الغيداء/ اسلام الأسطل
منذ سنوات مضت فُجع المجتمع الفلسطيني،وتحديداً مدينةُ رفح، بجريمة قتلٍ راح ضحيتها طفلٌ لم يتجاوز العامين من عمره؛ بعدما أقدم والده ،وبعد تخطيطٍ مسبقٍ، على ذبحه وفصل رأسه عن جسده، وحينما سُئِل عن السبب قال إنه "يشك في نسب الطفل له".
لقد راح الطفل ضحيةَ شكوكٍ وظنون، وسُجن الأب لعدة سنوات ثم خرج ليواصل حياته الطبيعية؛ وكأن شيئاً لم يكنْ، فيما رحل الطفل إلى الأبد؛ دون أن يعرف السبب الذي جاء من أجله للحياة؛ أو فيم قُتل!.
ومنذ حوالي شهر؛ أقدم أبٌ على قتل ابنته في مدينة جباليا شمال قطاع غزة، بعد أن سمعها تتحدث عبر الهاتف النقال. لم يسألها، ولم يُمهلها، ولم يعطها وقتاً لتدافع عن نفسها، وعن حقها في الحياة. انقضّ عليها مستخدماً أداةً حديديةً أخذ يضربها بها، لم توقفه توسلاتُها ولا صراخُها، استمر بضربها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
ولا تُعد هذه الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة من نوعها، في ظلّ ذكورية القانون والمجتمع، فوفقاً لتقاليد مجتمعيةٍ بحتةٍ بعيدةٍ كلّ البعد عن الشريعة الإسلامية تُقتل المرأةُ ويُستباح حقها في الحياة، لمجرد أن هنالك من الرجال المحيطين بها من قرروا ذلك، وفي كل الأحوال؛ يستفيد الجاني من العذر المخفّف، وبهذه الجريمة يرتفع عدد ضحايا القتل على خلفية ما يسمى بـ "شرف العائلة" منذ بداية العام2009 (حسب "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان") إلى 9 قتلى بينهم 6 نساء ورجلان وطفل.
وقد أعرب "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" عن قلقه من تكرار جرائم قتل النساء في الأراضي الفلسطينية على خلفية ما يُسمى بـ "شرف العائلة" وذلك بسبب الحصانة الممنوحة للقتلة، من خلال إصدار أحكامٍ مخففةٍ بحق مقترفي هذه الجرائم، حيث لا تتجاوز العقوبة القصوى الثلاث سنوات مدنية (أي ما يقارب 24 شهراً) مطالباً باتخاذ عقوبات رادعة بحق مرتكبي الجرائم على خلفية (قضايا الشرف) والتعامل معها كجريمة قتل عمد، مع مراعاة أحكام القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، علماً أنه كثيراً ما يتبين وجود تستر وراء أمثال هذه الجرائم للاستفادة من العذر المخفف للأحكام.
قانون جائر
وقد استنكر الشيخ "إحسان عاشور" (مفتي مدينة خان يونس) استمرار قتل النساء تحت ادعاء "الدفاع عن شرف العائلة" مؤكداً أن "إقامة الحدود الشرعية ليست من شأن الأب أو الأخ أو أيٍ من الأقرباء، وإنما هو بيد ولي الأمر، ولا يجوز مطلقاً إقامة الحدود وفق الهوى، فحدّ الزنا ،بحسب الشيخ عاشور، يحتاج إثباته لأربعة شهود، يأخذ القاضي شهادتهم كلاً على حدة، وإذا ما اختلفت رواياتهم يُقام على أربعتهم حدّ القذف" لافتا إلى أن "..ما يمارسُ اليوم من تقتيلٍ للنساء ليس أكثر من تحكيم للعادات والتقاليد، بعيداً كلّ البعد عما دعت إليه الشريعة الإسلامية.." مشدداً على أن "..قتل الفتاة البكر التي ترتكب جريمة الزنا لا يجوز شرعاً، فمن ناحية؛ فالأمر بحاجة لشهادة شهود وأدلة وبراهين، ومن ناحيةٍ أخرى لا يجوز أن يُقام الحدّ بيد المواطنين، علاوةً على أن الحدّ الشرعي لجريمة الزنا للبكر هو ثمانون جلدة..".
وأوضح الشيخ "عاشور" أن "..ظهور علامات على الفتاة،كالحمل مثلاً، لا يُعتبر دليلاً قطعياً على ارتكابها الخطيئة، وإنما يُستخدم في القضاء كدليلٍ استئناسيّ..".
وأكد "عاشور" أن "..الأهل الذين يُقدمون على قتل بناتهم يخالفون الحدود الشرعية، ويلتزمون بالعادات والتقاليد البالية، تعاطياً مع ما يُسمى الثأر للشرف والكرامة". ووصف "عاشور" العرف بأنه "جائرٌ وظالمٌ للمرأة، فهو يُجرّمها ويُعاقبها لمجرد الشبهة، ولكنه لا يفكر بمعاقبة الرجل إذا اخطأ وثبتت خطيئته..".
وتساءل "عاشور" عن الفرق بين ارتكاب المرأة الخطيئة وارتكاب الرجل لها؟ داعياً إلى "المساواة في إقامة الحدود الشرعية بين الرجل والمرأة، مع ضرورة مراعاة الدلائل التي لا تقبل الشك، وهي وجود أربعة شهود، أو الإقرار..".
مشيراً إلى أنه "طوال التاريخ الإسلامي لم نشهد أية حادثة من هذا النوع؛ توفر فيها وجود أربعة شهود على جريمة الزنا.. مما يؤكد أن الإسلام حينما وضع هذا الشرط كان بهدف الحفاظ على الأسرة المسلمة وستر أعراض المسلمين..".
وانتقد الشيخ عاشور قانون العقوبات المطبّق في الأراضي الفلسطينية، والذي يُعطي القاتل على خلفية ما يسمى بـ (الشرف) عُذراً مُخففا، ووصفه بـ "القانون الظالم" الذي يُتيح المجال لاستمرار قتل النساء. مطالباً بـ "العمل على تغيير هذا القانون".
وتنصّ المادة (18) من قانون العقوبات على أنه "يجوز قبول المعذرة في ارتكاب فعلٍ أو تركٍ يُعتبر إتيانه جُرماً لولا وجود تلك المعذرة إذا كان في وسع الشخص المتهم أن يُثبت بأنه ارتكب ذلك الفعل أو الترك درءاً لنتائج لم يكُن في الوسع اجتنابها بغير ذلك، والتي لو حصلت لألحقت أذىً أو ضرراً بليغاً به أو بشرفه أو ماله أو بنفس أو شرف أشخاص آخرين ممن هو ملزمٌ بحمايتهم، أو بمالٍ موضوعٍ في عهدته. ويشترط في ذلك ألا يكون قد فعل أثناء ارتكابه الفعل أو الترك إلا ما هو ضروري، ضمن دائرة المعقول، لتحقيق تلك الغاية، وأن يكون الضرر الناجم عن فعله أو تركه متناسباً مع الضرر الذي تجنبه".
قتل بإصرار وترصد
وهو ما اعتبره "بكر التركماني" (المحامي في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحلّ النزاعات) عُذراً لا يتوفر في أيٍ من الجرائم التي ارتُكبت بداعي الدفاع عن الشرف، إذ أنها، وفي مجملها، تُرتكب عن سبق إصرارٍ وترصّد، ولا يتوفر فيها عنصر المفاجأة. موضحاً أن "الأحكام المخفّفة التي تصدر بحق القتلة على خلفية ما يسمى بالدفاع عن شرف العائلة تستند إلى السوابق القضائية المطبقة، باعتباره ثأراً لشرف العائلة..".
وقال: "..اليوم أصبحت الجريمة بحدّ ذاتها عنصراً مخفِفاً إذا ما أثبت أنه ارتكب جريمته غسلا للعار". وبحسب "التركماني" فـ "..إثبات الأمر لا يُعتبر صعباً، فبمجرد إحضار بعض الشهود بأن المغدورة كانت سيئة السلوك؛ كفيلٌ بأن يفيد القاتل من العذر المخفّف".
واعتبر "التركماني" أن "..الخروج من مأزق تكرار الجرائم بداعي الشرف بحاجة إلى تغيير القانون المطبّق في قطاع غزة، والذي يعود للعام 36، وإقرار مشروع قانون العقوبات الجديد، مع ضرورة إضافة مادة تنصّ على: "لا يتم اعتبار القتل على ما يسمى خلفية الشرف عُذرا مخففاً لعقوبة القتل". موضحاً أن "..هذه الإضافة هي ما تطالب به مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية". لافتاً إلى أن: "..الانقسام والتجاذبات السياسية جعلت من إمكانية إقرار قانون العقوبات الجديد أمراً مستحيلاً في الوقت الحالي.." مُعتبراً أن "..الأمر بحاجةٍ إلى مصالحةٍ وطنيةٍ شاملةٍ تُسهم في إقرار مجموعة من القوانين العالقة..".
ولفت "التركماني" النظر إلى أن: "..التحقيقات في جرائم أُلصقت بها صفة "الدفاع عن الشرف" أثبتت براءة الشرف منها، وتورّط أسباب أخرى كالميراث والمشاكل العائلية". وهذا ما أكده "إسلام شهوان" (الناطق باسم الشرطة في الحكومة المقالة) مشيراً إلى "انتحال القتلة صفة الدفاع عن الشرف لارتكاب جرائمهم والاستفادة من القوانين المطبقة". وأوضح "شهوان" أن "الشرطة رفعت توصياتها للنائب العام للعمل على تشديد الإحكام المطبّقة في مثل هذه القضايا".
لا لتبرئة قتلة النساء
وقد أكد الدكتور "حسن الجوجو" (رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة) رفضه المطلق لاستغلال النصّ القانوني لتبرئة قتلة النساء على خلفية ما يسمى بـ "شرف العائلة" مشدداً على "ضرورة ألا يؤخذ القانون باليد.." مستشهداً بحديثٍ عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إذ جاءه صحابيٌ وأخبره بأن زوجته زانية، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (اذهب لها واسألها، فإن اعترفت فأقم عليها الحدّ) ولفت "الجوجو" إلى "..ضرورة التوجّه للقضاء في مثل هذه الحوادث؛ حتى لا يُستغل الشرف لارتكاب جرائم لا علاقة لها به". وقال "..لست مع أن يُعطى العذرُ المخفّفُ للزوج إذا ما قتل زوجته بدعوى الدفاع عن الشرف..". وتساءل: "..هل إذا ما أعطيناه للزوج نعطيه للزوجة؟!".
ودعا "الجوجو" إلى أن تُحال الأمورُ إلى أصحابها، وأن تُعطى للقضاة سلطة تقدير الأمور. داعياً القضاة إلى "التعامل مع كلّ حالةٍ بشكلٍ مستقلٍ وفقا لملابساتها وظروفها، دون النظر إلى سابقاتها من القضايا. وقد تصاعدت وتيرةُ قتل النساء بمبررات ودواعي "الدفاع عن شرف العائلة" خلال العام الحالي، وكان آخرها قتلُ إحدى الفتيات على يد والدها بتهمة التحدث عبر الهاتف النقال..!
وكأنما عُدنا آلاف السنين إلى الوراء، حيث وأدُ البنات خشية جلبهن العار. قتلها ليغسل عاراً لا وجود له، وهل لو كان ابنه الذكر هو من يتحدث عبر الهاتف مع فتاة، فهل كان سيقتله؟! أو كان سيجرّم فعله؟! أو يؤنبه؛ في أسوأ الأحوال؟! وكأن الشرف ارتبط بالمرأة وحدها، فهي من تجلب العار، وهي وحدها المطالبة بالحفاظ على شرف العائلة ،المزعوم، وهي وحدها من يجب أن تُقتل بكل قسوة وفق تقاليد المجتمع البالية إذا ما أخطأت، وإذا لم تخطئ وظنّ بها من حولها الظنون فالقانون الاجتماعي يعاقب المرأة، فهي ،وفقاً لهذا القانون، خطيئةٌ تمشي على الأرض، وفي أية لحظة يمكن أن تصبح تحت التراب، وعارٌ دائمٌ يلتصق بقبرها.
ويبدو أن الرجال الذين يُقدمون على قتل النساء تحت ادعاء الحفاظ على الشرف مدركون تماماً لذكورية القانون المطبّق في قطاع غزة، والذي يُعطي القاتل، تحت مبررات الدفاع عن الشرف، عذراً قانونياً يخفف من عقوبة القتل، ويتم التعامل مع القاتل على اعتبار أنه وقع تحت تأثير المفاجأة بوقوع الضحية في الخطيئة، مما يزيد من حجم الجرائم التي تُرتكب بحق النساء بدواعي الشرف.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007