الله يرحم أيام الكتاب القيم

تموت الكتب وتنعيها الكلمات وتسجيها الأحرف على ضفاف نهر كانت دموعه تسيل فخرا ومجدا وتنبض علما وفهما وتتشجر حوله أشجار العقول والعلوم والأدب وأولو الفكر والعزم وتجني ثمارها أمم ومدائن ودول ومجتمعات حطت رحالها وارست جماحها على ضفاف ذلك النهر الذي أكسبها العزة والشموخ والتقدم والرفعة , ذلك النهر هو الكتاب الذي تنطوي في طياته تاريخ وشعوب وعلوم , ذلك الكتاب الذي عجز الزمان عن مفارقته وخار المكان على تقييده , إنه الكتاب الذي لم تفتأ دفّتاه عن البذل والعطاء فهو الناصح الأمين والواعظ الكريم والصديق القديم الذي تختبئ في سجاياه الحكمة والموعظة الحسنة إنه ذلك الكتاب الذي يسطع نجمه في السماء عاليا ليمنح التائهين الضالين نور الهداية والذي أيضا سخّر طياته لكل كلمة تبعث إلى تزكية النفوس وتقويم الفكر والإرتقاء بالروح وتذليل الصعاب , هو ذلك الكتاب الذي أضحى معيارا ومقياسا لتقيم الخلائق والأمم وهذا يستقل بي إلى أمة إتخذت من الكتاب هاجرا وهاجسا يصعب ذكره والنظر إليه حتى أنه أصبح حجر عثرة على مجتمعنا الذي هو وليد تلك الأمة الغارقة بين مطارق اللهو والسمر والترويح عن الذات على أمواج البحر الهائجة و العاتية , تلك الأمة التي غدت طريحة الأمراض والإعياء واللامبالاة والتي هي من حوصلة هجر الكتاب والعزوف عن المكتبات بحيث أنّا نحيا زمان كثرت فيه الكتب وقلّ مطالعوها , نحيا زمان انفلبت فيه موازين المعرفة ومزاياها , صِرت ترى الكتاب باكيا حزينا يتذمر ويشكوا الخلوة والوحدة لا لسبب سوى أنه أفنى جل عمره في تسهيل الصعاب وتقريب الأزمان وتوحيد الأذهان والأفكار وتحويلها الى سهل يسهل الزرع والحصاد فيها والتي تنقلنا الى الحقيقة المحزنة والمبكية والتي بدلا من أن تقابل بالجميل تقابل بالنكران والخذلان والتي من ضحاياها تلك المقولة التي ألبسوها حلة جديدة وهي أن " خير جليس في هذا الزمان كتاب " والقول الأصح لها " شر جليس في الزمان كتاب" ولكن تعمدت لأِن أقول " هذا الزمان " لان ذلك هو الذي يتراءى للأعين والأنفس . فلو نظرنا إلى الأزمنة الغابرة لصعقنا ولولينا فرارا لان تلك الأزمنة ما كانت تغيب الشمس ولا تشرق حتى تروي روحها وتغذي ذهنها بقراءة الكتب حتى يسهل عليها محادثة العقل والنفس والروح والإبحار بها إلى عالم الإبداع والإنجاز ومن تلك الازمنة كانت أمة حباها الله بلقب إستحقته لعصور خلت ولكنها اليوم تكاد تتجرد منه ألا وهي أمتنا أمة إقرأ والتي أضحت لا تقرأ وإذا قرأت لا تفقه وهذا لا يشمل كل الأمة ولكن يشمل معظمها . نعم تلك هي الحقيقة التي تدمي القلوب وتقرح العيون وتشيب لهولها الولدان وعلى إثر ذلك يتبادر إلى ذهني ذلك السؤال وهو إلى متى تلك الغفوة وهل من مرّد الى الكتاب وعودة ؟ لكنه يبقى الأمل كبيرا في أن تعكس الهجرة وجهتها كما الطيور تهاجر غريبة الأوطان والديار ولكن في نهاية المطاف تعود لتشدو وتغني وتتيح للأزهار ان تنبت وتنمو وتصبح ذات شجون تخلد اليه الطيور وخلاصة القول هو أن نشد الرحال الى المكتبات ونعلن توبتنا جهارا ونبتدئ صفحة نقية جديدة مع الكتاب ونؤذن من على أسطره أن حي الى الكتاب.................