الانتفاضة المباركة: ثورة الحجارة
عندما انطلقت الانتفاضة المباركة، تلك الانتفاضة العفوية العارمة في 9كانون الأول/ ديسمبر 1987، ما ظن أحد أنها سوف تستمر سنة إثر سنة، فما هو سر هذه الانتفاضة؟
على الرغم من العفوية الظاهرة للانتفاضة، إلا أنه ما من انتفاضة فلسطينية اكتملت شروط ولادتها، مثلها. داخلياً كان هناك تزايد سكاني كثيف، كما كان هناك تصعيد يومي للقمع الإسرائيلي، ودولياً باتت الأولوية لحرب النجوم على أي حل للقضايا العالقة بين الجبارين، وعربياً كان مؤتمر القمة الأخير في عمان قد شهد انحساراً بارزاً للقضية، وفلسطينياً برزت الصعوبة الفائقة في تطبيق نهج الكفاح المسلح، وقد بات الهمّ الأكبر لمنظمة التحرير العمل المتواصل لمنع شطبها نهائياً من المعادلة السياسية الدولية للمنطقة، وهكذا تلاشى الأمل من التحرير من الخارج، وما عاد من طريق سوى التحرير من الداخل. والملاحظ أنه على الرغم من الظروف السلبية تلك كلها، فقد كانت هناك حال إيجابية واحدة، وهي استمرار المقاومة الباسلة الوطنية والإسلامية في الجنوب اللبناني، حتى أطلق على صيف 1987 الصيف الحار نظراً لتصاعد العمليات الشجاعة ضد جيش لحد والقوات الإسرائيلية.
يصدق على الانتفاضة التعبير الذي يسود اللغة السياسية اللبنانية المحلية وهو تعبير "المميز"، فهذه حقاً انتفاضة مميزة، أروع ما فيها أنها انتفاضة شعبية حقيقية ما عاد فيها من أفضلية لابن مدينة أو عائلة على سواه، هنا كل مخيم أو قرية أو مدينة سواء. في مجتمع ما قبل النكبة، كانت هناك في القيادة السياسية أفضلية لأبناء المدن، وخصوصاً القدس، وفي مجتمع ما بعد النكبة، انتقلت الأفضلية لأبناء المخيمات، فجاءت الانتفاضة لتقول: "ما من فضل لفلسطيني على آخر إلا بالنضال". لقد أصبحت الشمولية السمة البارزة، الناس كل الناس، أحداثاً ونساءً وشيوخاً وشباباً، كلهم وعلى اختلاف أعمالهم، لهم أدوار. فالمجتمع كله مجتمع انتفاضي، وهكذا اختلفت الصورة عما كانت في مرحلة الثورة، إذ كان الثوار يقاتلون في الأغوار أو على الحدود، ومهمة الناس الشعب والأمة لا تتعدى الدعم والمساندة.
تفوقت هذه الانتفاضة عما سبقها من انتفاضات، في التفرقة الواضحة بين ما هو "استراتيجي" وبين ما هو مرحلي من أهداف؛ وتفوقت أيضاً ـ عبر بياناتها خاصة ـ بنضوج وواقعية في الخطاب السياسي يظهر لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني، فما قبل النكبة كان هناك خطاب سياسي سلبي محوره كلمة "لا" دون أي تمحيص لهذه الـ"لا"، وبعد النكبة اتسم الخطاب السياسي إجمالاً بلغة الاعتذار والمبالغات، فضلاً عن تمزق هذا الخطاب بين الجبهات والتنظيمات التي باتت وحدتها الداخلية أمنية بعيدة المنال. وأما من حيث الإدراك الشامل لسياسة العدو الصهيوني وعقليته ونهجه، فكان طبيعياً أن يؤدي الاحتكاك اليومي مع العدو المحتل إلى المعرفة التامة به، وكانت روعة الفتيان كسرهم لجدار الخوف نهائياً، فكانوا هم السابقين، وكان آباؤهم وأمهاتهم هم اللاحقين.
إن التواصل في حمل شعلة النضال، أمر أكدته الانتفاضة قولاً وعملاً، وتشهد احتفالاتها النضالية على أنه ما من مناسبة نضالية حديثة أو تاريخية، إلا وتحتفل بذكراها، أمينة على نقل الدروس عنها، متجاوزة إياها عندما تدعو الحاجة، وساعية إلى تطويرها. ذكرنا سابقاً أو وحدة النضال بين أبناء فلسطين، مسلمين ومسيحيين، برزت منذ مطلع الاحتلال البريطاني، والمشاهد اليومية من أرض الانتفاضة على هذا النضال المشترك الواحد لا تحصى ولا تعد. إن قيام التظاهرات الحاشدة من المسجد والكنيسة بات صورة ملازمة للانتفاضة.
يلاحظ أن الرهان حين قيام الانتفاضة كان من قبل المشككين فيها على تفكك وحدتها الداخلية وحتمية انعكاس الانقسام في الساحة الفلسطينية عليها، كما كان هناك رهان آخر على انعكاس الانقسام الحاصل في العديد من الساحات العربية بين "الإسلاميين" و"القوميين"، على الداخل ما بين الجهاد الإسلامي وحركة حماس والاتجاه الديني إجمالاً وبين القيادة الموحدة، ولكن هذا لم يحصل أيضاً، فالوعي كبير على أهمية الوحدة الوطنية، وعلى أهمية السرية في القيادة، وعلى أهمية التنظيم في العمل (اللجان الشعبية والمتخصصة).
ما زالت الانتفاضة مستمرة، وأروع ما في استمراريتها أنها تحولت إلى نهج حياتي، متجاوزة بذلك معظم الثورات والانتفاضات في تاريخ العالم، وبمعنى آخر فالانتفاضة باتت هي الحياة، لا جانباً منها أو مهمة من مهامها.
عندما انطلقت الانتفاضة المباركة، تلك الانتفاضة العفوية العارمة في 9كانون الأول/ ديسمبر 1987، ما ظن أحد أنها سوف تستمر سنة إثر سنة، فما هو سر هذه الانتفاضة؟
على الرغم من العفوية الظاهرة للانتفاضة، إلا أنه ما من انتفاضة فلسطينية اكتملت شروط ولادتها، مثلها. داخلياً كان هناك تزايد سكاني كثيف، كما كان هناك تصعيد يومي للقمع الإسرائيلي، ودولياً باتت الأولوية لحرب النجوم على أي حل للقضايا العالقة بين الجبارين، وعربياً كان مؤتمر القمة الأخير في عمان قد شهد انحساراً بارزاً للقضية، وفلسطينياً برزت الصعوبة الفائقة في تطبيق نهج الكفاح المسلح، وقد بات الهمّ الأكبر لمنظمة التحرير العمل المتواصل لمنع شطبها نهائياً من المعادلة السياسية الدولية للمنطقة، وهكذا تلاشى الأمل من التحرير من الخارج، وما عاد من طريق سوى التحرير من الداخل. والملاحظ أنه على الرغم من الظروف السلبية تلك كلها، فقد كانت هناك حال إيجابية واحدة، وهي استمرار المقاومة الباسلة الوطنية والإسلامية في الجنوب اللبناني، حتى أطلق على صيف 1987 الصيف الحار نظراً لتصاعد العمليات الشجاعة ضد جيش لحد والقوات الإسرائيلية.
يصدق على الانتفاضة التعبير الذي يسود اللغة السياسية اللبنانية المحلية وهو تعبير "المميز"، فهذه حقاً انتفاضة مميزة، أروع ما فيها أنها انتفاضة شعبية حقيقية ما عاد فيها من أفضلية لابن مدينة أو عائلة على سواه، هنا كل مخيم أو قرية أو مدينة سواء. في مجتمع ما قبل النكبة، كانت هناك في القيادة السياسية أفضلية لأبناء المدن، وخصوصاً القدس، وفي مجتمع ما بعد النكبة، انتقلت الأفضلية لأبناء المخيمات، فجاءت الانتفاضة لتقول: "ما من فضل لفلسطيني على آخر إلا بالنضال". لقد أصبحت الشمولية السمة البارزة، الناس كل الناس، أحداثاً ونساءً وشيوخاً وشباباً، كلهم وعلى اختلاف أعمالهم، لهم أدوار. فالمجتمع كله مجتمع انتفاضي، وهكذا اختلفت الصورة عما كانت في مرحلة الثورة، إذ كان الثوار يقاتلون في الأغوار أو على الحدود، ومهمة الناس الشعب والأمة لا تتعدى الدعم والمساندة.
تفوقت هذه الانتفاضة عما سبقها من انتفاضات، في التفرقة الواضحة بين ما هو "استراتيجي" وبين ما هو مرحلي من أهداف؛ وتفوقت أيضاً ـ عبر بياناتها خاصة ـ بنضوج وواقعية في الخطاب السياسي يظهر لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني، فما قبل النكبة كان هناك خطاب سياسي سلبي محوره كلمة "لا" دون أي تمحيص لهذه الـ"لا"، وبعد النكبة اتسم الخطاب السياسي إجمالاً بلغة الاعتذار والمبالغات، فضلاً عن تمزق هذا الخطاب بين الجبهات والتنظيمات التي باتت وحدتها الداخلية أمنية بعيدة المنال. وأما من حيث الإدراك الشامل لسياسة العدو الصهيوني وعقليته ونهجه، فكان طبيعياً أن يؤدي الاحتكاك اليومي مع العدو المحتل إلى المعرفة التامة به، وكانت روعة الفتيان كسرهم لجدار الخوف نهائياً، فكانوا هم السابقين، وكان آباؤهم وأمهاتهم هم اللاحقين.
إن التواصل في حمل شعلة النضال، أمر أكدته الانتفاضة قولاً وعملاً، وتشهد احتفالاتها النضالية على أنه ما من مناسبة نضالية حديثة أو تاريخية، إلا وتحتفل بذكراها، أمينة على نقل الدروس عنها، متجاوزة إياها عندما تدعو الحاجة، وساعية إلى تطويرها. ذكرنا سابقاً أو وحدة النضال بين أبناء فلسطين، مسلمين ومسيحيين، برزت منذ مطلع الاحتلال البريطاني، والمشاهد اليومية من أرض الانتفاضة على هذا النضال المشترك الواحد لا تحصى ولا تعد. إن قيام التظاهرات الحاشدة من المسجد والكنيسة بات صورة ملازمة للانتفاضة.
يلاحظ أن الرهان حين قيام الانتفاضة كان من قبل المشككين فيها على تفكك وحدتها الداخلية وحتمية انعكاس الانقسام في الساحة الفلسطينية عليها، كما كان هناك رهان آخر على انعكاس الانقسام الحاصل في العديد من الساحات العربية بين "الإسلاميين" و"القوميين"، على الداخل ما بين الجهاد الإسلامي وحركة حماس والاتجاه الديني إجمالاً وبين القيادة الموحدة، ولكن هذا لم يحصل أيضاً، فالوعي كبير على أهمية الوحدة الوطنية، وعلى أهمية السرية في القيادة، وعلى أهمية التنظيم في العمل (اللجان الشعبية والمتخصصة).
ما زالت الانتفاضة مستمرة، وأروع ما في استمراريتها أنها تحولت إلى نهج حياتي، متجاوزة بذلك معظم الثورات والانتفاضات في تاريخ العالم، وبمعنى آخر فالانتفاضة باتت هي الحياة، لا جانباً منها أو مهمة من مهامها.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007