بقلم: زياد أبو شاويش
أصبح بحكم المؤكد انعقاد مؤتمر أنا بولس الأمريكي أواخر هذا الشهر بمشاركة عربية وازنة خصوصاً ما يطلق عليه محور الاعتدال، والرباعية الدولية، كما تتوارد أنباء عن مشاركة سورية كان شرطها حتى اللحظة إدراج قضية احتلال الجولان على جدول أعمال المؤتمر.
إن ما يلفت الانتباه حول حسم موضوع عقد المؤتمر في هذا التاريخ هو أنه لا وثيقة مشتركة حتى الآن متفق عليها بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي يزيد من مخاوف الفلسطينيين بأنهم ذاهبون لطبخة بحص وحملة علاقات عامة أمريكية إسرائيلية تستهدف أساساً مصلحة الطرفين بعيداً عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
لعله من المفيد التطرق لاستهدافات المؤتمرين والجهة الداعية لفهم حقيقة ما يجري والنشاط المحموم للإدارة الأمريكية لإنجاح المؤتمر ولو شكلياً. في هذا الإطار وبغض النظر عن قرب انتهاء ولاية بوش الابن وأهمية الرغبة الشخصية في ترك المنصب بإنجاز يسجله له التاريخ في أعقد وأخطر صراع يجري منذ قرن فان السياسة الأمريكية ومصلحة الإدارة الحالية والديمقراطية إن تغيرت هي في إيجاد ظروف أكثر ملاءمة لتنفيذ المشروع الأمريكي لهذه المنطقة الحيوية عبر الانتهاء من الملف الأكثر إحراجاً لها والمتسبب في إيذاء سمعتها وعرقلة مساعيها بالخصوص، كما أن استمرار المعركة في العراق وآفاق الأزمة النووية الإيرانية يدفعان هذه الإدارة للتفرغ لهما ولن يتأتى ذلك إلا بطي صفحة المعضلة الفلسطينية أو أقله تبريد الملف الفلسطيني وتحرير الحلفاء العرب من تبعاته.
وفي الجانب الإسرائيلي فان حكومة أولمرت الضعيفة والمنقسمة بشأن هذا الملف تجد أن هناك فرصة لتسوية تاريخية مربحة في ظل الانقسام الحاد على الساحة الفلسطينية والخيبة الواضحة لدى الشعب الفلسطيني من قيادته بشقيها ورغبته بالتخلص منها حتى لو كان هذا بعودة الاحتلال. كما أن الفرصة مواتية لتطبيع مجاني مع العرب في ظل الانقسام والتخبط الذي يسود المنطقة العربية تجاه جملة من العناوين ليس أعقدها انتخابات الرئاسة اللبنانية، وفي ظل اختلاف الرؤى تجاه الملف النووي الإيراني والخوف السائد في منطقة الخليج تجاه ذلك.
وفي الجانب الفلسطيني وبرغم الإنهاك البادي عليه جراء الصراع الدامي بين "فتح" و"حماس" وغياب الوحدة الوطنية فان القيادة الرسمية وحكومتها برام الله ترى في هذا اللقاء ومظلته الأمريكية فرصة للحصول على بعض المكاسب أقلها في الجانب الإعلامي، مع طموح لكسب مقبول شعبياً على صعيد قضايا الحل النهائي وخصوصاً اللاجئين والقدس وغيرها.
إذن نحن أمام لوحة لجدول مصالح الأطراف الرئيسية الفاعلة في هذا المؤتمر وهي ربما توضح أيضاً مصالح واستهدافات أطراف أخرى مشاركة سواء كانت عربية أو دولية.
في ضوء ما تقدم ما هي آفاق نجاح المؤتمر؟ ثم هل هناك حقاً فرصة تاريخية لحل شامل ومقبول للمشكلة الفلسطينية يوقف الصراع أو يجمده لسنوات طويلة قادمة؟
في كل الأحوال هناك أخبار يتم تسريبها بأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد عقدا اتفاقات متنوعة تجاه قضايا اللباب حسب التعبير الصهيوني وقضايا الحل النهائي أو الثوابت الوطنية كما يسميها الطرف الفلسطيني. ورغم فشل اللقاء الأخير بين أولمرت وعباس في الوصول لصيغة إعلان مبادىء يتم ترسيمه في أنابولس إلا أن العارفين ببواطن الأمور يزعمون بأن ما نراه من الحراك هو فقط قمة الهرم وأن الأمور أضحت ناضجة لخطوة دراماتيكية مفاجئة تحيي آمال المنطقة في حل سلمي يجنبها صراعاً دامياً وحروباً لن تتوقف طالما بقيت المشكلة قائمة.
وفي المقابل فان جملة من الوقائع والمواقف تناقض هذا الزعم وتقول بعكس ما يبدو من تفاؤل البعض ومضمون هذه التسريبات. لعله من المهم الآن وضع كل المعطيات ضمن جدول واضح للوصول لاستنتاجات أقرب ما تكون للدقة فيما يتعلق بالإجابة على السؤالين المطروحين آنفاً.
يستند المتفائلون على جملة معطيات تعزز رؤيتهم لمستقبل الحل وتتمثل للاختصار فيما يلي:
أولاً: الإعلان الإسرائيلي على لسان رئيس الوزراء بوقف الاستيطان وإزالة ما أسماه المستوطنات غير الشرعية، وهذا الإجراء كان الاستجابة الهامة للطلب الأكثر إلحاحاً من الجانب الفلسطيني الذي كان يرهن أي تقدم أو نجاح لوقف الاستيطان، وهي خطوة إسرائيلية ذكية وذات مغزى لا ضرورة لشرحها في هذا المقال.
ثانياً: الإفراج بدون شروط عن مجموعة لا تتجاوز 450 أسيراً فلسطينياً كبادرة حسن نية قبل بدء أعمال المؤتمر مع تخفيف بعض الإجراءات على طرقات الضفة المحتلة.
ثالثاً: الحديث المتواتر عن وجود صفقة سياسية تعالج قضايا الحل النهائي الشائكة والمعقدة تلحظ مصلحة الطرفين ولا تضعهما في تناقض صارخ مع جماهير شعبيهما.
رابعاً: الجدية الأمريكية في ملاحقة الحل على هذه الجبهة لضرورات الأمن القومي الأمريكي والمصلحة المنوه عنها سابقاً والتي تتطلب التفرغ لملفي إيران والعراق.
خامساً: التحركات العربية الموحية بالتفاؤل وخصوصاً من أطراف المعتدلين والتصريحات الصادرة عن مرجعياتهم بالخصوص، وقد لاحظنا في هذا المجال الاختلاف البين بين تصريحات أبو الغيط وزير خارجية مصر السابقة والتي أبدى فيها رغبته بتأجيل انعقاد المؤتمر طالما افتقد للجدية وللنتائج المتوقعة، وبين تصريحاته قبل يومين حول تفاؤله بنتائج طيبة وبرغبة مصرية في حضور كل الأطراف بما فيها سوريا وطرح موضوعة الجولان.
سادساً: الحاجة الإسرائيلية لمثل هذا الحل في الوقت الراهن خصوصاً بالربط مع المشكلة النووية الإيرانية والأخطار المترتبة على أي حرب تنشب في المنطقة جراء ذلك، كما يشير لهذا التوجه الإسرائيلي الانسحاب من قطاع غزة والذي أنتج بالمحصلة الانفصال المجاني بين الضفة والقطاع وهو الهدف الذي سعى إليه شارون وليبرمان رجلا التطرف في الدولة العبرية.
كما أن الحل على الجبهة الفلسطينية سيجعل الانتهاء من قضية الجولان والصراع مع سوريا أسهل وأيسر طالما كانت الحلول تجري منفردة على الجبهات العربية.
هذه هي أهم المؤشرات والمعطيات التي تعزز رؤية الحالمين بالسلام العادل أو الشامل الذي سينتجه مؤتمر أنا بولس وبنجاحه حسب توقعهم، وهي مؤشرات لا تشي باستنتاج مماثل على صعيد انتهاء الصراع أو تجميده طويلاً بحل نهائي للمشكلة الفلسطينية.
وفي المقابل ولاكتمال اللوحة للوصول لاستنتاج قريب من الحقيقة فيما يخص الإجابة عن السؤالين نورد رؤية المتشائمين المستندة لشؤم الوقائع والمواقف على النحو التالي:
أولاً: فشل اللقاء الأخير بين الطرفين المتنازعين في الوصول لوثيقة إعلان مبادئ للحل النهائي ليتم ترسيمها في المؤتمر وهو ما يشير لخلافات جدية وعميقة بين الطرفين لم تنجح كل اللقاءات على كثرتها والتدخل الأمريكي النشط من أجل إنجاحها.
ثانياً: فشل الاتفاق على جدول زمني للمفاوضات حول قضايا الحل النهائي مما يشير لمراوغة إسرائيلية تستهدف الضغط على الطرف الفلسطيني لتقديم مزيد من التنازلات شبه المستحيلة بعد كل التنازلات الصعبة والمحرجة التي قدمها المفاوض الفلسطيني تجاه الحقوق الفلسطينية.
ثالثاً: إذا كان الاتفاق على جدول زمني أقله عام كامل للمفاوضات حسب تصريحات الرئيس المصري في لقائه أولمرت بشرم الشيخ على هذه الدرجة من الصعوبة والتعقيد فما بالك بجدول تطبيق أي صيغة لحل المعضلات الحساسة والمعقدة كاللاجئين والقدس والحدود والأرض والمستوطنات القائمة وغيرها، إن هذا يعني أن جيلاً كاملاً سينقرض قبل الوصول لنهايات مقبولة لهذه الجداول ويجعل من الأمر معادلة غير قابلة للحل في المدى المنظور.
رابعاً: إذا كان للطرف الفلسطيني أن يقدم تنازلاً اثر تنازل من أجل تسهيل مهمة الحكومة الإسرائيلية لتسويق الاتفاقات حول قضايا اللباب فان حجم هذه التنازلات لا تفي بالغرض، لان الحد الأقصى لهذه التنازلات لا تتوافق مع الحد الأدنى للمطالب الإسرائيلية للقبول بالحل، وهذا جوهر الموضوع ولب المشكلة، ولا تملك حكومة كالموجودة حالياً القوة والشجاعة الكافية للقبول بحل يقدم الطرف الفلسطيني مهزوماً ولكن بكرامة، ولا يملك الطرف الفلسطيني والرئيس عباس القدرة ولا المنعة ولا الرغبة أيضاً في تقديم تنازلات رفضها الرئيس الراحل ياسر عرفات.
خامساً: إن كل ما تقدم فيما يخص الايجابيات باتجاه التفاؤل تتعلق بالشكليات باستثناء وقف الاستيطان وهو القرار الذي تلغيه أي جلسة لمجلس الوزراء بالتصويت، أو في ظل انتخابات مبكرة وتغير الحكومة الحالية وهو ما درجت عليه إسرائيل في تعاملها مع الطرف الفلسطيني، ولم تبق اتفاقيات أو تفاهمات احترمتها إسرائيل فلماذا هذه ستحترم وهي الموضوع الشائك والمختلف عليه في دولة يهود، وفي ظل معتقدات توراتية لا توفر حتى اليسار الإسرائيلي.
سادساً: إن الشرط الإسرائيلي بالاعتراف بيهودية الدولة من أجل الوصول لحلول واتفاقات تساعد على إنشاء الدولة الفلسطينية الموعودة وان كان شرطاً تكتيكياً سيخلق تعقيدات وآليات كبح للطرف الإسرائيلي المفاوض وسيجعل قدرته على المناورة باتجاه تقديم بعض التنازلات صعبة ومعقدة، ومترافقاً مع قرار في الكنيست الإسرائيلي بتشريع أي اتفاق بالثلثين يكون الطرف الصهيوني قد وضع كل العراقيل اللازمة لإفشال المؤتمر أو بالأحرى لإفشال الوصول لأي اتفاق نهائي أو حتى مرحلي يتعلق بقضايا الحل النهائي.
سابعاً: انه وبرغم الاهتمام العربي بنجاح المؤتمر والسعي لإيجاد تنسيق بين الأطراف المشاركة باتجاه دعم الحقوق والمطالب الفلسطينية فان هذه الأطراف لا تملك أوراق ضغط كافية على الطرف الأمريكي ولا الإسرائيلي من أجل تقديم حلول معقولة ومقبولة من الطرف الفلسطيني وهي في معظمها مشدودة باتجاه المشكلة الإيرانية وملفها النووي لمنع وقوع الحرب، وبالتالي يضاف لاختلال موازين القوى المؤدية لحل منصف للمشكلة الفلسطينية غياب التضامن العربي وأوراق الضغط العربية من أجل حمل الإسرائيليين والأمريكيين على القبول ببعض الطروحات العربية بخصوص الحل الشامل والمبادرة العربية بالخصوص.
وفي ضوء ما تقدم وبمقارنة سريعة سنجد أن كفة التشاؤم هي الأرجح وتقدم استنتاجاً واضحاً حول إمكانية نجاح المؤتمر ونسبة هذا النجاح الضئيلة، مع فشل ذريع في قضايا جوهرية لا يمكن الاتفاق النهائي بدونها، ولا يمكن الحديث عن تجميد الصراع أو تهدئته دون التوصل فيها لقواسم يرتضيها الطرفان. إذن ما هي الصورة المتوقعة للمنطقة بعد المؤتمر وباتجاه الإجابة على السؤالين كما أسلفنا؟ يمكننا القول أن التهدئة حاصلة بسبب الانقسام الفلسطيني على كل الأصعدة وحالة الضعف العربي ومعضلاته شرقاً وغرباً، لكن الحل المأمول أمريكياً وإسرائيلياً وحتى فلسطينياً ليس له مرتكزات في الوقت الراهن والصراع سيستمر بوتائر أعلى في المستقبل القريب، برغم مؤشرات نجاح ما لمؤتمر أنابولس لكن ليس بتحقيق الاستهدافات التي تطرقنا لها في مطلع مقالنا بل باتجاه توحيد جبهة التصدي للطموح الإيراني في المنطقة وتمهيد الطريق أمام إنجازات أمريكية بالخصوص وفي الملف العراقي، أما الفلسطينيين فليس أمامهم سوى توحيد صفوفهم وإعادة النظر في كل تكتيكاتهم السابقة مع أهمية التنسيق مع دول الطوق وخصوصاً سوريا ولبنان، مع إبقاء الروابط قوية مع مصر والسعودية والأردن.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007