بطل هذه الحكاية .. نوع حقير جداً من البشر، ويعد من أقذر الجواسيس المصريين الذين عملوا لصالح إسرائيل على الإطلاق . . إذ تجمعت فيه كل صفات الشذوذ واللوطية، وفقد انتماءه للرجولة .. والوطن.\\
استغل أخطاء الجاسوس شاكر فاخوري وذهب بنفسه الى القنصلية الاسرائيلية في استانبول عارضاً خدماته.
لكنه في غفلة منه. . فوجئ بسقوطه في سرعة مذهلة، وبنفس الخطأ الذي وقع فيه الجاسوس السابق.
إنه أول وآخر جاسوس مصري ألقي القبض عليه بالمدينة الجامعية للطلاب، وايضاً . . أشهر جاسوس يعشق القيام بدور امرأة ! !
البحث عن طريق
إذا كان الجاسوس الشاذ شاكر فاخوري – أول مصري سلم نفسه للسفارة الاسرائيلية في قبرص ليعمل جاسوساً على مصر – فهذا هو محمد عمر حمودة – شاذ آخر – أعجبته فكرة الحصول على المال بالطريق السهل، وسلم نفسه أيضاً برضاء تام الى القنصلية الاسرائيلية في تركيا، معتقداً أنه قام بدراسة قصة زميله الشاذ، وعرف مواطن الخلل التي أدت الى سقوطه، وأنه سيأمن كل تلك الأخطاء ليظل بذلك بعيداً عن أعين وآذان المخابرات العربية. . ويعمل في صمت لصالح المخابرات الاسرائيليةحصل عمر حمودة على الثانوية العامة سنة 1971 بمجموع هزيل لم يحقق له أدنى طموحاته، وكانت أعظم أمانيه في تلك المرحلة من العمر، أن يهنأ بعلاقة مع شاب شاذ يشاركه شذوذه، ويستمتع معه بالحرية الجنسية التي يحلم بتحقيقها.
كان عمر حمودة على العكس من الجاسوس السابق. . شاذاً سلبياً . أي يفضل أن يقوم بدور الأنثى.
هذا الشذوذ كبر معه منذ الصغر، واستفحل الداء عنده للدرجة التي لا حل معها. وقد ضربه أبوه مرات كثيرة بعدما انتشرت حكاياته وفضائحه، وكان في العادة يبكي بعنف لوالده ويعده بأن يلتزم ويتأدب. لكن لا فائدة . . إذ كبر شذوذه وفشل معه علاج الطب وعلاج الضرب والإيذاء. فكم تكوم الشاذ في أحد أركان 'البلكونة' عقاباً له عشرات الليالي مكبلاً ومحروماً من الطعام والماء، وبمجرد إطلاق سراحه 'يسرح' في الخرابات ودور السينما يبحث عن صيد شاذ.
وعندما طلب لتأدية الخدمة العسكرية سر كثيراً. لكن .. سلموه شهادة الإعفاء وقالوا له 'الجيش يطلب رجالاً فقط' فعاد مقهوراً.. ومرت به الشهور كئيبة. إذ قلما عثر على ضالته لضيق ذات اليد بعدما أمسك والده عنه مصروفه الذي ينفقه على شذوذه. . وكثيراً ما خلا الى نفسه يبكي ضعفه ويرجو خلاصاً له من العار ولكن هيهات، فداء الشذوذ عنده أقوى من نداء التوبة.
أخيراً لملم أشلاء عقله المنهك وقرر أن يغير خطة حياته كلها.وجاءه هذا القرار بعدما قرأ عشرات التقارير عن الشذوذ في الجيش الاسرائيلي، وشواذ أوروبا الذين لا يخجلون من شذوذهم، ويجهرون به بدعوى الحرية. وامتلأت رأسه بأفكار كثيرة تقوده في النهاية الى حتمية الحياة في مجتمع متفتح يستطيع فيه أن يمارس شذوذه دون إحساس بالنقيصة أو بالانزواء.
وعندما أعاد قراءة قصة الجاسوس شاكر فاخوري – الشاذ الايجابي – وكيف طرق بنفسه باب السفارة الاسرائيلية في نيقوسيا – أدرك أن هناك خطأ ما قاده الى مصيره المظلم وأن بإمكانه – هو – ألا يخطو خطوة واحدة، دون حساب للخطوة التي تليها. ودفع عن رأسه فكرة محاكاة شاكر. لكن عقله المشوش غامت به الأفكار واحتفظ لنفسه بما قرره، وأعد أوراقه للسفر الى حيث تبدأ حياة جديدة، بعيداً عن مجتمع يقهر فيه رغبته وشذوذه.
تسلم عمر حمودة جواز سفره وحجز تذكرة بالطائرة الى استنابول. . وأسكرته حقيقة وجوده على أرض أجنبية بلا رقيب يحد من سلوكه أو يراقبه.. واستنشق لأول مرة هواء حريته وتحرره حتى كاد أن يصرخ فرحاً أمام ساحة المطار. . فأضواء المدينة من بعيد كانت تتراقص كأنها حبيبات من اللؤلؤ البراق. . وتصدح بأذنيه أغنيات لا يفهمها ولكن إيقاع الموسيقى يتناغم مع شرقيته ويدعوه الى الانتشاء.
استقل سيارة الى بنسيون 'بورال' الواقع في منطقة شعبية تفيض زحاماً وضجيجاً، وقذف بحقيبته داخل الغرفة وخرج كالملهوف يجوب شوارع المدينة الساحرة الواقعة على بحر مرمرة المخنوق ما بين مضيقي البسفور والدردنيل.
تراقصت حواسه تلذذاً بفعل السعادة الغامرة التي تملكته عندما وصل الى أحد الميادين الشاسعة، ودلف الى الحديقة المظلمة التي تقتطع جزءاً كبيراً منه، واقترب من عشرات 'الهيبيز' من الجنسين الذين اتخذوا من الحديقة منتدى لهم ومأوى، ووسط هذا الخضم من المزيج حاول أن يبحث لنفسه عن مكان بينهم. لكن حاجز اللغة منعه وصدمه في بادئ الأمر، حتى اكتشف أن هناك لغة خاصة جداً لا يفهمها سوى الشواذ أمثاله، ومن خلالها تقرب بأحدهم واختلى به جانباً يتذوق على أرض تركيا طعم الحرية التي حرم من مذاقها علانية في مصر.
إن لغة الشواذ لا تنطق بلغة واحدة، بل تنطق بكل اللغات بلا حروف أبجدية أو قواعد. إنها لغة الإشارات التي تحس وتفهم تماماً فيما بين مجتمع اللواطيين الذين يجوبون كل مدن أوروبا، ويتخذون من شوارعها وحدائقها منفثاً لإفراغ مخزون قيودهم . . وعقدهم فيتحللون من قواعد السلوك السوي ويتلاوطون كالكلاب الضالة.
أربعة أيام مرت وعمر حمودة يتعاطى الشذوذ في حدائق استانبول، الى أن سرقه أحدهم فخلت جيوبه من النقود، وفي الحال قرر تنفيذ خطته التي رسمها مرات ومرات في خياله قبل أن يغادر مطار القاهرة.
وعندما سأل موظف الاستقبال في البنسيون عن مكان السفارة الاسرائيلية قال له إن السفارة في العاصمة أنقرة، أما القنصلية الاسرائيلية فمقرها في استانبول.
كانت نيته مبيتة بالفعل على اتخاذ خطوته المجنونة. . لذلك لم يحاول البحث عن عمل أو يسعى من أجل ذلك. . فالفكرة كانت قد اختمرت برأسه وأصبح من الصعب أن يتراجع، وعندما شرع في التنفيذ، لم يطلب القنصلية تليفونياً بل ذهب اليها بنفسه فوجد بابها موصداً، وفكر في الرجوع ثانية الى البنسيون لكنه بعدما خطا عدة خطوات عاد ثانية ودق الجرس، فانفتح الباب فجأة وصدمته المفاجأة، لكنه تسمر مكانه أمام حارس الأمن الذي كرر السؤال عليه عدة مرات:
ماذا تريد؟
وفشل في أن يجيب إجابة مفهومة وتعثر في النطق بينما كانت يده تبحث عن ورقة تنقذه من ورطة الموقف.
- ذاهب بقدميه .
نظر الحارس في الورقة الصغيرة ثم رفع وجهه الى هذا الطارق الغريب، وقام واقفاً وهو يرمقه متفحصاً بدهشة، وتركه بالباب مهرولاً الى الداخل ليعود بعد لحظات برفقته رجل في نحو الخامسة والأربعين، صالح عمر حمودة وباندهاش سأله بالعربية:
هل أنت مصري؟
قال له:
نعم. .
فجذبه الى الداخل وانفرد به بعيداً في مكتب أنيق وقال له: قلت في الورقة أنك تريد مقابلة أحد المسؤولين لأمر هام. فماذا تريد؟أخرج حمود جواز سفره وقدمه الى الاسرائيلي وهو يقول:
أنا لا اريد العودة الى مصر. . لقد كرهت مصر وكل ما فيها وكثيراً ما فكرت في البحث عن دولة أخرى أعيش بها وهداني تفكيري إليكم.
فقال له الاسرائيلي متعجباً:
لماذا نحن بالذات؟ ولماذا لم تلجأ لدولة عربية بدلاً من إسرائيل التي هي في حالة حرب مع مصر وكل دول العرب؟
أجاب حمودة:
أنا أحلم بالحياة في إسرائيل حيث الحرية بلا حدود وفرص العمل متوفرة والعائد المادي كبير جداً قياساً بكل دول العرب.
لم يستغرق الحوار دقائق قليلة كما كان حمودة يعتقد.. بل امتد لساعات طويلة في حجرة أخرى مجهزة بأحدث الأجهزة التنصتية، وكاميرات تنقل كل ما يدور لحجرة أخرى بها أجهزة التسجيل، وجيء بعدة أوراق انكب الخائن على كتابة سيرة حياته منذ البداية وتفاصيل وأسماء أقاربه ووظائفهم وآراؤه في كل شيء في مصر.
وفي مثل هذه المواقف يعمد ضباط المخابرات الى إظهار عطفهم، وإضفاء روح التقارب مع الخونة لإزالة حاجز الخوف والرهبة وبث الطمأنينة في نفوسهم. وقام ضابط الموساد في القنصلية بترتيب غرفة رائعة بفندق فخم نزل بها الخائن ضيفاً على القنصلية الاسرائيلية عدة ايام.
كان القصد من تركه هكذا بمفرده تحليل الواقعة تحليلاً منطقياً ونفسياً، خوفاً من أن يكون حمودة عميلاً للمخابرات المصرية يقود الاسرائيليين الى شرك محكم.
وبعد مراقبته مراقبة لصيقة، ثبت لهم أنه شاب لا انتماء وطني لديه، وبإمكانهم استغلاله في القيام بما يطلب منه مقابل المال.
ونتيجة لما توصلوا اليه، زاره أحد الضباط وعرفه باسمه 'النقيب سامي' ودارت بينهما حوارات طويلة، قال خلالها حمودة إنه تأثر بقصة شاكر فاخوري الذي وقع في قبضة المخابرات المصرية، وكيف أخطأ شاكر عندما أغدق على الضابط المصري بالهدايا الثمينة في محاولة لتجنيده دون أن يحسب حساباً لوطنيته.
أخذ ضابط الموساد يعدد للخائن الخدمات التي قدموها لشاكر فاخوري، وكيف أنهم عرضوا استبداله بعدد من الأسرى المصريين والعرب، وعندما رفضت الحكومة المصرية عرضوا مقابل الافراج عنه ملايين الدولارات فرفضوا ايضاً. لكنهم – على حد زعمه – مارسوا ضغوطاً دولية جادة وعنيفة من أجل إنقاذه من حبل المشنقة.
أسهب النقيب سامي – كذباً – في تبرير محاولات إسرائيل شراء الجواسيس العرب الذين اكتشف أمرهم، مدعياً أنه لولا وقوف إسرائيل الى جانبهم لأعدموا، لكن الحكومة المصرية والحكومات العربية – نظراً لوجود أسرى حرب – فصفقات تبادل الجواسيس عادة ما تتم في السر بعيداً عن الأضواء وأجهزة الإعلام.
عندها قال حمودة معقباً:
نعم . . نعم . . فلذلك جئت اليكم بنفسي أعرض خدماتي، وأضع نفسي تحت إمرتكم على أن تسمحوا لي بالعيش مدى الحياة في إسرائيل.
لم يعقب ضابط المخابرات بل أعطاه النقود وقال له:
أنت شاب مغامر لم تجئنا اعتباطاً بل لأنك تعرف جيداً أن المخابرات الاسرائيلية أقوى جهاز مخابرات في العالم. وأن إسرائيل هي واحة الحرية في منطقة عربية محاصرة بالتخلف والقهر والدكتاتورية.وأضاف النقيب سامي:
سننظر في أمرك باهتمام بالغ، ولكننا الآن نريد منك أن تساعدنا في مهمة بسيطة ستسافر لإنجازها في لبنان لنتأكد من مدى إخلاصك لنا.
في الحال وافق حمودة وأعلن سعادته بهذا التكليف، وبدأ الضابط اليهودي في تدريبه على أعمال التجسس خاصة فيما يتصل بالمهمة المحددة التي سيكلف بها.
خلال ذلك كان حمودة لا يكف عن زيارة حديقة الهيبز حيث يلتقي بأمثاله من الشواذ، وكانت هذه اللقاءات هي المصدر الأول لسعادته، إذ أنه بعد كل لقاء كان يصفو ذهنياً ويهيأ لتلقي جرعة الجاسوسية اليومية والتدريبات المهارية، وتتشكل لديه أمام بريق الدولار روح المغامرة والفدائية فيقدم على هضم الدورة المكثفة التي يدرسها في حجرته بالفندق، وعندما ركب الطائرة الى بيروت كانت لديه جرأة عجيبة للعمل لصالح الموساد، وابتدأت المهمة.
- مهمة في بيروت .
أفرزت نكسة يونيو 1967 عاملاً مهماً على الصعيد العربي يتمثل بالالتفاف الشعبي الهائل حول المقاومة الفلسطينية، خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة نقطة بارزة في عملية الصراع العربي – الصهيوني. بالإضافة الى ما أحرزته المقاومة من ضربات ناجحة ضد العدو في أكثر من موقع، وفي مختلف المجالات.
لذلك عمدت الاستخبارات الاسرائيلية الى ملاحقة المقاومة الفلسطينية، عبر زرع العملاء والجواسيس في مختلف الأقطار العربية التي تتواجد فيها قواعد المقاومة، بهدف الحصول على المعلومات الضرورية حول تحركاتها ومراكزها وتسلحها وتنقلات قادتها. كما لجأت الى إحداث عمليات تخريبية سياسية وطائفية لبلبلة الأوضاع في البلاد العربية. فتوجه بذلك أصابع الاتهام الى المقاومة، وتولد ضدها موجة من العداء والكراهية تستهدف عرقلة مسيرتها وتقدمها.
من هذا الاتجاه. . ركزت الاستخبارات الاسرائيلية جهودها على القرى اللبنانية الحدودية التي يتسلل الفدائيون الفلسطينيون عبرها لتنفيذ عملياتهم ضد مؤسسات العدو ومنشآته وأفراده. ونجحت هذه الاستخبارات في تجنيد بعض الخونة من سكان هذه القرى الحدودية التي تمثل نقطة عبور الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان من بين هؤلاء العملاء الخونة – نايف المصطفى – اللبناني من قرية 'البستان' الحدودية الذي قبض 400 ليرة مقابل خيانته كل شهر. كان هناك أيضاً – أحمد ضاهر – من قرية 'عيترون' ونايف البدوي من 'بارين' وخميس أحمد بيومي وجميل القرح والعشرات غيرهم.
كل هؤلاء الخونة أغدقت عليهم المخابرات الاسرائيلية واشترتهم، واستفحل الأمر كثيراً حتى أن علي حسن سلامة اكتشف بنفسه 24 عميلاً للموساد جرى إعدامهم في غضون شهور قليلة، مما يؤكد تغلغل الموساد بكثافة داخل الأراضي اللبنانية، لحماية حدودها الشمالية من هجمات الفدائيين الذين لم يكفوا عن التسلل الى الأرض المحتلة.
كانت مهمة عمر حمودة في لبنان مهمة محدودة، وهي الانضمام الى إحدى المنظمات الفدائية لجمع أكبر قدر من المعلومات عن الفدائيين.
وللأسف الشديد جرى تدريبه على استعمال السلاح والمتفجرات في معسر تابع لإحدى المنظمات الفلسطينية تمهيداً لإرساله الى الأرض المحتلة للقيام بعمليات فدائية داخل المستوطنات الشمالية. وكان الجاسوس الجديد الذي وثق به رجال المنظمة يسجل كل صغيرة وكبيرة في لبنان.
فيما يتعلق بالمقاومة ومسؤوليها ومواقع تدريباتها وأسلحتها وعناصرها، بل وعناوين بعض قادتها في حي 'الفكهاني' ببيروت والذي يقيم به جمع غفير من الفلسطينيين.
كانت هناك أيضاً دلائل على اشتراكه في جمع التحريات والمعلومات عن ثلاثة من قادة منظمة أيلول الأسود الذين جرى اغتيالهم في بيروت في 9 أبريل 1973. . وكانوا يقيمون في عمارة واحدة واشتركوا معاً في تدبير مذبحة ميونيخ في 5 سبتمبر 1972 والتي راح ضحيتها 11 إسرائيلياً.
وبعد أن جمع عمر حمودة حصيلة هائلة من المعلومات أراد السفر بها الى استانبول على وجه السرعة، فادعى لقادة المنظمة أنه مضطر للسفر الى القاهرة للتصديق على شهادة الثانوية العامة التي يحملها للالتحاق بإحدى كليات جامعة بيروت العربية الى جانب عمله الفدائي في المنظمة.
بسهولة بلا تعقيد وافقوا بالطبع على سفره، ومن مكتب سفريات 'بلانكو' في ساحة البرج في بيروت أستقل سيارة الى دمشق عبر جبال لبنان المكسوة بأشجار الأرز والفاكهة. وفي دمشق زار صديقاً له في ضاحية 'دوما' ثم استقل أتوبيساً الى حلب بالشمال ماراً بمدينة حمص أشهر المدن السورية في طيبةأهلها، وتحاك حولهم النكات اللاذعة كأهل الصعيد في مصر، وفي حلب الشهباء توقف لزيارة أحد معارفه في القصر العدلي ثم عبر الحدود السورية الى تركيا حيث ينتظره في استانبول ضابط المخابرات الاسرائيلي – النقيب سامي – فسلمه ما لديه من معلومات وخرائط تفصيلية هامة، توضح الطرق الجبلية التي يسلكها الفدائيون المتطوعون من سوريا الى لبنان، بالإضافة الى معلوماته الأخرى عن منظمة التحرير.
سر ضابط الارتباط كثيراً لنجاح المهمة الأولى، ونجاح تلميذه المدرب في العودة بحصيلة رائعة من المعلومات من لبنان. وتركه في جناح فاخر بالفندق الفخم حتى تصل أوامر جديدة بخصوصه من تل أبيب، وبعد عدة ايام زاره يحمل اليه هذه المرة خطة جديدة ومهمة أخرى في القاهرة.إلا القاهرة .
احتج عمر حمودة بشدة على أوامر المخابرات الاسرائيلية، وحاول كثيراً ألا يوافق عليها . . إذ كيف له أن يعود الى القاهرة وهو الهارب منها؟ وبعد جلسة عاصفة استسلم مرغماً. ففي عالم المخابرات والجاسوسية لا يتنصل عميل من مهام أوكلت إليه على الإطلاق، إذ ليس في الجاسوسية هرج ولا في عمل المخابرات هزل.
كان يدرك أنه وقع لا محالة بين فكي رحى لو هرب من هذه، طالته تلك، وكانت مهمته في القاهرة كبيرة ومتعددة. فقد كان المطلوب منه أن ينجح في القاهرة مثلما نجح في بيروت وحقق بها أكثر مما هو مطلوب منه فاستحق مكافأة سخية من المخابرات الاسرائيلية مع رضاء عن عمله.ولكي ينجح في مهمة القاهرة. . كان لا بد له من معرفة وثيقة بكل مجريات الأحداث داخل أسوار الجامعات، وأيضاً الحركات الطلابية التي نشطت كثيراً في مصر بزعامة طلاب عملوا على بث الروح الوطنية في نفوس زملائهم، وتحفيز الغالبية على الثورة على النظام القائم في مصر حينذاك بعدما كثرت الوعود البراقة بالانتقام من إسرائيل وضربها.
لقد كانت المنشورات الحماسية وقتها تجد مناخاً صحياً بين فئات الطلاب، فتنتشر وتؤثر، وبرزت المبادئ الناصرية الحماسية لدى الغالبية منهم، وكلما اعتقلت الداخلية النشطاء البارزين برز غيرهم، واتخذت المواجهات الطلابية مع الشرطة طابع الندية، وعم إحساس مرير بالذلة وبالعار. وضرورة الثأر من إسرائيل.
وفي وسط هذا الجو المشحون جاء الجاسوس الشاذ الى مصر في أول ابريل 1973، يحمل عدة آلاف من الدولارات وبعض الحقائب الكبيرة المنتفخة .. تحوي هدايا لأسرته، وخاصة لأخيه عبد الحميد الطالب بالسنة الرابعة بكلية التربية جامعة عين شمس.
استغل أخطاء الجاسوس شاكر فاخوري وذهب بنفسه الى القنصلية الاسرائيلية في استانبول عارضاً خدماته.
لكنه في غفلة منه. . فوجئ بسقوطه في سرعة مذهلة، وبنفس الخطأ الذي وقع فيه الجاسوس السابق.
إنه أول وآخر جاسوس مصري ألقي القبض عليه بالمدينة الجامعية للطلاب، وايضاً . . أشهر جاسوس يعشق القيام بدور امرأة ! !
البحث عن طريق
إذا كان الجاسوس الشاذ شاكر فاخوري – أول مصري سلم نفسه للسفارة الاسرائيلية في قبرص ليعمل جاسوساً على مصر – فهذا هو محمد عمر حمودة – شاذ آخر – أعجبته فكرة الحصول على المال بالطريق السهل، وسلم نفسه أيضاً برضاء تام الى القنصلية الاسرائيلية في تركيا، معتقداً أنه قام بدراسة قصة زميله الشاذ، وعرف مواطن الخلل التي أدت الى سقوطه، وأنه سيأمن كل تلك الأخطاء ليظل بذلك بعيداً عن أعين وآذان المخابرات العربية. . ويعمل في صمت لصالح المخابرات الاسرائيليةحصل عمر حمودة على الثانوية العامة سنة 1971 بمجموع هزيل لم يحقق له أدنى طموحاته، وكانت أعظم أمانيه في تلك المرحلة من العمر، أن يهنأ بعلاقة مع شاب شاذ يشاركه شذوذه، ويستمتع معه بالحرية الجنسية التي يحلم بتحقيقها.
كان عمر حمودة على العكس من الجاسوس السابق. . شاذاً سلبياً . أي يفضل أن يقوم بدور الأنثى.
هذا الشذوذ كبر معه منذ الصغر، واستفحل الداء عنده للدرجة التي لا حل معها. وقد ضربه أبوه مرات كثيرة بعدما انتشرت حكاياته وفضائحه، وكان في العادة يبكي بعنف لوالده ويعده بأن يلتزم ويتأدب. لكن لا فائدة . . إذ كبر شذوذه وفشل معه علاج الطب وعلاج الضرب والإيذاء. فكم تكوم الشاذ في أحد أركان 'البلكونة' عقاباً له عشرات الليالي مكبلاً ومحروماً من الطعام والماء، وبمجرد إطلاق سراحه 'يسرح' في الخرابات ودور السينما يبحث عن صيد شاذ.
وعندما طلب لتأدية الخدمة العسكرية سر كثيراً. لكن .. سلموه شهادة الإعفاء وقالوا له 'الجيش يطلب رجالاً فقط' فعاد مقهوراً.. ومرت به الشهور كئيبة. إذ قلما عثر على ضالته لضيق ذات اليد بعدما أمسك والده عنه مصروفه الذي ينفقه على شذوذه. . وكثيراً ما خلا الى نفسه يبكي ضعفه ويرجو خلاصاً له من العار ولكن هيهات، فداء الشذوذ عنده أقوى من نداء التوبة.
أخيراً لملم أشلاء عقله المنهك وقرر أن يغير خطة حياته كلها.وجاءه هذا القرار بعدما قرأ عشرات التقارير عن الشذوذ في الجيش الاسرائيلي، وشواذ أوروبا الذين لا يخجلون من شذوذهم، ويجهرون به بدعوى الحرية. وامتلأت رأسه بأفكار كثيرة تقوده في النهاية الى حتمية الحياة في مجتمع متفتح يستطيع فيه أن يمارس شذوذه دون إحساس بالنقيصة أو بالانزواء.
وعندما أعاد قراءة قصة الجاسوس شاكر فاخوري – الشاذ الايجابي – وكيف طرق بنفسه باب السفارة الاسرائيلية في نيقوسيا – أدرك أن هناك خطأ ما قاده الى مصيره المظلم وأن بإمكانه – هو – ألا يخطو خطوة واحدة، دون حساب للخطوة التي تليها. ودفع عن رأسه فكرة محاكاة شاكر. لكن عقله المشوش غامت به الأفكار واحتفظ لنفسه بما قرره، وأعد أوراقه للسفر الى حيث تبدأ حياة جديدة، بعيداً عن مجتمع يقهر فيه رغبته وشذوذه.
تسلم عمر حمودة جواز سفره وحجز تذكرة بالطائرة الى استنابول. . وأسكرته حقيقة وجوده على أرض أجنبية بلا رقيب يحد من سلوكه أو يراقبه.. واستنشق لأول مرة هواء حريته وتحرره حتى كاد أن يصرخ فرحاً أمام ساحة المطار. . فأضواء المدينة من بعيد كانت تتراقص كأنها حبيبات من اللؤلؤ البراق. . وتصدح بأذنيه أغنيات لا يفهمها ولكن إيقاع الموسيقى يتناغم مع شرقيته ويدعوه الى الانتشاء.
استقل سيارة الى بنسيون 'بورال' الواقع في منطقة شعبية تفيض زحاماً وضجيجاً، وقذف بحقيبته داخل الغرفة وخرج كالملهوف يجوب شوارع المدينة الساحرة الواقعة على بحر مرمرة المخنوق ما بين مضيقي البسفور والدردنيل.
تراقصت حواسه تلذذاً بفعل السعادة الغامرة التي تملكته عندما وصل الى أحد الميادين الشاسعة، ودلف الى الحديقة المظلمة التي تقتطع جزءاً كبيراً منه، واقترب من عشرات 'الهيبيز' من الجنسين الذين اتخذوا من الحديقة منتدى لهم ومأوى، ووسط هذا الخضم من المزيج حاول أن يبحث لنفسه عن مكان بينهم. لكن حاجز اللغة منعه وصدمه في بادئ الأمر، حتى اكتشف أن هناك لغة خاصة جداً لا يفهمها سوى الشواذ أمثاله، ومن خلالها تقرب بأحدهم واختلى به جانباً يتذوق على أرض تركيا طعم الحرية التي حرم من مذاقها علانية في مصر.
إن لغة الشواذ لا تنطق بلغة واحدة، بل تنطق بكل اللغات بلا حروف أبجدية أو قواعد. إنها لغة الإشارات التي تحس وتفهم تماماً فيما بين مجتمع اللواطيين الذين يجوبون كل مدن أوروبا، ويتخذون من شوارعها وحدائقها منفثاً لإفراغ مخزون قيودهم . . وعقدهم فيتحللون من قواعد السلوك السوي ويتلاوطون كالكلاب الضالة.
أربعة أيام مرت وعمر حمودة يتعاطى الشذوذ في حدائق استانبول، الى أن سرقه أحدهم فخلت جيوبه من النقود، وفي الحال قرر تنفيذ خطته التي رسمها مرات ومرات في خياله قبل أن يغادر مطار القاهرة.
وعندما سأل موظف الاستقبال في البنسيون عن مكان السفارة الاسرائيلية قال له إن السفارة في العاصمة أنقرة، أما القنصلية الاسرائيلية فمقرها في استانبول.
كانت نيته مبيتة بالفعل على اتخاذ خطوته المجنونة. . لذلك لم يحاول البحث عن عمل أو يسعى من أجل ذلك. . فالفكرة كانت قد اختمرت برأسه وأصبح من الصعب أن يتراجع، وعندما شرع في التنفيذ، لم يطلب القنصلية تليفونياً بل ذهب اليها بنفسه فوجد بابها موصداً، وفكر في الرجوع ثانية الى البنسيون لكنه بعدما خطا عدة خطوات عاد ثانية ودق الجرس، فانفتح الباب فجأة وصدمته المفاجأة، لكنه تسمر مكانه أمام حارس الأمن الذي كرر السؤال عليه عدة مرات:
ماذا تريد؟
وفشل في أن يجيب إجابة مفهومة وتعثر في النطق بينما كانت يده تبحث عن ورقة تنقذه من ورطة الموقف.
- ذاهب بقدميه .
نظر الحارس في الورقة الصغيرة ثم رفع وجهه الى هذا الطارق الغريب، وقام واقفاً وهو يرمقه متفحصاً بدهشة، وتركه بالباب مهرولاً الى الداخل ليعود بعد لحظات برفقته رجل في نحو الخامسة والأربعين، صالح عمر حمودة وباندهاش سأله بالعربية:
هل أنت مصري؟
قال له:
نعم. .
فجذبه الى الداخل وانفرد به بعيداً في مكتب أنيق وقال له: قلت في الورقة أنك تريد مقابلة أحد المسؤولين لأمر هام. فماذا تريد؟أخرج حمود جواز سفره وقدمه الى الاسرائيلي وهو يقول:
أنا لا اريد العودة الى مصر. . لقد كرهت مصر وكل ما فيها وكثيراً ما فكرت في البحث عن دولة أخرى أعيش بها وهداني تفكيري إليكم.
فقال له الاسرائيلي متعجباً:
لماذا نحن بالذات؟ ولماذا لم تلجأ لدولة عربية بدلاً من إسرائيل التي هي في حالة حرب مع مصر وكل دول العرب؟
أجاب حمودة:
أنا أحلم بالحياة في إسرائيل حيث الحرية بلا حدود وفرص العمل متوفرة والعائد المادي كبير جداً قياساً بكل دول العرب.
لم يستغرق الحوار دقائق قليلة كما كان حمودة يعتقد.. بل امتد لساعات طويلة في حجرة أخرى مجهزة بأحدث الأجهزة التنصتية، وكاميرات تنقل كل ما يدور لحجرة أخرى بها أجهزة التسجيل، وجيء بعدة أوراق انكب الخائن على كتابة سيرة حياته منذ البداية وتفاصيل وأسماء أقاربه ووظائفهم وآراؤه في كل شيء في مصر.
وفي مثل هذه المواقف يعمد ضباط المخابرات الى إظهار عطفهم، وإضفاء روح التقارب مع الخونة لإزالة حاجز الخوف والرهبة وبث الطمأنينة في نفوسهم. وقام ضابط الموساد في القنصلية بترتيب غرفة رائعة بفندق فخم نزل بها الخائن ضيفاً على القنصلية الاسرائيلية عدة ايام.
كان القصد من تركه هكذا بمفرده تحليل الواقعة تحليلاً منطقياً ونفسياً، خوفاً من أن يكون حمودة عميلاً للمخابرات المصرية يقود الاسرائيليين الى شرك محكم.
وبعد مراقبته مراقبة لصيقة، ثبت لهم أنه شاب لا انتماء وطني لديه، وبإمكانهم استغلاله في القيام بما يطلب منه مقابل المال.
ونتيجة لما توصلوا اليه، زاره أحد الضباط وعرفه باسمه 'النقيب سامي' ودارت بينهما حوارات طويلة، قال خلالها حمودة إنه تأثر بقصة شاكر فاخوري الذي وقع في قبضة المخابرات المصرية، وكيف أخطأ شاكر عندما أغدق على الضابط المصري بالهدايا الثمينة في محاولة لتجنيده دون أن يحسب حساباً لوطنيته.
أخذ ضابط الموساد يعدد للخائن الخدمات التي قدموها لشاكر فاخوري، وكيف أنهم عرضوا استبداله بعدد من الأسرى المصريين والعرب، وعندما رفضت الحكومة المصرية عرضوا مقابل الافراج عنه ملايين الدولارات فرفضوا ايضاً. لكنهم – على حد زعمه – مارسوا ضغوطاً دولية جادة وعنيفة من أجل إنقاذه من حبل المشنقة.
أسهب النقيب سامي – كذباً – في تبرير محاولات إسرائيل شراء الجواسيس العرب الذين اكتشف أمرهم، مدعياً أنه لولا وقوف إسرائيل الى جانبهم لأعدموا، لكن الحكومة المصرية والحكومات العربية – نظراً لوجود أسرى حرب – فصفقات تبادل الجواسيس عادة ما تتم في السر بعيداً عن الأضواء وأجهزة الإعلام.
عندها قال حمودة معقباً:
نعم . . نعم . . فلذلك جئت اليكم بنفسي أعرض خدماتي، وأضع نفسي تحت إمرتكم على أن تسمحوا لي بالعيش مدى الحياة في إسرائيل.
لم يعقب ضابط المخابرات بل أعطاه النقود وقال له:
أنت شاب مغامر لم تجئنا اعتباطاً بل لأنك تعرف جيداً أن المخابرات الاسرائيلية أقوى جهاز مخابرات في العالم. وأن إسرائيل هي واحة الحرية في منطقة عربية محاصرة بالتخلف والقهر والدكتاتورية.وأضاف النقيب سامي:
سننظر في أمرك باهتمام بالغ، ولكننا الآن نريد منك أن تساعدنا في مهمة بسيطة ستسافر لإنجازها في لبنان لنتأكد من مدى إخلاصك لنا.
في الحال وافق حمودة وأعلن سعادته بهذا التكليف، وبدأ الضابط اليهودي في تدريبه على أعمال التجسس خاصة فيما يتصل بالمهمة المحددة التي سيكلف بها.
خلال ذلك كان حمودة لا يكف عن زيارة حديقة الهيبز حيث يلتقي بأمثاله من الشواذ، وكانت هذه اللقاءات هي المصدر الأول لسعادته، إذ أنه بعد كل لقاء كان يصفو ذهنياً ويهيأ لتلقي جرعة الجاسوسية اليومية والتدريبات المهارية، وتتشكل لديه أمام بريق الدولار روح المغامرة والفدائية فيقدم على هضم الدورة المكثفة التي يدرسها في حجرته بالفندق، وعندما ركب الطائرة الى بيروت كانت لديه جرأة عجيبة للعمل لصالح الموساد، وابتدأت المهمة.
- مهمة في بيروت .
أفرزت نكسة يونيو 1967 عاملاً مهماً على الصعيد العربي يتمثل بالالتفاف الشعبي الهائل حول المقاومة الفلسطينية، خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة نقطة بارزة في عملية الصراع العربي – الصهيوني. بالإضافة الى ما أحرزته المقاومة من ضربات ناجحة ضد العدو في أكثر من موقع، وفي مختلف المجالات.
لذلك عمدت الاستخبارات الاسرائيلية الى ملاحقة المقاومة الفلسطينية، عبر زرع العملاء والجواسيس في مختلف الأقطار العربية التي تتواجد فيها قواعد المقاومة، بهدف الحصول على المعلومات الضرورية حول تحركاتها ومراكزها وتسلحها وتنقلات قادتها. كما لجأت الى إحداث عمليات تخريبية سياسية وطائفية لبلبلة الأوضاع في البلاد العربية. فتوجه بذلك أصابع الاتهام الى المقاومة، وتولد ضدها موجة من العداء والكراهية تستهدف عرقلة مسيرتها وتقدمها.
من هذا الاتجاه. . ركزت الاستخبارات الاسرائيلية جهودها على القرى اللبنانية الحدودية التي يتسلل الفدائيون الفلسطينيون عبرها لتنفيذ عملياتهم ضد مؤسسات العدو ومنشآته وأفراده. ونجحت هذه الاستخبارات في تجنيد بعض الخونة من سكان هذه القرى الحدودية التي تمثل نقطة عبور الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان من بين هؤلاء العملاء الخونة – نايف المصطفى – اللبناني من قرية 'البستان' الحدودية الذي قبض 400 ليرة مقابل خيانته كل شهر. كان هناك أيضاً – أحمد ضاهر – من قرية 'عيترون' ونايف البدوي من 'بارين' وخميس أحمد بيومي وجميل القرح والعشرات غيرهم.
كل هؤلاء الخونة أغدقت عليهم المخابرات الاسرائيلية واشترتهم، واستفحل الأمر كثيراً حتى أن علي حسن سلامة اكتشف بنفسه 24 عميلاً للموساد جرى إعدامهم في غضون شهور قليلة، مما يؤكد تغلغل الموساد بكثافة داخل الأراضي اللبنانية، لحماية حدودها الشمالية من هجمات الفدائيين الذين لم يكفوا عن التسلل الى الأرض المحتلة.
كانت مهمة عمر حمودة في لبنان مهمة محدودة، وهي الانضمام الى إحدى المنظمات الفدائية لجمع أكبر قدر من المعلومات عن الفدائيين.
وللأسف الشديد جرى تدريبه على استعمال السلاح والمتفجرات في معسر تابع لإحدى المنظمات الفلسطينية تمهيداً لإرساله الى الأرض المحتلة للقيام بعمليات فدائية داخل المستوطنات الشمالية. وكان الجاسوس الجديد الذي وثق به رجال المنظمة يسجل كل صغيرة وكبيرة في لبنان.
فيما يتعلق بالمقاومة ومسؤوليها ومواقع تدريباتها وأسلحتها وعناصرها، بل وعناوين بعض قادتها في حي 'الفكهاني' ببيروت والذي يقيم به جمع غفير من الفلسطينيين.
كانت هناك أيضاً دلائل على اشتراكه في جمع التحريات والمعلومات عن ثلاثة من قادة منظمة أيلول الأسود الذين جرى اغتيالهم في بيروت في 9 أبريل 1973. . وكانوا يقيمون في عمارة واحدة واشتركوا معاً في تدبير مذبحة ميونيخ في 5 سبتمبر 1972 والتي راح ضحيتها 11 إسرائيلياً.
وبعد أن جمع عمر حمودة حصيلة هائلة من المعلومات أراد السفر بها الى استانبول على وجه السرعة، فادعى لقادة المنظمة أنه مضطر للسفر الى القاهرة للتصديق على شهادة الثانوية العامة التي يحملها للالتحاق بإحدى كليات جامعة بيروت العربية الى جانب عمله الفدائي في المنظمة.
بسهولة بلا تعقيد وافقوا بالطبع على سفره، ومن مكتب سفريات 'بلانكو' في ساحة البرج في بيروت أستقل سيارة الى دمشق عبر جبال لبنان المكسوة بأشجار الأرز والفاكهة. وفي دمشق زار صديقاً له في ضاحية 'دوما' ثم استقل أتوبيساً الى حلب بالشمال ماراً بمدينة حمص أشهر المدن السورية في طيبةأهلها، وتحاك حولهم النكات اللاذعة كأهل الصعيد في مصر، وفي حلب الشهباء توقف لزيارة أحد معارفه في القصر العدلي ثم عبر الحدود السورية الى تركيا حيث ينتظره في استانبول ضابط المخابرات الاسرائيلي – النقيب سامي – فسلمه ما لديه من معلومات وخرائط تفصيلية هامة، توضح الطرق الجبلية التي يسلكها الفدائيون المتطوعون من سوريا الى لبنان، بالإضافة الى معلوماته الأخرى عن منظمة التحرير.
سر ضابط الارتباط كثيراً لنجاح المهمة الأولى، ونجاح تلميذه المدرب في العودة بحصيلة رائعة من المعلومات من لبنان. وتركه في جناح فاخر بالفندق الفخم حتى تصل أوامر جديدة بخصوصه من تل أبيب، وبعد عدة ايام زاره يحمل اليه هذه المرة خطة جديدة ومهمة أخرى في القاهرة.إلا القاهرة .
احتج عمر حمودة بشدة على أوامر المخابرات الاسرائيلية، وحاول كثيراً ألا يوافق عليها . . إذ كيف له أن يعود الى القاهرة وهو الهارب منها؟ وبعد جلسة عاصفة استسلم مرغماً. ففي عالم المخابرات والجاسوسية لا يتنصل عميل من مهام أوكلت إليه على الإطلاق، إذ ليس في الجاسوسية هرج ولا في عمل المخابرات هزل.
كان يدرك أنه وقع لا محالة بين فكي رحى لو هرب من هذه، طالته تلك، وكانت مهمته في القاهرة كبيرة ومتعددة. فقد كان المطلوب منه أن ينجح في القاهرة مثلما نجح في بيروت وحقق بها أكثر مما هو مطلوب منه فاستحق مكافأة سخية من المخابرات الاسرائيلية مع رضاء عن عمله.ولكي ينجح في مهمة القاهرة. . كان لا بد له من معرفة وثيقة بكل مجريات الأحداث داخل أسوار الجامعات، وأيضاً الحركات الطلابية التي نشطت كثيراً في مصر بزعامة طلاب عملوا على بث الروح الوطنية في نفوس زملائهم، وتحفيز الغالبية على الثورة على النظام القائم في مصر حينذاك بعدما كثرت الوعود البراقة بالانتقام من إسرائيل وضربها.
لقد كانت المنشورات الحماسية وقتها تجد مناخاً صحياً بين فئات الطلاب، فتنتشر وتؤثر، وبرزت المبادئ الناصرية الحماسية لدى الغالبية منهم، وكلما اعتقلت الداخلية النشطاء البارزين برز غيرهم، واتخذت المواجهات الطلابية مع الشرطة طابع الندية، وعم إحساس مرير بالذلة وبالعار. وضرورة الثأر من إسرائيل.
وفي وسط هذا الجو المشحون جاء الجاسوس الشاذ الى مصر في أول ابريل 1973، يحمل عدة آلاف من الدولارات وبعض الحقائب الكبيرة المنتفخة .. تحوي هدايا لأسرته، وخاصة لأخيه عبد الحميد الطالب بالسنة الرابعة بكلية التربية جامعة عين شمس.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007