إن القاعدة الأساسية في التعليم الشعبي هي: التقليد بمعنى " انظر كيف يعمل الكبار واعمل مثلهم " ولا تزال هذه القاعدة مرعية في الحرف الشعبية فالشاب المتدرب عند النجار أو الحداد أو المبيض أو الحلاق … الخ يتعلم المهنة عن طريق الملاحظة لا المحاضرة، ويجلس الشاب في الديوان والمضافة ليتعلم مجموعات العادات والممارسات والقيم بطريق الملاحظة البحتة وبعض الإشارات والتلميحات والمفارقات، فهو يعتاد على احترام المختار الجند رما والوجيه، وكذلك يكون موفقا من الرجل العادي والشحاذ والفنان الشعبي.. الخ وذلك بناء ً على مواقف الآخرين بملاحظة تصرفاتهم، وفوق ذلك فهناك قاعدة أخرى وهى أن يتولى الأب تعليم أبناءه كما تتولى الام تعليم بناتها، وبينما يتولى الأب تعليم الابن مجموعة من المعارف والقيم التي تعينه على الحياة في مجتمع الرجال ووسائل العمل لكسب العيش فان تعليم الام لابنتها ينصب على إعطائها القدرة على العناية بالبيت وتلقينها أمور الشرف والعفة حتى تتفادى نقمة المجتمع وكراهيته إذا حادت عن مبادئ تلك الأمور.
وهناك أيضا التعليم في الكتاب عند شيخ القرية حيث ينال الأولاد دون البنات قسطا من المعارف في اللغة والدين والحساب والأدب، ولولا هذا النمط من التعليم قد اصبح أمرا من أمور العامة من الناس فقارنته بالتعليم الرسمي المنهجي لما صح لنا أن ندرجه في بحث فلكلوري وبالطبع تهمنا مادة المنهج بمقدار اهتمامنا بصلة ذلك التعليم بأصول الحياة والممارسات والقيم الشعبية، وهناك تلك المعرفة التي يحصل عليها الولد عندما يبدأ بممارسة العمل الزراعي أو خلافه في سن مبكرة ذلك لان سنوات المدرسة الضئيلة سرعان ما تنتهي وسرعان ما يواجه الشباب الحياة في مهنة يدرج فيها، وكذلك الحال بالنسبة للبنت التي سرعان ما تتزوج وعليها أن تمارس الحياة في بيت جديد وظل أسرة جديدة.
مراحل تعليم الولد: ينصح الأب ابنه بان يأكل في مجلس الرجال بطريقة لطيفة، وإذا طلب منه من هو أكبر سناً أن يعمل شيئا فليفعل، وعندما ينتهي الرجال من تناول الطعام عليه أن يتناول الإبريق ويصب الماء على أيدي الضيوف، كما عليه أن يشاهد الرجال كيف يحرثون فيحرث أرض مثلهم وكيف يبذرون فيبذر مثلهم، ويتوجب عليه أن يراقب الحيوانات حتى لا تدوس أشجار العنب ولا تأكل الأشجار الصغيرة النامية، أن على الولد أن يطيع، وإلا فسيضربه الأب، وسيغضب الوالد وغضب الوالدين لن يؤدى بالولد إلى النجاح، ولغضب الوالدين ورضاهم دور كبير في توجيه الأولاد، فإذا رضى الأب قال:
- الله يرظى عليك رظى يخليك بثم الناس سكرة وفى عينهم عنبرة، اليرظى عليك رظى يحبب فيك ايمن شاف وايمن أراك وإذا غضب الوالد قال:
- الله يغظب عليك غظب يشقيك ويبكيك، ويبغظ كل أمة محمد فيك، ويعرف الأولاد أن دعاء الوالدين مستجاب.
إن تعليمات أب لابنه هي لمساعدته على التكيف مع الحياة، أما ذهابه لكتاب فهو ليتفقه في أمور دينه وليتمكن من قراءة كلام الله في كتابه العزيز، وليعرف كيف يفك المكتوب ويتعلم مبادئ الحساب.
لقد كان الكتاب الذي تعلم فيه الكاتب الحالي، في أواخر الأربعينات من هذا القرن الماضي، عبارة عن بيت سكن لأسرة عادية تضم الوالدين وخمس فتيات، وابنا واحدا كان الشيخ المعلم رجلا في الخمسين من عمره اعتاد أن يرتدى زي الفلاحين ويجلس على جراحة أو" جاعد " في صدر البيت المفروش بالحصر، والذي جلس فيه الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة على هيئة حلقة كبيرة مربعة الشكل وعندما يأتي الطفل إلى المدرسة فانه يجلس إلى يسار الشيخ ليكون محط عنايته باعتباره يخطو خواتطه الأولى في التعليم، أما على يمين الشيخ فيجلس الطالب الذي حان تخرجه وكان اليوم الدراسي يبدأ بالصلاة على النبي التي تتخذ شكل نشيد لا يعلمه الشيخ للطالب الجديد بل عليه أن يستمع لما يقوله الآخرون ويحفظ النص بمرور الزمن، ويقول مطلع النشيد: - ( اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كمال الله وكما يليق بكماله ) وكذلك ينتهي اليوم الدراسي بهذا النشيد أيضا، ولم يكن الشيخ او الخطيب كما كانوا يسمونه، ليعلم الأولاد، بل كان الكبار يعلمون الصغار وكان الشيخ يعالج الحالات الخاصة ويوجه الطلاب الكبار ويمارس دوره البارز في معاقبة المذنبين إذ كانت قدما المذنب تربطان بالفلقة ويجلد الشيخ راحتي القدمين دون رحمة .
وتذكر الدكتورة جرانكفيست أن أجور شيخ الكتاب في ارطاس كانت " عشرة قروش عن كل طفل " " نصف قرش كل يوم خميس عن كل طفل لتأمين رحلة الشيخ إلى القدس لرؤية أهله ".
" هدايا خاصة في رمضان.
" هدية خاصة عند انتهاء كل جزء من أجزاء القرآن فمثلاً جزء عم عليه ديك مسمى "
" هدايا إضافية ممن يرغبون ان يعتني الشيخ بأبنائهم عناية خاصة ".
ويركز الشيخ الكتاب في تعليمه للصغار على تعليمهم حروف الكتابة وهو يقول ان مهمته الأساسية هي أن " يمسك الولد الحرف " وتتم العملية بإجبار الولد على استظهار الحروف وحركاتها وحفظ صورها المكتوبة ويبدأ الأولى بحفظ الحروف الهجائية هكذا:
- اليف ( أ )، با (ب)، تا (ت )، ثا (ث).. الخ
- ثم يحفظ الحروف ضمن مقطوعة شبه غنائية تحدد الحرف والنقط.. وهكذا..
- اليف لا شن عليه ( الالف لا شىء عليه )
- البا وحدة من تحت ( الباء لها نقطة تحتها )
- التا ثنتين من فوق ( التاء لها نقطة فوق )
- الثا ثلاث من فوق ( الثا لها ثلاث نقط فوقها )
- الجيم وحده من تحت ( الجيم له نقطة تحته )
- الحاء لا شئ عليها ( الحاء لا شئ عليها)
وبعد ذلك يحفظ الولد الحروف مع الحركات التي يسميها شيخ الكتاب - النصبة ( الفتحة ) الرفعة ( الضمة ) الخفظة ( الكسرة ) الجزمة ( السكون)
ومن أهم ما يعتني به شيخ الكتاب هو تعليم الصغار مبادئ الدين، الأخلاق، النظافة، القرآن، والصلاة ويروى لهم قصص التهذيب والحكايات ذات الطابع الديني. ويعلم الشيخ تلاميذه " الهندي " أي مبادئ الحساب من جمع وطرح وضرب واغلب مشايخ الكتاب لا يعرفون من الحساب غير كتابة الأرقام الهندية وعملية الجمع البسيطة وكذلك الإسقاط ( أي الطرح ) .
يحمل الطفل معه إلى كتاب القرية كيسا صغيرا مربع الشكل مربوطا من طرفيه بحزام رفيع ليعلق الطفل الكيس في رقبته أو كتفه ويحوى هذا الكيس في العادة المصحف أو أجزاء منه، كما يحمل الولد " طلاحى ورق " أو دفاتر، أما أداة الكتابة فكانت قاماً من البوص يغمس في نوع من الحبر البدائي، ويتألف هذا الحبر من سناج القدور المحلول بالماء.
وكان الأطفال يستعملون ألواحا صغيرة مكتوب عليها بقلم حجر " ويمحى ما يكب بقطعة قماش جافة او مبلولة ". ومن الجدير بالذكر إن التعليم في الكتابة يعتمد على حفظ القرآن وأشعار والاستظهار عموماً، وهو يعتمد بدرجة أقل على الكتابة، والمحور الأساسي في التعليم هو استظهار القرآن وقراءته من المصحف، وليس أدل على ذلك من أن مرتحل تعليم الولد في الكتاب تنتهي بختم القرآن الكريم وعندما يسأل الطفل في الكتاب.
- وين صرت يا مقري ؟ أين وصلت في القراءة يا قارئ القرآن فانه يقول:
- صرت عند جزء عم، جزء تبارك، أو جزء ياسين … الخ.
يبدأ الولد أولى مراحل احتكاكه بوسائل الإنتاج في وقت مبكر، ويتوقف ذلك على حاجة الناس، وضرورة عمل أبنائها ففي سكن مبكر، ومن أهم وابرز الأعمال المنتجة في القرية هي الزراعة، ويبدأ الفتى بممارسة العمل الزراعي عندما يعمل " قطروز " أي مساعداً للحراث، وفى هذه الحالة يتوجب عليه أن يحضر الطعام للحراثين ويهيئ بهم الماء ومن مهامه أن يتمرن على أعمال الحراث بأشراف الحراث وذلك في الأوقات التي يتوقف فيها الحراث عن العمل ليتناول الطعام أو التدخين أو يجلس للحصول على قسط من الراحة.
وهناك أيضا قطروز البيدر الذي يتناوب العمل مع الحراث على البيدر ويتعلم منه المهنة وهى دراسة القش " وهكذا يتعلم القطروز أعمال الحراثة وبذر الحب " ودراسته " وخزن المحصول وبعد عدة سنوات وعندما يشتد ساعده ويتعلم المهنة يمكن أن يرقى إلى مرتبة حراث.
تعليم البنات: أما البنات فلم تكن لتتاح لهن الفرصة للتعلم في المدرسة إلا على نطاق ضيق جداً ويقتصر تعليم البنت على تلقى القيم والمعارف التي تلقنها إياها أمها وجاراتها وحماتها كما أن دائرة احتكاك البنت والمرأة عموماً بالمجتمع هي دائرة محدودة إذا ما قورنت بدائرة اتصالات الرجل، وهكذا فان الرجل في القرية يظل بالنسبة للمرأة يتمتع بتقدم فكرى ملموس، وقد لاحظت الدكتورة جرانكفيست هذا التقدم في ناحتين.
- الأولى: لاحظت فيها كيف أن النساء في القرية أصرت على أن تذبح الأضحية على عتبة البيت وذلك لتكون فداء لروح بشرية - بينما الرجال لم يهتموا لذلك الأمر.
- الثانية: كيف أن النساء كن يلطمن وجوههن ويندبن ويبكن عند الوفاة، بينما يقوم الرجل بتصفية مثل هذه الأعمال وتحذيرهن من عذاب الله ونظراً لهذا الفارق فقد اعتاد الرجال أن يصفوا النساء بأنهن ناقصات عقل ودين.
وفى أوائل هذا القرن، كان هناك عدد قليل جدا من البنات اللواتي يسمح لهن بالذهاب ألي الكتاب أو المدرسة الرسمية ، وكان هناك بعض المتنور ينادين يسمحون للبنات بقراءة القرآن، ولكنه كان ينظر لمسألة تعلم البنت للقراءة والكتابة على أنها نوع من تلويث سمعة البنت لان ذلك سيمكنها من أن تراسل الآخرين وتحجب الشباب وتكاتبهم مما كان ينظر إليه على انه أمر معيب، وكان يتركز الاهتمام بتعليم الفتيات اشغال الإبر والتطريز وفى أفضل الحالات كانت هناك معلمة أنثى تساعد الإناث على تعلم القرآن.
وتروى لنا جرانكفيست هذه الواقعة عن تعليم البنات في مدرسة حكومية في مدينة حيفا. ( أخبرنى معلم أنه إذا جاء المفتش بزيارة إلى المدرسة ( مدرسة اناث ) فالطالبات والمعلمات يقمن بتغية وجوههن قبل أن يدخل المفتش، وقد سألت الطالبات عن رأيهن بغطاء الوجه فعبرن عن الأسف لأنهم أصبحن أسيرات الغطاء.
الداخلية والخارجية وسقفه وسطحه، ومن الجدير بالذكر أن رصف ارض البيت ومدها بطبقة من الكلس والتراب، وكذلك تطيين الجدران أو تكليسها، ومد سطح البيت بطبقة من الكلس والتراب تدخل ضمن دائرة أعمال المرأة لا الرجل، وتبحث المرأة عن التراب الجيرى المناسب لعمل طبقة تغطى الجدران الداخلية وتحميها من الأمطار كما أن المرأة تصنع من هذا التراب أشكالا من المواقد حيث تشعل النار لتسخين الماء وطهى الطعام، ويدخل أيضا في دائرة أعمال المرأة والتي تتعلمها الفتاة اليافعة عن طريق الأم وسائل صناعة ( قحف ) الطابون ومده بكسر من الفخار أو الحجارة المكعبة، وكذلك بالوقود الذي يتكون من الحطب أو من روث الحيوانات المجفف، ومن الأعمال التي تتعلمها البنت عن طريق الأم، التحطيب، وجلب الماء، للبيت وجمع وقود الطابون التنظيف الدجاج، وتعلم الأم ابنتها صناعة أطباق القش، وأدوات أخرى من القش لحفظ الخبز والطحين والحبوب والثمار المجففة، وذلك تلقنها مبادئ الخياطة اليدوية والتطريز وصنع عدد من الزخارف مثل المكاحل وأغطية أواني، ومن أهم ما يجب أن تتعلمه البنت هو ( خبز ) العجين في الطابون.
وبالطبع، يجب ألا نفترض إن كل هذه الخبرات والمعارف يمكن أن تتوفر في جميع فتيات القرية، فالفتيات يتفاوتن في اكتساب الخبرات، والبنت التي تبرز في تعلم مثل هذه الأمور تسمى ( معدلة أو معدلة الديات ) ويقال ( فلانة كل إصبع عدلة ) أي أنها ماهرة وخبيرة بشؤون البيت من طبخ وتنظيف وصيانة للبيت وأثاثه.
وفى الوسط الشعبي، نرى الناس يفضلون الفتاة المؤدبة الحكيمة العاقلة الماهرة على الفتاة الجميلة، وهم يستشهدون في هذا المجال ببيت الشعر من أشعار ( تغريبة بنى هلال )
الزين يا عليا خظاب وينجلى
والعقل يا عليا خيار البظايع
فالعقل افضل من ( الزين- الجمال ) ذلك لان الجمال يشبه الخضاب بالحنا و الذي يزول يوما ما، ولكن العقل لا يزول مع الزمن بل يزداد رجاحة، ويسخر الناس من المرأة الجميلة ( البيضاء ) التي تكون قليلة الحكمة والخبرة فيقولون:
- خذها بيظا وجنونة
ومن أهم المهام التي يتوجب على الأم أن تعلمها لابنتها مسألة الحفاظ على العرض، والذي يتحدثون عنه تحت اسم ( الشرف ) ويقولون عن الفتاة التي تتجنب الرجال تماما بأنها فتاة شريفة، ويعطون أهمية لا حد لها لشرف البنت والذي يمكن أن يتلوث بمجرد إشاعة كاذبة أو ما شابه ذلك عن احتكاك بين الفتاة والرجال.
وتنصح الأم ابنتها بان لا تضحك في حضرة الرجال لان ذلك يعتبر إشارة منها للرغبة في اللهو وفى الأقوال المأثورة:
- ان ظحكت وبين نابها الحقها ولا تهابها
وتعلم الام ابنتها إلا تلتفت ذات اليمين وذات الشمال، إذا سارت بل عليها أن تمشى ( سربسط ) وإذا ما حاول شاب أن يلفت انتباهها إليه بحك حذائه بالطريق أو بالنحنحة أو بالكلام الطائش فعليها إلا تنساق وراء تلك الإغراءات فان ذلك اختبار لها ومن الأمور التي تعيب الفتاة الإكثار من الطواف خارج البيت والتأخر عن موعد العودة إلى بيتها، فالبنت يجب إلا تتأخر عن البيت بعد أن ينام ( الدجاج ).
وهناك أيضا التعليم في الكتاب عند شيخ القرية حيث ينال الأولاد دون البنات قسطا من المعارف في اللغة والدين والحساب والأدب، ولولا هذا النمط من التعليم قد اصبح أمرا من أمور العامة من الناس فقارنته بالتعليم الرسمي المنهجي لما صح لنا أن ندرجه في بحث فلكلوري وبالطبع تهمنا مادة المنهج بمقدار اهتمامنا بصلة ذلك التعليم بأصول الحياة والممارسات والقيم الشعبية، وهناك تلك المعرفة التي يحصل عليها الولد عندما يبدأ بممارسة العمل الزراعي أو خلافه في سن مبكرة ذلك لان سنوات المدرسة الضئيلة سرعان ما تنتهي وسرعان ما يواجه الشباب الحياة في مهنة يدرج فيها، وكذلك الحال بالنسبة للبنت التي سرعان ما تتزوج وعليها أن تمارس الحياة في بيت جديد وظل أسرة جديدة.
مراحل تعليم الولد: ينصح الأب ابنه بان يأكل في مجلس الرجال بطريقة لطيفة، وإذا طلب منه من هو أكبر سناً أن يعمل شيئا فليفعل، وعندما ينتهي الرجال من تناول الطعام عليه أن يتناول الإبريق ويصب الماء على أيدي الضيوف، كما عليه أن يشاهد الرجال كيف يحرثون فيحرث أرض مثلهم وكيف يبذرون فيبذر مثلهم، ويتوجب عليه أن يراقب الحيوانات حتى لا تدوس أشجار العنب ولا تأكل الأشجار الصغيرة النامية، أن على الولد أن يطيع، وإلا فسيضربه الأب، وسيغضب الوالد وغضب الوالدين لن يؤدى بالولد إلى النجاح، ولغضب الوالدين ورضاهم دور كبير في توجيه الأولاد، فإذا رضى الأب قال:
- الله يرظى عليك رظى يخليك بثم الناس سكرة وفى عينهم عنبرة، اليرظى عليك رظى يحبب فيك ايمن شاف وايمن أراك وإذا غضب الوالد قال:
- الله يغظب عليك غظب يشقيك ويبكيك، ويبغظ كل أمة محمد فيك، ويعرف الأولاد أن دعاء الوالدين مستجاب.
إن تعليمات أب لابنه هي لمساعدته على التكيف مع الحياة، أما ذهابه لكتاب فهو ليتفقه في أمور دينه وليتمكن من قراءة كلام الله في كتابه العزيز، وليعرف كيف يفك المكتوب ويتعلم مبادئ الحساب.
لقد كان الكتاب الذي تعلم فيه الكاتب الحالي، في أواخر الأربعينات من هذا القرن الماضي، عبارة عن بيت سكن لأسرة عادية تضم الوالدين وخمس فتيات، وابنا واحدا كان الشيخ المعلم رجلا في الخمسين من عمره اعتاد أن يرتدى زي الفلاحين ويجلس على جراحة أو" جاعد " في صدر البيت المفروش بالحصر، والذي جلس فيه الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة على هيئة حلقة كبيرة مربعة الشكل وعندما يأتي الطفل إلى المدرسة فانه يجلس إلى يسار الشيخ ليكون محط عنايته باعتباره يخطو خواتطه الأولى في التعليم، أما على يمين الشيخ فيجلس الطالب الذي حان تخرجه وكان اليوم الدراسي يبدأ بالصلاة على النبي التي تتخذ شكل نشيد لا يعلمه الشيخ للطالب الجديد بل عليه أن يستمع لما يقوله الآخرون ويحفظ النص بمرور الزمن، ويقول مطلع النشيد: - ( اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كمال الله وكما يليق بكماله ) وكذلك ينتهي اليوم الدراسي بهذا النشيد أيضا، ولم يكن الشيخ او الخطيب كما كانوا يسمونه، ليعلم الأولاد، بل كان الكبار يعلمون الصغار وكان الشيخ يعالج الحالات الخاصة ويوجه الطلاب الكبار ويمارس دوره البارز في معاقبة المذنبين إذ كانت قدما المذنب تربطان بالفلقة ويجلد الشيخ راحتي القدمين دون رحمة .
وتذكر الدكتورة جرانكفيست أن أجور شيخ الكتاب في ارطاس كانت " عشرة قروش عن كل طفل " " نصف قرش كل يوم خميس عن كل طفل لتأمين رحلة الشيخ إلى القدس لرؤية أهله ".
" هدايا خاصة في رمضان.
" هدية خاصة عند انتهاء كل جزء من أجزاء القرآن فمثلاً جزء عم عليه ديك مسمى "
" هدايا إضافية ممن يرغبون ان يعتني الشيخ بأبنائهم عناية خاصة ".
ويركز الشيخ الكتاب في تعليمه للصغار على تعليمهم حروف الكتابة وهو يقول ان مهمته الأساسية هي أن " يمسك الولد الحرف " وتتم العملية بإجبار الولد على استظهار الحروف وحركاتها وحفظ صورها المكتوبة ويبدأ الأولى بحفظ الحروف الهجائية هكذا:
- اليف ( أ )، با (ب)، تا (ت )، ثا (ث).. الخ
- ثم يحفظ الحروف ضمن مقطوعة شبه غنائية تحدد الحرف والنقط.. وهكذا..
- اليف لا شن عليه ( الالف لا شىء عليه )
- البا وحدة من تحت ( الباء لها نقطة تحتها )
- التا ثنتين من فوق ( التاء لها نقطة فوق )
- الثا ثلاث من فوق ( الثا لها ثلاث نقط فوقها )
- الجيم وحده من تحت ( الجيم له نقطة تحته )
- الحاء لا شئ عليها ( الحاء لا شئ عليها)
وبعد ذلك يحفظ الولد الحروف مع الحركات التي يسميها شيخ الكتاب - النصبة ( الفتحة ) الرفعة ( الضمة ) الخفظة ( الكسرة ) الجزمة ( السكون)
ومن أهم ما يعتني به شيخ الكتاب هو تعليم الصغار مبادئ الدين، الأخلاق، النظافة، القرآن، والصلاة ويروى لهم قصص التهذيب والحكايات ذات الطابع الديني. ويعلم الشيخ تلاميذه " الهندي " أي مبادئ الحساب من جمع وطرح وضرب واغلب مشايخ الكتاب لا يعرفون من الحساب غير كتابة الأرقام الهندية وعملية الجمع البسيطة وكذلك الإسقاط ( أي الطرح ) .
يحمل الطفل معه إلى كتاب القرية كيسا صغيرا مربع الشكل مربوطا من طرفيه بحزام رفيع ليعلق الطفل الكيس في رقبته أو كتفه ويحوى هذا الكيس في العادة المصحف أو أجزاء منه، كما يحمل الولد " طلاحى ورق " أو دفاتر، أما أداة الكتابة فكانت قاماً من البوص يغمس في نوع من الحبر البدائي، ويتألف هذا الحبر من سناج القدور المحلول بالماء.
وكان الأطفال يستعملون ألواحا صغيرة مكتوب عليها بقلم حجر " ويمحى ما يكب بقطعة قماش جافة او مبلولة ". ومن الجدير بالذكر إن التعليم في الكتابة يعتمد على حفظ القرآن وأشعار والاستظهار عموماً، وهو يعتمد بدرجة أقل على الكتابة، والمحور الأساسي في التعليم هو استظهار القرآن وقراءته من المصحف، وليس أدل على ذلك من أن مرتحل تعليم الولد في الكتاب تنتهي بختم القرآن الكريم وعندما يسأل الطفل في الكتاب.
- وين صرت يا مقري ؟ أين وصلت في القراءة يا قارئ القرآن فانه يقول:
- صرت عند جزء عم، جزء تبارك، أو جزء ياسين … الخ.
يبدأ الولد أولى مراحل احتكاكه بوسائل الإنتاج في وقت مبكر، ويتوقف ذلك على حاجة الناس، وضرورة عمل أبنائها ففي سكن مبكر، ومن أهم وابرز الأعمال المنتجة في القرية هي الزراعة، ويبدأ الفتى بممارسة العمل الزراعي عندما يعمل " قطروز " أي مساعداً للحراث، وفى هذه الحالة يتوجب عليه أن يحضر الطعام للحراثين ويهيئ بهم الماء ومن مهامه أن يتمرن على أعمال الحراث بأشراف الحراث وذلك في الأوقات التي يتوقف فيها الحراث عن العمل ليتناول الطعام أو التدخين أو يجلس للحصول على قسط من الراحة.
وهناك أيضا قطروز البيدر الذي يتناوب العمل مع الحراث على البيدر ويتعلم منه المهنة وهى دراسة القش " وهكذا يتعلم القطروز أعمال الحراثة وبذر الحب " ودراسته " وخزن المحصول وبعد عدة سنوات وعندما يشتد ساعده ويتعلم المهنة يمكن أن يرقى إلى مرتبة حراث.
تعليم البنات: أما البنات فلم تكن لتتاح لهن الفرصة للتعلم في المدرسة إلا على نطاق ضيق جداً ويقتصر تعليم البنت على تلقى القيم والمعارف التي تلقنها إياها أمها وجاراتها وحماتها كما أن دائرة احتكاك البنت والمرأة عموماً بالمجتمع هي دائرة محدودة إذا ما قورنت بدائرة اتصالات الرجل، وهكذا فان الرجل في القرية يظل بالنسبة للمرأة يتمتع بتقدم فكرى ملموس، وقد لاحظت الدكتورة جرانكفيست هذا التقدم في ناحتين.
- الأولى: لاحظت فيها كيف أن النساء في القرية أصرت على أن تذبح الأضحية على عتبة البيت وذلك لتكون فداء لروح بشرية - بينما الرجال لم يهتموا لذلك الأمر.
- الثانية: كيف أن النساء كن يلطمن وجوههن ويندبن ويبكن عند الوفاة، بينما يقوم الرجل بتصفية مثل هذه الأعمال وتحذيرهن من عذاب الله ونظراً لهذا الفارق فقد اعتاد الرجال أن يصفوا النساء بأنهن ناقصات عقل ودين.
وفى أوائل هذا القرن، كان هناك عدد قليل جدا من البنات اللواتي يسمح لهن بالذهاب ألي الكتاب أو المدرسة الرسمية ، وكان هناك بعض المتنور ينادين يسمحون للبنات بقراءة القرآن، ولكنه كان ينظر لمسألة تعلم البنت للقراءة والكتابة على أنها نوع من تلويث سمعة البنت لان ذلك سيمكنها من أن تراسل الآخرين وتحجب الشباب وتكاتبهم مما كان ينظر إليه على انه أمر معيب، وكان يتركز الاهتمام بتعليم الفتيات اشغال الإبر والتطريز وفى أفضل الحالات كانت هناك معلمة أنثى تساعد الإناث على تعلم القرآن.
وتروى لنا جرانكفيست هذه الواقعة عن تعليم البنات في مدرسة حكومية في مدينة حيفا. ( أخبرنى معلم أنه إذا جاء المفتش بزيارة إلى المدرسة ( مدرسة اناث ) فالطالبات والمعلمات يقمن بتغية وجوههن قبل أن يدخل المفتش، وقد سألت الطالبات عن رأيهن بغطاء الوجه فعبرن عن الأسف لأنهم أصبحن أسيرات الغطاء.
الداخلية والخارجية وسقفه وسطحه، ومن الجدير بالذكر أن رصف ارض البيت ومدها بطبقة من الكلس والتراب، وكذلك تطيين الجدران أو تكليسها، ومد سطح البيت بطبقة من الكلس والتراب تدخل ضمن دائرة أعمال المرأة لا الرجل، وتبحث المرأة عن التراب الجيرى المناسب لعمل طبقة تغطى الجدران الداخلية وتحميها من الأمطار كما أن المرأة تصنع من هذا التراب أشكالا من المواقد حيث تشعل النار لتسخين الماء وطهى الطعام، ويدخل أيضا في دائرة أعمال المرأة والتي تتعلمها الفتاة اليافعة عن طريق الأم وسائل صناعة ( قحف ) الطابون ومده بكسر من الفخار أو الحجارة المكعبة، وكذلك بالوقود الذي يتكون من الحطب أو من روث الحيوانات المجفف، ومن الأعمال التي تتعلمها البنت عن طريق الأم، التحطيب، وجلب الماء، للبيت وجمع وقود الطابون التنظيف الدجاج، وتعلم الأم ابنتها صناعة أطباق القش، وأدوات أخرى من القش لحفظ الخبز والطحين والحبوب والثمار المجففة، وذلك تلقنها مبادئ الخياطة اليدوية والتطريز وصنع عدد من الزخارف مثل المكاحل وأغطية أواني، ومن أهم ما يجب أن تتعلمه البنت هو ( خبز ) العجين في الطابون.
وبالطبع، يجب ألا نفترض إن كل هذه الخبرات والمعارف يمكن أن تتوفر في جميع فتيات القرية، فالفتيات يتفاوتن في اكتساب الخبرات، والبنت التي تبرز في تعلم مثل هذه الأمور تسمى ( معدلة أو معدلة الديات ) ويقال ( فلانة كل إصبع عدلة ) أي أنها ماهرة وخبيرة بشؤون البيت من طبخ وتنظيف وصيانة للبيت وأثاثه.
وفى الوسط الشعبي، نرى الناس يفضلون الفتاة المؤدبة الحكيمة العاقلة الماهرة على الفتاة الجميلة، وهم يستشهدون في هذا المجال ببيت الشعر من أشعار ( تغريبة بنى هلال )
الزين يا عليا خظاب وينجلى
والعقل يا عليا خيار البظايع
فالعقل افضل من ( الزين- الجمال ) ذلك لان الجمال يشبه الخضاب بالحنا و الذي يزول يوما ما، ولكن العقل لا يزول مع الزمن بل يزداد رجاحة، ويسخر الناس من المرأة الجميلة ( البيضاء ) التي تكون قليلة الحكمة والخبرة فيقولون:
- خذها بيظا وجنونة
ومن أهم المهام التي يتوجب على الأم أن تعلمها لابنتها مسألة الحفاظ على العرض، والذي يتحدثون عنه تحت اسم ( الشرف ) ويقولون عن الفتاة التي تتجنب الرجال تماما بأنها فتاة شريفة، ويعطون أهمية لا حد لها لشرف البنت والذي يمكن أن يتلوث بمجرد إشاعة كاذبة أو ما شابه ذلك عن احتكاك بين الفتاة والرجال.
وتنصح الأم ابنتها بان لا تضحك في حضرة الرجال لان ذلك يعتبر إشارة منها للرغبة في اللهو وفى الأقوال المأثورة:
- ان ظحكت وبين نابها الحقها ولا تهابها
وتعلم الام ابنتها إلا تلتفت ذات اليمين وذات الشمال، إذا سارت بل عليها أن تمشى ( سربسط ) وإذا ما حاول شاب أن يلفت انتباهها إليه بحك حذائه بالطريق أو بالنحنحة أو بالكلام الطائش فعليها إلا تنساق وراء تلك الإغراءات فان ذلك اختبار لها ومن الأمور التي تعيب الفتاة الإكثار من الطواف خارج البيت والتأخر عن موعد العودة إلى بيتها، فالبنت يجب إلا تتأخر عن البيت بعد أن ينام ( الدجاج ).
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007