"الاستراتيجية العربية للمقاطعة ومقاومة التطبيع"
د. إبراهيم علوش
في مجال مقاومة التطبيع بالتحديد، وضعت اللجنة التنفيذية العليا لمجابهة التطبيع وحماية الوطن في الأردن، المنبثقة عن أحزاب المعارضة الوطنية الأردنية، بمشاركة شخصيات وهيئات نقابية وشعبية عديدة، كراساً بعنوان "الاستراتيجية العربية للمقاطعة ومقاومة التطبيع" كمقترح لأرضية مشتركة تتم مواجهة التطبيع عربياً على أساسها.
وبناءً عليه، فإن بلورة مفاهيم ومرجعية موحدة يمكن أن تقوم عليها مقاومة التطبيع في الوطن العربي ككل، ولو جاء ذلك من منطلقات مختلفة سياسياً وعقائدياً، سوف يسهم في تحويل المبادرات والجهود الفردية إلى حركة جبارة يصعب تجاوزها. لذا، ألخص أدناه الخطوط العريضة للاستراتيجية العربية لمقاومة التطبيع كما وضعتها لجنة عربية أردنية اجتمعت على مدى أشهر لهذا الغرض. وقد قسم الكراس تلك الاستراتيجية إلى ثلاثة مستويات: سياسي، وثقافي-اجتماعي، واقتصادي. وسأركز أدناه على المستويين السياسي والثقافي-الاجتماعي، باعتبار القسم الاقتصادي ركز على قضية المقاطعة فيما نود أن التركيز هنا على التطبيع ومواجهته.
سياسياً، وضعت اللجنة التنفيذية العليا لمواجهة التطبيع وحماية الوطن في الأردن الخطوط العريضة التالية:
1) عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني تحت أي غطاء أو مسمى
2) عدم الاعتراف بأي حلول تصفوية أو "مرحلية"، ومعارضة أي إنجاز مرحلي يتضمن اعترافاً بحق الكيان الصهيوني بالوجود على أي جزء من الأرض العربية
3) مقاطعة كل الأطراف والمنظمات السياسية وغير السياسية التي تكون جزءاً من "دولة إسرائيل"، باعتبار اليهودي الذي يشارك بوجوده في فلسطين في احتلالها لا يمكن أن يكون تقدمياً
4) التمسك بحق اللاجئين في العودة، ومقاومة التوطين
5) العمل لإلغاء المعاهدات والعلاقات مع العدو الصهيوني
6) العمل لتفعيل المقاطعة العربية الرسمية للكيان الصهيوني الرئيسية والثانوية
7) العمل على إشراك أوسع قطاعات الشعب في مقاومة التطبيع وتشجيع التعبيرات الجماعية عن رفض التطبيع كالمظاهرات والاعتصامات وغيرها
8) توسيع نطاق العمل المقاوم للتطبيع خارج الوطن العربي والنقاط الساخنة فيه إلى كل الشعوب الإسلامية والعالم الثالث وأنصار قضايانا في العالم
9) النضال من أجل الحريات العامة، باعتبارها غاية بحد ذاتها، وباعتبارها شرطاً لا بد منه لممارسة العمل المقاوم للتطبيع
أما لمواجهة التطبيع ثقافياً واجتماعياً، فقد تم تحديد الخطوط العريضة التالية:
1) في مفهوم التطبيع، الذي يعني إعادة ما هو غير طبيعي إلى طبيعته، لا بد من الانتباه أن المفهوم نفسه تطبيعي عندما يستخدم بصدد العلاقة مع العدو الصهيوني، الذي لا يعتبر وجوده من الأساس طبيعياً. ولكن الأهم هو أن التطبيع الثقافي والاجتماعي يهدف لإعادة "صياغة العقل والوعي العربي بحيث يتم تجريده من عقيدته وتاريخه ومحو ذاكرته وإعادة صياغتها بشكلٍ يقبل ويرضى بما يفرضه العدو ... فالمطلوب إذن هو تحقيق الهزيمة المعنوية والنفسية والاستسلام على مستوى الجماهير العربية بعد أن استسلم معظم المسؤولين العرب". أما كشف حقيقة التطبيع الثقافي فهو الاستراتيجية الأولى لمجابهته، وهنا لا بد أن نحدد بالضبط المقصود بمصطلحي تطبيع، فهو ما يتمثل بكل عمل أو امتناع عن عمل يؤديان لكسر حالة العداء مع العدو الصهيوني بأي شكل.
2) محاربة المنطلقات الفكرية الاستسلامية، ومواجهتها بالمنطلقات الوطنية التحررية التي تتعرض لحملة تشكيك منهجية ومنظمة من قبل الطرف الأمريكي-الصهيوني، حيث تقوم الأقلام والمؤتمرات المشبوهة بتصوير نضالنا وكأنه نضالٌ عقيمٌ قائمٌ على سوء الفهم والحواجز النفسية فحسب، وبتصوير قضايانا وحقوقنا وكأنها نتيجة "مشاكل" في الثقافة العربية!
3) مقاومة تعديل المناهج الدراسية، حيث نصت المعاهدات والاتفاقات الثقافية مع العدو على تعديل المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم وفي مقدمتها كتب التاريخ والتربية والدين لتتماشى مع التزامات التقارب مع العدو. وتدخل تحت هذا الباب مقاومة كل أشكال التطبيع الطلابي والأكاديمي مع العدو الصهيوني.
4) مقاومة وكشف منظمات التمويل الأجنبي، حيث يقوم الطرف الأمريكي-الصهيوني بتمويل مؤسسات وبرامج تهدف لاختراق العقل الجمعي وتغيير منظومات قيمنا ومفاهيمنا تحت ستار قضايا قد تكون محقة في جزئياتها، كالطفل والبيئة والمرأة وغيرها، ولكنها تهدف في سياقها العام لتهديم الوعي الوطني والقومي والانتماء الحضاري للأمة، وصولاً لنشر التطبيع. وكذلك مقاومة وكشف مراكز الأبحاث الممولة أجنبياً التي تقدم معلومات مسحية تفصيلية للمولين يمكن استخدامها في الاختراق الثقافي والاجتماعي عموماً، وفي تصويب الاستراتيجيات التي تضعها الأطراف المعادية ضد الأمة.
عملية الانسحاب غير الكامل من قطاع غزة تابعنا ما يدور على الساحة السياسية من تطورات حول التطبيع مع "إسرائيل" وكأن مكافأة المعتدي هي أسمى ما يلهث وراءه المطبعون لزيادة رصيد الإفلاس السياسي لديهم بإعلانهم الولاء الكامل دون أي تحفظات، وهي بوادر أزمة جديدة تزيد من هوة الاختلافات العربية والإسلامية أو لنقل التخبطات السياسية التي ستؤدي بالعالمين العربي والإسلامي إلى مزيد من التخلف والفرقة والتناحر وبعد عن الديمقراطية الأمر الذي لا يخدم مصالح الأمة.
ودعنا لنخوض في عمق المصطلحات والمفاهيم بخصوص ما يجري مع اليهود اليوم فالتطبيع مثلاً يمكن أن نستشف مفهومه من واقع ثلاث معاهدات تمت مع اليهود (السلطة الفلسطينية ومصر والأردن ) ويمكن القول إن التطبيع هو تمكين اليهود من أرض إسلامية، وعلى رقاب شعب مسلم، ووجود سفارات، وبعثات دبلوماسية، ومكاتب تجارية، وملاحق عسكرية، وثقافية وفنية، لاستجلاب اليهود مما يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارح، ولا يخفى أن هذه تتحول إلى أوكار للجاسوسية والماسونية والإرهاب.
وهنا نتساءل هل يجوز استفتاء هذه الشعوب بخصوص التطبيع إذا أردنا أن نأخذ بمبادئ الديمقراطية؟ أم سنترك الأمر للحكام لتقرير مصير شعوبها حسب ما تملي عليهم ضمائرهم وعقولهم؟.
اليهود استغلوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م للمطالبة بتغيير المناهج لتسهيل عمليات التطبيع وإلغاء مفاهيم البراء والولاء والجهاد وكثير من المفاهيم الإسلامية التي تمس صلب العقيدة والتوحيد وسوف يضيع الجزء الباقي بعد اكتمال التطبيع وكأننا نسينا قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى) «البقرة:120». فهي قضية غير جدلية محسومة.
ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية وثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة، وليس طبقاً للدستور الإسلامي وهو القرآن والسنة. هذا هو معنى التطبيع عندهم. وبذلك نعرف أن الصلح بعد التطبيع يعني الاستسلام التام لهم وعلو شأنهم وإضاعة للدين ولمزيد من الأراضي عربية والإسلامية. أما ما يقصد بالصلح فلا يهمنا منه إلا ما اصطلح عليه شرعاً والمجمع عليه من علماء الأمة وهو: الصلح مع الكفار إن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقداً لازماً، أو مدة مطلقة إن كان عقداً جائزاً ممكن الفسخ وقت الحاجة، هذا هو حد الصلح الشرعي بالإجماع، أما المصالحة المتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعاً بالإجماع ولا يجوز، وليس هو صلحاً مسموحاً به شرعاً بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وشرائعها.
وهنا لنا وقفة مع السياسيين الذين ينادون بالتطبيع وهل هم يستندون إلى فتاوى شرعية تحكم القائد وتحكم الرعية؟ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أم أن لهم مطلق الحرية فيما يقولون ويعملون؟ وهنا نعود إلى مبدأ الاستفتاء الديمقراطي وهل هم يعملون به أم أنهم تولوا أمر الأمة دون الرجوع إلى علمائها الشرعيين؟ وهنا ينبغي أن يعلموا أن شروط كتاب الله أحق وشروط الله أوثق، ولا استفتاء على ما يخالف شرع الله.
ولن نخوض في جدل المسائل الفقهية فمردها إلى علماء الأمة وفتاواهم التي ينبغي أن يأخذ بها ويعمل بموجبها لا أن تترك حبيسة الملفات والمجلدات أو كتب الفتاوى ولكن يمكن لنا أن نتناول مفهوم التطبيع من معاجم اللغة علّنا نجد فيها ما يجعلنا نفهم المفهوم اللغوي أولاً قبل الخوض في تفسير الظاهرة وأبعادها ومراحل تطور نظرياتها وهناك أمثلة في معاجم اللغة تقول طبع الإنسان وسجيّته، وطبع الله على قلب الكافر، ومنه أيضاً طبْع السيف والدرهم، وتطبّع النهر إذا امتلأ، فهل نستطيع القول إن التطبيع هو الوصول بالمنطقة إلى حالة من الاحتقان (الامتلاء) السياسي أو حالة من التماثل بين اليهود والمسلمين في العادات والتقاليد.
وتكون تقاليدهم طبعاً فينا ومن سجايانا بحيث يزول مفهوم الولاء والبراء القائم على أساس الدين، ويكون طبعنا مخالفاً لما شرع الله لنا وأن نلتزم بما يشرعه لنا القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية مع "إسرائيل" التي نريد التطبيع معها، بحيث لا يقبل منّا أنصاف الحلول، لأن التطبيع هو الامتلاء بما يوضع فيه كامتلاء القربة أو الإناء أو غيره. وبالتالي يزيد الضغط على الأطراف المطبعة لكبح جماح المقاومة الشعبية التي اصطلح عليها (منظمات إرهابية) حتى يتم تطبيعهم أو ترويضهم أو كسر شوكتهم أو نحو ذلك وهي ما اصطلح عليها " الاستراتيجية التطبيعية".
تأتي المرحلة الثانية من تطور نظريات التطبيع وهي محاولة دخول دول إسلامية في التطبيع ظهرت بوادره في لقاء الباكستان مع "إسرائيل" لتسير قدماً نحو التطبيع حتى يتم سلخهم عن هويتهم الإسلامية، يتبعها بعد ذلك دول أخرى مثل ماليزيا وأندونيسيا والمبررات التي سيقت لهذا التطبيع كان منها هو تشجيع "إسرائيل" للقبول بقيام دولة فلسطينية بعد انسحابها من قطاع غزة لترسخ أحلام الهيمنة الصهيونية على المنطقة برمتها وتهميش الكبار فيها بعد تهميش مصر وتقييدها بمعاهدة السلام في كامب ديفيد، حتى أصبحت مصر الآن طرفاً لتسوية النزاعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعدما تم تحييدها بالكامل بعد التطبيع بل ومن أكبر نتائجه.
ويمكن أن نعزو عملية الانسحاب للمقاومة العنيفة والانتفاضة المباركة التي تسعى أطراف عديدة إلى إنهائها بشتى الوسائل لأنها هي التي أفشلت بل وأخرت عملية التطبيع تماماً كما أخرت المقاومة اللبنانية حينها بل وأفشلت عمليات التطبيع ونشوء مقاومة واسعة لها في الأوساط الشعبية حتى سقط هرم التطبيع وتحول إلى سراب.
ظهرت بعد ذلك المرحلة الثالثة من نظريات التطبيع لتصبح ما سمي بنظرية التشجيع وتتبناها الآن باكستان وقطر والأردن، وفحوى هذه النظرية هو تشجيع الإسرائيليين من خلال التطبيع على التنازل الأمر الذي تأكد فشله في أكثر من مناسبة، فقد حصل التطبيع في المرحلة السابقة، لكنه لم يشجع الإسرائيليين على التنازل بل انعكست الآية تماماً الأمر الذي أدى إلى تنازلات عربية وإسلامية أكثر مما ينبغي، دون التطرق إلى أسس حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حتى بعد انسحاب "إسرائيل" من غزة وهي ترفض إلى الآن عودة اللاجئين إلى القطاع.
تطورت المرحلة الثالثة لتبدأ المرحلة الرابعة من نظريات التطبيع لتصبح نظرية جديدة تقوم على ربط التطبيع بالمفاوضات ومن ثم الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة والقبول بخريطة الطريق لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية وهو مصدر الإلهام لمن صاغ خريطة الطريق في مرحلتها الثانية وهي الدولة المؤقتة مقابل التطبيع وهو ما ظهرت بوادره هذه الأيام لتستعيد "إسرائيل" ما كان يربطها من علاقات مع الدول العربية بل زادت عليه مع دول إسلامية نووية كالباكستان.
فهل نستطيع القول إن ما سبق يمكن أن يكون أهم مراحل تطور نظريات التطبيع حسب مفهوم أممي جديد بعد ما فشل مشروع إصلاح الأمم المتحدة ومنح "إسرائيل" مقعداً دائماً لها في الأمم المتحدة حتى تتبوأ مكانة القوة العظمى التي تتولى ولاية العهد فيها الآن بعد انتهاء ولاية أمريكا على عرش العالم وسقوطها بعد عمر طو
د. إبراهيم علوش
في مجال مقاومة التطبيع بالتحديد، وضعت اللجنة التنفيذية العليا لمجابهة التطبيع وحماية الوطن في الأردن، المنبثقة عن أحزاب المعارضة الوطنية الأردنية، بمشاركة شخصيات وهيئات نقابية وشعبية عديدة، كراساً بعنوان "الاستراتيجية العربية للمقاطعة ومقاومة التطبيع" كمقترح لأرضية مشتركة تتم مواجهة التطبيع عربياً على أساسها.
وبناءً عليه، فإن بلورة مفاهيم ومرجعية موحدة يمكن أن تقوم عليها مقاومة التطبيع في الوطن العربي ككل، ولو جاء ذلك من منطلقات مختلفة سياسياً وعقائدياً، سوف يسهم في تحويل المبادرات والجهود الفردية إلى حركة جبارة يصعب تجاوزها. لذا، ألخص أدناه الخطوط العريضة للاستراتيجية العربية لمقاومة التطبيع كما وضعتها لجنة عربية أردنية اجتمعت على مدى أشهر لهذا الغرض. وقد قسم الكراس تلك الاستراتيجية إلى ثلاثة مستويات: سياسي، وثقافي-اجتماعي، واقتصادي. وسأركز أدناه على المستويين السياسي والثقافي-الاجتماعي، باعتبار القسم الاقتصادي ركز على قضية المقاطعة فيما نود أن التركيز هنا على التطبيع ومواجهته.
سياسياً، وضعت اللجنة التنفيذية العليا لمواجهة التطبيع وحماية الوطن في الأردن الخطوط العريضة التالية:
1) عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني تحت أي غطاء أو مسمى
2) عدم الاعتراف بأي حلول تصفوية أو "مرحلية"، ومعارضة أي إنجاز مرحلي يتضمن اعترافاً بحق الكيان الصهيوني بالوجود على أي جزء من الأرض العربية
3) مقاطعة كل الأطراف والمنظمات السياسية وغير السياسية التي تكون جزءاً من "دولة إسرائيل"، باعتبار اليهودي الذي يشارك بوجوده في فلسطين في احتلالها لا يمكن أن يكون تقدمياً
4) التمسك بحق اللاجئين في العودة، ومقاومة التوطين
5) العمل لإلغاء المعاهدات والعلاقات مع العدو الصهيوني
6) العمل لتفعيل المقاطعة العربية الرسمية للكيان الصهيوني الرئيسية والثانوية
7) العمل على إشراك أوسع قطاعات الشعب في مقاومة التطبيع وتشجيع التعبيرات الجماعية عن رفض التطبيع كالمظاهرات والاعتصامات وغيرها
8) توسيع نطاق العمل المقاوم للتطبيع خارج الوطن العربي والنقاط الساخنة فيه إلى كل الشعوب الإسلامية والعالم الثالث وأنصار قضايانا في العالم
9) النضال من أجل الحريات العامة، باعتبارها غاية بحد ذاتها، وباعتبارها شرطاً لا بد منه لممارسة العمل المقاوم للتطبيع
أما لمواجهة التطبيع ثقافياً واجتماعياً، فقد تم تحديد الخطوط العريضة التالية:
1) في مفهوم التطبيع، الذي يعني إعادة ما هو غير طبيعي إلى طبيعته، لا بد من الانتباه أن المفهوم نفسه تطبيعي عندما يستخدم بصدد العلاقة مع العدو الصهيوني، الذي لا يعتبر وجوده من الأساس طبيعياً. ولكن الأهم هو أن التطبيع الثقافي والاجتماعي يهدف لإعادة "صياغة العقل والوعي العربي بحيث يتم تجريده من عقيدته وتاريخه ومحو ذاكرته وإعادة صياغتها بشكلٍ يقبل ويرضى بما يفرضه العدو ... فالمطلوب إذن هو تحقيق الهزيمة المعنوية والنفسية والاستسلام على مستوى الجماهير العربية بعد أن استسلم معظم المسؤولين العرب". أما كشف حقيقة التطبيع الثقافي فهو الاستراتيجية الأولى لمجابهته، وهنا لا بد أن نحدد بالضبط المقصود بمصطلحي تطبيع، فهو ما يتمثل بكل عمل أو امتناع عن عمل يؤديان لكسر حالة العداء مع العدو الصهيوني بأي شكل.
2) محاربة المنطلقات الفكرية الاستسلامية، ومواجهتها بالمنطلقات الوطنية التحررية التي تتعرض لحملة تشكيك منهجية ومنظمة من قبل الطرف الأمريكي-الصهيوني، حيث تقوم الأقلام والمؤتمرات المشبوهة بتصوير نضالنا وكأنه نضالٌ عقيمٌ قائمٌ على سوء الفهم والحواجز النفسية فحسب، وبتصوير قضايانا وحقوقنا وكأنها نتيجة "مشاكل" في الثقافة العربية!
3) مقاومة تعديل المناهج الدراسية، حيث نصت المعاهدات والاتفاقات الثقافية مع العدو على تعديل المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم وفي مقدمتها كتب التاريخ والتربية والدين لتتماشى مع التزامات التقارب مع العدو. وتدخل تحت هذا الباب مقاومة كل أشكال التطبيع الطلابي والأكاديمي مع العدو الصهيوني.
4) مقاومة وكشف منظمات التمويل الأجنبي، حيث يقوم الطرف الأمريكي-الصهيوني بتمويل مؤسسات وبرامج تهدف لاختراق العقل الجمعي وتغيير منظومات قيمنا ومفاهيمنا تحت ستار قضايا قد تكون محقة في جزئياتها، كالطفل والبيئة والمرأة وغيرها، ولكنها تهدف في سياقها العام لتهديم الوعي الوطني والقومي والانتماء الحضاري للأمة، وصولاً لنشر التطبيع. وكذلك مقاومة وكشف مراكز الأبحاث الممولة أجنبياً التي تقدم معلومات مسحية تفصيلية للمولين يمكن استخدامها في الاختراق الثقافي والاجتماعي عموماً، وفي تصويب الاستراتيجيات التي تضعها الأطراف المعادية ضد الأمة.
عملية الانسحاب غير الكامل من قطاع غزة تابعنا ما يدور على الساحة السياسية من تطورات حول التطبيع مع "إسرائيل" وكأن مكافأة المعتدي هي أسمى ما يلهث وراءه المطبعون لزيادة رصيد الإفلاس السياسي لديهم بإعلانهم الولاء الكامل دون أي تحفظات، وهي بوادر أزمة جديدة تزيد من هوة الاختلافات العربية والإسلامية أو لنقل التخبطات السياسية التي ستؤدي بالعالمين العربي والإسلامي إلى مزيد من التخلف والفرقة والتناحر وبعد عن الديمقراطية الأمر الذي لا يخدم مصالح الأمة.
ودعنا لنخوض في عمق المصطلحات والمفاهيم بخصوص ما يجري مع اليهود اليوم فالتطبيع مثلاً يمكن أن نستشف مفهومه من واقع ثلاث معاهدات تمت مع اليهود (السلطة الفلسطينية ومصر والأردن ) ويمكن القول إن التطبيع هو تمكين اليهود من أرض إسلامية، وعلى رقاب شعب مسلم، ووجود سفارات، وبعثات دبلوماسية، ومكاتب تجارية، وملاحق عسكرية، وثقافية وفنية، لاستجلاب اليهود مما يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارح، ولا يخفى أن هذه تتحول إلى أوكار للجاسوسية والماسونية والإرهاب.
وهنا نتساءل هل يجوز استفتاء هذه الشعوب بخصوص التطبيع إذا أردنا أن نأخذ بمبادئ الديمقراطية؟ أم سنترك الأمر للحكام لتقرير مصير شعوبها حسب ما تملي عليهم ضمائرهم وعقولهم؟.
اليهود استغلوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م للمطالبة بتغيير المناهج لتسهيل عمليات التطبيع وإلغاء مفاهيم البراء والولاء والجهاد وكثير من المفاهيم الإسلامية التي تمس صلب العقيدة والتوحيد وسوف يضيع الجزء الباقي بعد اكتمال التطبيع وكأننا نسينا قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى) «البقرة:120». فهي قضية غير جدلية محسومة.
ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية وثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة، وليس طبقاً للدستور الإسلامي وهو القرآن والسنة. هذا هو معنى التطبيع عندهم. وبذلك نعرف أن الصلح بعد التطبيع يعني الاستسلام التام لهم وعلو شأنهم وإضاعة للدين ولمزيد من الأراضي عربية والإسلامية. أما ما يقصد بالصلح فلا يهمنا منه إلا ما اصطلح عليه شرعاً والمجمع عليه من علماء الأمة وهو: الصلح مع الكفار إن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقداً لازماً، أو مدة مطلقة إن كان عقداً جائزاً ممكن الفسخ وقت الحاجة، هذا هو حد الصلح الشرعي بالإجماع، أما المصالحة المتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعاً بالإجماع ولا يجوز، وليس هو صلحاً مسموحاً به شرعاً بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وشرائعها.
وهنا لنا وقفة مع السياسيين الذين ينادون بالتطبيع وهل هم يستندون إلى فتاوى شرعية تحكم القائد وتحكم الرعية؟ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أم أن لهم مطلق الحرية فيما يقولون ويعملون؟ وهنا نعود إلى مبدأ الاستفتاء الديمقراطي وهل هم يعملون به أم أنهم تولوا أمر الأمة دون الرجوع إلى علمائها الشرعيين؟ وهنا ينبغي أن يعلموا أن شروط كتاب الله أحق وشروط الله أوثق، ولا استفتاء على ما يخالف شرع الله.
ولن نخوض في جدل المسائل الفقهية فمردها إلى علماء الأمة وفتاواهم التي ينبغي أن يأخذ بها ويعمل بموجبها لا أن تترك حبيسة الملفات والمجلدات أو كتب الفتاوى ولكن يمكن لنا أن نتناول مفهوم التطبيع من معاجم اللغة علّنا نجد فيها ما يجعلنا نفهم المفهوم اللغوي أولاً قبل الخوض في تفسير الظاهرة وأبعادها ومراحل تطور نظرياتها وهناك أمثلة في معاجم اللغة تقول طبع الإنسان وسجيّته، وطبع الله على قلب الكافر، ومنه أيضاً طبْع السيف والدرهم، وتطبّع النهر إذا امتلأ، فهل نستطيع القول إن التطبيع هو الوصول بالمنطقة إلى حالة من الاحتقان (الامتلاء) السياسي أو حالة من التماثل بين اليهود والمسلمين في العادات والتقاليد.
وتكون تقاليدهم طبعاً فينا ومن سجايانا بحيث يزول مفهوم الولاء والبراء القائم على أساس الدين، ويكون طبعنا مخالفاً لما شرع الله لنا وأن نلتزم بما يشرعه لنا القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية مع "إسرائيل" التي نريد التطبيع معها، بحيث لا يقبل منّا أنصاف الحلول، لأن التطبيع هو الامتلاء بما يوضع فيه كامتلاء القربة أو الإناء أو غيره. وبالتالي يزيد الضغط على الأطراف المطبعة لكبح جماح المقاومة الشعبية التي اصطلح عليها (منظمات إرهابية) حتى يتم تطبيعهم أو ترويضهم أو كسر شوكتهم أو نحو ذلك وهي ما اصطلح عليها " الاستراتيجية التطبيعية".
تأتي المرحلة الثانية من تطور نظريات التطبيع وهي محاولة دخول دول إسلامية في التطبيع ظهرت بوادره في لقاء الباكستان مع "إسرائيل" لتسير قدماً نحو التطبيع حتى يتم سلخهم عن هويتهم الإسلامية، يتبعها بعد ذلك دول أخرى مثل ماليزيا وأندونيسيا والمبررات التي سيقت لهذا التطبيع كان منها هو تشجيع "إسرائيل" للقبول بقيام دولة فلسطينية بعد انسحابها من قطاع غزة لترسخ أحلام الهيمنة الصهيونية على المنطقة برمتها وتهميش الكبار فيها بعد تهميش مصر وتقييدها بمعاهدة السلام في كامب ديفيد، حتى أصبحت مصر الآن طرفاً لتسوية النزاعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعدما تم تحييدها بالكامل بعد التطبيع بل ومن أكبر نتائجه.
ويمكن أن نعزو عملية الانسحاب للمقاومة العنيفة والانتفاضة المباركة التي تسعى أطراف عديدة إلى إنهائها بشتى الوسائل لأنها هي التي أفشلت بل وأخرت عملية التطبيع تماماً كما أخرت المقاومة اللبنانية حينها بل وأفشلت عمليات التطبيع ونشوء مقاومة واسعة لها في الأوساط الشعبية حتى سقط هرم التطبيع وتحول إلى سراب.
ظهرت بعد ذلك المرحلة الثالثة من نظريات التطبيع لتصبح ما سمي بنظرية التشجيع وتتبناها الآن باكستان وقطر والأردن، وفحوى هذه النظرية هو تشجيع الإسرائيليين من خلال التطبيع على التنازل الأمر الذي تأكد فشله في أكثر من مناسبة، فقد حصل التطبيع في المرحلة السابقة، لكنه لم يشجع الإسرائيليين على التنازل بل انعكست الآية تماماً الأمر الذي أدى إلى تنازلات عربية وإسلامية أكثر مما ينبغي، دون التطرق إلى أسس حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حتى بعد انسحاب "إسرائيل" من غزة وهي ترفض إلى الآن عودة اللاجئين إلى القطاع.
تطورت المرحلة الثالثة لتبدأ المرحلة الرابعة من نظريات التطبيع لتصبح نظرية جديدة تقوم على ربط التطبيع بالمفاوضات ومن ثم الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة والقبول بخريطة الطريق لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية وهو مصدر الإلهام لمن صاغ خريطة الطريق في مرحلتها الثانية وهي الدولة المؤقتة مقابل التطبيع وهو ما ظهرت بوادره هذه الأيام لتستعيد "إسرائيل" ما كان يربطها من علاقات مع الدول العربية بل زادت عليه مع دول إسلامية نووية كالباكستان.
فهل نستطيع القول إن ما سبق يمكن أن يكون أهم مراحل تطور نظريات التطبيع حسب مفهوم أممي جديد بعد ما فشل مشروع إصلاح الأمم المتحدة ومنح "إسرائيل" مقعداً دائماً لها في الأمم المتحدة حتى تتبوأ مكانة القوة العظمى التي تتولى ولاية العهد فيها الآن بعد انتهاء ولاية أمريكا على عرش العالم وسقوطها بعد عمر طو
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007