ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


    نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها

    طلب
    طلب

    عضو تحت الأشراف  عضو تحت الأشراف



    ذكر
    عدد الرسائل : 1
    العمر : 36
    الدولة : نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها Palest10
    نقاط : 5331
    تقييم الأعضاء : 0
    تاريخ التسجيل : 13/04/2010
    الأوسمة : نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها Empty
    وسام مسابقة الضيف المجهول : نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها Empty

    نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها Empty نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها

    مُساهمة من طرف طلب الثلاثاء أبريل 13, 2010 5:43 am

    نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها


    يذكر الكاتب ايميل توما في كتابة جذور القضية الفلسطينية الفصل الثالث انه لم يكن من قبيل المصادفة أن تنشأ الصهيونية في أوروبا وأن يكون توقيت ظهور منظمتها في نهاية القرن التاسع عشر، وان تصوغ أيديولوجيتها على الوجه الذي صاغته فيه. فالأوضاع الاقتصادية والسياسية هي التي خلقت التربة لظهور اللاسامية، والصهيونية التي زعم أصحابها أنها الرد الوحيد على اللاسامية.

    إن الاستيطان الكولونيالي الذي بدأ في القرن الثامن عشر استمر في القرن التاسع عشر وخاصة في أقطار أفريقيا، إلا أن الأمر الحاسم الذي ميز الربع الأخير من ذلك القرن كان انتقال الرأسمالية في أوروبا إلى أعلى مراحلها: مرحلة الإمبريالية.

    وهذا كان يعني تحول رأسمالية التنافس الحر إلى الاحتكار واندماج المال المصرفي بالصناعة وتصدير رؤوس الأموال وإقامة احتكارات عالمية وتقسيم المستعمرات تماماً.

    هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فالانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية شدد الصراعات الاجتماعية والقومية. وجعل الصراع بين الطبقة العاملة والرأسمالية الصراع الجوهري الذي يترك طابعه على كل ميادين الحياة ونواحي التطور.

    ولم ير القرن التاسع عشر شيوع أيديولوجية الاشتراكية العلمية ومولد الحركة الشيوعية العالمية(1) فحسب. بل شهد أول محاولة في التاريخ تقوم بها الطبقة العاملة (الفرنسية) لخلع نير الرأسمالية وإقامة المجتمع العادل الذي يقضي على استغلال الإنسان للإنسان.

    لقد هزت هذه المحاولة التي يعرفها التاريخ بكومونة باريس عام 1871 الرأسمالية وخاصة في أوروبا وأيقظتها على خطورة الطبقة العاملة التي اتسعت صفوفها بفضل التطور الصناعي المتواصل وتحسن تنظيمها بفضل خبراتها المتراكمة، وتعمقت نضاليتها الثورية نتيجة ظروفها القاسية.



    ولجأت الرأسمالية إلى مختلف الأساليب لوقف المد الثوري.



    فمن الناحية الواحدة استخدمت القمع والعنف في وقف مد النضال الطبقي الثوري، ومن الناحية الأخرى لجأت إلى الاستيطان الكولونيالي في سبيل تخفيف عنف هذا الصراع.







    هكذا وصف الإمبريالية سيسل رودس(2) دور الكولونيالية الاستيطانية في هذا الصراع في عام 1895:



    "كنت أمس في الايست اند (حي العمال في لندن) وحضرت اجتماعاً من اجتماعات العمال العاطلين وقد سمعت هناك خطابات فظيعة كانت من أولها إلى آخرها صرخات الخبز! الخبز! وأثناء عودتي إلى البيت كنت أفكر بما رأيت، وتبينت أوضح من السابق أهمية الاستعمار.. إن الفكرة التي أصبو إليها هي حل المسألة الاجتماعية، أعني: ليكما ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي على أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً، هي مسألة البطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين".(3)







    ولم تكتف الرأسمالية بهذين الأسلوبين بل استخدمت اللاسامية أيضاً حين دعتها إلى ذلك ضرورة تحويل الصراع الاجتماعي عن مساربه الصحيحة.







    وابتدع الرجعيون اللاسامية- وهي من الأيدلوجية العنصرية السيئة الصيت- في هذه المرحلة بالذات، مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية واحتدام الصراعات الاجتماعية في أوروبا لأنهم اعتقدوا أنها سهلة الترويج.







    ويحدد كثيرون من المؤرخين وقت ظهور اللاسامية في سنوات السبعين من القرن التاسع عشر ويؤكدون أن الساسة لجأوا إليها خدمة لأغراضهم.







    وهذا ما يؤكده ماكس ديمونت في مؤلفه "اليهود والله والتاريخ" حين كتب: ان اللاسامية وهي أيديولوجية معاصرة تختلف تمام الاختلاف عن معاداة اليهود، في القرون الوسطى. نشأت في أواخر القرن التاسع عشر (ص 311 و 313). وشاعت بين الفئات المتوسطة التي كانت قلقة بحكم عدم استقرار أوضاعها الاجتماعية (ص 315) وأضاف ان ساسة اليمين استخدموها في محاربة ساسة اليسار. ثم كتب: وفسر الساسة عدم استقرار هذه الفئات لا بأسبابه الاجتماعية والاقتصادية، بل بسبب شرور اليهود. فإذا كانت هذه الفئات تخاف اخطار الرأسمالية عليها، لوحوا لها باليهودي الرأسمالي المستغل، أما إذا كانت تخاف الشيوعية فكانوا يلوحون لها بالشيوعي اليهودي المتآمر.(ص 318)







    وهكذا فظهور الأيديولوجية العنصرية رافق الإمبريالية التي كانت تبرر احتلالها وسيطرتها على الأقطار المختلفة في آسيا وأفريقيا بذريعة "تمدين" شعوبها.







    وذريعة "التمدين" التي اتخذت شعاراً لها "عبء الرجل الأبيض" استنفرت بطبيعة الأمور فكرة رقي شعوب الدولة الإمبريالية عرقاً على الشعوب المتخلفة ونقواتها العنصرية بالنسبة لتلك التي أدنى منها تطوراً أو "أغمق" منها لوناً.







    وتؤكد حقائق التطور أن الأيديولوجية العنصرية كانت أسبق من اللاسامية التي تفرعت عنها، وأن اللاسامية انتشرت أول ما انتشرت في ألمانيا الإمبريالية في وقت الصراع الاجتماعي.







    ويتفق كافة المؤرخين على ان مستشار ألمانيا بسمارك الذي قام بدور كبير في انعتاق اليهود ودمجهم في الحياة الألمانية، لجأ بنفسه إلى اللاسامية في معركته السياسية حين قاد معركة حزب المحافظين مع الأحرار الذين اعتبرهم تقدميين.







    وكتب هوارد مورلي ساخر في مؤلفه "مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر" يؤكد ارتباط اللاسامية بالصراع الاجتماعي على النحو التالي:



    "وكانت سنوات السبعين في القرن التاسع عشر بالحقيقة سنوات أزمة الطبقة الوسطى الدنيا. كانت سنوات هبوط اقتصادي فقد خلالها أصحاب الحوانيت والمعلمون، بشكل خطير مكانتهم بوصفهم أصحاب الياقات البيضاء". وأضاف: "وخلال هذه الفترة بالضبط ظهر المدعو أدولف ستوكر وأدرك كره هذه الفئة الاشتراكية الماركسية والبروليتاريا فأسس "حزب العمال المسيحي الاجتماعي" واستخدم اللاسامية في دعايته لكسب الأنصار". (ص 224-225)







    ويتأكد ارتباط اللاسامية بالأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في أنها لم تظهر إلا في أوقات احتدام الصراعات الاجتماعية وتبددت حين لم تعد هناك ضرورة لها. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن اللاسامية التي شاعت في ألمانيا في سنوات السبعين والثمانين في القرن التاسع عشر اختفت تقريباً من الحياة السياسية عند نهاية القرن المذكور ومطلعه لتعود إليها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، في وقت احتدم فيه الصراع الاجتماعي احتداماً هائلاً واتسعت صفوف الحركة الشيوعية وتعاظم دورها في الحياة الاقتصادية والسياسية.







    وليس يهمنا طبعاً من اللاسامية هنا غير مقولتها الأساسية، فهي انطلاقاً من مصدر أيديولوجيتها العنصرية تعتبر اليهود أمة منفصلة لا يمكن لأفرادها أن يندمجوا بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.







    ولذلك كانت اللاسامية نقيض حركة انعتاق اليهود التي اقترنت بالثورات البرجوازية، في أوروبا على وجه التحديد، وخطت خطوات بعيدة المدى في دمج الطوائف اليهودية بالقوميات التي تعيش في أقطارها.



    واقترن ظهور اللاسامية بتطور عيني في الفكرة القومية في أوروبا.



    لقد كانت الحركات القومية في أوروبا حركات تقدمية دينامية هدفت إلى تصفية تجزئة الإقطاعية وانعزالية ولايات الشعب الواحد.







    وفي الفترة التي نحن بصددها، على الرغم من بقاء جيوب الكفاح القومي في الإمبراطوريات المتعددة القوميات في أوروبا، كانت الفكرة القومية قد فقدت طابعها التقدمي وأصبحت أداة في أيدي الإمبرياليين يستخدمونها لتوسيع إمبراطورياتهم تحت شعار "الكبرياء القومي" و "تمدين الشعوب".







    وظهر هذا التغيير في طابع الحركات القومية في الحرب الفرنسية- البروسية التي خاضتها بروسيا من أجل خلق الأوضاع لإتمام وحدة المانية. ولكن هذه الحرب الإيجابية في بدايتها تجاوزت طابعها التقدمي حين تخطت الجيوش البروسية حدود ألمانيا وغزت الأراضي الفرنسية.







    وهكذا، إذا استثنينا بعض الشعوب التي كانت ترزح تحت قيود الكبت القومي نستطيع أن نقول إن القومية أصبحت في أوروبا أداة بيد القوى الرجعية.







    الأيديولوجية الصهيونية:



    تبلورت الفكرة الصهيونية السياسية المعاصرة التي ظهرت في القرن التاسع عشر في كتاب ثيودور هرتسل "الدولة اليهودية" الذي ظهر عام 1896.







    صحيح أن منظمات "أحباء صهيون" نشأت أساساً في روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ودعت إلى الهجرة إلى فلسطين، إلا أنها لم تترك أثراً عميقاً في حياة جماهير الطوائف اليهودية وكان من الممكن أن يعد الذين لبوا هذه الدعوة بالعشرات، فجماهير هذه الطوائف في روسيا القيصرية كانت قد انصبت في موجة الحركة الثورية الناهضة.







    كذلك عالج القضية اليهودية من منطلقات مماثلة لمنطلقات هرتسل اليهودي الروسي مواطن أودويسا ليو بنسكر ووضع استنتاجاته في كتابه "التحرر الذاتي"، إلا أن دعوته لإقامة دولة يهودية- لا في فلسطين بالضرورة إذا استبعدها. واعياً،- لم تجد إطاراً تنظيمياً، وكان يجهلها هرتسل وأولئك الذين أقاموا المنظمة الصهيونية فيما بعد.







    ولهذا اقترنت الحركة الصهيونية بهرتسل لأنه قرن أيديولوجيته بالمنظمة الصهيونية التي نشأت بعد المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد في بال من أعمال سويسرا في عام 1897.







    ما هي أسس الأيديولوجية الصهيونية؟



    إن منطلق أصحاب هذه الأيديولوجية الأول، كما صاغه هرتسل وخلفاؤه من بعده "ان الشعوب التي يعيش اليهود بين ظهرانيها هي، إما ضمناً أو صراحة، لا سامية وأن اليهود هم شعب واحد... جعلهم أعدائهم هكذا بدون موافقتهم كما يحدث مراراً وتكراراً في التاريخ". (هرتسل: "الدولة اليهودية" إصدار المجلس الصهيوني الأمريكي عام 1946 ص 92).







    وهكذا ينطلق الصهيونيون من المقولة الغيبية التي تتجاهل العوامل الاقتصادية- الاجتماعية التي خلقت اللاسامية ويؤكدون أن اللاسامية أبدية قائمة بين كل الشعوب قاطبة، وهي لطابعها العدائي أنشأت الشعب اليهودي ووحدته، بدون إرادته أو موافقته.



    وهذا يعني أن الصهيونية قبلت مقولة اللاسامية وأصبحت وجهها الآخر.



    وفي هذا الصدد كتب بن هلبرن صاحب كتاب "فكرة الدولة اليهودية": "نمت اللاسامية السياسية اذن بوصفها حركة مضادة للثورة معادية للوضع القائم لا بالنسبة لوضع اليهود فحسب، بل بالنسبة إلى البناء الديمقراطية والمواقف الليبرالية التي اتخذتها المجتمعات المعاصرة عامة". (ص 10)







    وأضاف أن جمهرة اليهود رفضت مقولة اللاسامية واعتبرت نفسها جزءاً من القوميات التي اقترنت حياتها بحياة طوائفها اليهودية: "فقد أنكر اليهود الساعون نحو الانعتاق أن يكونوا قومية منفصلة" (ص 12). وعلى هذا الضوء يظهر أن الصهيونية فرضت الأيديولوجية اللاسامية حول "القومية اليهودية المنفصلة" على الطوائف اليهودية، على الرغم من مقاومتها ذلك.







    وفي الواقع وجدت الصهيونية صعوبة كبيرة في الانتشار بين الطوائف اليهودية في أوروبا الغربية حيث ظهرت المنظمة الصهيونية في البداية. ومن الدلائل على ذلك أن الطائفة اليهودية في ميونخ من أعمال ألمانيا رفضت بشدة عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينتها، مما دفع القيمين عليه لعقده في بال السويسرية.







    وقررت التقارب بين اللاسامية والصهيونية، أيديولوجياً، على الرغم من التناقض الظاهر بينهما، قرره إلى حد كبير موقف المنظمة الصهيونية من اللاسامية، فالقيادة الصهيونية لم تجد في اللاسامية عدواً خطيراً بل عاملاً مساعداً على تحقيق برامجها، انطلاقاً من مقولة هرتسل أن أعداء اليهود هم الذين جعلوهم شعباً واحداً.







    بل ان هرتسل ذهب إلى أبعد من ذلك، وفي وصفه انتقاله من معسكر أنصار الانعتاق والاندماج إلى أنصار الانعزالية الطائفية كتب أنه اكتشف "أن اللاسامية وهي قوة غير واعية وشديدة المراس بين الجماهير لن تضر اليهود" وأضاف أنه يعتبرها "حركة مفيدة لتطوير الخلق اليهودي". (يومياته- مختصرة إصدار المكتبة الكونية ص 10).







    وهكذا، فعلى الرغم من التناقض بين اللاسامية التي تصف اليهود بكل المثالب التي اكتشفتها العقليات المتعصبة، والصهيونية التي تضفي على اليهود كافة نعوت الكمال الإنساني، فقد كان التقارب ملازماً لهما على صعيد العمل، إذ كانت الصهيونية ترى في اللاسامية محركها التاريخي وتحتاج إلى نشاطها لتحقيق أهدافها.







    واتخذ هذا التقارب لا شكل سكوت على اللاسامية فحسب بل إطار تعاون وثيق بين اللاساميين والصهيونيين. وهذا ما أظهرته حقائق التعاون بين القادة الصهيونيين مع النازيين قبل الحرب العالمية الثانية.







    وقبل وقت غير بعيد نشرت بعض مجلات هذه البلاد فضحية المنظمة الصهيونية في العراق التي ألقت القنابل على الكنس وتجمعات اليهود بقصد اجتثاث جماهير الطائفة اليهودية مت تربتها الطبيعية، التي نمت فيها عبر قرون، وتهجيرها إلى إسرائيل.







    واعتماداً على المقولتين: أبدية اللاسامية "وفضل" عملية الانعتاق والاندماج، أولاً، ووجود الشعب اليهودي بفضل أعدائه، ثانياً، استنتجت الصهيونية أن المشكلة اليهودية لا حل لها بغير تجميع "شتات" اليهود في مركز واحد يقيمون فيه دولتهم وتنتهي مشكلتهم التي "امتدت حوالي ألفي سنة" منذ أن "شتتهم الرومان"!!(4)







    ولم يترك الصهيونيون أيديولوجيتهم بهذه البساطة بل تعمقوا في بحث ملامحها وألبسوها حللاً "علمية".



    ومن هذا القبيل ما كتبه ليو بنسكر في كتابه "التحرر الذاتي". فقد اعتمد في بنائه الأيديولوجي على أن اليهود هم قوم شبح لا وطن لهم، وبما أن الإنسانية تكره الأشباح لذلك تنزل بهم الشعوب الاضطهاد التعذيب، والحل إذن يكمن في تحويلهم من قوم شبح إلى قوم طبيعي، وهذا يتم إذا ما أقاموا وطناً لهم في مكان ما، فعندئذ يتوقف اضطهادهم حتى لو بقيت بعض طوائفهم في أقطار مختلفة فهم عندئذ يكونون جالية كسائر الجاليات التي تعيش بين قوميات أخرى.







    ولم يكن تعيين الوطن أمراً مفروغاً منه منذ البداية، فليو بنسكر استبعد فلسطين عند بحثه أمر اختيار الوطن، واعياً، على اعتبار أن ذكرياتهم المرتبطة بها قد تكون عاملاً معرقلاً. كما أن المنظمة الصهيونية، مع أنها في مؤتمرها الأول دعت إلى إقامة الوطن القومي في فلسطين، إلا أنها عادت في عام 1903 ووافقت على اقتراح ممثل الإمبريالية البريطانية تشمبرلين إقامة الوطن القومي في أوغندا.







    أما الاتفاق نهائياً على اختيار فلسطين فيعود إلى عاملين: نشوء ظروف تساوقت فيها مصلحة الإمبريالية البريطانية والصهيونية أولاً واكتشاف الصهيونيين أن من الأسهل استنفار جماهير الطوائف اليهودية لبناء وطن قومي في فلسطين بسبب اقترانها بالدين اليهودي وذكريات تاريخية قديمة.







    كذلك ارتأت الأيديولوجية الصهيونية أن الأمة اليهودية لا أمة عالمية فحسب، بل أمة من نوع فريد تتجاوز التقسيمات الطبقية وينتفي فيها الصراع الاجتماعي.







    ولهذا كانت دعوة هرتسل معادية للاشتراكية التي وضعها التاريخ على بساط البحث في تلك الفترة التاريخية في أوروبا.







    وكان واضحاً أن الصهيونية التي كان من الممكن أن تجد قاسماً مشتركاً مع اللاسامية، لم تجد قاسماً مشتركاً مع الاشتراكية العلمية، وكان اصطدامها بها تصادماً مباشراً على طول الجبهة.







    ففي حين كانت الحركة الاشتراكية الثورية آنذاك تدعو إلى وحدة النضال الطبقي بين العمال عامة بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الطائفي وترى في القضاء على حكم الطغيان الرأسمالي حلاً للمشاكل القومية والطائفية ومن بينها المشكلة اليهودية، وتنادي باندماج اليهود مع سائر القوميات، ظهرت الصهيونية عنصراً مخرباً في الطبقة العاملة تدعو إلى انسحاب العمال اليهود من النضال الطبقي والسير وراء سراب الصهيونية وتعميق العزلة الطائفية والقومية في مرحلة النهوض الطبقي الثوري.







    وفي حين أن القيادة الصهيونية لم تبذل أي جهد لجذب اليهود الرأسماليين النشيطين من الأحزاب البرجوازية (ليبرالية كانت أم محافظة)، بذلت جهوداً ضخمة، لجذب اليهود من الحركات الثورية.







    وفرضت تطورات الحياة السياسية- الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة حيث تدفقت الهجرة اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تغييرات في الأيديولوجية الصهيونية التي لم تجد جذوراً لها بين جماهير عمال الطوائف اليهودية.







    ولهذا ظهر تياران لا يتعارضان بالضرورة: تيار الصهيونية التقليدي الذي يرتئي الدولة اليهودية، في وطنها المقبل دولة برجوازية، مثل سائر الدول البرجوازية في أوروبا... وتيار الصهيونية "الاشتراكية" الذي يقبل بمقولات الصهيونية كلها، إلا أنه يدعو إلى أن تكون الدولة دولة "اشتراكية"







    أن هذين التيارين لم يتعارضا وبقيا في إطار الأيديولوجية الصهيونية البرجوازية، المتناقضة تناقضاً لا مهاودة فيه مع الاشتراكية العلمية لأن تيار الصهيونية "الاشتراكية"! انطلق من قاعدة التعاون الطبقي باعتباره الطريق الوحيد لإقامة الوطن القومي وتنفيذ برنامج الصهيونية الإقليمي.







    وتتبلور الأيديولوجية القومية البرجوازية في هذه الصهيونية "الاشتراكية"! في توجهها الجوهري لمشكلة الطوائف اليهودية "فالصهيونية الاشتراكية" كما أذاعها بير بوروخوف ترى الصراع القومي سابقاً للصراع الطبقي- الاجتماعي ولذلك لابد من تجميع الشتات وإقامة القوم أولاً، وهذا ما يتعارض مع الاشتراكية العلمية التي ترى التطور التاريخي حصيلة الصراع الاجتماعي منذ أن نشأت الطبقات بعد عهود الإنسانية الأولى.







    والأمر الجوهري الذي يميز الاشتراكية العلمية عن الأيديولوجية البرجوازية أن الاشتراكية العلمية ترى في نشوء القوميات وإقامة الدول ظاهرة اقترنت بنشوء الرأسمالية وانتصارها على التمزق الإقطاعي لا ظاهرة أزلية.







    وهنا ينشأ السؤال: هل يمكن اعتبار الصهيونية بوصفها أيديولوجية قومية، أيديولوجية حركة تحرر قومي يهودي؟



    إن نشوء القوميات والدول القومية اقترن بنشوء البرجوازية وانتصارها على الإقطاعية.



    هذا ما وقع في بريطانيا وفي فرنسا وفي غيرها.



    وفي مثل هذه الأقطار لم تكن هناك حركات قومية بل حركات اجتماعية تسلمت قيادتها البرجوازية وأيدتها الطبقات الشعبية- من العمال والفلاحين في معركتها مع الإقطاعية.







    ولكن نتيجة التطور غير المتعادل والتفاوت في ظروف القوميات الأوروبية نشأت بين القوميات المكبوتة في الإمبراطوريات العثمانية والروسية القيصرية والنمساوية- الهنغارية حركات تحرر قومي هدفت إلى إقامة الدول القومية المستقلة.







    وأيدت الإنسانية المتقدمة وفي طليعتها قوى الاشتراكية العلمية هذه الحركات القومية باعتبارها حركات تدعم مسيرة التقدم الاجتماعي. وقد أسهمت هذه الحركات فعلاً في تقويض دعائم الإمبراطوريات الإقطاعية وتدعيم الديمقراطية البرجوازية وخلق الظروف الأفضل لنمو النضال الطبقي.







    ولكن أيديولوجية القومية البرجوازية التقدمية كانت قد تحولت، في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، وقت ظهور الصهيونية، إلى أيديولوجية التوسع الإقليمي على حساب الشعوب وبهذه الأيديولوجية اقترنت الصهيونية لا بغيرها.







    ثم أن الأيديولوجية الصهيونية في مسيرتها لم تسهم في الظروف الموضوعية في حركات التقدم الإنساني، بل دعمت قوى الردة والإمبريالية على الصعيدين الأوروبي والعالمي. فمن الناحية الأوروبية الداخلية وقفت الصهيونية ضد حركات انعتاق اليهود العامة واندماجهم بمجتمعاتهم في كل قطر من الأقطار، كما صادمت الحركات الاشتراكية الثورية بمحاولتها جذب العمال اليهود بعيداً عن تلك الحركات. ومن الناحية العالمية دعت إلى الاندماج في مخططات الإمبريالية العالمية بشقيها الكولونيالي الاستيطاني والسياسي الاستراتيجي.









    --------------------------------------------------------------------------------



    الهوامش:



    1- تأسست الأممية الأولى عام 1864 وحلت عام 1876، وتألفت الأممية الثانية عام 1889.



    2- سميت أقاليم في أفريقيا باسمه: روديسيا الجنوبية وروديسيا الشمالية، وروديسيا الشمالية لا تزال تحكمها أقلية بيضاء من المستوطنين أما الجنوبية فاستقلت.



    3- نشر الحديث الصحفي ستيد واستشهد به لينين في كتابه الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.



    4- لاحظنا في البداية زيف هذا الزعم، فحين قضى الرومان على ما يسمى بالهيكل الثاني في سنة 70 ميلادية كان ثلاثة أرباع اليهود في أنحاء مختلفة من الإمبراطورية.



    --------------------------------------------------------------------------------



    المصدر:



    ايميل توما، جذور القضية الفلسطينية (الأعمال الكاملة) المجلد الرابع، حيفا 1995.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 5:29 pm