فلسطين: لماذا لا ينتهي الانقسام في زمن الثورة العربية – 6 للكاتب نبيل علقم
"إنهاء الانقسام" شعار جميل لكنه شعار زائف لدى أغلب الفصائل الفلسطينية التي يرددها منتسبو هذه الفصائل في لعبة السياسة. ولعبة السياسة لدى قيادات شعبنا الذي يخضع لأبشع احتلال حديث وأطوله، ليست أكثر من مناورات ومحاولات لتوريط الآخر، وخصوصاً بين أبناء أكبر حركتين كان لهما باع طويل في المقاومة والتصدي للاحتلال، وتشهد على ذلك قوافل الشهداء التي قدمتها كل منهما على معبد المقاومة. لكن اليوم غير الأمس، ولو كان مثله، لما راجت تجارة الشعارات التي صارت بين عشية وضحاها في حساب التاريخ، مقولات حق يراد به باطل.
دعونا نشخص حالتنا أولاً كي نرتكز في منطلقات تفكيرنا على معرفة عقلانية بالواقع خارج لعبة السياسة التي أنهكتنا. ولا نحتاج إلى جهد كبير لتشخيص هذه الحالة، لأننا نعيشها كل يوم بل كل ساعة من ساعاتنا، سواء حينما نجلس إلى الكمبيوتر، فيحاصرنا هذا العدد الكبير من الرسائل الاليكترونية (الإيميل) التي تغزو بريدنا اليومي على الشبكة العنكبوتية (النت) أو المواقع الاليكترونية (الصفحات والفيس بوك وأمثاله)، أو حينما نذهب إلى متابعة الأخبار والتعليقات والمقالات المكتوبة والمذاعة والمتلفزة، بما في ذلك الاستعانة بالخبراء المتخصصين من كل طرف ليعرض صحة سياسة هذا التنظيم أو ذاك!. ولو أردنا تشخيص الحالة ببساطة وسمحنا لخيالنا باختزال كل ذلك في حوار ساخن بين أحد أعضاء فتح وأحد أعضاء حماس سواء أكان في القمة أو القاعدة لحصلنا على صورة كاملة للتشخيص الذي نريد، إذ سيتهم الفتحاوي "حماس" بأنها تابع أو عميل لإيران الشيعية وسوريا، وإيران. ويعرج على قناة الجزيرة وقطر وقاعدة العديد والقرضاوي، والصواريخ العبثية، وادعاؤها المقاومة وهي تمنع المقاتلين من المقاومة، وهم (الحمساويون) مجرمون وقتلة وتقوم أجهزتهم الأمنية والعسكرية باعتقال واختطاف كوادر فتح في القطاع. وهم ظلاميون، وانقلابيون، وهم أسباب الانقسام، وأن العالم لا يثق بهم لذلك فشلوا في تولي السلطة بعد نجاحهم في الانتخابات، ولم يتمكنوا من تدبير حتى رواتب الموظفين، على الرغم من قبول فتح لنتائج الانتخابات وتسليمها السلطة لهم. وسيتحدث أيضاً عن الواقعية السياسية، وبعد نظر السلطة واعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، وعن شرعية السلطة الوطنية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني لأنها تعمل ضمن مظلة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا يريدون إنهاء الانقسام لأنهم استمرأوا السلطة والكراسي و صار لقادتهم مصالح يدافعون عنها.
وبالمقابل سيرد الحمساوي بأن السلطة تمنع المقاومة، وأنها اعترفت بإسرائيل، وأنهم (الفتحاويون ورجالات السلطة) ينفذون مخططات دايتون وبلير، وأن السلطة اختطفت فتح ومنظمة التحرير، وأنهم لا يملكون القرار وإنما ينفذون ما يطلبه منهم الأميركيون والإسرائيليون، وأنهم ينسقون أمنياً مع الاحتلال للقضاء على المقاومة، وأن قادة الأجهزة الأمنية هي الحاكم الفعلي، وأن الرئيس محمود عباس لا يستطيع مخالفة القادة الأمنيين الذين يتلقون تعليماتهم من دايتون وخليفته. ثم سيقول أنهم لم يحققوا للشعب الفلسطيني شيئاً من المفاوضات العبثية، وأن إسرائيل تستعمل المفاوضات لتنفيذ مخططاتها، وأنه لا بديل للمفاوضات لديهم سوى المفاوضات التي لم ولن تحقق شيئاً، وأنهم انقلبوا على شرعية الانتخابات التي فازت بها حماس، وأن فلسطين وقفٌ إسلامي لا يجوز التفريط فيه، وهم غير أمناء على الثوابت الفلسطينية، وأن الفساد ينخر جسد السلطة ولم يقدم أحد للمحاكمة، وأنهم يبيعون الوطن من أجل مصالحهم، وهم مجرمون وقتلة وتقوم أجهزتهم الأمنية والعسكرية باعتقال واختطاف كوادر حماس في الضفة وتعذبهم بصورة مستهجنة وغير مسبوقة.
لا تخرج الاتهامات المتبادلة كثيراً عما ذكرت. والمدقق فيها سيرى أنها خليط من أجزاء متعددة:
1- منها ما هو للاستهلاك والتعبئة ضد الآخر، ولا يعدو كونه شبيهاً للمسبات في "التراث الشعبي"، لكن بصورة إعلامية مركزة ومقننة وشاملة يقودها كبار التنظيم وترددها كوادرهم، وتبدو الصورة وكأن لدى كل من فتح وحماس نسخة خاصة مكرسة لكراهية الآخر بصرف النظر عن احترامها للعقل الفلسطيني.
2- في هذه النسخة قراءات خاطئة لحقائق تستعمل بمبالغة كبيرة ضد الآخر تصل حدّ التخوين والعمالة سواء للاحتلال أو للولايات المتحدة أو لإيران وسوريا، في حين أن العقل يرفض قراءتها كما يروجها كل طرف ضد الآخر.
3- لا تخلو أفكار كل طرف من حقائق تدين سلوك الآخر تجاه قضايا رئيسة، ولكنها تفقد قيمتها حينما تنطبق عليها مقولة بوش الشهيرة: من لم يكن معي فهو ضدي! فمن ينتقد السلطة الفلسطينية أو فتح يصنف في صف حماس ومن ينتقد حماس يصنف في صف السلطة! وربما يتبع ذلك عقاباً بصورة أو بأخرى، وبهذا المنطق يفرض الطرفان رهبة على التفكير والعقلانية.
إن مسألة الانتماء إلى هذا التنظيم أو ذاك هي حقٌّ طبيعي للفلسطيني كما لغيره، بل أكثر من ذلك، فإذا كانت عند الشعوب الأخرى مجرد رغبة، فإن الانتماء إلى تنظيم من أجل الوطن يصبح ضرورة على أن لا يكون الانتماء للتنظيم فوق الانتماء لفلسطين. لكن الانتماء لدينا يلبس لباس العصبية القبلية الممجوجة، فتلك هي الكارثة الوطنية التي عجز الشعب الفلسطيني كله عن حلّها. وحلّها ليس سهلاً كما يتصور الكثيرون، فلا لقاء عباس هنية ولا أية مفاوضات بينهما قادرة على إنهاء الانقسام بصورة جذرية. وحتى لو حدثت مصالحات، فإنها لن تدوم طويلاً قبل أن تتجدد الخلافات بصورة أو بأخرى.
ربما يساعدنا فهم أسباب الانقسام وعوامله في كيفية التوجه للحلول الجذرية، وهذه الأسباب كثيرة أبرزها ما يلي:
1- العامل الثقافي
إن بنية المجتمع الفلسطيني، والعربي إجمالاً هي بنية قبلية. والمعروف في العلوم الاجتماعية والإنسانية أن أية بنية اجتماعية تنتج ثقافتها التي تعكس هذه البنية وتعبر عنها من جهة، وتحمي استمراريتها من جهة أخرى. وللبنية القبلية وجهان، وجه نافع وحيوي ووجه معيق للتقدم، وربما مدمر أحياناً. وثقافة القبيلة قائمة على الصراع، والصراع متغير الأشكال، ولكنه ثابت الجوهر، فقد تكون أشكاله طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو عرقية أو حزبية، ومن أمثلتها التاريخية والمستمرة: صراعات السنة والشيعة، والموالي والعرب، والقيس واليمن، والحسيني والنشاشيبي، والعربي والكردي، وحماس وفتح. وتبدأ عملية تثقيف الأطفال بثقافة الصراع منذ بداية وعيهم، بتشجيع الأطفال على (المباطحة) و (التعدي على الآخر) باستعراض القوة الجسدية، والتحيز إلى أبناء العائلة والأقارب منذ الطفولة، وتنمو هذه الظاهرة مع الشخص حتى يبلغ النضوج ويكون قد اكتسب ثقافة الصراع مع الآخر، بدلاً من المعايشة والاحترام المتبادل. ومثل هذا التثقيف ينتج أعضاء في المجتمع جاهزون لأن يكونوا طرفاً في الصراع مع الآخر بدلاً من احترامه. كما أن ثقافة القبيلة هي التي أنتجت وما زالت تنتج (الشيخ) الذي (يَمون) على القبيلة كلها. وهذا ما ينطبق على الواقع السياسي، فكل يرى في نفسه شيخاً لمن هم أدنى منه وعليهم الطاعة واحترام رغبات الشيخ، ولا نجد ذلك في الحياة السياسية فقط، بل نجده أيضاً في الواقع الديني كالحركات الصوفية والأمير الواجب الطاعة. وكذلك في الواقع الاجتماعي والوظيفي الذي يعطي المسؤول والأب والأخ الأكبر والذّكر مسؤوليات تحولت إلى سلطة استبدادية ناتجة عن بذرة "الشيخ" التي تغرسها الثقافة في العقل الجمعي والفردي معاً. والمتأمل لتاريخ ثورتنا الفلسطينية لن يجد أن اتحد فصيلان في أي يوم من الأيام، لكنه يجد بسهولة ظاهرة الانقسام والتشرذم والتعصب للتنظيم والأفكار سواء أكان هذا التعصب بحق أو بغير حق!
2- العامل الأيديولوجي
تمتد جذور هذا الانقسام الأيديولوجي إلى ما يزيد عن نصف قرن، فقد شهد العالم العربي في القرن الماضي وخصوصاً في نصفه الثاني أيديولوجيات رئيسة ثلاث: القومية واليسارية والإسلامية، وكانت كل واحدة منها تطرح أفكارها للنهوض بالعالم العربي والخلاص من التبعية وتحرير فلسطين. وكانت أضعفها الاتجاهات الإسلامية في فترة مبكرة، ولكنها نمت وقويت في العالم العربي لأسباب كثيرة، أهمها فشل الأيديولوجيات القومية واليسارية في تحقيق شعاراتها وأهدافها. وانعكس ذلك على الفلسطينيين الذين أنتجوا بضع عشرة منظمة سياسية لكل منها ذراعها العسكري. ومع نموها وتواجدها في الساحة العربية ولأسباب كثيرة محلية وقومية وإقليمية ودولية توحدت الاتجاهات المختلفة في رفض التوجهات الإسلامية إما لأسباب موضوعية أو غير موضوعية، لكن التوجهات الإسلامية كانت منافسة قوية استقطبت جماهير واسعة لأنها تطرح العقيدة الإسلامية كحل ممكن وحيد للنهوض وتحقيق الأهداف التي فشلت الأيديولوجيات الأخرى في تحقيقها، وانعكس ذلك على الفلسطينيين بصورة أعم وأشمل من سائر العرب لأسباب كثيرة أيضاً، أبرزها رفض المنظمات المنضوية تحت راية منظمة التحرير بشطب تاريخها والتخلي عنه، وبخاصة أن هذا الصراع بين الأيديولوجيات المختلفة اشتد بعد أوسلو. وفي ظل الضعف لا مكان للتعايش بين قوى جديدة وأخرى قديمة، وإنما هي محكومة للصراع بين الأيديولوجيات المختلفة حتى بين الاتجاهات الإسلامية نفسها. وفي مثل هذا الصراع الأيديولوجي بين الإسلام والليبرالية والعلمانية والرأسمالية والقومية الذي تتداخل فيه صراعات القوى السياسية والفكرية، العربية منها والإقليمية والعالمية لن يسهّل عملية إنهاء الانقسام بالسهولة التي نريدها أو نطمح فيها.
3- العامل السياسي
من أجل التحرر من الاحتلال تبلورت وسيلتان هما: الحل عن طريق المفاوضات والحل عن طريق المقاومة المسلحة. ومعروف أن السلطة الفلسطينية وأغلب الفصائل المكونة لمنظمة التحرير حتى اليسارية منها قد تبنت خيار المفاوضات، وأن الحركات الإسلامية وخصوصاً حماس والجهاد الإسلامي قد تبنت خيار المقاومة. وعلى الرغم من المفاوضات التي استمرت طوال عشرين عاماً إلا أن المفاوضات لم تسفر عن شيء يمكن أن يمنح ثقة للشعب الفلسطيني في استمرارها التي تصر عليه السلطة الفلسطينية، ومن هنا فالسلطة ومنظمة فتح واليسار الفلسطيني، وهم أطراف مشروع المفاوضات أو القبول به على مضض، في أزمة، وقد وصلت الأزمة مرحلة غير مسبوقة بعد انهيار النظام المصري والثورات العربية المتلاحقة، إذ أن الأنظمة المنهارة كانت تشكل الدافع والغطاء لخيار المفاوضات. وأما حماس وسائر المنظمات الإسلامية التي تتبنى المقاومة المسلحة في قطاع غزة فهي والقطاع كله، تحت الحصار منذ عدة سنوات، ولا تستطيع فكّ هذا الحصار حتى اليوم. وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، زادت الأوضاع المعيشية سوءاً وتوقفت عمليات المقاومة المسلحة نتيجة الحصار الخانق من قبل الاحتلال والأنظمة العربية والاستعمار الغربي بكل أشكاله ومسمياته. ويمكن القول أن خيار المقاومة المسلحة فشل في تحقيق أهدافه حتى اليوم. ولكن "حماس" تراهن على أن الأزمة التي تعيشها اليوم ستحل بعد أن تنجلي أوضاع الثورة العربية وخصوصاً في مصر. وهذا الإصرار من كل طرف على تبني إحدى الوسيلتين فقط ونبذ الأخرى، لم يسمح بنمو اتجاه يجمع بين المفاوضات والمقاومة، مما عمّق الانقسام، وما زال كل طرف يراوح مكانه ويناور على الآخر، وكل له حساباته التي يبني عليها هذه المناورات، دون إرادة جدية تتغلب على الانقسام. ولا يبدو أن هناك بوادر لطريق أو أسلوب ثالث من أجل التحرر من الاحتلال.
هذا العوامل الرئيسة الثلاث في أسباب الانقسام واستمراره، أنتجت عوامل إضافية لتأكيد الانقسام كالمحافظة على المراكز والمصالح والنفوذ الذي لن يكون له مكان في ظل وحدة وطنية حقيقية هدفها الأول والأخير هو إزالة الاحتلال الذي يصر على استمرارية الانقسام ويعمل كل ما يمكنه للمحافظة عليه.
إن عوامل الانقسام التي بينتها أعلاه يجب أن نعمل جميعاً على تذليلها إن لم نستطع إزالتها، وأن نستثمر الجوانب المغيّبة في الثقافة وفي السياسة وفي الأيديولوجيا بما يساعدنا على الوحدة والتفرغ لمواجهة الاحتلال بطرق جديدة نستوحيها من الثورات العربية، وهو موضوع المقالة القادمة بإذن الله.
http://nabeelalkam.com/new/news.php?action=view&id=203
"إنهاء الانقسام" شعار جميل لكنه شعار زائف لدى أغلب الفصائل الفلسطينية التي يرددها منتسبو هذه الفصائل في لعبة السياسة. ولعبة السياسة لدى قيادات شعبنا الذي يخضع لأبشع احتلال حديث وأطوله، ليست أكثر من مناورات ومحاولات لتوريط الآخر، وخصوصاً بين أبناء أكبر حركتين كان لهما باع طويل في المقاومة والتصدي للاحتلال، وتشهد على ذلك قوافل الشهداء التي قدمتها كل منهما على معبد المقاومة. لكن اليوم غير الأمس، ولو كان مثله، لما راجت تجارة الشعارات التي صارت بين عشية وضحاها في حساب التاريخ، مقولات حق يراد به باطل.
دعونا نشخص حالتنا أولاً كي نرتكز في منطلقات تفكيرنا على معرفة عقلانية بالواقع خارج لعبة السياسة التي أنهكتنا. ولا نحتاج إلى جهد كبير لتشخيص هذه الحالة، لأننا نعيشها كل يوم بل كل ساعة من ساعاتنا، سواء حينما نجلس إلى الكمبيوتر، فيحاصرنا هذا العدد الكبير من الرسائل الاليكترونية (الإيميل) التي تغزو بريدنا اليومي على الشبكة العنكبوتية (النت) أو المواقع الاليكترونية (الصفحات والفيس بوك وأمثاله)، أو حينما نذهب إلى متابعة الأخبار والتعليقات والمقالات المكتوبة والمذاعة والمتلفزة، بما في ذلك الاستعانة بالخبراء المتخصصين من كل طرف ليعرض صحة سياسة هذا التنظيم أو ذاك!. ولو أردنا تشخيص الحالة ببساطة وسمحنا لخيالنا باختزال كل ذلك في حوار ساخن بين أحد أعضاء فتح وأحد أعضاء حماس سواء أكان في القمة أو القاعدة لحصلنا على صورة كاملة للتشخيص الذي نريد، إذ سيتهم الفتحاوي "حماس" بأنها تابع أو عميل لإيران الشيعية وسوريا، وإيران. ويعرج على قناة الجزيرة وقطر وقاعدة العديد والقرضاوي، والصواريخ العبثية، وادعاؤها المقاومة وهي تمنع المقاتلين من المقاومة، وهم (الحمساويون) مجرمون وقتلة وتقوم أجهزتهم الأمنية والعسكرية باعتقال واختطاف كوادر فتح في القطاع. وهم ظلاميون، وانقلابيون، وهم أسباب الانقسام، وأن العالم لا يثق بهم لذلك فشلوا في تولي السلطة بعد نجاحهم في الانتخابات، ولم يتمكنوا من تدبير حتى رواتب الموظفين، على الرغم من قبول فتح لنتائج الانتخابات وتسليمها السلطة لهم. وسيتحدث أيضاً عن الواقعية السياسية، وبعد نظر السلطة واعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، وعن شرعية السلطة الوطنية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني لأنها تعمل ضمن مظلة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا يريدون إنهاء الانقسام لأنهم استمرأوا السلطة والكراسي و صار لقادتهم مصالح يدافعون عنها.
وبالمقابل سيرد الحمساوي بأن السلطة تمنع المقاومة، وأنها اعترفت بإسرائيل، وأنهم (الفتحاويون ورجالات السلطة) ينفذون مخططات دايتون وبلير، وأن السلطة اختطفت فتح ومنظمة التحرير، وأنهم لا يملكون القرار وإنما ينفذون ما يطلبه منهم الأميركيون والإسرائيليون، وأنهم ينسقون أمنياً مع الاحتلال للقضاء على المقاومة، وأن قادة الأجهزة الأمنية هي الحاكم الفعلي، وأن الرئيس محمود عباس لا يستطيع مخالفة القادة الأمنيين الذين يتلقون تعليماتهم من دايتون وخليفته. ثم سيقول أنهم لم يحققوا للشعب الفلسطيني شيئاً من المفاوضات العبثية، وأن إسرائيل تستعمل المفاوضات لتنفيذ مخططاتها، وأنه لا بديل للمفاوضات لديهم سوى المفاوضات التي لم ولن تحقق شيئاً، وأنهم انقلبوا على شرعية الانتخابات التي فازت بها حماس، وأن فلسطين وقفٌ إسلامي لا يجوز التفريط فيه، وهم غير أمناء على الثوابت الفلسطينية، وأن الفساد ينخر جسد السلطة ولم يقدم أحد للمحاكمة، وأنهم يبيعون الوطن من أجل مصالحهم، وهم مجرمون وقتلة وتقوم أجهزتهم الأمنية والعسكرية باعتقال واختطاف كوادر حماس في الضفة وتعذبهم بصورة مستهجنة وغير مسبوقة.
لا تخرج الاتهامات المتبادلة كثيراً عما ذكرت. والمدقق فيها سيرى أنها خليط من أجزاء متعددة:
1- منها ما هو للاستهلاك والتعبئة ضد الآخر، ولا يعدو كونه شبيهاً للمسبات في "التراث الشعبي"، لكن بصورة إعلامية مركزة ومقننة وشاملة يقودها كبار التنظيم وترددها كوادرهم، وتبدو الصورة وكأن لدى كل من فتح وحماس نسخة خاصة مكرسة لكراهية الآخر بصرف النظر عن احترامها للعقل الفلسطيني.
2- في هذه النسخة قراءات خاطئة لحقائق تستعمل بمبالغة كبيرة ضد الآخر تصل حدّ التخوين والعمالة سواء للاحتلال أو للولايات المتحدة أو لإيران وسوريا، في حين أن العقل يرفض قراءتها كما يروجها كل طرف ضد الآخر.
3- لا تخلو أفكار كل طرف من حقائق تدين سلوك الآخر تجاه قضايا رئيسة، ولكنها تفقد قيمتها حينما تنطبق عليها مقولة بوش الشهيرة: من لم يكن معي فهو ضدي! فمن ينتقد السلطة الفلسطينية أو فتح يصنف في صف حماس ومن ينتقد حماس يصنف في صف السلطة! وربما يتبع ذلك عقاباً بصورة أو بأخرى، وبهذا المنطق يفرض الطرفان رهبة على التفكير والعقلانية.
إن مسألة الانتماء إلى هذا التنظيم أو ذاك هي حقٌّ طبيعي للفلسطيني كما لغيره، بل أكثر من ذلك، فإذا كانت عند الشعوب الأخرى مجرد رغبة، فإن الانتماء إلى تنظيم من أجل الوطن يصبح ضرورة على أن لا يكون الانتماء للتنظيم فوق الانتماء لفلسطين. لكن الانتماء لدينا يلبس لباس العصبية القبلية الممجوجة، فتلك هي الكارثة الوطنية التي عجز الشعب الفلسطيني كله عن حلّها. وحلّها ليس سهلاً كما يتصور الكثيرون، فلا لقاء عباس هنية ولا أية مفاوضات بينهما قادرة على إنهاء الانقسام بصورة جذرية. وحتى لو حدثت مصالحات، فإنها لن تدوم طويلاً قبل أن تتجدد الخلافات بصورة أو بأخرى.
ربما يساعدنا فهم أسباب الانقسام وعوامله في كيفية التوجه للحلول الجذرية، وهذه الأسباب كثيرة أبرزها ما يلي:
1- العامل الثقافي
إن بنية المجتمع الفلسطيني، والعربي إجمالاً هي بنية قبلية. والمعروف في العلوم الاجتماعية والإنسانية أن أية بنية اجتماعية تنتج ثقافتها التي تعكس هذه البنية وتعبر عنها من جهة، وتحمي استمراريتها من جهة أخرى. وللبنية القبلية وجهان، وجه نافع وحيوي ووجه معيق للتقدم، وربما مدمر أحياناً. وثقافة القبيلة قائمة على الصراع، والصراع متغير الأشكال، ولكنه ثابت الجوهر، فقد تكون أشكاله طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو عرقية أو حزبية، ومن أمثلتها التاريخية والمستمرة: صراعات السنة والشيعة، والموالي والعرب، والقيس واليمن، والحسيني والنشاشيبي، والعربي والكردي، وحماس وفتح. وتبدأ عملية تثقيف الأطفال بثقافة الصراع منذ بداية وعيهم، بتشجيع الأطفال على (المباطحة) و (التعدي على الآخر) باستعراض القوة الجسدية، والتحيز إلى أبناء العائلة والأقارب منذ الطفولة، وتنمو هذه الظاهرة مع الشخص حتى يبلغ النضوج ويكون قد اكتسب ثقافة الصراع مع الآخر، بدلاً من المعايشة والاحترام المتبادل. ومثل هذا التثقيف ينتج أعضاء في المجتمع جاهزون لأن يكونوا طرفاً في الصراع مع الآخر بدلاً من احترامه. كما أن ثقافة القبيلة هي التي أنتجت وما زالت تنتج (الشيخ) الذي (يَمون) على القبيلة كلها. وهذا ما ينطبق على الواقع السياسي، فكل يرى في نفسه شيخاً لمن هم أدنى منه وعليهم الطاعة واحترام رغبات الشيخ، ولا نجد ذلك في الحياة السياسية فقط، بل نجده أيضاً في الواقع الديني كالحركات الصوفية والأمير الواجب الطاعة. وكذلك في الواقع الاجتماعي والوظيفي الذي يعطي المسؤول والأب والأخ الأكبر والذّكر مسؤوليات تحولت إلى سلطة استبدادية ناتجة عن بذرة "الشيخ" التي تغرسها الثقافة في العقل الجمعي والفردي معاً. والمتأمل لتاريخ ثورتنا الفلسطينية لن يجد أن اتحد فصيلان في أي يوم من الأيام، لكنه يجد بسهولة ظاهرة الانقسام والتشرذم والتعصب للتنظيم والأفكار سواء أكان هذا التعصب بحق أو بغير حق!
2- العامل الأيديولوجي
تمتد جذور هذا الانقسام الأيديولوجي إلى ما يزيد عن نصف قرن، فقد شهد العالم العربي في القرن الماضي وخصوصاً في نصفه الثاني أيديولوجيات رئيسة ثلاث: القومية واليسارية والإسلامية، وكانت كل واحدة منها تطرح أفكارها للنهوض بالعالم العربي والخلاص من التبعية وتحرير فلسطين. وكانت أضعفها الاتجاهات الإسلامية في فترة مبكرة، ولكنها نمت وقويت في العالم العربي لأسباب كثيرة، أهمها فشل الأيديولوجيات القومية واليسارية في تحقيق شعاراتها وأهدافها. وانعكس ذلك على الفلسطينيين الذين أنتجوا بضع عشرة منظمة سياسية لكل منها ذراعها العسكري. ومع نموها وتواجدها في الساحة العربية ولأسباب كثيرة محلية وقومية وإقليمية ودولية توحدت الاتجاهات المختلفة في رفض التوجهات الإسلامية إما لأسباب موضوعية أو غير موضوعية، لكن التوجهات الإسلامية كانت منافسة قوية استقطبت جماهير واسعة لأنها تطرح العقيدة الإسلامية كحل ممكن وحيد للنهوض وتحقيق الأهداف التي فشلت الأيديولوجيات الأخرى في تحقيقها، وانعكس ذلك على الفلسطينيين بصورة أعم وأشمل من سائر العرب لأسباب كثيرة أيضاً، أبرزها رفض المنظمات المنضوية تحت راية منظمة التحرير بشطب تاريخها والتخلي عنه، وبخاصة أن هذا الصراع بين الأيديولوجيات المختلفة اشتد بعد أوسلو. وفي ظل الضعف لا مكان للتعايش بين قوى جديدة وأخرى قديمة، وإنما هي محكومة للصراع بين الأيديولوجيات المختلفة حتى بين الاتجاهات الإسلامية نفسها. وفي مثل هذا الصراع الأيديولوجي بين الإسلام والليبرالية والعلمانية والرأسمالية والقومية الذي تتداخل فيه صراعات القوى السياسية والفكرية، العربية منها والإقليمية والعالمية لن يسهّل عملية إنهاء الانقسام بالسهولة التي نريدها أو نطمح فيها.
3- العامل السياسي
من أجل التحرر من الاحتلال تبلورت وسيلتان هما: الحل عن طريق المفاوضات والحل عن طريق المقاومة المسلحة. ومعروف أن السلطة الفلسطينية وأغلب الفصائل المكونة لمنظمة التحرير حتى اليسارية منها قد تبنت خيار المفاوضات، وأن الحركات الإسلامية وخصوصاً حماس والجهاد الإسلامي قد تبنت خيار المقاومة. وعلى الرغم من المفاوضات التي استمرت طوال عشرين عاماً إلا أن المفاوضات لم تسفر عن شيء يمكن أن يمنح ثقة للشعب الفلسطيني في استمرارها التي تصر عليه السلطة الفلسطينية، ومن هنا فالسلطة ومنظمة فتح واليسار الفلسطيني، وهم أطراف مشروع المفاوضات أو القبول به على مضض، في أزمة، وقد وصلت الأزمة مرحلة غير مسبوقة بعد انهيار النظام المصري والثورات العربية المتلاحقة، إذ أن الأنظمة المنهارة كانت تشكل الدافع والغطاء لخيار المفاوضات. وأما حماس وسائر المنظمات الإسلامية التي تتبنى المقاومة المسلحة في قطاع غزة فهي والقطاع كله، تحت الحصار منذ عدة سنوات، ولا تستطيع فكّ هذا الحصار حتى اليوم. وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، زادت الأوضاع المعيشية سوءاً وتوقفت عمليات المقاومة المسلحة نتيجة الحصار الخانق من قبل الاحتلال والأنظمة العربية والاستعمار الغربي بكل أشكاله ومسمياته. ويمكن القول أن خيار المقاومة المسلحة فشل في تحقيق أهدافه حتى اليوم. ولكن "حماس" تراهن على أن الأزمة التي تعيشها اليوم ستحل بعد أن تنجلي أوضاع الثورة العربية وخصوصاً في مصر. وهذا الإصرار من كل طرف على تبني إحدى الوسيلتين فقط ونبذ الأخرى، لم يسمح بنمو اتجاه يجمع بين المفاوضات والمقاومة، مما عمّق الانقسام، وما زال كل طرف يراوح مكانه ويناور على الآخر، وكل له حساباته التي يبني عليها هذه المناورات، دون إرادة جدية تتغلب على الانقسام. ولا يبدو أن هناك بوادر لطريق أو أسلوب ثالث من أجل التحرر من الاحتلال.
هذا العوامل الرئيسة الثلاث في أسباب الانقسام واستمراره، أنتجت عوامل إضافية لتأكيد الانقسام كالمحافظة على المراكز والمصالح والنفوذ الذي لن يكون له مكان في ظل وحدة وطنية حقيقية هدفها الأول والأخير هو إزالة الاحتلال الذي يصر على استمرارية الانقسام ويعمل كل ما يمكنه للمحافظة عليه.
إن عوامل الانقسام التي بينتها أعلاه يجب أن نعمل جميعاً على تذليلها إن لم نستطع إزالتها، وأن نستثمر الجوانب المغيّبة في الثقافة وفي السياسة وفي الأيديولوجيا بما يساعدنا على الوحدة والتفرغ لمواجهة الاحتلال بطرق جديدة نستوحيها من الثورات العربية، وهو موضوع المقالة القادمة بإذن الله.
http://nabeelalkam.com/new/news.php?action=view&id=203
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007