لقد دار لغطٌ واسع حول العهد القديم، وما قيل حول أصوله وصحة ما ورد فيه من معلوماتٍ تاريخية، سواء الخاصة منها بالتأريخ لبني إسرائيل أم ما ذُكر فيه عن التأريخ للشعوب التي عاصرتهم. وظلَّ العهد القديم لفترةٍ طويلة من الزمن المصدر الوحيد لكل الأحداث التاريخية التي مرت ببلاد الشام، دون أن يجرؤ أحدٌ على نقض ما ورد فيه، لكونه كتاباً مقدساً، لا يجوز لأي إنسان مهما بلغ علمه أن يفنّد رواياته.
فقد اعتبر بنو إسرائيل أنفسهم "بؤرة التاريخ"، على أساس أن التاريخ خُلق لهم ليعمل على خدمتهم، وتحقيق مصالحهم وأهدافهم الشخصية، وذلك على العكس من الحقيقة الثابتة ومفادها أن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ.
وقد بدا لابن حزم الأندلسي، أن روايات العهد القديم غير متسقة ومتناقضة، أي شابها التحريف والتزوير، وكانت أول محاولة غربية لنقد روايات العهد القديم بدأت منذ القرن الثاني عشر للميلاد، ثم استمرت جهود الباحثين في طَرقِ مرويات العهد القديم ولا زالت، منذ أن فقدت الكنيسة الكاثوليكية كثيراً من سلطتها الأدبية والفكرية، حتى تبيَّن لهم صدق حدسهم، مما أدى إلى ما يمكن تسميته بـ "الثورة الفكرية"، لبيان الحقيقة المجردة، المنزهة عن أية أهواء شخصية، وقد قام بهذه المهمة الجريئة باحثون أوروبيون وأمريكيون وحتى إسرائيليون تخلصوا من عُقد الماضي وأدرانه، ممن يُسمون اليوم بالمؤرخين الجدد.
ورغم أن عدداً كبيراً من الباحثين قد اضطلعوا بهذه المهمة، فإن المجال يبقى خصباً لإضافة المزيد مما قدمه السابقون، ونظراً لأن الإنسان يقف كل يوم على جديد وتتوسع مداركه، فعليه الإفادة مما وقف عليه، وبالتالي إيصال ما استفاده للآخرين.
ولقد ساق كتبة العهد القديم العديد من النماذج لبيان عظمة تاريخ أجدادهم وآبائهم، وزوروا الوقائع التاريخية، ونسبوا ما قامت به الشعوب الأخرى من أعمال، على أنها من صنع بني إسرائيل، ونسوق هنا مثالين فقط على ذلك:
أولاً: يذكر سفر صموئيل الثاني، أن داود استولى على مدينة أورشليم الحصينة من اليبوسيين الكنعانيين في أوائل القرن العاشر قبل الميلاد (صموئيل الثاني 5/4-10). وقد نفى البعض ما جاء في هذا السفر حول هذه الرواية، وأكد أن الوحيد الذي فتحت له هذه المدينة أبوابها لاستقباله بسلام هو الفرعون المصري "تحتمس الثالث"، قبل داود بخمسة قرون؛ لذا عُرفت فيما بعد باسم "أورشليم"، أي "مدينة السلام"، كما ذكر أنه ليس صحيحاً ما جاء في سفر الملوك الثاني من أن مدينة القدس كانت عاصمةً لمملكة يهوذا عندما حطمها الملك البابلي "نبوخذ نصَّر" بعد عام 586 ق.م. لأنها كانت ما تزال في أيدي أصحابها اليبوسيين الذين أفناهم جيش الملك البابلي عن آخرهم وترك مدينتهم حطاماً، فكل الأدلة المتوفرة تؤكد أن بني إسرائيل لم يدخلوا أبداً إلى أورشليم، ولم يقدسوا في معبدها. ولكن الإسرائيليين الذين عادوا من بابل، هم أول من فعل ذلك بعد سقوط الدولة البابلية على يد الملك الفارسي "قورش". والجدير بالذكر أن كُتب التوراة الخمسة الأولى والمنسوبة إلى موسى عليه السلام، هي فقط التي كُتبت خلال القرن السادس قبل الميلاد، أما أسفار العهد القديم الأخرى، فلم تأخذ شكلها الحالي إلاَّ بعد ذلك بثلاثة قرون.
ويؤكد بعض الباحثين أن قبائل يهوذا كانت تسكن المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة أورشليم الحصينة، لذلك نجد ادعاء كتبة سفر صموئيل الثاني بأن داود استولى على هذه المدينة ليس له أساس من الصحة(4)، ورغم ذلك استمرت كتب أسفار الملوك التالية في اعتبار أورشليم عاصمةً لمملكة يهوذا، وإن كان من الواضح أن هذه المدينة لم تكن لها علاقة بما يجري من أحداث، وإنما أراد كتبة العهد القديم عند إعادة صياغة هذه الكتب، جمع الإسرائيليين على مدينة يقدسونها مع تبرير حق لهم فيها؛ الأمر الذي لم يتم إلاَّ بعد دمار هذه المدينة على أيدي البابليين.
وكان أهل يهوذا يقيمون مذابحهم وعباداتهم عند قمم الجبال العالية شأنهم في ذلك شأن باقي الشعوب الكنعانية، وكانت أورشليم بسبب وجود المسطح الصخري الواقع أعلى المدينة شمالاً، تعتبر أهم منطقة للعبادة في كل أرض كنعان، وكان لموقع المدينة الحصين ووجود أسوار قوية حولها، أن جعلها أقل عُرضة لهجمات الأعداء إلى أن فتحت أبوابها لاستقبال الفرعون "تحتمس الثالث" خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد، عندما أدركت عدم جدوى مواجهة جيشه القوي، فركَّز فيها الملوك المصريون فرقة عسكرية من المركبات والخيَّالة، ثم أقام الفرعون أمنحوتب الثالث فيما بعد معبداً عند مذبح الصخرة، وهذا ما ينفي ما زعمه سفر الملوك الأول، من أن "سليمان بن داود" هو الذي قام ببناء هذا المعبد.
وقد أكدَّ توماس طومسون أن تحتمس الثالث هو بالفعل، الذي أسس إمبراطورية مترامية الأطراف في سوريا، وذلك بقوله أن تحتمس الثالث عندما ضمَّ فلسطين وسوريا إلى إمبراطوريته عام 1482 ق.م.، أقام عدداً من المراكز العسكرية والإدارية، وأن هذا النظام حقق قدراً كبيراً من الاستقرار في فلسطين، لا سيما في السهل الساحلي الجنوبي والأراضي الفلسطينية ذات الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية بالنسبة للمصريين.
ومن نافلة القول، أن المدونات المصرية التي تناولت حملة الفرعون شيشنق على المدن الرئيسية وطرق التجارة في فلسطين أواخر القرن التاسع قبل الميلاد، لم تذكر أي شيء على الإطلاق عن أي حكم إمبريالي ذي شأنٍ عظيم في فلسطين مركزه
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007