ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


    دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين..

    ابو وطن
    ابو وطن

    مشرف المنتديات الفلسطينية  مشرف المنتديات الفلسطينية



    ذكر
    عدد الرسائل : 6822
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : مشرف شبكات حاسوب
    المزاج : ولا احلى من هيك
    رقم العضوية : 7
    الدولة : دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Palest10
    نقاط : 9042
    تقييم الأعضاء : 10
    تاريخ التسجيل : 14/11/2007
    وسام مسابقة الضيف المجهول : دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Empty

    دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Empty دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين..

    مُساهمة من طرف ابو وطن الخميس يوليو 10, 2008 5:34 am

    دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين..

    بقلم: أحمد دحبور
    ويوم أمس، أمس تحديدا، حلت ذكراه السادسة والثلاثون. ولما كان كل ما عاشه بيننا ستا وثلاثين سنة، فان المسافة الفاجعة تكون قد أبلغتنا يوم أمس، انه عاش على الأرض بعدد السنوات التي قضاها تحتها حتى الآن، فلولا الانفجار الغادر الذي هز حي الحازمية البيروتي يوم 8/7/1972، لكان من حق غسان كنفاني أن يحتفل، ويحتفل معه شعبه الفلسطيني، بسنواته الاثنتين والسبعين. ولكن منذا الذي يستطيع ان يتخيل ذلك الشاب السمح، الفياض بالحيوية ابداعا وفرحا، المزود بالسخرية الذكية، وقد اصبح شيخا يتجعد وجهه بالغضون، ويشتعل الرأس شيبا؟ لا، انه لم يصل الى ذلك، فاشتعل القلب الفلسطيني حسرة ..

    انه ابو فايز، الذي عرفناه حتى لو كان بعضنا لم يره شخصيا. انه ذلك الشاب الوجودي، الملتزم بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المؤرخ، القاص، الروائي، الرسام، الصحفي والمخرج الصحفي، الناقد النافذ، الذي كتب الشعر، واقتحم باسمه ورواياته باب السينما الذي ظل موصدا في وجه الفلسطينيين منذ الأخوين لاما ..


    فيا له من شخصية تاريخية مهيبة من مواليد 1936، ويا له من موهبة يانعة لا تزال في الربيع السادس والثلاثين، وبالاشارة الى السينما، نذكر ان فلسطين التي تتباهى بفيلم الأخوين لاما، قبله في الصحراء، منذ عام 1927. قد اغلق القهر والاحتلال دروب السينما في وجهها، فاكتفت بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، بالأفلام التسجيلية التي حققت بها سبقا وتفوقا ملحوظين. وكان لها محاولة حماسية في فيلم خطابي اسمه الفلسطيني الثائر عام 1964، حتى اكتشف العرب أن في الفلسطينيين روائيا نوعيا، اسمه غسان كنفاني. فتهتدي اليه المؤسسة العامة للسينما السورية عام 1971، وتتعاقد معه على تحويل روايته ما تبقى لكم الى فيلم سينمائي. ومع نجاح التجربة تعاقدت معه المؤسسة على استثمار عمله الروائي الأكثر شهرة: رجال في الشمس. ومن المفارقات، ان غسان المناضل العنيد في صفوف الجبهة الشعبية، كان ممنوعا، بسبب التزامه الحزبي، من دخول البلد المنتج، فكان الفنيون المعنيون يحجون اليه في بيروت لتداول التفاصيل معه، ولم يتح له ان يرى الفيلمين المأخوذين عن روايتيه في اي من دور السينما. اما الفيلم الثالث، المأخوذ عن روايته عائد الى حيفا، فقد انتجته الجبهة الشعبية، ولم يره ابو فايز بطبيعة الحال، فقد كان حينذاك، شهيدا تحت الثرى ..


    وبهذا يكون غسان كنفاني رائدا في السينما الفلسطينية من حيث لم يقصد. فقد كانت رواياته الثلاث هي طلائع الروايات غير المسبوقة فلسطينيا في انتقالها من الحبر والوروق الى السلولويد والضوء في اطار الفن السابع ..


    واذ نسجل، بالفخر والعرفان، بادرة المؤسسة العامة للسينما السورية في التعالي على الخلاف السياسي، واحراز السبق في توظيف غسان سينمائيا، واذ نشهد للجبهة بتقديم احدى رواياته سينمائيا، فاننا نسجل ان فيلم عائد الى حيفا هو اول فيلم روائي فلسطيني من انتاج فلسطيني. ما يعني ان شهيدنا الغالي الكبير ظل رائدا فينا حيا وشهيدا .

    فيلم السكين
    من الشيق اللافت للنظر، ان تكون ما تبقى لكم، هي الرواية الاولي من اعمال غسان كنفاني التي شقت طريقها الى السينما. اما اللافت في الأمر، فهو ان هذه الرواية صعبة التنفيذ كما كانت صعبة القراءة، وسأوضح ذلك فيما بعد، مع ان السينما في العالم الثالث الذي ننتمي اليه، غالبا ما تميل الى الأحداث المتسلسلة التي يسهل استيعابها ومتابعتها. الا اننا عندما نتذكر ان السيناريست الذي فصل ما تبقى لكم على مقاس السينما، واعطاها اسما جديدا، السكين، هو الفنان العراقي الكبير قيس الزبيدي، يبطل العجب. واظنه كان متفقا مع مخرج الفيلم السوري خالد حمادة على ان يكون العمل غير ملون، ان لم يكن هو الذي اقترح ذلك، لا لأن فيلم الاسود والابيض هو الذي كان اكثر شيوعا في بلادنا سنة الانتاج: 1971. بل لأن من سياسة قيس الفنية، ان يوغل في تعميق مستويات الظل التي يوفرها الاسود والابيض، بينما كانت السينما الملونة التي كان السينمائيون لا يزالون فرحين مدهوشين بها، مهددة بأن تصرف الاهتمام عن أثر الصورة في الانعكاسات النفسية .


    على أن الفيلم، جاء يشكو - من وجهة نظر الجمهور الذي يتوقع حركة وصخبا من فيلم يعالج القضية الفلسطينية - حالة من بطء الايقاع، كأنما يرصد كل خلجة في جسد الفتى حامد، المعذب، الهارب من العار، الذاهب الى الأم بمعنييها الطبيعي والرمزي، كما كانت الكاميرا تستبطن وجه مريم التي كانت مهددة بالعنوسة لولا زواجها الشائن من زكريا النتن. وكان من الصعب توصيل رمز الصحراء سينمائي وكأنها كائن حي كما قصد غسان ان تكون، الا ان رمز الساعة كان ممكنا اجرائيا بمتابعة البندول الذي يتحرك برتابة، والدقات التي تشارك في الايحاء بالضغط النفسي وتقدم الزمن ..


    وكأنما قيس الزبيدي وخالد حمادة، السيناريست والمخرج، قد زهدا بالتفصيل الضروري الذي اوجده غسان لشرح العلاقة العدوانية الغامضة بين حامد وجندي الاحتلال، فاكتفيا بما يشبه النهاية المفتوحة. وفي يقيني ان الفترة التي تم فيها تنفيذ هذا الفيلم كان لها علاقة بمسار الأحداث سينمائيا. فعام 1971 لم يكن واضحا بعد، مصير الصراع الفلسطيني الصهيوني، وان كانت الخياارات واضحة . فنحن امام عدوين متروكين في الخلاء، ونتيجة هذا الارتطام لم تكن قد وضحت بعد ..


    ببقي ان اشير الى الممثلين، وهم رفيق السبيعي وناجي جبر السوريان، وسهير المرشدي المصرية، بينما لا يوجد الا ممثل فلسطيني واحد وهو بسام لطفي ابو غزالة الذي نشأ في سورية. وهو تشكيل يجعل من الصعب تقديم اللهجة الفلسطينية اليافاوية بأداء تلقائي، لكن ما خفف من وطأة هذه المشكلة ان الحوار كان خفيفا غير مكثف، وهو جزء من سياسة قيس الزبيدي السينمائية التي تميل الى الاقتصاد اللغوي لتفرد للرؤية البصرية مداها المطلوب. ولكن الصوت كان حاضرا ومؤثرا جدا من خلال الموسيقى التصويرية البارعة للفنان السوري الكبير صلحي الوادي .


    وباختصار: ما كان لمثل هذا الفيلم ان ينجح شعبيا، ولكنه قدم اضافة الى المثقفين المعنيين بالبهجة البصرية .

    ما تبقى لكم
    آثرت، خلافا للتسلسل المنطقي، أن أبدأ بالفيلم المأخوذ عن الرواية هذه المرة، لاحساسي بأن صانعي - السكين - قد حاولوا تحقيق اكبر قدر من الاستقلال، في نقل النص من جنس ادبي الى جنس فني حديث. لكن هذا لا ينفي ان رواية - ما تبقى لكم - هي الاصل في هذا السياق، وكأنما انتبه غسان كنفاني الى ركوبه مركبا غير مألوف، للوصول الى غاية الرواية. فوضع، منذ البداية، توضيحا في ثمانية عشر سطرا فقط، ليشير الى أن ابطال الرواية هم خمسة وليسوا ثلاثة، فالى جانب الفتى حامد، وشقيقته المنكوبة مريم، وغريمه وصهره المفروض زكريا النتن، هناك بطلتان لا يمكن التغاضي عن حضورهما هما الساعة والصحراء .


    ولقد قيل الكثير في أن غسان كان متأثرا برواية الصخب والعنف للامريكي الفذ وليم فوكنر، بل قيل انه كان متأثرا بترجمة جبرا ابراهيم جبرا تحديدا لهذه الرواية البارعة. واذا كان في هذا بعض الصحة، فان من العدل انصاف غسان، ابن الثلاثين عاما يوم اصداره هذه الرواية، بأنه لم يقتبس حدثا او فعلا. فرواية ما تبقى لكم هي رواية غسان كنفاني بامتياز، وانما تأثر بتفكيك الأحداث وطريقة اعادة بنائها، ليتمكن على حد تعبيره في توضيحه، من قول كل شيء دفعة واحدة. وقد نجح في ذلك الى حد بعيد، فعلى ما كلفنا هذا الاسلوب من صعوبة في القراءة، وفر لنا، كقراء متابعين، ذروة ما يسمى بلذة النص .


    ولو حاولنا، اعادة بناء الرواية بعد ان فككها المؤلف، لعدنا الى بدايات النكبة، عندما اختفى او استشهد والد مريم وحامد في يافا، وانقطعت اخبار امها عنهما، الى ان طلع صوتها في الاذاعة - برنامج رسائل اللاجئين الى ذويهم - وتبين انها في الاردن تحلم بلم شمل الاسرة، اما مريم وحامد فقد القت بهما المقادير في غزة. وكانت مريم شابة، اكبر من اخيها بعشر سنوات. ولم يكن لهما راع او حام او معيل، فتعرضت مريم لغواية اشبه بالاغتصاب من زكريا النتن الذي يمحضه حامد احتقارا كبيرا، ولا سيما بعد تسليمه الفدائي الشاب، واسمه سالم، لسلطات العدو الذي نفذ بالفدائي حكم الاعدام الفوري امام أهل المخيم. وكان حامد الفتى يظن ان كل ما ينقصه كان بسبب غياب أمه، وظل يحلم بلقائها . وعندما فوجىء بأن اخته قد حملت سفاحا من زكريا النتن، كان اعجز من الا يوافق على زواجهما الصوري بمهر غير مدفوع قدره عشرة جنيهات مصرية. ولكنه يمم وجهه، فورا، شطر الصحراء ليذهب الى الاردن على لحم قدميه آملا ان يعثر على أمه. اما مريم المهيضة المكسورة فظلت دقات ساعة الحائط التي جلبتها معها من يافا، تدوي في رأسها وتذكرها بخطوات حامد في الصحراء الموحشة حيث الخطر من الوحوش ومن الأعداء على حد سواء. ولقد كان حامد في عين الخطر فعلا، وقد اصطدم بمجند صهيوني في الظلام، وتمكن من الانتصار عليه واشهار سكينه في وجهه، الا ان في الرواية سكينا ثانية داخل بيت مريم وزكريا الذي تبين انه متزوج وله خمسة اولاد، وهو يريد من مريم ان تجهض لأنه لم يغتصبها ويتزوجها بالتالي، الا للمتعة الحسية لا أكثر. وفي وقت واحد، انما في مكانين مختلفين تطعن مريم زكريا بالسكين ويتحفز حامد لجز عنق المجند الصهيوني الذي اتى من يافا وقد يكون احتل بيت حامد .


    من الصعب ان نبسط الأمور بتحويل أي من الابطال الخمسة الى رموز محددة، ولكن المشهد الذي يظلل الرواية بمجمله هو رمز أليم لواقع النكبة، حيث ظلت الساعة تدق معبرة عن قسوة الزمن، والصحراء تنفتح على صراع مصيري، وزكريا النتن والمجند الصهيوني اللذان لم ير أحدهما الآخر، يتماهيان في بوتقة واحدة، بينما ظل حامد ومريم يواجهان مصيرهما وفي يد كل منهما سكين .
    ابو وطن
    ابو وطن

    مشرف المنتديات الفلسطينية  مشرف المنتديات الفلسطينية



    ذكر
    عدد الرسائل : 6822
    العمر : 40
    العمل/الترفيه : مشرف شبكات حاسوب
    المزاج : ولا احلى من هيك
    رقم العضوية : 7
    الدولة : دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Palest10
    نقاط : 9042
    تقييم الأعضاء : 10
    تاريخ التسجيل : 14/11/2007
    وسام مسابقة الضيف المجهول : دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Empty

    دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين.. Empty رد: دمعة الأربعاء - غسان كنفاني يحجز المقعد الأول في سينما فلسطين..

    مُساهمة من طرف ابو وطن الخميس يوليو 10, 2008 5:34 am

    الصحراء ثانية
    وكان يجب ان تؤخذ أهم رواية لغسان الى السينما، وان كان ترتيبها هو الاول من حيث الكتابة والثاني في السينما. ولا خلاف على ان هذه الرواية - رجال في الشمس - أهم اعماله واكثرها قابلية للتنفيذ في الفن السابع، نظرا لما تتميزه به من قوة درامية وتأثيرات مشهدية. ونبدأ مع ابطال الرواية، فهم اربعة، ابو قيس الرجل الكهل الذي لا تزال ذكريات البلاد طازجة معافاة في قلبه ومخيلته، يتقاطع معها رغيف الخبز الذي يجب ان يوفره للأهل بشكل كريم بعد النكبة. وثمة اسعد، الشاب الذي ما إن فتح عينيه حتى وجد مسؤولية البيت له بالمرصاد، بعد ان اخذت الغربة شقيقه الكبير، فكتب له هذا انه آن له ان يغطس في المقلاة، ويعمل على اعالة الاسرة. ويبقى الفتى مروان الذي ضاقت الدنيا بأبيه، فهجر أمه واخوته هاربا الى امرأة معوقة، بساق واحدة، لتصرف عليه وتكفيه الحاجة، واذا بمروان يقف وجها لوجه امام مسؤولية مبكرة. ويقرر الرجال الثلاثة، كل من موقعه حيث يعيش، ان يسافروا الى الكويت بحثا عن فرصة، فيجمعهم شط العرب عند ميناء البصرة العراقي، ويصدمهم ان المقاولين المتكفلين بتهريب الرجال الى الكويت، يطلبون مبالغ طائلة لا يستطيع تقديمها اي من الثلاثة. واذ ذاك يبرز الرجل الرابع، ابو الخيزران الذي يحترف تهريب العمال على طريقته ولحسابه الخاص. فيعرض عليهم ان يضعهم في خزان الماء الفارغ الذي يقوده الى الكويت فلا يراهم رجال الحدود، على ان يخرجهم من الخزان فور انتهاء المعاملات المطلوبة ليتابعوا المسيرة المضمونة مقابل مبالغ يقدرون على دفعها وبعد تردد يوافقون. وتسير الأمور حسب خطة ابي الخزان الذي يحز في ذاكرته، انه خصي، فقد خسر علامة رجولته خلال مأساة النكبة. وهو رمز اكثر وضوحا من ان نشير الى دلالته عند رجل يجب ان يتولى مهمة القيادة في هذه الرحلة. وقد تعاونوا في تدبير أمورهم داخل السيارة، ودخلوا الخزان عند الحدود، الا ان ضابط الحدود والجمارك اسرف، عن غير قصد، في تعطيل مهمة ابي الخيزران. فهذا البدوي المكبوت يريد من السائق المحترف ان يقص عليه انباء الراقصات. وما زال يؤخره حتى نفق الرجال الثلاثة في الخزان الذي لن يفتحه ابو الخيزران الا على ثلاث جثث مطبوخة بالصهد وشواظ الصحراء .

    يرتبك ابو الخيزران ويتردد، لكنه بعقليته النفعية لا يلبث ان يلقي بجثثهم على احدى المزابل، بعد ان ينتزع ساعاتهم من معاصمهم. ويجد نفسه يصرخ وهو يواصل الطريق: لماذا لم تدقوا على جدران الخزان؟؟ فيجاوبه الصدى الذي يصفر في الريح الملتهبة، طاويا احدى اشهر ملاحم المعاناة الفلسطينية مرور خمسة عشر عاما على النكبة ..

    المخدوعون يموتون
    كانت المؤسسة العامة للسينما في سورية، قد اقتبست عام 1970، عنوان رواية غسان - رجال في الشمس - وانتجت ثلاثية سينمائية بعنوان رجال تحت الشمس، اذ أخرج الفيلم الاول نبيل المالح، والفيلم الثاني مروان مؤذن، والفيلم الثالث محمد شاهين. وتم تقديم الافلام الثلاثة القصيرة في رزمة واحدة من فئة الأبيض والأسود. وكانت فلسطين هي اللحظة الجامعة للأفلام الثلاثة. لهذا حين تعاقدت المؤسسة مع غسان كنفاني على تحويل روايته رجال في الشمس الى فيلم سينمائي عام 1972، كان الأمر محرجا اجرائيا لوجود عنوان شبيه، يتعلق بفلسطين كذلك، ومن انتاج المؤسسة نفسها.. لهذا السبب وغيره، قرر المخرج المصري الكبير توفيق صالح، بعد ان تعاقد مع المؤسسة على انتاج رواية غسان، ان يغير العنوان. وكان - المخدوعون - هو الذي وقع الاختيار عليه. وهو عنوان هدف من ورائه توفيق صالح الى أمر آخر، فهو لم يقصد أن أبا الخيزران قد خدع الفلسطينيين الثلاثة، بل انهم هم الذين انطلت عليهم خديعة الخلاص بالسفر بحثا عن الرزق، فابتعدوا عن بؤرة الصراع، لينتهوا جثثا منسية على مزبلة منسية ..


    والفيلم اسود وابيض، وهو اختيار موفق لمن يريد توظيف الظلال الرمادية في تصوير وضع داكن متلبد. ونلاحظ لمسات المخرج قبل بدء تسلسل الأحداث عندما وضع المخرج كلمات شعرية مشهورة لمحمود درويش وجعلها تتصدر مشهد البداية مكتوبة على جسم الصحراء: وأبي قال مرة: - الذي ما له وطن - ما له في الثرى ضريح - ولم يكتف بهذا، أخذ لقطات بعيدة ومتوسطة وقريبة لاجزاء مبعثرة من هيكل عظمي بشري ملقاة في الصحراء، لتأكيد المعنى الوارد في الشعر. وما عدا ذلك فهو التزام بأحداث الرواية، عبر تقطيع متقن وضع أسسه السيناريو الذي كتبه توفيق صالح شخصيا. وقد بلغت قسوته ذروتها في الزام الممثلين بالتقيد الحرفي بالانحشار في صهريج الموت، حتى كتب الممثل الكبير عبد الرحمن آل رشي رسالة الى احد اصدقائه: سنعود اذا سمح لنا توفيق صالح بالبقاء على قيد الحياة.. انه مجنون، ولكنه عبقري ومخلص لفنه ..


    كان الحوار مقتصدا. وقد اتقن الممثلون السوريون لهجة أهل فلسطين ببراعة. وكان بينهم فلسطيني واحد، وهو بسام لطفي الذي كنا نضيف الى اسمه اسم اسرته: ابو غزالة. وقد وضع الموسيقى التصويرية، كما في فيلم السكين، الملحن السوري الكبير صلحي الوادي .


    الا ان أهم تعديل اضافة توفيق صالح الى الرواية، هو تعديل جريء وجوهري، فقد جعل المخدوعين الثلاثة يدقون على الخزان وبشدة وعصبية من غير أن يسمعهم أحد، حتى نفقوا شهداء المحاولة اليائسة لتوفير لقمة العيش. وكان هذا التعديل مضادا لصرخة أبي الخيزران في نهاية الرواية: لماذا لم تدقوا جدران الخزان. وتفسير الاختلاف بين ختام الرواية المكتوبة عام 1963، ونهاية الفيلم المنتج عام 1972، ان الفلسطينيين، خلال هذه السنوات، كانوا قد حاولوا ودقوا على الخزان، الا ان العرب لم يسمعوهم؟؟ ولعل اختلاف النهايتين يلخص جوهر فكرة الشهيد غسان كنفاني التي ضمنها هذه الرواية التي لا خلاف على أنها درة أعماله .

    عائد الى حيفا
    اما عائد الى حيفا، فأرجح انها آخر ما كتب ابو فايز في الرواية، وان رواياته غير الكاملة، العاشق، والأعمى والأطرش، وبرقوق نيسان، كان قد شرع بها من قبل، ولكن مزاجه الفوار وانهماكه في هموم مختلفة، لم يمكناه من اتمام تلك الأعمال، وتبقى روايته المختلفة عن كل ما كتب: من قتل ليلى الحايك؟ التي لا خلاف على انه كتبها في وقت سابق بدليل انه نشرها في حياته على حلقات. والى ان يصحح او يؤكد المؤرخون والنقاد ما اذهب اليه، اعود الى عائد الى حيفا فأتذكر ما هو أكيد، من انها تحولت الى فيلم سينمائي بعد سنوات من استشهاده، فكانت من انتاج الجبهة الشعبية. وهي روايته الوحيدة التي تم تنفيذها بالألوان. كتب لها السيناريو وأخرجها المخرج العراقي قاسم حول. وكتب الحوار رشاد ابو شاور، وبقدر ما تسعفني الذاكرة افترض ان اللبنانيين بول مطر ونائلة الحاج علي قد قاما بدور الأب والأم، بينما ادى النجم السوري جمال سليمان دور خالد - دوف، في اول ظهور له في السينما. ولعل ذاكرتي تغامر باسم زياد الرحباني الذي اظن انه هو الذي وضع الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية . اما دور المربية او الحاضنة اليهودية فقد ادته ببراعة ممثلة المانية. واذا لوحظ ان ذاكرتي غير واثقة، على غير عادة، فلمأساة صغيرة خاصة بي، اساسها اني اضعت نسخة الفيلم، ولم اعثر عليه - وهذا عجيب: - على أثر في الكتاب الموسوعي: دليل الأفلام في القرن العشرين، للناقد الروائية المصري الصديق محمود قاسم .

    ويمكن القول ان هذا الفيلم الوحيد في تاطبق اسمه مع اسم الرواية الأصلية بين اعمال غسان المنفذة سينمائيا، قد جاء ملتزما الى ابعد مدى بحرفية النص، مع انه الفيلم الوحيد من هذه الفئة، الذي تمنيت ان يكون المخرج قد اجرى عليه بعض الخروج عن النص!! ولذلك سببان: الاول ان نصف الرواية الاول، هو نص يأخذ بمجامع القلب، وقد بذل فيه ابو فايز جهدا توثيقيا، واكاد اقول عاطفيا، على نحو كبير. فقد تابع خريطة حيفا واسماء شوارعها واحيائها وعطفاتها. وهي اماكن يصعب على السينمائي العربي ان يصل اليها بسبب ظروف الاحتلال. لهذا كان تركيز المخرج منصبا على المشاهد الداخلية التي تم تنفيذها ببراعة آسرة، كلقاء الابوين بالمرأة اليهودية ثم دخول خالد - دوف على الخط، وكمحاولة الفلسطيني ان يستعيد صورة أبيه من منزله القديم ثم اعادته الصورة الى البيت لشعوره بأنها جزء من البيت ..

    والسبب الثاني، هو ان النصف الثاني من الكتاب، قد اوقع الشهيد غسان في التبباس فكري غير متساوق مع الحقيقة. فقد كانت لديه، رحمه الله، اوهام في تأويل الماركسية لنظرية المكلية البيولوجية، من ان الأم هي التي ربت وليست من ولدت. ولكن ميكانيكية تنفيذ هذه النظرية جعلت الابن الفلسطيني مجندا صهيونيا. وقد كان من الممكن تدارك هذا الخطأ الجسيم لولا حرص قاسم حول على تقديم نص غسان كنفاني كما جاء في الاصل .


    ولعل هذا السبب يفسر ان الفيلم لم ينل الاهتمام الذي يستحق مع انه لا يشكو من نقص عناصر النجاح المطلوبة .

    اصل الحكاية
    ورواية احداث عائد الى حيفا معروفة . فهي تبدأ في اعقاب هزيمة 1967، عندما سمح الاحتلال لبعض الفلسطينيين بزيارة ارضهم التي فقدوها عام 1948، لاسباب تتعلق بالقهر لا بالرحمة، ويتوجه الزوجان الحيفاويان المكلومان سعيد وصفية الى حيفا، على أمل شبه مستحيل في ان يعرفا مصير ابنهما خالد الذي ضاعا عنه في زحمة كارثة النكبة . وخلال الطريق يريان كل ما يذكرهما بالماضي، فالسنوات الرابضة بين النكبة والهزيمة، عمقت ذكريات البلاد ولم تمحها. وكانت المفاجأة انهم ا عندما دخلا بيتهما الأصلي، العريق، لم يجداه فارغا، بل كانت تقيم فيه يهودية من اصل اوروبي، وهي لم تنكر وجود خالد عندها، لكنها ترى انها اصبحت امه بعد ان غيرت اسمه، فاصبح دوف، وانه نشأ صهيونيا حتى انه يخدم في جيش الدفاع !! ووسط ذهول الأب والأم الحيفاويين يدخل خالد، الذي اصبح دوف، وكان طبيعيا الا يعرفهما وقد تركاه منذ عشرين عاما طفلا لا يعي. لكن المفاجأة كانت أكبر من انه لا يتذكر، فهو قد لا ينكر انهما ابواه البيولوجيان ولكنه اصبح شخصا آخر، نشأ في ظل ثقافة مختلفة، معادية ان شئت، وانه يرى مكانه عند - أمه - الاوروبية اليهودية، او - بصريح العبارة - الاسرائيلية !
    يعود الابوان مخذولين، ويستعيد الأب عناد ابنه الثاني خلدون الذي كان يريد الذهاب الى العمل الفدائي. وكانت أمه تضن به خوفا عليه، فيتمنيان، في اشارة رمزية بالغة الدلالة، ان يكون خلدون قد حسم امره والتحق بالعمل الفدائي .

    اننا حين نتعامل مع نص روائي، اي نص، ننزه انفسنا عن أخذ دور ما يطلبه المستمعون او الجمهور. ولا تتوافق نهايات الروايات دوما مع رغبات القراء. لكن عدم التوافق هذه المرة يصطدم بالرمز، والدلالة، والمعادل الموضوعي، ومع الواقع نفسه. فلم يحدث ان تحول طفل فلسطيني ضائع الى مجند صهيوني، ولم يحدث ان اصبح أهلنا في عمق الوطن، لا سمح الله، صهاينة او لم يفكر شهيدنا غسان كنفاني في ادنى احتمال لذلك، بل سمح للفلسطيني الذي سكن بيت الفلسطيني ان يؤكد انه له ومنه، من لحمه ودمه، ولم توفر النكبة احتمالا ولو ضعيفا لافتراض اننا خسرنا اولئك الأهل، بل ظلت رسائل العرب الى ذويهم، وهي رسائل يتبادلها الفلسطينيون المهاجرون والمقيمون على الهواء مباشرة، تؤكد البقاء على العهد والتحامل على الجرح. والذي حدث هو أن غسان رحمه الله، قد ركب مركبا صعبا في محاسبة آبائنا الذين هجروا بيوتهم بتأثير هول ما جرى في دير ياسين - مأساة دير ياسين كانت في التاسع من نيسان وسقوط حيفا تم في الحادي والعشرين منه - لكنه نسي ان الادب عندما تشحنه بالرموز والوقائع الملتبسة لا يظل بريئا. ولكن واقع الحال ان ايغال ابي فايز في وصف حيفا التي لم يرها - خرج به أهله من عكا عام 1948 وهو في الثانية عشرة من العمر - هو حنين والتزام حتى نقي العظام بأمل العودة ولقاء الأحباب المنتظرين في عكا وحيفا ويافا.. وكانت هناك فرصة اثناء تحويل الرواية الى فيلم لتعديل ضروري يوفر للمشاهد ما لم يحصل عليه القارىء فلا نأسف بقدر ما نأمل بانتاج جديد يعيد غسان الى السينما الفلسطينية وتعميق دوره الرائد في ذلك

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين سبتمبر 23, 2024 6:33 pm