اسم الكاتب : مصعب شيخ الوراقين 'لا يجوز للشعبية والديمقراطية التحدث باسم الشارع الفلسطيني، لأن هؤلاء دخلوا الانتخابات الفلسطينية وحصلوا على نسبة غير معتبرة لا يجوز لهم أن يتحدثوا باسم الشارع الفلسطيني'؛ 'هم يتحدثون عن ضرائب فرضت على المواطنين (في قطاع غزة)، الضرائب التي فرضت، فرضت على السجائر، 3 شيكل ـ أقل من دولار ـ على كل علبة سجائر' ... هذا بعض مما صرح به د. محمود الزهار عضو المكتب
السياسي لحركة حماس، وأحد أبرز قادتها في قطاع غزة.

ما زال الزهار يصدح بانتخابات 2006، حيث توقف الزمن (الحماسي) عندها، تلك الانتخابات اللاديمقراطية، عبر قانون انتخابي لا ديمقراطي معروف، الانتخابات التي اقترع بها 24 بالمئة من مجموع الناخبين في جزء من الشعب، ولقوام الضفة الفلسطينية وقطاع غزة في تعداد 3.25 مليون نسمة، يشكلون أقل من ثلث الشعب الفلسطيني، والـ 24 بالمئة تشكل أقل من مليون من التعداد العام في الضفة وغزة، بينما 7 مليون من الشعب لم ينتخبوا أحد، بموجب اتفاقات أوسلو (الشتات وعرب 1948).

وتحت ظلال مسغبة قطاع غزة ومن أزقة جوعها، يذهب الزهار بعيداً عن عين الحقيقة، حتى هاج شعب غزة وبحرها ماج، وينسى أن تقارير الإعلام والفضائيات، تحققت من ضرائب حماس لا على السجائر وحدها، بل استنطقت مواطناً صاحب 'بسطة فلافل' على ناصية أحد الشوارع؛ كيف أن حماس قد فرضت عليه الضرائب، وماذا يتبقى له من بؤسه وبؤس الحصار، لدرجة أنه عبأ أحلامه في قنينة ورماها في البحر، مستنجداً صارخاً وهو على حق: 'إن الله طيب وبسيط وكريم ورحيم، الله ليس نرجسي كما يفرض علينا'، أليس ذلك من مهازل القدر ... !

الجبهتان الديمقراطية والشعبية ومعهما القوى الديمقراطية، وكل من يؤمن بالخيار الديمقراطي والعودة للشعب، يطالبون بالاحتكام إلى الشعب، وطالما كما ورد في تصريح الزهار أنه يمثل 'الأغلبية'!، فلماذا يرفض العملية الديمقراطية ذاتها التي ما زال يتغنى بها، فهي ليست 'تفويضاً مفتوحاً' على الرغم من علاّتها. وبما أن الرواية 'ضجة مفتعلة فقط ليظهروا لأنفسهم أنهم موجودون في الشارع' أي 'لعبة' بحسب الزهار؛ وطالما 'أن الغالبية العظمى هي لحماس' فلماذا لا يحتكم الزهار لها (!) ...

الزهار وشركاه يرفضون أي انتخابات في قطاع غزة: نقابية عمالية، مهنية، طلابية، نسائية، بلدية ... الخ منذ يناير 2006 حتى الآن.
يصرّ الزهار على تعميق مأزق الحزب الديني السياسي، والذي لا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن مرجعيته ومأزق وتاريخ تشكله، والحديث عن المال الانتخابي والقبلية العشائرية؛ والجهوية والمذهبية، والزهار لا يتعظ من مآل إخوانه في الأردن وجبهة العمل الإسلامي الذين حصدوا في الانتخابات الأخيرة خمسة نواب فقط من خمسة مليون نسمة، أو العراق في انتخابات آذار/ مارس هذا العام 'الحزب الإسلامي العراقي' (الإخوان المسلمين) فقط (2) نواب في ائتلاف جبهة التوافق التي ضمت أكثر من 15 حزباً وقادة عشائر، من 30 مليون مواطن منهم 18 مليون ناخب، وسبق لهم أن 'شرعنوا' الاحتلال وشاركوا 'الحاكم المدني' الأمريكي بريمر السلطة، ورغم النتيجة فالعناية الأمريكية (الإلهية) أبقت أمين عام الحزب إياد السامرائي رئيساً لمجلس النواب، وحتى السودان وانتخابات نيسان/ إبريل 2010 الشعب 39.4 مليون نسمة، لم يحصل 'الإخوان' على نائب واحد، ورغم هذا فوزرائهم في حكومة البشير، والجزائر وإخوانها 'حركة مجتمع السلم' لهم 3 نواب في انتخابات 2010 والشعب 35 مليون، وهؤلاء شركاء في الحكومة فهل يحق لهم ذلك (!)، ولبنان 5 مليون وللجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) نائب واحد فاز على لائحة تيار المستقبل (الحريري)، وفي سوريا صفر ومع ذلك المراقب العام للإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني يتكلم باسم الشعب وبياناته لا تتوقف، والقائمة مثل هذا في بلدان عربية ومسلمة ومنها باكستان، أندونيسيا، ماليزيا، بنغلادش، فلماذا 'عنطزة' الزهار الذي جاء لحكومة حماس بانقلاب سياسي وعسكري يسميه 'الحسم العسكري' ...

يصرُّ الزهار؛ وأمامنا تشكيلة إخوانية عربية، لا تؤمن بالوطنية والعروبة؛ بما تحمله من تمثلات في هذا الخضم الاجتماعي العربي، يأتي في داخلها التشيؤ الحمساوي وتحت الاحتلال في فلسطين، بما يحمل من تَمَثُّلْ ديني سياسي، نعرضه لمقايسة مفهوم الحزب الديني، الدنيوي بالتأكيد، محاولة تعريفه عبر منظومة الأفكار التي تعبر عن مصالح جماعات طبقية في تمثلها السياسي العقائدي ذات مصالح في السياسة المحددة على حساب الوطن والشعب، وفي ارتباط مرجعيتها بعيداً عن الوطني؛ كحزب 'أُخروي عابر لهموم الدنيا'؛ بيد إن الحزب هنا هو أقرب إلى 'مفهوم القبيلة الجماعة (الفرقة الناجية في الدنيا من المسغبة قبل الآخرة)، حيث تتحدد شروطها في سياق وجودها الأزموي والإشكالي على المستوى الوطني الشعبي، بعد تشيؤها على كرسي السلطة بما يمثل؛ والتعلق به و'من بعدي الطوفان'، وهكذا فهو إطار يختلف تماماً عن الفهم التقليدي للحزب، في إطار علاقات اجتماعية ـ سياسية تتماهى وتتماثل بالمطلق ...

إن ظاهرة شغف حماس بالسلطة والذي لا حدود له على حساب وحدة الشعب، هو ما يفسر الاختلاف عن الفهم التقليدي للحزب، ثم احتكارها لها منفردة، وفي نموذجها التكفيري أو التخويني كما ورد في الحوار مع الزهار، إسقاطات مرجعياتها ونموذجها الإيديولوجي، ربطاً بالمخاوف من 'الانقلاب'، أي خسران السلطة أو المشاركة الوطنية والتسليم السلس لنتائج العملية الديمقراطية. وهم أصحاب الانقلابات العسكرية، التي هي نتاج فكرة 'العُصاب القبلي'، ما تعاني منه حماس اليوم، بعد سوء الاستجابة الشعبية لمن لا يمتلك خطوط عمل وطنية إستراتيجية، وفي ظل الأزمة الإنسانية الطاحنة في قطاع غزة، حين لا ينفع الخط .. ولا ينجو .. 'العقائدي' من توفير حل لمسغبة ما بعدها مسغبة ...

أليست هذه إشكالية أخرى تؤكد الطبيعة الأزموية العميقة لتشكلها والتي لم تحلها حماس، حين كانت جزءاً من تاريخ تشكلها، إشكالية نظامها الاجتماعي المنشود، بعيداً عن التعددية الوطنية، والنابع من فكرة السيطرة والهيمنة من خلال إنتاج مركز شمولي قهري في سطوة صانع الدور الارستقراطي 'الإلهي' ودوره في 'قرابة الحزب ـ القبلية العُصابية'، حين تتماهى هذه الجماعة؛ مع 'المهيمن' السلطوي الدنيوي بالتأكيد لا السماوي، 'القبيلة المالكة' التي تفرض شروطها ـ من خارج قوانين التحرر لشعب تحت الاحتلال ـ، أي تفرض شروطها من خارج الصراع وعلى طبيعة الصراع، طالمـا أنها خارج المتغيرات التي تصيب الواقـع الفعلي ...

فالصراع الفعلي في سياق مأزق هذه الأحزاب النابع من تشكلها الأزموي، هو الصراع الداخلي لا الخارجي أي: 'الاحتلال'، والمطلوب فقط الحفاظ على سطوة القبيلة 'المالكة' وإن كان على حساب 'العوام' الناس وحقوقهم، هنا تنتقل منظومتها السياسية من الخضوع لمهيمنات 'إلهية'؛ نحو مهيمناتها التي تنفذها بـ 'العُصاب السلطوي'، باعتبار جوهر خطابها مؤسس على متن سلطوي عُصابي 'مُشّرع' بالدم ... ومن ثقافة الهامش السياسية، أسوةً بما نرى ونعايش من استبداد عربي ...

لننظر وندقق؛ حماس: 'السلطة الراعية تحت الاحتلال لحقوق المسلمين'، وهي الأكثر قمعاً في فرض معايشة مع وقائع الاحتلال وعدم مقاومته حدود التخوين والتكفير لأعمال المقاومة، وفي فرض قوانين قراقوشية اقتصادية غاية في التخلف في حسابات الربح والاستثمار، ومن خلال سياسات قهرية وشيوع نزعة استبداد عسكرية، في مواجهة تبادل الأفكار، وتلقيح الأفكار والتفاعل معها، تشيؤ ما موهوم؛ في عالم عولمي منفتح بلا حدود.. لا مثيل له ..
وهكذا فالمنتج السياسي ـ الاجتماعي ملبد بالغيوم والشكوك والعتمة والغموض، بالضد من تأهيل الواقع الاجتماعي ومقوماته نحو الصمود، والواقع السياسي نحو الإثراء في صياغة أُطرالمقاومة الحيوية، موقع تخندقها البراغماتي ـ لا العقدي ـ خارج الإطار الوطني ـ تحالفات إقليمية ـ، وفرض تداعياتها على الواقع الوطني السياسي الفلسطيني، ضد دعم توجهات الحوار المتعددة للوطني الذي يتكون منه الشعب الفلسطيني بأطيافه السياسية الوطنية والفكرية الإنسانية ...هكذا يعيدنا الزهار لما يحتاج له؛ من قراءة استثنائية للعديد من محاور الإشكاليات، بدلاً من أن يستخلص العبر لمآسي سنوات الانقلاب والحسم العسكري والانقسام، للإخفاقات التي لازمت هذه السنوات العجاف، يعيدنا إلى عقلية 'الخيمة والقبيلة' بمجموعاتها الإيديولوجية 'الإلهية' المدعاة، فاللحظة الفارقة ذاتها ـ التي يكررها الزهار ـ هي المصدر الإشكالي الصانع لِـ 'الخطيئة والإثم' لا غيرها بالمدلول العلمي، لا بالأشكال اللغوية في سياقها المولد، والباعثة على المزيد من النكوص والانغلاق والعزلة ...

إن سيرة الانقسام هي سيرة مكللة بالقرابين الفلسطينية، أرواح ونفوس قرابين لألوهية السلطة، فيفيض علينا الزهار بمزيد من فيوض النور القدسي من 'إشباع معدّ شعب خاوية، وبلسم وأدوية للمرضى المحاصرين'، في صورة 'ضياء' هي نار باتت رماد في مخزن لشعارات لم تعد تقنع أحداً، لكنها منقوشة على كهوف 'أنفاق' التجّار في قطاع غزة، مثلما هي منقوشة ومتواشجة بالمعاني والدلالات في كهوف البدائيين في منابع الإنسانية التاريخي، وفي سياق معادلات تلك البدائية؛ رموز الأضاحي المنقوشة على صخور الكهوف المنسيّة، فماذا يفعل بعصارة فكر غاليليو ورأيها العلمي بأن 'الأرض تدور'، وإذا ما أكد بأن 'الزمن يدور'. ومحاكم التفتيش ترى أن الكتب كلها خطرة، لأنها تحمل بين طياتها 'انقلاباً' ... تمرداً بين طياتها، ولهذا فتحت عليها أبواب جهنم حرقاً ... بيد أن محاكم تفتيش القرون الوسطى لم تكن رعناء ... فهي تعي تماماً ما تفعل، تعي أنها لا تلهي الناس عن عبادة الرب، بل عبادة رموز طبقية ...

حقاً إنها مشاعر العداء للكلمة.. للحوار والخشية من سلطانها بين الناس، طالما أن الجرائم دوماً هي برسم 'فاعل مبني للمجهول'، فاعل من دهاقنة الظلام، الذين عتموا حياة الناس، وحاولوا إفساد تطلعاتهم وانتهكوا حرماتهم الإنسانية، وعاشت القبلية منتجة 'الأعراف' ... عاشت مُفقسة للسنن والقوانين ... في مواجهة الحرية التي هي محض كلمة ... محض حوار وخلاصة حقيقة ...

أليس هذا جوهر ما يصدح به 'أخوة يوسف' الإخوان العرب ... أن نطفئ المصابيح على شحّ زيتها في الليل العربي النفطي الطويل المديد ... فالأسى والتأسن حصة الجميع، موقع عدالته الاجتماعية ... كي تتواصل الحياة مذعورة منكسرة لا مبالية ... فماذا يعني الوطن في الحياة الميتة المهزومة ... التي تدب على الأرض ثقالاً ... هلوليا يا وطن شهد أول حروف الأبجدية ... حين تكون أرملاً من عمران النفوس والتوق الجمّ على دروب الاستقلال والحرية والتقدم الإنساني ... هلوليا يا حركة ... يا حزب ... هو أهم من الوطن والشعب ...

وهيهات تكميم الأفواه الحرة بالشمع الأحمر الدامي ...