إلى عاهد أبو غلمه

بقلم: نبال ثوابتة
لم أقدم شيئا حقيقيا لوطني، لم أعطه مثلا حفنة من دمي أو بضع سنين من عمري، أو جزءا من جسمي، فما زالت أعضائي كاملةً مركبة فوق بعضها البعض بشكلها الطبيعي، وما زلت استمتع بشمس كل صباح، والمخزي أنني سمينة وهذا ما قد يفسر بأنني أحظى بتغذية جيدة.

والمحرج أيضا أنني بين قوسين غنية امتلك سيارة وبيتا، وقد يقول البعض عني إنني من المرضي عنهم فأدعى للمشاركة في هذا المؤتمر أو ذاك وبذا سنحت لي فرصة لرؤية الكثير من مدن العالم، زرت لندن مثلا، واشنطن قبلها، وصافحت بريطانيين وأمريكان ولتكتمل الحقيقة تحدثت في لقاءات مهنية مع صحفيين وساسة إسرائيليين، ابداً بهذا الوضوح.

لم تتسع تجربتي يوما لرجم حجر في تظاهرة ما.. لم اشف غليلي يوما، لم انتفض لأثبت إنني أيضا فلسطينية.

لم يكتو قلبي باستشهاد أخ أو صديق أو حبيب، فكل أحبتي حاضرون ومن مات منهم مات فوق سريره معززا مكرما وهذا كله يشعرني بخلل في فلسطينيتي.

أريد أن يتبعثر دمي هنا وهناك، احلم بزنزانة ما اكتب على جدرانها قصة من نوع آخر،

كم أتوق لان انضم لعناصر وطنية، أريد أن اصبح فدائية.

أريد أن اغني في فرقة كتلك التي تربيت على صوتها، أريد عاشقين جدداً أريد أن نقف شبانا وصبايا في صف واحد الكتف على الكتف، نحن نرتدي الثوب الفلسطيني وهم يرتدون البذلات العسكرية ومن شاءت من الصبايا المتمردات أن ترتدي بذلة عسكرية وتضع قبعة على رأسها فلها ذلك، اما انا فأحن الى ثوب أمي، أريد أن ارتديه.

أريد أن نغني معا وجميعا للقدس ولغزة ولحارتنا ولأمهاتنا وللفقراء، أريد أن اغني لعاهد أبو غلمة، صديقي ومعلمي، أريد أن يصله صوتي ليقول له كم افتقدك.

قلت لي يا عاهد في آخر جملة سمعتها منك قبل أن تقتحم سجنك الدبابات الإسرائيلية، وقبل أن تذهب، قلت لي عيشي حياتك، تضحي أنت بحياتك وتريد مني أن احظى بحياتي.

كلا يا صديقي لن اتبع نصيحتك فقد ثبت انه لا يمكنك أن تكون فلسطينيا وان تعيش حياتك في ذات الوقت عليك أن تقرر:
حياة طبيعية وفقدان الهوية....

ام قضية وترسيخاً للفلسطينية....

ترى يا عاهد هل سأتمكن يوما من فعل شيء يؤهلني للوقوف جانبك رافعة رأسي، لأنني وأخيرا سأقول إنني أيضا فلسطينية، مثلكم انتم يا من قدمتم الدم والعمر.

ليتك تعلم يا عاهد كم تؤثر ببشرتي رطوبة زنزانتك، وكم ترغرغ عيناي كلما تذكرت أنت طفليك رتا وقيس.

وكم تؤلمني ركبتي كلما آلمتك ركبتك.

ترى هل يعطونك دواءً؟ هل تتألم؟ هل تشعر بالبرد؟ هل يعذبونك؟ هل في محيطك ما يكفي من أوكسجين؟ هل لديك قلما وورقة؟
عاهد أنت بحر يافا التي تحلم بالعودة إليها، وأنا أتمنى لو إنني تراب تدوسه قدماك وأقدام كل الفلسطينيين القدماء.

من ابحث عنهم لأعيش واحدة منهم وأموت مثلهم وأنا على ملة فلسطين.