونية الوظيفية »!
    وهناك بعض المصطلحات مثل: «فلسطين المحتلة» ـ «التجمُّع الصهيوني» ـ «الكيان الصهيوني» ذات مقدرة تفسيرية عالية لأنها لا تعكس الإدراك العربي للظاهرة الصهيونية وحسب، وإنما تقترب إلى حدٍّ كبير من بنية الكيان الصهيوني .

    فلســـطين المحتلــة
    Occupied Palestine
    « فلسطين المحتلة» مصطلح يتواتر في الخطاب السياسي العربي يؤكد أن وضع فلسطين لم يتقرر بعد وأنها لم تصبح بعد إسرائيل بشكل نهائي، وأن الأمور لم يتم تسويتها وتطبعها، وأن فلسطين في نهاية الأمر ليست "أرضاً بلا شعب" كما كان الزعم. لكل هذا فنحن نرى أن مصطلح «فلسطين المحتلة» مصطلح منفتح يترك الباب مفتوحاً أمام الجهاد والاجتهاد، ولا يقبل الأمر الواقع والوضع القائم (المبني على الظلم) باعتباره نهائياً. وبعد عام 1967 تشير كثير من الأدبيات العربية إلى «فلسـطين المحتلة عام 1948» مقابل «فلسـطين المحتلة بعد عام 1948 ».
    وكثير من الصهاينة يدركون هذا البُعد في الخطاب العربي. وقد صرح مناحم بيجين وغيره أنه لو كانت «إسرائيل» هي « فلسطين»، لفقدت الصهيونية صفتها باعتبارها حركة تحرُّر وطني للشـعب اليهـودي وأصبحت عملية اسـتعمار واغتصاب. وعلى كلٍّ قررت الدولة الصهيونية ألا تغلق باب الاجتهاد تماماً ولذا فهي لم تحدد حدودها حتى الآن، وهي مستمرة بكل إصرار في إقامة المستوطنات للصهاينة والمعازل للفلسطينيين، أي أنها بمعنى من المعاني رفضت تطبيع ذاتها، مما يعني أن الحلبة لا تزال مفتوحة لكل أشكال الحوار الأخرى بما في ذلك الحوار المسلح، ومن ثم فإسقاط مثل هذا المصطلح هو سقوط في عملية التطبيع المعرفي والمصطلحي .
    التجـمع الصـهيوني
    Zionist Aggregate
    «التجمُّع الصهيوني» مصطلح يُستخدَم في الخطاب التحليلي العربي للإشارة إلى الدولة الصهيونية التي تشير إلى نفسها أحياناً بأنها « الدولة اليهودية». والمصطلح يحاول أن يؤكد حقيقة أن إسرائيل لا تشكل مجتمعاً عادياً متماسكاً متجانساً يتسم بقدر معقول من الوحدة، وإنما هو مجرد تجمُّع من مجموعات بشرية، تتصارع فيما بينها إلا في مواجهة عدو خارجي (فهي أقرب إلى التركيب الجيولوجي التراكمي). والإشارة إلى الدولة الصهيونية باعتبارها "تجمعاً" لا يشكل سباً لها أو تقليلاً من شأنها وإنما هو محاولة جادة للتعرف على السمات الأساسية لهذا الكيان الغريب الذي له صفاته الخاصة (وأحياناً الفريدة ).

    الكيان الصهيوني
    Zionist Entity
    «الكيان الصهيوني» مصطلح يُستخدَم في الخطاب السياسي العربي للإشـارة إلى الدولة الصهيونية . وهو مصطـلح له مقدرة تفسيرية عالية لأنه منفتح، فهو لا يقبل القول بأن ما أُسِّس على أرض فلسطين هو مجتمع يهودي متجانس تحكمه دولة عادية، وإنما هو كيان كائن لم تتحدد صفاته بعد، أي أن المصطلح هنا يؤكد الشذوذ البنيوي لهذا الكيان الذي غُرس في فلسطين المحتلة غرساً وفُرض عليها فرضاً . ولأنه كيان مشتول لا جذور له فإنه يمكن أن "يُنفَض" كما يُنفَض الغبار (ومن هنا كان مصطلح «الانتفاضة »).
    واستخدام كلمة «كيان»، شأنها شأن عبارة «فلسطين المحتلة» و«تجمُّع» لا تتضمن أيَّ شكل من أشكال السب أو القدح، وإنما هو محاولة جادة للابتعاد عن القوالب اللفظية الجاهزة التي تسقط في العموميات وتتجاهل المنحنى الخاص للظاهرة وتقوم بالتطبيع المعرفي للظاهرة الصهيونية . واستخدام هذه المصطلحات لا يعني أن «الكيان الصهيوني» أقل قوة أو بطشاً أو تواجداً من الناحية العسكرية من «الدولة الصهيونية»، فجماعات المغول التي اكتسحت العالم الإسلامي وأسقطت الخلافة وهدَّدت العالم المسيحي، لم يكن تشكل دولة ولا حتى قبائل رعوية في بقعة محددة، وإنما، كما يبدو، كانت فائضاً سكانياً ضخماً قذفت به سهوب منغوليا الشاسعة عبر موجات متكررة، فاكتسحت الصين والهند ثم العالم الإسلامي. وكان هذا الفائض يتسم ببراعة عسكرية فائقة ومقدرة على إدارة الحرب النفسية وكان يحمل رغبة صادقة في تحطيم الحضارة الإنسانية باعتبارها تعبيراً عن شكل من أشكال الانحلال .
    والكيان الصهيوني هو أيضاً شيء فريد، فائض بشري أرسلته أوربا إلى فلسطين، بعد أن قامت بتسليحه ودعمه وتغطيته عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. وأوربا تشكيل حضاري أحرز تقدماً تكنولوجياً ضخماً تملك ناصيته المستوطنون الصهاينة، كما تملَّكوا ناصية أساليب الإدارة المتقدمة التي طوروها. ولكن كل هذا لا يجعلهم مجتمعاً أو دولة "عادية"، ومن هنا استخدام مصطلح مثل «تجمُّع» أو «كيان ».
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الإثنين أغسطس 04, 2008 1:05 am

    التطبيع الجزء الثاني
    المشروع الصهيوني
    Zionist Project
    «المشروع الصهيوني» عبارة تتردد في الخطاب السياسي العربي يُقصد منها أحياناً المخطط الصهيوني لاحتلال فلسطين وطرد أهلها أو الهيمنة عليهم (ويُقصد منها أحياناً أخرى المؤامرة اليهودية التي لا تنتهي ).
    ويمكن القول بأن المشروع الصهيوني هو النموذج المثالي الصهيوني (ما ينبغي أن يكون). وتتبدى من خلال هذا المشروع كل سـمات الشـذوذ البنيوي التي اتضحت فيما بعد من خلال الأداء الصهيوني. فالمشروع يتحقَّق في الزمان والمكان، الأمر الذي يعني أن التناقُض بين ما ينبغي أن يكون وما يتحقَّق بالفعل يأخذ في الظهور. ومع هذا يردد كثير من العرب أن المشروع الصهيوني خطة محكمة آخذة في التحقُّق بحذافيرها، وأن هرتزل على سبيل المثال تنبأ بأن الدولة الصهيونية ستُقام بعد خمسين عاماً وأن نبوءته قد تحققت بالفعل. وما يغفل عنه الكثيرون أن عدد النبؤات الصهيونية الذي لم يتحقق يفوق كثيراً عدد ما تحقَّق. فقد تنبأ هرتزل عام 1904 أن ألمانيا هي التي ستأخذ الدولة الصهيونية تحت جناحيها، أي قبل أن تأخذ الدولة النازية أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا تحت جناحيها (على طريقتها الجهنمية الخاصة) بثلاثين عاماً. وقد تنبأ بن جوريون بأنه بعد إنشاء الدولة بسنتين أو ثلاثة ستستسلم كل الدول العربية وستوقِّع معاهدات سلام مع الدولة الصهيونية وأن الفلسطينيين العرب سيتركون أراضيهم بحثاً عن الثروة في بقية العالم العربي .
    ولكن الأهم من هذا كله هو التناقضات العميقة التي ظهرت والتي زادت من الشذوذ البنيوي للكيان الصهيوني. فقد خطط الصهاينة على سبيل المثال لتأسيس دولة يهودية خالصة كان من المفروض أن يهرع لها كل يهود العالم أو غالبيتهم، وكان المفروض أن تكون هذه الدولة دولة مستقلة تعتمد على نفسها وتشفي اليهود من طفيليتهم. وغني عن القول أن شيئاً من هذا لم يحدث وأن أعضاء الجماعات اليهودية لا يزالوا في أوطانهم الأصلية الحقيقية، فهم ليسوا شعباً بلا أرض، يتساءلون عن يهودية الدولة اليهودية، والأسوأ من هذا أن العرب لا يزالون يقاومون هذا الكيان الصهيوني ومشروعه فيفتحونه ويكشفون شذوذه البنيوي ويؤكدون أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب .

    السمات الأساسية للمشروع الصهيوني
    Main Traits of the Zionist Project
    تتضح السمات الأساسية للمشروع الصهيوني في عدة حقائق سنبينها على النحو التالي :
    1 ـ ظهرت الفكرة الصهيونية في أوربا في القرن التاسع عشر، وهو عصر الاستعمار الأوربي القومي للقوميات الأخرى، وقد استمد كثيراً من مبرراته من الأفكار القائمة على التمييز العنصري، وتلك الخاصة بتفوق الرجل الأبيض، وغيرها من الأفكار المثيلة الرائجة آنذاك .
    2 ـ انطلقت فكرة قيام كيان يهودي، ثم تحوَّل إلى صهيوني، من قبَل الزعامات الأوربية قبل أن تتحول إلى تنظيم لليهود والصهاينة :
    أ) فقد أعلن نابليون عام 1799 عن استعداده للسماح لليهود بإعادة بناء الهيكل في القدس إذا ساعدوه في حربه مع بريطانيا العظمى من أجل السيادة على الشرق الأدنى والطريق إلى الهند .
    ب) وأعلن بسمارك عن رغبته في إنشاء كيان يهودي حول نهر الفرات لحماية مشروع خط الملاحة الألماني التجاري الذي فكرت ألمانيا آنذاك في إنشائه لتخرج من دائرة احتكار بريطانيا للطرق التجارية المؤدية إلى الشرق الأقصى .
    جـ) في عام 1837 طلب بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا من سفيره في استنبول الاتصال بيهود الشرق الأدنى ليطلبوا حماية بريطانيا لتتمكن من تحقيق وجود لها على غرار الوجود الذي حققته فرنسا في الشرق الأدنى تحت شعار حماية المسيحيين الكاثوليك وذاك الذي حققته روسيا القيصرية أيضاً تحت شعار حماية المسيحيين الأرثوذكس .
    د) بعد قيام الحركة الصهيونية بتشجيع ألماني بريطاني جرى صراع حول الاستقطاب إلى أن نجحت بريطانيا في احتواء الحركة الصهيونية وإبعاد النفوذ الألماني، بوصول وايزمان وبن جوريون إلى موقع القيادة الأول .
    هـ) صدر وعد بلفور من بريطانيا، إلا أن صياغته وصدوره كان جهداً بريطانياً أمريكياً مشتركاً .
    و) تأخرت أمريكا في توقيع موافقتها على صك الانتداب الفرنسي والبريطاني على فلسطين والأردن وسوريا ولبنان مدة سنتين، ولم توقعه إلا بعد أن حصلت من بريطانيا وفرنسا على حقوق اقتصادية متساوية معهما في الشرق العربي .
    ز) مع أن صك الانتداب على غير فلسطين نص على تمكين الشعوب ذات العلاقة من الوصول إلى مرحلة الاستقلال الوطني، إلا أن صك الانتداب على فلسطين تضمن (في المادة الثالثة منه) على تهيئة الأوضاع في فلسطين لإقامة كيان يهودي فيها .
    ح) منذ قيام الكيان الصهيوني والمؤسسة المحورية فيه هي المؤسسة العسكرية، ودور القوة العسكرية الصهيونية فيه هو حماية مصالح الاستعمار في المنطقة (عدوان السويس 1956) ثم تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية، فضلاً عن كونها أكبر القواعد العسكرية فاعلية بسبب موقعها الجغرافي وبسبب الدعم العسكري الأمريكي غير المحدود لبناء قوتها العسكرية، كما أنها من أقل القواعد العسكرية كلفة (450 ألف جندي في حالة التعبئة، تكـلف أمريكا حوالي خمـس مليارات دولار فقـط سنوياً ).
    ط) أصبح الكيان الصهيوني العسكري جزءاً أساسياً من إستراتيجية حلف الأطلسي في إستراتيجية المواجهة مع الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأدنى، وتحولت ذلك وبأهدافها الخاصة (إسرائيل الكبرى) إلى مركز مؤثر حاد، مضاد للسلام المجتمعي والإقليمي في المنطقـة. ومركز جذب للصراع بين الدول الـكبرى بما يهـدد السلام العالمي .
    3 ـ الفـكرة الصهـيونية منذ أن قامت وكما عرفـها المفكرون الصهاينة هي :
    أ) إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات كهدف إستراتيجي يتم تنفيذه على مراحل .
    ب) تنفيذ هذه الفكرة بالحرب العدوانية التوسعية الاستيطانية وضخ سـكان المنطقـة إلى الخارج بالإرهاب وضخ يهود العالم إلى الدولة بالإكراه .
    جـ) عدم وضع دستور بالمعنى التقليدي لدولة الكيان الصهيوني والاكتفاء بمجموعة قوانين أساسية وذلك لتفادي وضع حدود للدولة، تقيد العمل من أجل تحقيق إسرائيل الكبرى .
    4 ـ يقوم الكيان الصهيوني في إطار فلسفته المجتمعية على أكثر حالات التمييز العنصري والديني والطائفي والعرْقي، حدة عبر التاريخ :
    أ) فهناك تمييز بين اليهود اللاساميين (الأوربيين والأمريكان والروس ) القدامى والجدد .
    ب) وهناك تمييز بين اليهود اللاساميين واليهود الساميين ( العرب) لمصلحة اليهود اللاساميين .
    جـ) وهناك تمييز أكثر حدة في الحقوق والواجبات بين اليهود وغير اليهود وبخاصة العرب (الساميون ) المسلمون والمسيحيون من الفلسطينيين (السكان الأصليين للبلاد ).
    د) وتفسر الصهيونية خطر السماح للفلسطينيين المسلمين والمسيحيين بالعودة إلى وطنهم، بأن هذه العودة تؤدي إلى الإخلال بصفاء المجتمع اليهودي .
    5 ـ قامت إسرائيل كدولة صهيونية من خلال ما يُسمَّى بالشرعية الدولية المتمثلة في قرار الجمعية العمومية المتحدة في نوفمبر عام 1947 بتقسيم فلسطين، مع أن هذا القرار يتناقض مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، لأنه صادر إرادة شعب فلسطين وحقه في تقرير مصيره، فضلاً عن أن تهجير تجمعات بشرية إلى وطن يسكنه شعبه رغم إرادة هذا الشعب، ثم إعطاء هؤلاء المهاجرين حق سلب جزء من الوطن، عمل يتناقض مع الحقوق الطبيعية للشعوب التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان .
    6 ـ دولة إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بفعل الغير ووفق شروط تفصيلية تناولت حتى مبادئ الدستور ونصت على عدم المساس بالحقوق السياسية والمدنية والثقافية والدينية والاقتصادية لغير اليهود في القسم المخصص لليهود في فلسطين .
    7 ـ إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي وضع على قبول عضويتها في الأمم المتحدة شروط حددها بروتوكول لوزان الذي وقعته حكومة إسرائيل. وأهم هذه الشروط قيام إسرائيل بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين بما في ذلك شروط قرار التقسيم وقيام دولة إسرائيل وقرار حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم، والتعويض لمن لا يرغب في العودة منهم. ولكن إسرائيل ترفض حتى الآن تنفيذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك ما يتصل بحدودها وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم فيها، وهو ما يجعل عضويتها في الأمم المتحدة باطلة وغير شرعية .
    8 ـ ترفض إسرائيل عملياً الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على غير اليهود، كما ترفض الالتزام بالمواثيق الدولية ومنها اتفاقيات جنيف في كيفية التعامل مع شعب الأراضي المحتلة. ولا توجد دولة في الأمم المتحدة، صدرت بحقها قرارات إدانة في هذا المجال ومجال رفضها الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقراراتها كما صدر بحق دولة إسرائيل، بما في ذلك ما يتصل بانتهاكاتها سيادة دول المنطقة وانتهاكاتها اتفاقيات الهدنة. (لبنان ـ السعودية ـ سوريا، مصر ـ العراق ـ الأردن (.
    9 ـ لم يعلن القادة الصهاينة قبل قيام دولة إسرائيل موافقتهم على قرار التقسيم ورفضوه كما رفضه شعب فلسطين، ولكنهم في الاجتماع الذي عُقد في تل أبيب في ديسمبر عام 1947 قرروا عدم إعلان رفضهم له أو موافقتهم عليه، والعمل على تنفيذه كمرحلة أولى من مراحل العمل من أجل تحقيق الاستيلاء على كل فلسطين كقاعدة انطلاق باتجاه تحقيق إسرائيل الكبرى كهدف نهائي جغرافياً .
    10 ـ إن التجمُّع البشري الذي يتألف منه الكيان الصهيوني لم يصل إلى مستوى المجتمع المتكامل للأسباب التالية :
    • الإجــماع الصهيوني
    • الاعتــــدال والتطـــرف:المنظــــور الصهيوني .

    الإجــماع الصـهيوني
    Zionist Consensus
    «الإجماع» في عالم السياسة هو الاتفاق بين النخبة والغالبية الساحقة من الشـعب بشأن عدد من المسـلمات الفلسـفية والأخلاقية والسياسية. و«الإجماع الصهيوني» هو اتفاق داخل الدولة الصهيونية بين التيارات والاتجاهات والأحزاب الصهيونية التي تضم الغالبية الساحقة من المستوطنين الصهاينة بشأن الأمن وحدود الدولة والعلاقة مع الفلسطينيين ومع يهود العالم ودول العالم، وبخاصة دول العالم الغربي وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي ترعى الكيان الصهيوني. وقد تظهر اختلافات بشأن الوسائل والنهج، ولكنها لا تنصرف قط إلى المسلمات النهائية . ( والعقد الاجتماعي الذي يستند إليه التجمُّع الصهيوني هو نفسه هذا الإجماع، وهو الذي يشكل المرجعية النهائية لكل الأحزاب والتيارات الصهيونية ).
    وقد اهتزت معظم هذه المسلمات، نقول "اهتزت" ولا نقول "زالت". إذ أنه رغم الاهتزاز هذا، الذي فرضه الواقع المقاوم على المستوطنين الصهاينة فرضاً، تظل غالبيتهم الساحقة تدور في إطار الإجماع الصهيوني، الذي يمكن تلخيصه فيما يلي :
    1 - اليهود شعب واحد، طليعته هم المستوطنون الصهاينة، وفلسطين هي أرض الميعاد أو إرتس يسرائيل (وطن اليهود القومي) وليست فلسطين، وطن أهلها. وحدود إرتس يسرائيل مراوغة مطاطة لا يمكن تحديدها في الوقت الحاضر، إذ لابد أن تتوسع إسرائيل لتصل لحدودها "التاريخية" (التي ورد ذكرها في التوراة!). وعلى يهود العالم أن يهاجرو إلى إرتس يسرائيل وأن يلتفوا حول دولتهم الصهيونية القومية ويقوموا بدعمها مالياً وسياسياً فهي المركز وهم الهامش. هذه الدولة يجب أن تكون دولة يهودية خالصة (دولة اليهود ودولة يهودية في آن واحد) تجسِّد الرؤى اليهودية، وبإمكان اليهودي أن يحقِّق فيها ذاته وهويته .
    ولكن الدولة الصهيونية بدأت تدرك أن اليهود ليسوا شعباً واحداً (كما كان يدَّعي الصهاينة قبل عام 1948). وسؤال من هو اليهودي لا يزال سؤالاً ملحاً، يطرح نفسه على الدولة الصهيونية وعلى قاطنيها من المستوطنين الصهاينة. كما أدرك الصهاينة أن فلسطين، من خلال مقاومة أهلها، لم تعد لقمة مستساغة أو مطية سهلة أو مجالاً مفتوحاً للتوسع الصهيوني. ولم تَعُد الدولة الصهيونية تطلب من يهود العالم الغربي الهجرة إليها ولم تَعُد تتبع الأسلوب العقائدي العدواني الذي كانت تتبعه في الماضي. ومن هنا كف الحديث عن الشعارات القديمة مثل «جمع المنفيين» و«غزو الجاليات» و«تصفية الدياسبورا » و«إسرائيل الكبرى حدودياً»، وبدأ، بدلاً من ذلك، الحديث عن «الصهيونية التكنولوجية » أو «الإلكترونية» (أي التي تساهم في بناء "الوطن القومي اليهودي" من خلال التكنولوجيا والإلكترونيات)، كما يتحدث الصهاينة الآن عن «صهيونية الدياسبورا » و«إسرائيل العظمى اقتصادياً» المهيمنة على المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، أي أن الحركة الصهيونية قد قبلت بأمر واقع مفاده أن اليهود ليسوا شعباً واحداً وأن إسرائيل ليست وطنهم الوحيد وأن يهود المنفى لهم حق البقاء فيه، ومن هنا قبول الصهيونية التوطينية، والتنازل عن الأهداف القصوى للصهيونية الاستيطانية المطالبة بـ «تصفية الدياسبورا»، ومن هنا أيضاً محاولة توظيف يهود «المنفى» في منفاهم، أي أوطانهم .
    2 - وجود الفلسطينيين في وطنهم فلسـطين - حسـب التصوُّر الصهيوني - أمر عرضي زائل، ومن ثم لابد من التخلص منهم بشكل ما (لتأسيس الدولة اليهودية المقصورة على اليهود ). وانطلاقاً من كل هذا يصبح من "حق" الدولة الصهيونية أن " تدافع" عن نفسها وعن حقوقها المطلقة بكل ضراوة من خلال "جيش الدفاع الإسرائيلي" ضد " إرهاب" السكان الأصليين، أي الفلسطينيين ممن يرفضون الإذعان للرؤية الصهيونية . وقد تتفاوت مفاهيم السلام بين حزب صهيوني يميني وآخر صهيوني يساري ولكن في التحليل الأخير نجد أن مفهوم الأمن لدى الأحزاب الصهيونية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يشير إلى مضمون واحد .
    وينظر الصهاينة إلى القضية الفلسطينية باعتبارها «قضية أخلاقية» وحسب، ومن ثم يجب عدم الحديث عن "عودة" الفلسطينيين إلى ديارهم ("إعادة توطينهم" في المصطلح العربي)، وإنما يجب الحديث عن "منح تعويضات" مالية للمتضررين منهم. أما المتبقون فيُستوعَبون في أماكن وجودهم (أي في البلدان العربية المختلفة، وبخاصة سوريا ولبنان) .
    ومع هذا أدرك الصهاينة صعوبة التخلص من الفلسطينيين ومن وجودهم " العرضي الزائل". ولذا يحاول الصهاينة الآن قبول الأمر السكاني الواقع مع الاتجاه نحو تقليل الاحتكاك بالفلسطينيين ومحاصرتهم عبر إقامة كيان خاص بهم، لأنهم يهددون شرعية الوجود الصهيوني ذاته. ولكن الحديث عن "محاصرة السكان" هو نفسه دليل على الفشل الصهيوني في إنشاء الدولة الصهيونية الخالصة، وفي حماية المزاعم الصهيونية التي تحدتها الانتفاضة المباركة . وقد تحوَّل النظام الاستيطاني الصهيوني عن الإحلال وأصبح نظاماً مبنياً على التفرقة العنصرية (الأبارتهايد) .
    3 - سياسة الأمر الواقع هي السياسة الوحيدة التي يمكن اتباعها مع العرب، فالأمر الواقع هو الذي يغيِّر الواقع [العربي] ويفرض واقعاً ) صهيونياً] جديداً عليه ويمكن تحقيق السلام وبالشروط الصهيونية من خلاله .
    وقد أثبتت الانتفاضة و"الحزام الأمني" في لبنان عدم جدوى الأمر الواقع وعبثيته واستحالة فرض السلام بالشروط الصهيونية . ولذا نجد أن الإجماع الصهيوني قد اهتز بشأن غزوات إسرائيل العسكرية "دفاعاً" عن نفسها (والتي تفرض الأمر الواقع والسلام بالشروط الصهيونية من خلالها)، فلا يوجد إجماع بشأن حرب لبنان، ولا يكف بعض أعضاء النخبة عن الحديث عن ضرورة الانسحاب من طرف واحد (وإن ظل الإجماع الصهيوني بشأن قمع الانتفاضة، لأنها تتحدى شرعية الوجود الصهيوني ذاتها). كل هذا يعني في واقع الأمر أن الإجماع الصهيوني يهتز في حالة قيام العرب بالمقاومة .
    4 - لا يمكن تفكيك المستوطنات القائمة بالفعل، فتفكيك المستوطنات يضرب في صميم الشرعية الصهيونية، ولابد من الحفاظ عليها بشكل أو بآخر، والدولة الصهيونية تضم الضفة الغربية، وحدودها هي نهر الأردن . ولكن، هل يجب أن تكون هذه المستوطنات متصلة بطرق برية أم أنفاق تحت الأرض، أم تظل منفصلة؟ وهل هي مستوطنات أمنية مؤقتة أم دائمة؟ كل هذه أمور ثانوية يمكن الاختلاف بشأنها بين أعضاء حزب العمل وحزب الليكود. إذ يرى أعضاء الليكود أن حدود إسرائيل هي نهر الأردن بالفعل وأن الوجود الإسرائيلي هناك وجود دائم، أما العماليون فمستعدون "للخروج" من هذه الأرض (من الناحية النظرية على الأقل) للحفاظ على يهودية الدولة الصهيونية فيما يُسمَّى «الصهيونية السكانية». فضم الضفة الغربية بمن عليها سيجهز على الطابع اليهودي للدولة الصهيونية . وكل هذه الاختلافات السابقة إن هي إلا امتداد للاختلافات التي نشأت من البداية، بين التيارات الصهيونية المختلفة .
    ولكن مع هذا نجد أن أمراً جوهرياً مثل الاستيطان، حجر الزاوية في الإجماع الصهيوني، قد يصبح هو الآخر موضع خلاف. فمع تزايد مشاعر العداء بين مستوطني عام 1948 (وراء الخط الأخضر) ومستوطني الضفة والقطاع، بسبب حجم الإنفاق الاقتصادي والعسكري العالي الذي ليس له عائد واضح، ظهرت أصوات كثيرة تصف هذا الاستيطان بأنه " مكلف"، أو "مترف"، أو كصنبور الماء المفتوح، وطالب البعض، من منظور صهيوني، بوقفه أو فكه أو تجميده، وبخاصة بعد أن أصبح الاستيطان «مكيف الهواء» وأصبح على الجيش حماية المستوطنين (بعد أن كانوا يشكلون طليعته العسكرية (.
    5 - القدس هي العاصمة الموحدة والأزلية للدولة الصهيونية ( وليست موضوعاً للمساومة) وبإمكان الفلسطينيين أن يأخذوا مكاناً خارج القدس وليسمونه ما يشاءون الـ Quds على سبيل المثال، وهذه (مع الأسف) ليست مجرد نكتة سياسية وإنما حقيقة صهيونية .
    6 - الكيان الفلسطيني الذي سينشأ (في الضفة والقطاع) كيان سياسي منقوص السيادة، منزوع السلاح وبدون جيش. ويشبَّه الكيان الفلسطيني ببورتوريكو وأندورا ( والأولى دولة حرة، تابعة للولايات المتحدة، لسكانها حق التصويت، دون أن يحملوا الجنسية الأمريكية، أما الثانية، فتخضع لنظام حكم تحت سيادة فرنسا وأسقف من إسبانيا [ فهي تقع بين البلدين]). أما ماذا تُسمَّى هذه الدولة (هل هي «حكم ذاتي» أم «دولة فلسطينية مستقلة»؟) فهذه مسألة ثانوية يمكن الاختلاف بشأنها .
    7 - يذهب الإجماع الصهيوني - رغم كل ديباجات الاستقلال الصهيوني والاعتماد على الذات ورفض الجوييم - إلى أنه دون الدعم الغربي، وبخاصة الأمريكي، للمستوطن الصهيوني لن يُقدر له البقاء والاستمرار، وأن هذا المستوطن الصهيوني هو أساساً دولة وظيفية أُسست للاضطلاع بوظيفة أساسية، هي الدفاع عن المصالح الغربية، وأن الغرب قد تبنى المشروع الصهيوني وضمن له البقاء والاستمرار كي يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ودون أداء الدولة الصهيونية لوظيفتها، لن يكون هناك دعماً .
    ولعل العنصر الوحيد الذي لم يهتز هو إدراك الصهاينة أن الدعم الأمريكي أمر حيوي وأساسي للبقاء والاستمرار الصهيونيين، أي أن كل الثوابت قد اهتزت وظهرت عليها التشققات والتغيرات إلا هذا العنصر، ومن هنا تسميتنا له "بالثابت الثابت". أما عناصر الإجماع الأخرى فقد ظهر أنها متغيرات خاضعة للتفاوض .

    يتبع
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الإثنين أغسطس 04, 2008 1:08 am

    التطبيع الجزء الثالث

    الاعتــــدال والتطـــرف: المنظــــور الصهيـــوني
    Moderation and Extremism: Zionist Perspective
    «الاعتدال» من « عدل» أي «سوى بين الشيئين». و«الاعتدال السياسي» هو أن يأخذ المرء موقفاً ينزع نحو المهادنة وتقديم التنازلات في سبيل تحقيق قدر من العدل والسلام. و«التطرف»، على خلاف «الاعتدال»، هـو «تجـاوز حد الاعتدال». وهـو على زنة «تفعُّل» من «طرف ». و«الطرف» هو «حافة الشيء». و«التطرف»، في المصطلح السياسي، هو أن يتمسك المرء بموقفه وبالحد الأقصى لا يحيد عنه ولا يقبل تقديم أية تنازلات ولا يتهاون بغض النظر عن الأوضاع والملابسات المحيطة بالموقف. ومصطلحا «الاعتدال» و«التطرف» شائعان في الخطاب السياسي، فيوصف إنسان بأنه «متطرف» وآخر بأنه «معتدل» حسب ما يتخذانه من مواقف. ولكن ما يغيب عن الكثيرين أن التطرف والاعتدال يُقاسان بالنسبة إلى مرجعية ما كامنة، فما هو متطرف من وجهة نظر ما قد يكون اعتدالاً من وجهة نظر أخرى، وكل شيء يعتمد على المرجعية. وما يفوت من يستخدمون مثل هذه المصطلحات أن أسباب الصراع (في المجال السياسي والاقتصادي) ليس لها علاقة كبيرة بما يُسمَّى «العُقد النفسية والتاريخية»، وإنما هي في العادة أسباب بنيوية، لصيقة بالعلاقـات التي توجد في الواقع. وطالما ظلت البنية الشاذة ظل الصراع، أي أن القضية ليس لها علاقة كبيرة، في كثير من الأحوال، مع الحالة النفسية أو مع مدى استعداد أحد أطراف الصراع لإظهار الاعتدال والتسامح. ولذا فنحن نذهب إلى أن مصطلحي «الاعتدال» و«التطرف» ليـس لهما مقدرة تفسيرية عالية في مجال السياسة والاقتصاد .
    والأمر لا يختلف كثيراً في الصراع العربي/الصهيوني، فسبب الصراع هو الشذوذ البنيوي للكيان الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، الذي تأسس على الظلم، وتم تحقيقه من خلال الإرهاب والقمع، وطالما ظلت البنية الصهيونية الشاذة، ظل الصراع العربي الصهيوني. ومع هذا تم استخدام المصطلحين بطريقة فيها قدر كبير من السـيولة وعدم التحدد. وهذا يعود إلى أن المرجعية الصهيونية والحد الأقصى الصهيوني والمسلمات النهائية (تأسيس الدولة اليهودية الخالصة، الخالية من العرب) أخفيت تماماً عن الأنظار، وأن شعارات مثل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" و"إرتس يسرائيل التي تمتد من النيل إلى الفرات" أو "على ضفتي الأردن" و"تجميع المنفيين في إرتس يسرائيل" و"نفي ( أي تصفية) الدياسبورا" قد تم إخفائها عن طريق استخدام الخطاب الصهيوني المراوغ، الآلية الصهيونية لإخفاء المرجعية. ولهذا نجد أن ما يوصف بالتطرف يوماً يوصف بالاعتدال يوماً آخر وهكذا، إلى أن اقترب "الاعتدال الصهيوني " من المسلمات الصهيوني النهائية والحد الأقصى الصهيوني. فبعد إعلان وعد بلفور عام 1917 كان الصهاينة الذين يطالبون بإنشاء دولة صهيونية يعدون "متطرفين" لأن الحد الأقصى المعلن آنذاك هو "وطن قومي" وحسب. ولكن هؤلاء المتطرفون أصبحوا معتدلين في الأربعينيات حينما أصبح الشعار الرسمي للحركة الصهيونية هو إنشاء دولة صهيونية وقبول قرار التقسيم والعيش مع العرب في سلام! ومن ثم كان الحديث عن كامل أرض إسرائيل وطرد العرب هو عين التطرف الصهيوني. ولكن بعد أن قضمت إسرائيل أراض تتجاوز حدود الأرض المعطاة لها بمقتضى قرار التقسيم وبعد أن تم طرد العرب، أصبح الاعتدال الصهيوني هو تجاوز قرار التقسيم والقبول بالأمر الواقع والتمسك بحدود 1948 وببقاء الفلسطينيين خارج ديارهم. وبعد حرب 1967 كان التطرف الصهيـوني هو التمسك بكل أو بعض الأراضي المحتلة بعد عام 1967 وبإقامة المستوطنات فيها . وبالتدريج، تغيَّر مثل هذا الموقف الأخير، وأصبح الاعتدال هو قبول الأمر الواقع وتجميد المستوطنات مع الاستمرار في تسمينها (أي توسيعها) .
    وينطبق الموقف نفسه على العرب بطبيعة الحال، فالمعتدل، من وجهـة النـظر الصهيونية، هو الذي يقبل الموقـف الصهيـوني المعتدل ويتغيَّر بتغيُّره. فالعربي الذي كان يقبل استيطان الصهاينة دون إنشاء دولة كان يُعدُّ (منذ عام 1917 وحتى الأربعينيات) معتدلاً، ولكنه أصبح متطرفاً بعد ذلك التاريخ. ومن كان يقبل إنشاء الدولة اليهودية وقرار التقسيم عام 1948 كان يُعدُّ عربياً معتدلاً، ولكن بعد إنشاء الدولة، أصبح مثل هذا الشخص متطرفاً. وظل الأمر كذلك حتى عام 1967 حين أصبح الاعتدال العربي هو الرضوخ لحدود إسرائيل بعد عام 1967 وأصبح تطبيق قرار 242 أو حتى إنقاص المستوطنات في الضفة الغربية هو عين التطرف العربي. ومما يجدر ملاحظته أن الحفاظ على أمن إسـرائيل هو دائماً الحـجة التي تُسـاق لتحديد مفهومي الاعتدال والتطرف، وأن مواصفات هذا الأمن تحدده الدولة الصهيونية دائماً. ويُلاحَظ، في جميع الأحوال، غياب مفهوم العدل والتآكل التدريجي لمفهوم المقاومة إلى أن أصبح أي شكل من أشكال « المقاومة» شكلاً من أشكال التطرف والإرهاب. وقد تَسلَّل المصطلحان بمرجعيتهما الصهيونية إلى الخطاب السياسي العربي وأصبح يُشار إلى « العمليات الفدائية» بأنها «عمليات انتحارية ».
    ويمكننا أن نقول إن المرجعية النهائية للعقل الصهيوني هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (دولة وظيفية يقيمها الغرب ويدعمها ويضمن لها البقاء وتقوم هي على خدمة مصالحه وتجنيد يهود العالم وراءها). وهي صيغة استعمارية استيطانية تنفي العرب وتُسقط فكرة العدل تماماً وتستند إلى القوة الذاتية للصهاينة وإلى الدعم الإمبريالي الغربي. هذا هو الأساس وما عدا ذلك تفاصيل وآليات وديباجات. فحدود الدولة وحجم الاستيطان وكثافته كلها آليات وتفاصيل خاضعة للاعتبارات الإستراتيجية الغربية وللملابسات الخاصة المحيطة بالدولة الاستيطانية والعملية الاستيطانية .
    ولكن، ورغم وجـود هـذه المرجعية الثابتة للعقــل الصهيوني، فإن موقف الصهاينة على مستوى الممارسة اليومية يتباين بين «الاعتدال» و«التطرف» فهو ليـس موقـفاً واحداً ثابتاً لا يتغيَّر. ولتفسـير هذه الظاهرة، وحتى يمكننا أن نتوصل إلى نموذج تفسيري معقول. فلابد أن نشير ابتداءً إلى أن ثمة انفصالاً بين إدراك الإنسان لواقعه وبين استجابته لهذا الواقع وسلوكه فيه. فاستجابة الفرد لواقعه لا تحددها فقط مكوِّنات هذا الواقع المادية (مثل موازين القوى على سبيل المثال ) وإنما يحددها أيضاً مركب هائل من العوامل النفسية والعصبية والتاريخية والثقافية وإدراك الآخر. ولهذا السبب، قد يكون من المفيد أن نرسم مخططاً متكاملاً لطيف الإدراك الصهيوني (الذاتي) في علاقته بموازين القوى (الموضوعية). وقد بيَّنا في مدخل آخر (انظر: «الإدراك الصهيوني للعرب») أن الصهاينة يدركون العرب من خلال أربعة أنماط أساسية: العربي الحقيقي ـ العربي ممثلاً للأغيار ـ العربي الهامشي ـ العربي الغائب. ويمكن أن نرى كيف تساهم القوة في تقويض نمط إدراكي ما أو تدعيمه .
    1 ـ في حالة اتجاه موازين القـوى لصـالح العرب وضـد صـالح الصهاينة، فإن هذه الموازين تدعم الإدراك الواقعي عند الصهاينة، إذ يكتشف المستوطنون أن البنية الاستيطانية/الإحلالية لن تحقق لهم الأمن الذي يريدونه ولا الرفاهية التي يبغونها، ومن ثم تظهر على شاشة وجدانهم صورة العربي الحقيقي. وتساهم عملية إعادة صياغة الإدراك في تبديد الأوهام الأيديولوجية. وقد يؤدي هذا، في ظروف معينة، إلى ظهور برنامج سياسي يعكس الواقع، أي أن ميل موازين القوى لصالح العرب يؤدي إلى ترشيد العقل الصهيوني .
    2 ـ في حالة اتجـاه موازين القوى لصـالح الصهاينة وضـد صـالح العرب، فإن هذه الموازين ستدعم الإدراك الصهيوني المتحيز. وسيرى المستوطنون أن البنية الاستيطانية/الإحلالية قد حققت لهم الأمن الذي يبغونه ومستوى معيشياً مرتفعاً. وسيساهم ذلك في تحويل الواقع التاريخي إلى شيء هامشي باهت، ويظهر على شاشة وجدانهم صورة العربي الهامشي ثم الغائب، ويتدعـم البرنامج السياسـي الصهيـوني بوصفه مرشـداً للتعامل مع الواقع .
    ويمكن أن نفسِّر التطرف والاعتدال الصهيونيين في ضوء الاحتمالين السابقين. فإن ظل العربي الحقيقي ساكناً دون أن يتحدى الرؤية أو موازين القوى، أصبح من الممكن قبوله كشخصية متخلفة هامشية غائبة، ويصبح من الممكن إظهار التسامح تجاهه، بل منحه بعض الحقوق مثل "الحكم الذاتي" (وهنا تكمن المفارقة ). أما إذ بدأ العربي الحقيقي في التحرك لتأكيد حقوقه ورفض الهامشية المفروضة عليه وتحدي الرؤية الصهيونية وحاول تغيير موازين القوة لصالحه، فإنه يصبح مصدر خطر حقيقي ويصبح من الضروري ضربه لتهشيمه وتهميشه ويصبح التسامح مرفوضاً .
    نحن نعيش في عالم يؤمن بالحواس الخمس وبكل ما يُقاس، ولا يعترف بالحق أو الخير أو العدل. ولتوصيل مثل هذه القيم غير المحسوسة للعدو، لابد من الضغط على حواسه الخمس حتى يعرف أن العربي الحقيقي ليس مجرد صورة باهتة في وجدانه يمكنه تغييبها وإنما هو قوة واقعية يمكن أن تسبب له خسارة فادحة إن هو تجاهلها أو حاول تهميشها وتهشيمها .
    ولعل هذا هو القصور الأساسي في محاولات التوصل للسلام حسب الشروط الصهيونية . فقد ظن مهندسو هذه الاتفاقيات أنهم عن طريق رفع رايات السلام والاعتدال والحديث الهادئ على مائدة المفاوضات سيُغيِّرون صورة العربي في وعي العالم ويهدئون روع الصهاينة ويقنعونهم بأنهم معتدلون وراغبون في السلام، وأن هذا سيخلق دينامية تفرض على الحكومة الإسرائيلية أن تصل إلى اتفاق عادل أو شبه عادل. ولكن الذي حدث هو عكس ذلك تماماً. فكلما ازداد الاعتدال العربي زاد التطرف الصهيوني وزاد التمسك بالمستوطنات وبكل شبر من الأرض المحتلة. والعكس بالعكس، فكلما زاد التطرف العربى، أي المقاومة والحوار المسلح، ازداد الصهـاينة رشداً واستعداداً لتَقبُّل فكرة السلام الذي يستند إلى العدل، بدلاً من السلام حسـب الشروط الصهيونية، أي الاستسلام الكامل .

    الحــــوار والحـــوار النقـــدي والحـــوار المســـلح
    Dialogue, Critical Dialogue and Armed Dialogue
    «الحوار» مصطلح يعني حرفياً حديث يجري بين شخصين. وهو ترجمة لكلمة « ديالوج »dialogue»» المكونة من مقطعين «ديا »«dia» وتعني «اثنين»، أما «لوج »logue» » فهي من الفعل اللاتيني «لوكور » loquor» » والتي تعني «يتحدث». فهو حديث بين اثنين ( على عكس المونولوج فهو حديث شخص واحد [مونو] مع نفسه). وكلمة «حوار» تفترض شكلاً من أشكال الندية والمساواة. ويلجأ الصهاينة إلى الدعوة إلى "الحوار" و"التفاوض وجهاً لوجه" و"الابتعاد عن عقد التاريخ وحساسيات الهوية". ومثل هذه الدعوة للحوار دون تحديد المنطلقات والأطر هي في واقع الأمر دعوة لمحو الذاكرة والتخلي عن القيم والتعري الكامل. وفي غياب الندية فإن ما يحسم الحوار هو السلاح، أي أنها دعوة للتطبيع من الجانب العربي دون أن يقوم الجانب الصهيوني بإزالة استيطانيته الإحلالية، التي تسبب شذوذه البنيوي .
    ولكي يكون الحوار مثمراً لابد أن يبدأ من التاريخ والقيم ومن الواقع المركب الذي نعيشه، فالبشر ليسوا مثل الفئران عقولهم صفحة بيضاء، فنحن كلنا نحمل عبء الذاكرة والتاريخ والأخلاق وهذا ما يجعلنا بشراً، ونحن جميعاً نعيش في الواقع وندركه من خلال تجربتنا المتعينة. ولذا في أي حوار مع الآخر الصهيوني لابد أن نبـدأ بتعريف المشـكلة لا أن ننسـاها أو نتناساها، ولابد أن نتذكر أن هناك كياناً استيطانياً إحلالياً وكتلة بشرية غازية وأن ثمة «مسألة فلسطينية» متمثلة في شعب فَقَد أرضه ولم يفقد ذاكرته، ولذا فهو متمسك بها، يناضل من أجلها، أي أن الحوار لابد أن يبدأ بالاعتراف بشذوذ إسرائيل البنيوي وشرعية المقاومة وفحوى التاريخ وبالوجود الفلسطيني .
    ولابد أن يبدأ الحوار من تقرير الإطار القيمي وأن العدل هو الذي يجب أن يسود وأن العنصرية شيء بغيض، ومن ثم لابد أن يتوجه الحوار لقضية الظلم الذي حاق بالفلسطينيين والتمييز العنصري الذي يلاحقهم في فلسطين المحتلة قبل وبعد عام 1967 .
    ويجب أن ندرك أن الحوار أنواع، فهناك الحوار بين طرفين يتفقان في المنطلقات والأطر المرجعية والمبادئ، والهدف من الحوار في هذه الحالة هو تحويل هذا التفاهم العام إلى إجراءات محددة، وهذا هو أسهل أنواع الحوار، ويمكن أن يتم بشكل سلمي .
    لكن إن كان الطرفين غير متفقين في المنطلقات ولا الأطر ولا المبادئ، فيمكن في هذه الحالة إجراء ما يُسمَّى «حواراً نقدياً»، وهو حوار يمكن أن يتم على مائدة المفاوضات وعبر وسائل الإعلام حيث يحاول كل طرف أن يبيِّن للطرف الآخر وجهة نظره وعدالتها ويبيِّن عنصرية الآخر ولاعقلانيته .
    ولكن إن كان هناك حوار بين طرفين غير متفقين في المنطلقات والآراء والأطر المرجعية وكان أحد الطرفين نسبياً يرفض أي مطلقات أخلاقية ومرجعية ويجعل من نفسه مرجعية ذاته، مكتفياً بذاته، فإن قيام أي حوار أمراً مستحيلاً. وتسوء الأمور إن كان الطرف الذي نصَّب من نفسه المرجعية النهائية المطلقة مسلح برؤية نيتشوية داروينية، تنطلق من المبدأ القائل بأن البقاء للأصلح بمعنى الأقوى، وأن ما يحسم الأمور هو القوة العسكرية وسياسات الأمر الواقع التي تستند إلى الغزو العسكري .
    ومع هذا يمكن أن ينشأ نوع من الحوار نسميه «الحوار المسلح»، حين يقوم الطرف الذي وقع عليه الظلم بالمقاومة، فهو من خلال مقاومته وإلحاق الأذى بالآخر الظالم، يبدأ هذا الآخر في إدراك أن رؤيته للواقع ليست بالضرورة مطلقة ولا نهائية، فتنفتح كوة من الرشد الإنساني في سُحب الظلم الكثيفة ويبدأ الآخر الظالم في إدراك الظلم الذي وقع على ضحيته ومن ثم قد يُعدِّل موقفه. وهذا يتطلب رصداً ذكياً ومستمراً من جانب الضحية المقاوم، حتى يدرك أن اللحظة قد حانت للدخول في التفاوض مع الآخر الظالم . هذا لا يعني التوقف عن المقاومة، لأنه لو جرى الحوار دون المقاومة المسلحة فإن هذا الآخر، حبيس حواسه الخمسة ورؤيته الداروينية، قد يرى الرغبة في التفاوض باعتبارها مؤشراً على استعداد الضحية للاستسلام للذبح مرة أخرى. وقد أدرك الفيتناميون هذا الوضع، فدخلوا في حوار مسلح مع الأمريكيين انتهى بالطرفين إلي مائدة المفاوضات، ولكن لم يتوقف الفيتناميون عن القتال إلا بعد انتهاء المفاوضات .
    وقد كان هناك حوار مسلح حقيقي بين المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين أثناء الانتفاضة توقف مع اتفاقية أوسلو وإن كان استؤنف بشكل أقل حدة بعدها. أما في جنوب لبنان فالحوار المسلح لا يزال قائماً، حتى أن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين يطالبون بالانسحاب من طرف واحد .
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الإثنين أغسطس 04, 2008 1:08 am

    الصهيونية كغزو عسكري واقتصادي وسياسـي للعــالم العربي
    Zionism as a Military, Economic, and Political Invasion of the Arab World
    المشروع الصهيوني والإجماع الصهيوني ينطلقان من الصيغة الصهيونية الشاملة المهوَّدة التي تفترض أن الجماعات اليهودية شعباً له علاقة عضوية بأرض فلسطين، وأن علاقة شعب فلسطين بأرض أجداده هي علاقة عرضية واهية هامشية تبرر عملية إبادتهم وطردهم (شعب يهودي بلا أرض لأرض بلا شعب فلسطيني). ومثل هذا المشروع لا يمكن تنفيذه إلا بحد السلاح وعن طريق الإرهاب. وقد تناولنا هذا الجانب بشيء من التفصيل في الأبواب المعنونة «الإرهاب الصهيوني قبل عام 1948» و«الإرهاب الصهيوني بعد عام 1948»، وفي كثير من المداخل الأخرى .
    ولكن الصهيونية ليست غزواً عسكرياً تقليدياً للمنطقة، وإنما هي استعمار استيطاني إحلالي يأخذ شكل دولة وظيفية (انظر الأبواب المعنونة: «إشكالية الدولة الصهيونية الوظيفية» ـ «إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني» ـ «الاستعمار الاستيطاني الصهيوني») .
    وقد بدأ كثير من المحللين العرب يتحدثون عن «التحدي الحضاري الإسرائيلي» كما لو كانت إسرائيل كياناً عادياً طبيعياً، يشكل تحدياً حضارياً، شأنها في هذا شأن إنجلترا أو فرنسا أو الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي ينافي الحقيقة إلى حدٍّ كبير .
    التحدي الحضاري الإسرائيلي
    Israeli Cultural Challenge
    «التحدي الحضاري الإسرائيلي» عبارة دخلت الخطاب السياسي العربي، ومفادها أن التجمُّع الصهيوني يُمثِّل كياناً حضارياً مستقلاً متفوقاً على الكيان الحضاري العربي، وأن هزيمة العرب العسكرية هي نتيجة تخلُّفهم الحضاري، وأن العرب لو حذوا حذو الصهاينة لحققوا الانتصار عليهم .
    والتحدي الحضاري هو عملية تغطي كل جوانب الحياة حيث يطرح الآخر رؤية للحياة وأسلوباً لتنظيمها يحققان نجاحاً على جميع المستويات ويحققان كل إمكانيات الإنسان كإنسان، فالتحدي الحضاري ليس مجري إنجاز تكنولوجي أو تفوُّق عسكري وإلا اضطررنا للقول بتفوق التتار على العرب لأنهم عبروا نهر دجلة على كوبري من المخطوطات العربية، ولقلنا بتفوق البرابرة على الرومان لأنهم نجحوا في غزو روما وتحطيم منجزاتها الحضارية. ولكن من الصعب قبول مثل هذا المعيار لأنه معيار أحادي يتجاهل الوجود الإنساني المُركَّب، ولأن التفوق العسكري في نهاية الأمر ليس هو التفوق الحضاري. وقد تحوَّل هذا العنصر الوحيد إلى المعيار الأوحد بتأثير الحضارة الغربية ذات الرؤية الداروينية الصريحة، التي منحته مركزية لا يستحقها .
    وإذا نظرنا إلى التجمُّع الاستيطاني الصهيوني الذي يمثل التحدي الحضاري ـ حسب رؤية البعض ـ لوجدنا بالفعل تجمعاً قد حقق تفوقاً عسكرياً لا يمكن إنكاره. ولكنه تفوُّق لم يحرزه بإمكانياته الذاتية وإنما بسبب الدعم العسكري الغربي. بل إن التجمُّع الصهيوني ككل لا يعتمد على موارده الطبيعية أو الإنسانية وإنما يعتمد على الدعم المستمر من الولايات المتحدة والدول الغربية ويهود الغرب . ومن ثم فمحاولة محاكاة هذا المجتمع محاولة فاشلة، مصيرها الإخفاق .
    وهذا التجمُّع الصهيوني هو مجتمع ذو توجُّه عسكري واضح، تهيمن عليه المؤسسة العسكرية التي ليس لها أي وجود ملحوظ لا بسبب غيابها وإنما بسبب حضورها الكامل العضوي في كل مؤسسات التجمُّع الصهيوني .
    وهذا التجمُّع الاستيطاني الإحلالي، شأنه شأن كل الجيوب الاستيطانية الإحلالية، مبني على الحد الأقصى من العنف الموجَّه ضد الآخرين وضد الذات. فهو مبني على أكذوبة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهي أكذوبة لم يَعُد يصدقها حتى الصهاينة أنفسهم. وهو يحاول أن يكتسب شرعية وجوده إما من خلال قصص ومفاهيم توراتية (لا يؤمن بها معظم المستوطنين الصهاينة ذوي التوجُّه العلماني الشامل) أو مفاهيم جيتوية حلولية عضوية لا تختلف كثيراً عن الأساطير النازية العرْقية ولكنه يكتسب شرعية وجوده، في واقع الأمر، بالطريقة الغربية المألوفة، أي بقوة السلاح .
    وهذا التجمُّع لا توجد فيه حضارة متجانسة، فكل مستوطن أحضر معه من وطنه الأصلي خطاباً حضارياً مختلفاً، وادَّعت الدولة الصهيونية أنها ستمزج الجميع في بوتقة يهودية عبرانية جديدة ليخرج منها مواطن جديد. وما حدث هو أن الخطاب الحضاري الجديد المزعوم لم يتشكل، وظهر بدلاً منه واقع حضاري غير متجانس، وأصبح الخطاب الحـضاري المهـيمن هو خـطاب الراعي الإمبريالي، أي الخـطاب الأمريكي .
    باختصار شديد التجمُّع الصهيوني ليس مجتمعاً، وإنما هو "تجمع" يتسم بالشذوذ البنيوي، غُرس في المنطقة بمساعدة القوة العسكرية الغربية ومن خلال دعمها الاقتصادي والسياسي والعسكري ليقوم بدور عسكري لصالح الحضارة الغربية. ومن ثم فهو يشكل تحدياً عسكرياً وحسب، لا تحدياً حضارياً، بل إنه تحدٍّ عسكري جعلنا ننحرف عن الاستجابة للتحدي الحضاري الأصلي الذي طرحته علينا الحضارة الغربية الحديثة، وهو كيف نؤسس مجتمعاً حديثاً في إطار منظوماتنا القيمية والحضارية؟
    ولعلنا لا ندَّعي حين نقول إن التحدي الحضاري للأمة التي أنتجت ابن خلدون والمتبني والغزالي وابن رشد ينبغي أن يأتي من شعب أو حضارة أنتجت أرسطو وماركس وألا يهبط إلى مستوى بناء حضاري متخلف تسيطر عليه الأفكار الجيتوية ويتزعمه بن جوريون الذي يتصور أنه يحدد سياسة بلاده الخارجية وتحركات جيوشه حسب رؤى العهد القديم وأقوال التلمود وأساطير الأولين، بشرط أن يكونوا من اليهود .


    الصهيونيــة كغــــزو ثقـــــافي للعــالم العــربى
    Zionsim as a Cultural Invasion of the Arab World
    يجب أن يُفهَم خطر الغزو الثقافي الصهيوني للمنطقة العربية بمعنى أوسع لا يقتصر على خطره على الفكر العربي، أي الثقافة بالمعنى الضيق، بل يشمل أيضاً الخطر الذي يواجهه نمط الحياة والسلوك والقيم والعقائد وطبيعة الولاء… إلخ .
    والخطر الثقافي، بهذا المعنى الواسع، لا يعني الخطر الذي يمثله غزو حضارة أو ثقافة متنوعة لحضارة ضعيفة أو دنيا، وإنما يعني تهديد ثقافة لثقافة أخرى بالاضمحلال أو الزوال لمجرد أن الأولى يحملها شعب متفوق عسكرياً أو تكنولوجياً دون أن تكون ثقافته بالضرورة أكثر استحقاقاً للبقاء أو أشد جدارة. والتاريخ يعرف هذين النوعين من الغزو الثقافي .
    إن هذا الخطر يشترط لتَحقُّقه ابتداءً، وقبل كل شيء، هزيمة نفسية من جانب العرب، وسيادة الاعتقاد لديهم بأن سبب التفوق العسكري الذي أحرزته إسرائيل عليهم هو تفوُّق قيمي وأخلاقي وحضاري وثقافي، ومن ثم يظهر بين العرب من المفكرين والكُتَّاب من يصدقه عدد متزايد من العرب يدعون إلى احتذاء إسرائيل ليس فقط في تطبيق التكنولوجيا الحديثة بل وفيما يتعدى ذلك كالإشارة إلى أسلوبهم في التنظيم والإدارة وإلى نظامهم السياسي وعلاقاتهم وقيمهم الاجتماعية ونمط سلوكهم. وقد بدأت مثل هذه الدعوة تعبِّر عن نفسها بأساليب مختلفة، على استحياء أولاً في أعقاب هزيمة العرب عام 1967 ثم زادت جرأة في أعـقاب زيــارة رئيــس مصر الســابق للقدس عام 1977 وتوقيــع اتفاقيـة كامب ديفيد عام 1979 .
    ومن الكُتَّاب العرب من يعبِّر عن نفس الموقف بطريقة غير مباشرة عن طريق التأكيد على أن تكرار هزائم العرب في مواجهة إسرائيل إنما يرجع إلى تَخلُّفهم عن السير في ركاب الحضارة الغربية بينما لحقت إسرائيل بها، دون أن يميِّز التمييز الكافي بين الجوانب الإنسانية البحتة في التقدم الغربي والجوانب الثقافية التي تمثل إفرازاً خاصاً لثقافة بعينها .
    وبصرف النظر عن توالي هزائم العرب العسكرية على يد إسرائيل منذ عام 1948، فإن الخطر الثقافي الصهيوني قد أتيحت له الآن قناة جديدة تتمثل في قبول مصر الانفتاح الاقتصادي والثقافي على إسرائيل منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. فالسلع الإسرائيلية سوف تحمل في طياتها نمطاً للاستغلال وأسلوباً للحياة لم يختره المصري أو العربي بمحض إرادته أو بمقتضى تطوُّره الاقتصادي والاجتماعي الطبيعي. وسوف يتكرر، عن طريق إسرائيل، غزو أنماط الاستهلاك الغربية للمنطقة العربية، كما سوف يؤدي التعاون بين مصر وإسرائيل في مجالات الإعلام (إذا قُدِّر له أن يصل إلى المدى الذي تأمله إسرائيل) إلى طبع وسائل الإعلام المصرية، ثم العربية، بالطابع التجاري الاستهلاكي الذي يكرس تغريب الحياة الاجتماعية .
    ومن أشد الأخطار التي يمثلها هذا الغزو، تهديده للمشروع الحضاري العربي الذي شرعت مصر في قيادته في الستينيات ولم تتمه، والذي يقوم على اعتبار الوطن العربي وحدة سياسية وثقافية، وكان يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تبلور موقف حضاري مستقل للعرب. ذلك أن من المستحيل أن نتصور أن يتم تكامل بين بلد عربي أو مجموعة من الدول العربية وإسرائيل مع وجود تكامل اقتصادي وسياسي بين الدول العربية إلا إن كان هذا التكامل الأخير في خدمة المصالح الاقتصادية والسياسية للدول الصناعية أو لإسرائيل نفسها. إن ما ترتب على استعمار بريطانيا أو فرنسا في القرن الماضي، لدول صغيرة مجزأة في غربي أفريقيا مثلاً، من تكامل دولة كغانا أو نيجيريا مع الاقتصاد البريطاني، ودولة كساحل العاج أو غينيا مع الاقتصاد الفرنسي، كان ذلك وحده كافياً لعزل كل من هذه الدول عن الأخرى ولمنع قيام أي تكامل اقتصادي بين هذه الدول حتى الخاضع منها لنفس الدولة الغربية .
    كذلك، فإن الانفتاح الثقافي لإحدى الدول العربية، كمصر، على إسرائيل، من شأنه أن يخلق عقبات تتراكم في وجه التكامل الثقافي العربي، كالانحسار التدريجي للتوجه العربي للتعليم، أو كالإهمال المتعمد لتعليم اللغة العربية والتاريخ العربي، بل لقواعد الدين تحت شعار الانفتاح على العالم المتحضر ومجاراة متطلبات العصر. وليس مثال دول المغرب العربي الثلاث بعيداً عنا بما ترتَّب على إخضاعها لتكامل اقتصادي وثقافي مع فرنسا من صعوبات أمام العودة بهذه البلاد إلى التكامل مع بقية الدول العربية أو حتى فيما بينها .
    وإذا قُدِّر لمثل هذا الاتجاه أن ينجح، فإن أقل الاحتمالات سوءً أن يطرح العرب في النهاية أية محاولة لتقديم أية مساهمة فريدة في الحضارة الإنسانية، وأن يتحولوا إلى مقلدين ولو تعدَّى التقليد ميدان الاستهلاك إلى ميدان الانفتاح، وكذلك أن يفقد العرب إلى الأبد الفرصة التي مازالت متاحة لهم لاستلهام تراثهم الحي في بناء نمط جديد للحياة يقوم على فلسفة ونظرة متميزة إلى الإله والكون والطبيعة والعلاقات الاجتماعية وعلاقة الفرد بالدولة والمدينة بالريف وإلى ابتداع مدارس خاصة بهم في العلوم الاجتماعية والتنظيم الاقتصادي ونمط الإنتاج والتقدم المادي .
    أما القول بأن إسرائيل ليست إلا بلداً صغيراً لا يمكن أن تشكِّل خطراً ثقافياً أو اقتصادياً على المنطقة العربية بالعدد الكبير لسكانها، فإنه قول يـكفي لإهماله أن نتذكر كيـف حكمت إنجـلترا في القرن الماضي، وهـي الجـزيرة الصغيرة، إمـبراطورية لا تغـرب عنها الشمس، وأثرت تأثيراً بالغـاً في التـوجه الثقافي للدول الخاضـعة لها .
    المصدر :
    موسوعة اليهود و اليهودية
    للدكتور / عبد الوهاب المسيرى
    [ الباب الأول : إشكالية التطبيع ]

    انتهى
    النسر الأحمر
    النسر الأحمر

    الأمين العام  الأمين العام



    ذكر
    عدد الرسائل : 11994
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : اعلامي
    المزاج : تمام
    رقم العضوية : 2
    الدولة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Palest10
    نقاط : 16080
    تقييم الأعضاء : 32
    تاريخ التسجيل : 12/11/2007
    الأوسمة : التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف النسر الأحمر الإثنين أغسطس 04, 2008 1:26 am

    اشكر لك مداخلتك الرائعة يارفيق لقد اثريت موضوعى
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الثلاثاء أغسطس 05, 2008 8:32 am

    هلا بالرفيق النسر
    اتمنى ان نستطيع اثراء ثقافة رفيقاتنا ورفاقنا بكل ما هو مفيد ليتمكنوا من تعزيز قدراتهم ولنستفيد جميعاً من المعرفة
    دمت
    الرفيق*2008
    الرفيق*2008

    جُـــنـدي نـظامــي
     جُـــنـدي نـظامــي



    ذكر
    عدد الرسائل : 211
    العمر : 41
    رقم العضوية : 664
    نقاط : 5997
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 15/06/2008

    التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته Empty رد: التطبيع: مخاطره، نتائجه ومقاومته

    مُساهمة من طرف الرفيق*2008 الأربعاء أغسطس 20, 2008 1:11 pm

    الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

    الدائرة الثقافية المركزية









    التطبيـــع فــي زمـــن العـولمــــــة

    د. هشام غصيب






    أيار 2007

    التطبيع في زمن العولمة
    أ.د.هشام غصيب




    أنطلق في تحليلي من أنه إذا أردنا أن نفهم تماما معنى التطبيع ومعنى مناهضته، فعلينا أن نركز على طبيعة الكيان الصهيوني وطبيعة المخطط الأميركي في المنطقة عقب تحطيم الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية. إن أهمية الكيان الصهيوني للإمبريالية العالمية تنبع من كونه جزءا لا يتجزأ من منظومة القوى الإمبريالية. إنه ليس مجرد أداة في يديها، وإنما هو جزء يمثلها في قلب المنطقة العربية وامتداد حقيقي عضوي لها. وهو يحقق أهداف الإمبريالية في منطقتنا بتحقيق مشروعه الاستعماري الصهيوني الخاص، ومن ذلك تنبع قوته وضرورته للنظام الإمبريالي العالمي .

    إنه في الواقع أكثر من مجرد شريك للإمبريالية. فهو امتداد عضوي لها. كما إن وظيفته تتعدى المنطقة، فهو وليد آيديولوجيا الجناح الأكثر ظلامية وعدوانية في الإمبريالية العالمية. فالصهيونية ليست آيديولوجيا البرجوازية اليهودية وحدها، وإنما أخذت تغدو رأس حربة آيديولوجيا البرجوازية الإمبريالية المهودة برمتها. لذلك فإن البرجوازية الإمبريالية، وبخاصة الأميركية منها، معنية ببناء الكيان الصهيوني بناء يكسبه قوة ذاتية واستقراراً ورسوخا ودوراً استراتيجيا في منطقتنا وربما في غيرها من المناطق.

    ولتحقيق ذلك، فإن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكتفي بثلاثة أرباع فلسطين، وإنما عليه أن يلتهم فلسطين بكاملها على الأقل، بوصفها أرض اسرائيل، وفي سياق ذلك، عليه أن يدمر الشعب العربي الفلسطيني ويفتته ويهمشه ويشرده ويكسر مقاومتــه.
    1.


    كذلك فعليه الهيمنة اقتصادياً وأمنياً وسياسياً على محيطه المباشر متى سنحت له الفرصة، أي إلحاق المحيط المباشر به واستعماله معبراً للمحيط العربي الأوسع ومخيما للفائض السكاني العربي وسوقا للرأسمال الصهيوني واحتياطيا للعمالة الرخيصة.

    وأخيرا وليس آخرا فعليه أن يجبر المحيط العربي على القبول به كيانا طبيعيا وجزءا متفوقا من المنطقة، بحيث يؤدي دورا رئيسيا في سياسة المنطقة، فيبني التحالفات للوقوف أمام أي قطر عربي تسول له نفسه الخروج من الإطار الإمبريالي أو مجرد التفكير بذلك.

    من ذلك يتضح أن التطبيع هو مطلب إمبريالي صهيوني أساسي، وأداة أساسية من أدوات إسرائيل الكبرى. فالتطبيع هو في جوهره إجبار الضحية على القبول بالأمر الواقع، واقع عبوديتها، ومعاونة الجلاد في استعبادها واستعباد غيرها من الضحايا.

    إن الامبريالية الغربية والاستعمار الصهيوني يشتركون في هدف بناء كيان صهيوني قوي يتمدد وينمو على حساب المحيط العربي، كيان قوي يتغذى على المحيط العربي ويمول نفسه من هذا المحيط ويكون بمثابة مركز متقدم ومكتمل النضج والمقومات لمجموعة من الكنتونات الإثنية والطائفية الهزيلة محدودة السيادة والمقومات، وذلك كله من أجل إبقاء الوطن العربي مجتمعا متخلفا مفتتا منهوبا تحت هيمنة النظام الإمبريالي العالمي، أي منع الأمة العربية من إعادة تشكيل نفسها على أسس تنموية حديثة وبناء استقلالها وتقدمها.

    2.


    ووجدت الإمبريالية الأمريكية والصهيونية فرصتها الذهبية لتحقيق ذلك عقب انتهاء الحرب الباردة، التي خرجت منها ظافرة أو شبه ظافرة، فكان ما يسمى مسيرة السلام أداتها الرئيسية لتحقيق ذلك ومقدمة للتطبيع الشامل. فهذه المسيرة المشؤومة هي استمرار للعدوان الصهيوني بوسائل أخرى، وهدفها الحقيقي هو توزيع غنائم الحرب الباردة على المنتصرين. هذا ما اكدناه منذ البداية، منذ ما قبل مدريد، على أساس تحليل مادي صارم للوضع وفي سياق نقد مقولة "الأرض مقابل السلام". وهذا ما أثبتته الأحداث مذ ذاك بما لا يدع مجالا للشك .



    إن الكيان الصهيوني هو النقيض الاستراتيجي للأمة العربية الموحدة المتقدمة.من ثم، فإن التناقض بين الطرفين تناقض تناحري مطلق. فإما الكيان الصهيوني المتمدد واما الأمة العربية الموحدة المتقدمة. لذلك فإن التعامل مع الكيان الصهيوني وكأنه كيان طبيعي شأنه شأن المجتمع التركي أو الإيراني أو الفرنسي أو الصيني والاعتراف بهذا الكيان هو في جوهره نفي للذات العربية، اي إنه انتحار قومي، لا أكثر ولا اقل. وهو فوق ذلك انتحار للعقل . فقبول الكيان الصهيوني هو في جوهره قبول لأسطورة الأمة اليهودية وأسطورة امتلاكها أرض فلسطين وأسطورة الشعب المختار، وما إلى ذلك من أساطير يرفضها العقل والعلم. إن التطبيع إذاً هو عملية سلخ للعربي عن جذوره التاريخية، وإلغاء لانتمائه لوطنه وعبره للإنسانية والتاريخ، وتحطيم لعقله. إنها محاولة لقلب التاريخ على رأسه: تحويل العربي الى يهودي جوال يتجول في متاهة السوق العالمية المعولمة وتجذير اليهودي الجوال وترسيخه في تربة تاريخ أسطوري موهوم تجسد واقعا. إنها محاولة إضفاء تماسك مصطنع على دولة أقوام لا توحدها سوى غنيمة وعقيدة عنصريــة،

    3.


    يصاحبه تذرية لمجتمع تاريخي عريق ، أي تحويله إلى مجموعة من الذرات البشرية العديمة الانتماء إلى أرض وتاريخ ووطن وتراث قيمي. إن التطبيع هو خلق هوية حضارية وهمية على أنقاض هوية تاريخية فعلية. إنه في جوهره أكبر عملية تزوير للتاريخ تمارس من أجل تكريس أكبر عملية تزوير للحاضر والمستقبل .



    ولكن للتطبيع شروطا ثقافية معنوية. فهو يستلزم جملة من التغييرات الأساسية في بنية الوعي العربي السائد. إذ إنه لا يمكن أن يرسخ في وعي مسلح بالحس التاريخي الاجتماعي والذاكرة القومية التاريخية، ومنظومة القيم النابعة من الانتماء للإنسان في عيانيته التاريخية الثقافية. لذلك، فإن نجاح التطبيع يستلزم خلق جيل من المواطنين العرب يتصور نفسه كومة من الذرات الاقتصادية التي لا ترتبط معا إلا عبر آليات السوق العالمية المعولمة، ومن ثم لاتنتمي إلى وطن أو أمة أو أرض، وإنما إلى مصالحها كما تعرفها وتعبر عنها السوق العالمية المعولمة.

    وهنا يأتي دور العولمة والخصخصة بالمعنى الذي تطبقان به في دول المحيط الرأسمالي. فهي تفترض ، وتسعى إلى خلق الإنسان الاقتصادي المجــــــرد Homo Economicus الذي يتحدث عنه علم الاقتصاد البرجوازي، من أدام سميث وريكاردو إلى ملتون فريدمان.

    إن هذه الآلية والعقلية الرأسمالية تشكل شرطا ضروريا في منطقتنا لنجاح التطبيع. فهذه العقلية الرأسمالية البحتة التي تحاول الإمبريالية الغربية فرضها على دول المحيط الرأسمالي لا تميز بين مجتمع وآخر الإ من حيث ارتباطه بالسوق العالمية المعولمة، ومدى اندماجه فيها . لذلك، فهي لا تكتفي بأن لا تجد حرجا في التعامل مع
    4.


    الكيان الصهيوني تعاملاً طبيعياً، وإنما تذهب إلى اعتبار هذا الكيان الكيان الطبيعي الوحيد في المنطقة، والذي ينبغي من ثم الاحتذاء به. إذاً فإن العولمة والخصخصة في منطقتنا العربية ترتبطان ارتباطاً موضوعياً حميماً بالتطبيع. فسيادة العقلية النابعة من هاتين الآليتين هي شرط نجاح التطبيع وشيوعه في المجتمع العربي. والنتيجة أن مجتمع اليهودي الجوال يتحول إلى مركز قومي رئيسي، في الوقت الذي يتحول فيه العربي إلى بدوي جوال في صحراء السوق العالمية المعولمة، إلى إنسان أدام سميث الاقتصادي المجرد، إلى ظل تجريدي هائم في متاهة السوق العالمية المعولمة.

    ما العمل إزاء هذا التحلل الكارثي في وطننا؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله؟ كيف تجابه الضحية جلادها؟ إن الإجابات عن هذه الاسئلة تنبع ضروريا من التحليل المذكور أعلاه. فلا يكفي أن نجابه الاختراق الصهيوني لمؤسساتنا الاقتصادية والتربوية والإعلامية، مع أن ذلك ضروري جدا، وإنما علينا أيضا أن ننظم الجماهير الشعبية في مجابهة العولمة والخصخصة، أي الرأسمالية العالمية في صيغتها الحديثة، وفي مجابهة جميع أشكال التفتيت القومي من قطرية وطائفية ومناطقية وإقليمية وعشائرية، وأن نعمل على إحياء قيم النضال والتحرير والاستقلال القومي والإنتاج المترابط والمقاومة الشعبية. علينا أن نعمل على إعادة تنظيم صفوف المقاومة الشعبية للاستغلال الرأسمالي والاحتلال والتبعية في شتى صورها ، وأن نسعى إلى إعادة بناء الذات القومية على أسس تنموية حديثة وبناء الذاكرة التاريخية القومية. وينبغي أن تكون نقطة البدء رفضنا القاطع لأي نوع من الاعتراف بشرعية الغاصب الصهيوني وأي تنازل عن أي شبر من الأرض العربية ، حتى لو وصلت جحافل العدو إلى زاخو. فالهزيمة لا تكمن في المعاناة والاحتلال والدمار بقدر ما تكمن في
    5.


    مثل هذا الاعتراف. فالالتزام بالحقيقة التاريخية والعقلانية النابعة منها هو الشرط الاساس لأي مقاومة ذات معنى وأي صمود حقيقي في وجه العدوان . فلنجابه منطق العولمة بالانتماء القومي للأرض والشعب المتجذر تاريخيا فيها، ولنجابه منطق الرأسمالية متعددة الجنسيات بقيم الاشتراكية والتحرر القومي، ولنجابه منطق البرجوازية الطفيلية بمنطق الطبقة العاملة وقيم الإنتاج التنموي المستقل، ولنجابه التزوير الصهيوني بمنطق العقل التاريخي العلمي، وأخيرا وليس آخرا، فلنجابه منطق القبول بالأمر الواقع البائس بمنطق الواقعية التاريخية التي تسعى إلى تغيير الكائن وفك إسار الكامن .
    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 8:00 am