ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى النسر الأحمر

أهلا وسهلا بكم فى ملتقى النسر الأحمر
رفيقى الزائر انت غير مسجل نتمنى منك التسجيل
للأستفادة من كل مميزات الملتقى

ملتقى النسر الأحمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فكرى تعبوي تنظيمي


    كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))

    rita
    rita

    مشرفة المنتدي الأخباري  مشرفة المنتدي الأخباري



    انثى
    عدد الرسائل : 1809
    العمر : 29
    العمل/الترفيه : أنا شاهد المذبحة وشهيد الخريطة انا وليد الكلمات البسيطة.
    المزاج : تمام
    الدولة : كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))  Palest10
    نقاط : 7574
    تقييم الأعضاء : 3
    تاريخ التسجيل : 22/01/2010
    الأوسمة : كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))  Empty
    وسام مسابقة الضيف المجهول : كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))  Empty

    كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))  Empty كلام السناتور / بول فندلي عن عدن في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام ))

    مُساهمة من طرف rita الأربعاء سبتمبر 08, 2010 11:49 pm

    كان و لا يزال السناتور الامريكي الجمهوري / بول فندلي ، أول و آخر سناتور امريكي يجرؤ على الكلام لكشف اساليب و ممارسات اللوبي الاسرائيلي للسيطرة على سياسات الولايات المتحدة ، و قد كلفه ذلك خسارة الانتخابات بعد حملة شرسة نظمها اللوبي الاسرائيلي ضد اعادة انتخابه ، و قد كتب عن تجربته تلك في كتابه الشهير (( من يجرؤ على الكلام )) .

    و لكن كيف حدث كل ذلك التحول في موقف ذلك السناتور الجمهوري المحافظ من الغرب الاوسط الامريكي ...؟ و ما علاقة كل ذلك بعدن و رئيس اليمن الجنوبية الراحل / سالم ربيع علي ...؟ هذا ما يرويه السناتور / بول فندلي في الفصل الاول من ذلك الكتاب .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عضو في الكونجرس من أواسط الغرب يتعرف على الشرق
    الاوسط

    يتساءلون هنا (كيف يتورط نائب من بلاد الفلاحين في
    قلب أمريكا في السياسات الشرق أوسطية ؟ ) الواقع أنه
    ليس عندي, كسائر أعضاء الكونجرس الريفيين, دوائر
    انتخابية عرقيه تستميلني إلى جانب مصالحها
    الخارجية ,فركزت بطبيعة الحال على أمور كالزراعة
    والميزانية العامة والإصلاحات المعيشية.

    وقد عينت حديثا في الجنة الفرعية لأوربا والشرق
    الأوسط. وكنت لاثنتي عشرة سنه خلت أمثل منطقة
    سبرنغفيلد (ايلنوي) من غير أن أجتذب انتباها كبيرا
    لا في الداخل ولا في الخارج. ولم يهتم أحد بزيارتي
    الأولى لإسرائيل ومصر عام 1972,حتى أن صحيفة
    الجيروزالم بوست, صحيفة إسرائيل الرئيسية باللغة
    الانجليزية, لم تأت على ذكرها.

    ولكن بعد ثماني سنوات عاد علي انغماسي في شؤون
    الشرق الأوسط السياسة بالعار والشنار لدى الكثيرين
    من يهود أمريكا,وبالسمعة السيئة في إسرائيل ,
    وبالإطراء والمديح في كل أرجاء الوطن العربي.
    وبحلول العام 1980وجدت نفسي هدفا لأبهظ حمله
    برلمانية في تاريخ الولاية, شنتها المدن التي
    يتمركز فيها النشاط الموالي لإسرائيل,ولكن بعيدا
    عن اليهود المحليين في أواسط ايلنوي الذين عرفوني
    فوثقوا بي. وبفضل سيل الدولارات العدائية المتدفق
    من المناطق الساحلية ومن شيكاغو المجاورة
    أصبحت(عدو إسرائيل رقم واحد) كما أصبحت الحملة ضد
    إعادة انتخابي الشغل الشاغل للوبي الإسرائيلي .

    وكنت قد بدأت عند انضمامي إلى اللجنة الفرعية
    للمرة الأولى أشك, بناء على تحليل أستاذ بكلية
    ايلنوي, في حكمة السياسة التي تتبعها الولايات
    المتحدة الامركية في الشرق الأوسط . على إنني كتمت
    هذا الشك في نفسي معظم الوقت لكن ليس خوفا من
    العواقب السياسية. ففي الواقع ظننت بكل سذاجة أن في
    وسعي مناقشة سياستنا أينما كنت دون أن أواجه أية
    متاعب. ولم أكن اعرف تماما مدى عمق تغلغل جذور
    المصالح الإسرائيلية في المؤسسات الأمريكية.

    ولا يسمع أعضاء الكونجرس في العادة غير وجهة النظر
    الإسرائيلية , فلم تكن هناك لوبيات عربية أمريكية -
    وما وجد منها لا يزال حتى اليوم قليل الخبرة, ولم
    تبد السفارات العربية اهتماما كبيرا بأن يكون لها
    تأثير على أعضاء الهيئة التشريعية , بل أنها تتردد
    حتى الآن في استخدام خبراء في العلاقات العامة.وإذا
    ما أراد عضو في الكونجرس الاستماع إلى وجهة النظر
    العربية ,وجد صعوبة في العثور على متحدث عربي
    يشرحها له.

    أما انخراطي الشخصي في شؤون الشرق الأوسط
    السياسية,فقط بدأ بمشكلة انتخابية في دائرتي لا
    علاقة مباشرة لها بالنزاع العربي-الإسرائيلي.

    كان ذلك في ربيع 1973 عندما تلقيت رسالة من السيدة
    ايفا نز فرنكلين المقيمة في دائرتي الانتخابية ,
    وكانت مراسلة محلية لصحيفة ريفية كنت في يوم من
    الأيام رئيس تحريرها.وفي تلك الرسالة تناشدني
    السيدة فرنكلين مساعدتها في الإفراج عن ابنها (اد)
    المحتجز في سجن بعيد.
    فقد أدين بالتجسس وحكم عليه بالسجن الانفرادي مدة
    خمس سنوات في عدن,عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية
    الشعبية الماركسية. وبعد ان اطلعت على الرسالة أخذت
    أراجع الخارطة, فكل ما كنت أعلمه هو أن عدن كانت في
    يوم من الأيام قاعدة بريطانية رئيسية.

    وعلمت من الأم المتظلمة أنه لولا ‘ إلغاء عدد من
    الرحلات الجوية لما اضطر ولدها إلى دخول عدن
    أطلاقا. فقد كان عائدا من أثيوبيا إلى مركز عمله
    كمدرس في الكويت عندما أمرت الطائرة بتغير طريقها
    والهبوط في عدن حيث تأخر إد مرة أخرى بسبب إلغاء
    رحلة الخروج. وشاء سوء طالعه أن يتلهى بهواياته
    فيلتقط صورا في منطقة محظورة من غير علم بالتحذيرات
    المحلية. وكان العدنيون حينذاك مازالوا ينفعلون
    عند رؤيتهم زوارا شقر الشعر,إذا مابرحوا يذكرون
    الغارة التي شنها الكوماندوس البريطانيون بعيد
    جلائهم عن عدن قبل ست سنوات.

    وبعد أن احتجز اد مدة شهر لاستجوابه جرت له محاكمة
    أدين فيها وحكم عليه بالسجن . وقد بذلت معظم المساعي
    لتأمين الإفراج عنه دون أية مساعدة من وزارة
    خارجيتنا. فلم يكن لحكومتنا أية علاقات دبلوماسية
    أو غير دبلوماسية مع عدن منذ انقلاب 1969 الذي جنح
    بنظام الحكم فجأة نحو اليسار . وهذا يعني أنه لم يكن
    باستطاعة وزارة الخارجية أن تقوم بأي تحرك مباشر.
    فطلبت المساعدة من صديق في السفارة المصرية
    بواشنطن. وبعث والدا اد, وهما من متوسطي الحال,
    برسالة إلى الرئيس العدني سالم ربيع علي, ملتمسين
    منة الرأفة. وبعثت أنا بالتماس مماثل وطلبت حكومتنا
    المساعدة من بريطانيا عن طريق سفارتها في عدن, إلا
    أن جميع هذه المبادرات ذهبت أدراج الرياح.

    وفي كانون الأول(ديسمبر) 1973 قمت بزيارة عبد الله
    الأشطل, سفير عدن لدى الأمم المتحدة بنيويورك,
    وسألته عما إذا كان بوسعي أن أتوجه شخصيا إلى عدن
    لتقديم التماس بالإفراج عنه.والأشطل دبلوماسي شاب
    قصير القامة ,وسيم الطلعة, كان يحضر دروسا مسائية
    عالية في جامعة نيويورك, وقد وعدني برد سريع وجاء
    الرد بعد أسبوعين بالترحيب بزيارتي .

    إذا قررت الذهاب , كان علي أن أسافر وحدي لأكون أول
    عضو من مجلس النواب أومجلس الشيوخ في الكونجرس
    الأمريكي يزور عدن عدن منذ أن أصبحت جمهورية عام 1967,
    و أول رسمي يزورها منذ أن قطعت العلاقات
    الدبلوماسية بين البلدين بعد الانقلاب بسنتين. ومع
    إن مشروع الزيارة كان مثيرا, فأنني قد توجست فيه
    شرا, خصوصا وإنني لست مبعوثا مفوضا. ووزارة
    خارجيتنا تعتبر اليمن الجنوبية التي يقال عنها
    أحيانا كوبا العالم العربي, أكثر الدول العربية
    راديكالية. ولم يخفف صديق لي في الوزارة من روعي بعد
    أن ابلغني أن وزير خارجية عدن لم يصبح وزيرا إلا
    لأنه (قتل من الخصوم أكثر من أي مرشح آخر لهذا
    المنصب) .

    وعند ذاك تواردت على ذهني الخواطر المقلقة, وأخذت
    أفكر كيف سيكون استقبالهم لي. وتداولت في أمر هذه
    الرحلة مع ألفرد ل. اثرثون, مساعد وزير الخارجية
    لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا. فسألته (لو حدث
    واحتجزوني, فما عساكم فاعلين أولا؟) فابتسم وأجاب(
    أبحث عن عضو آخر في الكونجرس ليتقدم ويخرجك).

    ومع ذلك فربما كنت الشخص الوحيد الذي باستطاعته
    مساعدة أسرة فرنكلين. وقالت لي الوالدة (أشك في أن
    أد سيبقى حيا خمس سنوات في سجون اليمن). وأفصحت لي
    زوجتي لوسيل عن مخاوفها من هذه الرحلة , ولكنها
    وافقت على أنه لم يكن أمامي من خيار غير السفر.

    وخطر ببالي أن هذه الرحلة قد تكون فرصة لفتح الباب
    أمام علاقات أفضل مع هذا الجزء الحيوي من العالم
    على الرغم من قلة المعلومات عنه . ونظرا لاحتمال
    إعادة فتح قناة السويس في وقت قريب حينذاك, فان
    إقامة علاقات أفضل مع عدن قد تكون مهمة للمصالح
    الأمريكية في المحيط الهندي. ثم أن عدن, إضافة إلى
    جبوتي الخاضعة للسيطرة الفرنسية, تهيمن على مضيق
    عالمي الشهرة ومهم جدا ويعتبر بوابة قناة السويس.
    وإذا نجح السوفيات الحاضرون فعلا بواسطة بعثات
    المساعدة والمستشارين العسكريين, في السيطرة على
    حكومة عدن, تحكموا عمليا بالقناة من الجنوب. فكان من
    الواضح, عدا الإفراج عن أد فرنكلين, أن الولايات
    المتحدة بحاجة إلى علاقات طيبة.

    وأخيرا عقدت العزم على السفر, وتقرر البدء بالرحلة
    في أواخر آذار (مارس) 1974.

    وعلمت من المطلعين على شؤون الشرق الأوسط أن وزير
    الخارجية هنري كيسنجر الذي كان على وشك البدء
    بمفاوضات مكوكية بين إسرائيل ومصر, يحظى بقدر كبير
    من الاحترام في عدن. ومع إنني كنت أشك في أن
    باستطاعته تخصيص لحظة واحدة للبحث في أمر رحلتي,
    فقد طلبت من وزارة الخارجية تزويدي بكتاب أحمله معي
    ويكون واضحا إلى أقصى حد مستطاع بخصوص العلاقات
    الأمريكية- العدنية .

    ولكم كانت دهشتي عندما تسلمت كتابا شخصيا من
    كيسنجر قبل سفري بثلاثة أيام يعرب فيه عن ترحيبه
    (بمهمتي الإنسانية) إلى عدن, وأضاف(وإذا سنحت لك
    الفرصة فقد يكون بودك إطلاع المسئولين الذين تلتقي
    بهم على التزامنا المستمر بالعمل في سبيل سلام عادل
    ودائم في الشرق الأوسط, وعلى رغبتنا في تدعيم
    علاقاتنا مع العالم العربي) .

    وكان هذا الكتاب الموجه إلي وليس إلى حكومة عدن
    بمثابة وسيلة دبلوماسية لجس النبض, فخامرني الأمل
    بأن يقنع من التقي به من المسؤولين بأن الولايات
    المتحدة راغبة في أنشاء علاقات طبيعية

    والمسافر الطيب يحمل دائما الهدايا. وبناء على
    نصيحة صديق مصري, حصلت على منح دراسية من ثلاث كليات
    في ايلنوي لأقدمها لطلاب في اليمن الجنوبية. وعثرت
    على نسختين لترجمة عربية لسيرة حياة لنكولن كما
    كتبها كارل ساندبرغ وجلدتهما تجليدا أنيقا خاصا,
    وحملت أيضا تمثالين صغيرين لرأس لنكولن, أعظم من
    أنجبت دائرتي الانتخابية, لعله يكون معروفا كذلك في
    عدن.

    غادرت واشنطن في وقت مبكر لتتاح لي زيارة سوريا قبل
    أن أتوجه جنوبا إلى عدن. ولم تكن لسوريا علاقات
    دبلوماسية طبيعية مع الولايات المتحدة منذ حرب 1967
    مع إسرائيل. وعلى الرغم من أهمية هذا البلد
    المتزايدة , فلم يدر بخلد أحد من مجلس النواب
    الأمريكي مدة خمس سنوات أن يقوم بزيارته. ولكم كانت
    دهشتي عندما وافق الرئيس السوري حافظ الأسد على
    استقبالي دون موعد سابق, ربما لأنه أعجب بحضور عضو
    من الكونجرس الأميركي قيل له أنه منفتح الذهن على
    قضايا الشرق الأوسط.

    استقبلني الأسد في قاعة الاستقبال الرحبة في
    الطبقة الثانية من مبنى مكتبه, فوجدته فارع الطول,
    قوي البنية, عريض الجبهة, ودودا, هادئا. وقد عرض
    وجهات نظره بقوة من غير أية بادره عدائية. وبينما
    كنا نحتسي القهوة العربية اللذيذة أعرب الرئيس
    السوري عن امتعاضه من الدعم الامريكي لتصرفات
    إسرائيل . وقال ( اننا نشعر بالمرارة إزاء المدافع
    والذخائر التي تمدون بها إسرائيل. كيف لا؟ ولكن
    المرارة هي غير العداوة . والوقع إننا نكن مشاعر
    ودية للشعب الأمريكي. وعلى الرغم من الحرب فان
    الشعب السوري يحب الأمريكيين منذ سنين ) .

    وفيما انا أظهر تعاطفي معه أخذت زمام المبادرة
    وطالبته بإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة
    وانتزاع ورقة من دفتر الاسرائيلين للعلاقات
    العامة. واقترحت عليه السفر الى الولايات المتحدة
    لطرح قضيته مباشرة على الشعب الامريكي بالتلفزيون.

    فأجاب الرئيس الأسد(ربما اننا أرتكبنا بعض
    الأخطاء, وينبغي أن تكون لنا علاقات عامة أفضل. وأنا
    موافق على ما تقوله وتشير به , إلا انني لا ادري متى
    سيكون بوسعي زيارة الولايات المتحدة).

    وإذ نهضت لأنصرف قال لي الرئيس الأسد (أفوضك بان
    تدعو باسمي أعضاء الكونجرس لزيارة سوريا باسرع
    مايمكن,فعلى الرحب والسعة. ونريد ان نستقبل
    المنتقدين والأصدقاء منهم على السواء). ولكن عندما
    وجهت دعوة الرئيس الاسد شخصيا الى كثرة من زملائي,
    وفي تقرير رسمي وزعته على الجميع,لم يقبلها سوى
    القليل. و لم يقم أول فريق من الكونجرس بزيارة سوريا
    إلا في العام 1978, أي بعد أربع سنوات من توجيه الدعوة.

    وبعد اللقاء مع الرئيس السوري, نقلتني السيارة في
    ساعة متأخرة من الليل من دمشق إلى بيروت لأستقل
    منها الطائرة إلى عدن. وفيما كانت السيارة تقترب من
    الحدود السورية-اللبنانية سمعت اصوات القصف
    الأسرائيلي لجبل الشيخ,فكان ذلك تذكرة محزنة بأن
    القتال لم يتوقف على الرغم من مرور سبع سنوات على
    انتهاء حرب1967.

    في العام 1974 كانت بيروت لاتزال (باريس الشرق
    الأوسط) مدينة غربية المظهر ذات حياة ليلية صاخبة
    وتجارة ناشطة.وكان فندق هوليداي إن الجديد قد
    افتتح لتوه بمواجهة البحر. وكان كل شارع في المدينة
    تقريبا يتباهى بوجود مصرفين دوليين فيه وثلاث
    مكتبات على الاقل واثنى عشر مطعما. وفي العام
    التالي بات الهوليداي إن ساحة قتال بين مليشيا
    الكتائب التي تساندها اسرائيل والتحالف اللبناني
    اليساري الذي يضم بعض الفلسطينيين وتؤيده
    الحكومات العربية وموسكو.

    لقد مزقت جدرانه القذائف و امتلأ قسمه العلوي بجثث
    القناصين. وقد حولت الحرب الأهلية البغيضة التي
    اندلعت عام 1975, بيروت إلى مدينة ركام.

    وحتى عام 1974 لم يكن للاجئين الفلسطينيين في
    المخيمات نصيب مما اصابته بيروت من ازدهار
    ورخاء.وقد مررت بالاكواخ البائسة في مخيمي صبرا
    وشاتيلا حيث وقعت بعد تسع سنوات مذبحة هزت العالم
    أجمع إذ ذهب ضحيتها مئات من الفلسطينين المدنيين.
    وقال لي مرافقي من السفارة الامريكية (هذة المخيمات
    البائسة لم تتحسن منذ 20سنة).

    ومررت أيضا بمخيم تل الزعتر الذي واجه سكانه بعد
    ذلك بقليل مصيرا أشد ضراوة ووحشية. فبعد سنه حاصرت
    المليشيا(المسيحية) اليمينية المخيم, وقد تولت
    حكومة اسرائيل العمالية تسليحها و أرشادها مدة 45
    يوما.وقضى 15 ألف فلسطيني نحبه, كثيرون منهم بعد
    استسلام المخيم. وأعدمت المليشيات كل شاب بقي على
    قيد الحياة. ولم تأبه الصحافة العالمية كثيرا بتلك
    المذبحة التي يكاد لا يذكرها أحد سوى الفلسطينيين
    أنفسهم.

    و في ذلك الحين, و كنا في ربيع1974, لم يكن لدي أي حدس
    بسلسلة المآسي اللاحقة. وفي بيروت صعدت إلى الطائرة
    المتجهة إلى عدن وفي ذهني مأساة شخص واحد هو إد
    فرنكلين.

    مهمتي في عدن :

    لشد ما كانت دهشتي وسرني عندما وجدت في استقبالي في
    عدن وفدا من خمسة رسميين شباب, ثلاثة منهم وزراء,
    وكان راسي هو الأشيب الوحيد الذي يلمع بين رؤوسهم
    تلك الليلة. وقد بقي أعضاء الوفد يقظين حتى الساعة
    الثانية صباحا بانتظار وصول الطائرة, وبادرني رئيس
    التشريفات بقوله ( أهلا وسهلا, لقد أعددنا لك شقة
    لاقامتك) بشرى خير. فتبادر إلى ذهني أنني سأحشر في
    حجرة بأحد الفنادق, ولكن تبين أن الشقة هي بناء عتيق
    كان لعدة سنوات في عهد الاستعمار منزلا لقائد سلاح
    الجو البريطاني.

    وللمبنى شرفة عريضة تظلها الأشجار- وهذا شيء نادر
    في عدن- وتطل على المرفأ العظيم الذي يعد نقطة
    استراتيجية مهمة منذ أن دار الانسان الأبيض حول راس
    الرجاء الصالح للمرة الأولى في القرن السادس
    عشر,تؤانسنا الشحارير بتغريدها فوق الأفنان.

    وقد سمح لي بزيارة فرنكلين في السابعة والربع من
    مساء اليوم الأول, فوجدته تحت الحراسة في شقة في
    الطبقة الثانية من مبنى حديث ولكنه صغير.وعندما
    دخلت عليه كان واقفا بجانب أريكة في غرفة الجلوس.
    ولم يسبق لنا ان التقينا اطلاقا. بادرني إد بالقول
    (أعتقد أنك عضو الكونجرس فندلي).

    وعلى الرغم من الانفعال الذي خلقته تلك المناسبة
    فقد ابتسمت إذ انتابني إحساس بما استولى على
    ليفنغستون من شعور في افريقيا الوسطى في منتصف
    القرن التاسع عشر.

    و رأيت فرنكلين ضامرا بل هزيلا بعد أن أمضى 16 شهرا
    في الاعتقال , بدليل اتساع سراويله كثيرا عليه, ولكن
    شعره الأصفر كان مصففا بأناقة, ولحيته حليقة ناعمة,
    وبشرته مائلة إلى السمرة, وبدأ لي أكبر من عمره- وهو
    34 سنة - بكثير.

    كان بوسعنا التحدث معا على انفراد قلت (أراك نحيلا
    ولكنك تبدو في صحة جيدة) فرد قائلا (يسرني جدا قدومك,
    وأنا أشعر بأن حالي أحسن, وأصبح أحسن بكثير لوجودك
    هنا. وقبل بضعة أيام عندما نظرت في المرآة للمرة
    الأولى منذ اشهر هالني مظهري) , وقال أن سمرة بشرته
    هي نتيجة التريض اليومي في باحة السجن وأضاف أنه لم
    ينقل إلى هذه الشقة إلا قبل يومين فقط, مما يدل على
    أن السلطات لم تشأ أن أراه في السجن.

    وناولته صندوقا وقلت له (هاك صندوقا فيه مأكولات
    مختلفة طلبت أسرتك مني نقله إليك), هنا تغير لون
    وجهه الذي لم يبد عليه حتى الآن أي أثر للانفعال
    وقال معقبا ( أظن أن هذا معناه أنني لن أعود معك إلى
    الوطن) . قلت (لا أدري).

    عندئذ عمد فرنكلين إلى تغير موضوع الحديث فقال
    (تركت الكتاب المقدس في السجن , وهذا يؤلمني لأنني
    أحب أن اقرأ فيه كل يوم) , قلت له (ان الكثيرين يصلون
    لأجلك) , فقال (أجل , أحسست هذا من البداية وقبل أن
    أعلم بذلك من الرسائل الواردة من الوطن , فقد حدثني
    به قلبي) .

    وأكد لي فرنكلين أنه لم يتعرض جسديا لسوء إلا أن
    نقسه تعاف الطعام الذي يقدم إليه , كما أن بعض
    الأنظمة المفروضة تضايقه . (ولم يسمح لي بقلم وورق
    وأنا أحب الكتابة . وذات مرة كتبت شعرا على كيس
    ولكنهم أكتشفوا قلمي الرصاص فصادروه مني , ولا أدري
    لماذا) , ومع ذلك فلم يكن ناقما على آسريه . وقال (أحب
    العالم العربي , وربما شغلت وظيفة في السفارة
    الأمريكية إذا عادت وفتحت أبوابها في عدن في يوم من
    الأيام).

    فطمأنته إلى أنني (سأبذل قصارى جهدي لتأمين
    الافراج عنك أو على الأقل تخفيض مدة حبسك . فلهذه
    الغاية جئت إلى هنا , وسأحاول رؤيتك ثانية قبل عودتي
    وسأحاول كذلك تأمين السماح لك بقلم رصاص وورق ).

    وفي طريق عودتي ألى الشقة أبلغت مرافقي برغبة
    فرنكلين في الحصول على مواد الكتابة , فاكتفى بالرد
    (سأرفع تقريرا بذلك) .

    أمضيت يوم الجمعة , وهو يوم العطلة الأسبوعية عند
    المسلمين , متجولا في المناطق الريفية المجاورة
    المقفرة . والشيء الوحيد الذي قد يلفت نظر السائح هو
    بئر حجرية ضخمة أثرية لاختزان مياه المطر النادر.
    وفي المساء شاركني العشاء القنصل البريطاني , وهو
    رجل رقيق القلب كان من وقت لآخر يقدم لفرنكلين بعض
    الكتب للمطالعة .

    ومما يذكر هنا أن البريطانين أدركوا منذ زمن طويل
    أهمية الأحتفاظ بعلاقات دبلوماسية حتى مع أنظمة
    الحكم المعادية , وقد أنشأوا لهم سفارة في عدن بعد
    مغادرتهم العاصمة لها بقليل .

    وصباح السبت حضر إلى شقتي وزير الخارجية السيد م.ج
    مطيع حيث تباحثنا مطولا في العلاقات الأمريكية -
    العدنية . وكان موضوعه الرئيسي محنة الفلسطينيين
    تحت الأحتلال الاسرائيلي , وموضوعي الرئيسي
    فرنكلين . ولكنه اتهم الولايات المتحدة بمساعدة
    المملكة العربية السعودية على إثارة الشغب على طول
    حدود عدن . فأعربت له عن انزعاجي من هذه التهمة وقلت
    له أن لا علم لي بمثل هذه الأعمال وتمنيت أن اساعد
    على تحسين العلاقات . فرد السيد مطيع بقوله : (الماضي
    لم يكن حسنا , غير أن الحاضر يبدو أفضل , ونحن بحاجة
    إلى دليل جوهري على الصداقة . فنحن مثلا بحاجة إلى
    مساعدة لشراء القمح).

    وبعد المداولة أمضيت وقتا طويلا دون طائل في
    محاولة الحصول على لائحة المشتريات التي حملتني
    إياها أسرتي . فلم يكن في السوق سوى عدد قليل من
    أجهزة الراديو اليابانية الرخيصة وبعض الحلي
    الرخيصة . وكان السوق خاليا تقريبا من المشتريين .
    وعندما عدت إلى قصر الضيافة تملكتني الدهشة حين
    رأيت مجموعة من الهدايا لفت كل واحدة منها باتقان ,
    بينهما جنبيه- أي الخنجر اليمني المعقوف التقليدي ,
    وغليون كبير احتفالي . ومع تلك الهدايا رقعة كتب
    عليه (مع تحيات رئيس الجمهورية) .

    ترى , هل هذه الهدايا مجرد مغريات لتحل محل فرنكلين
    في رحلة العود إلى وطني ؟ أم أنها بشير النجاح ؟ في
    الواقع أنني لم أجرؤ على تصديق الفكرة الأخيرة . فلم
    يصدر أي تلميح إلى أن الحكومة تنوي تخفيض مدة سجن
    فرنكلين , ولكنها وافقت على الأقل على تزويده بقلم
    وورق .

    في زياتي الثانية لفرنكلين بدا لي أكثر ارتياحا ,
    وقد قبل الأقلام والورق التي أحضرتها له معي , وعلق
    قائلا (آمل ان لا أحتاجها بعد هذه الليلة) , فقلت أنه
    ليس ثمة ما يدعوني إلى الأمل بأنه سيرافقني في طريق
    العودة , ولكن كان حدسي أن السلطات العدنية ستفرج
    عنه قريبا .

    ومساء اليوم الذي سبق رحيلي , استقبلني الرئيس سالم
    ربيع علي داخل مقره المحاط بحراسة شديدة , وهو يضم
    منزله ومكاتبه . وقد أدخلوني في قاعة استقبال
    مستطيلة تزينها طنافس زرقاء مشجرة وستائر ذهبيه
    تغطي جدرانها الثلاثة , اما الجدار الرابع فينفتح
    على فناء فسيح وراء المقر . وعلقت بالسقف المراوح
    في صفين متقابلين . وفي وسط القاعة مجموعة وحيدة من
    الأرائك والمقاعد المذهبة التنجيد .

    وما أن بلغت دائرة المفروشات حتى دخل الرئيس علي
    بصحبة وزير خارجيته ومترجم من الباب الذي دخلت منه
    . ولم اكن بحاجة إلى من يعرفني بالرئيس العدني إذ
    رأيته في الصور المعلقة في أماكن عديدة من عدن , إلا
    أن تلك الصور – والحق يقال – لم تكن منصفة له – فهو
    رجل مديد القامة , قوي البنية وهو في الأربعين من
    عمره , وقد خالط شعره الأسود بعض البياض , أسمر
    البشرة , جليل في مشيته وجلسته.
    وكان يتكلم بصوت ناعم , ويلمع سناه الذهبيتان كلما
    انشق فمه عن ابتسامه رقيقة .
    وبعد تبادل التحيات , شكرته على حسن ضيافته وهداياه
    . ثم بدأت بتقديم هداياي , أولا كتاب لنكولن وتمثاله
    ثم المنح الدراسية .

    وكان بالطبع ينتظر كتاب كيسنجر الذي يدل على الوزن
    الذي تعلقه الولايات المتحدة على مهمتي . وعندما
    سلمته إياه حاولت أن اتوسع في شرح أهميته . قلت (لعل
    فخامتكم تسمحون لي بالادلاء ببعض الشروح . ان هذا
    الكتاب يعرض بصفه رسمية رغبة الولايات المتحدة في
    إعادة العلاقات الدبلوماسية . وهذا شيء مهم .
    وحكومتنا بحاجة إلى هذه العلاقات لتفهم سياسات عدن
    ومشكلاتها . غير أن رئيس الولايات المتحدة ووزير
    الخارجية لا يستطيعان تجاوز حدودهما في السياسة
    الخارجية , ولا يفعلان إلا ما يؤيده الكونجرس ,
    ولذلك فمن المهم أيضا أن يتفهم أعضاء الكونجرس على
    نحو أفضل أوضاع عدن والعالم العربي عموما ) .

    فرد علي الرئيس (ان عدن هي مثل متألق للجمهورية .
    أما المناطق الأخرى من بلادنا فوضعها مختلف جدا ,
    وسكانها أكثر فقرا ). وهنا كدت أغص بريقي إذ لم أشاهد
    غير عدن , وقد هالني الفقر المدقع الذي يعيشه
    هذا(المثل المتألق) الذي ضربه الرئيس علي , فكيف
    تكون الحال إذا في المناطق الأخرى؟

    وفيما كنت أدون بعض الملاحظات أخبرني الرئيس علي
    أن مساعي حكومته لمكافحة الفقر تعرقلها أعمال
    (تخريبية) من الدول المجاورة .
    وقال بصراحة (ان شعب بلادنا يعتقد أن كل المآسي وكل
    الأضرار الناجمة عن أعمال المخربين هي في الحقيقة
    من الحكومة الأمريكية . فجميع العتاد الذي صادرناه
    هو من صنع أمريكي ) . وقال ان في وسعي تفحص بعضه خارج
    المقر .

    قلت أن هذه المعلومات غير معروفة في الولايات
    المتحدة , الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى العلاقات
    الدبلوماسية لوضع حد لمثل هذا الأذى .
    فأجاب موافقا: (إنني أحبذ إقامة علاقات مع الولايات
    المتحدة , ولكن يجب أن تكون ذات علاقة بالأمور التي
    يشكو منها شعبي الآن) . وأضاف (أن عدن لا ترغب في
    الأنعزال عن الولايات المتحدة) .

    وشكرني الرئيس علي على الهدايا معلنا أنتهاء
    المقابلة , فأحسست أن الفرصة التي طال انتظاري لها
    قد حانت ويجب أن أقتنصها وأتقدم بالتماس بشأن
    فرنكلين .

    غير أن الرئيس سالم ربيع علي وفر علي مئونة ذلك إذ
    بادرني بالقول (أما بخصوص السجين فسرعان ما علمت
    باهتمامك به , عملت على التأكد من أنه يلقى معاملة
    تفضيلية . ودرست تلبية طلبك , وبوسعك الآن أن تأخذه
    وقت تشاء) .

    كدت لا أصدق ما سمعت ... (وبوسعك الآن أن تأخذه وقت
    تشاء) . فقد غمرتني الفرحة حتى أنني تعثرت أثناء
    خروجي من القاعة ... فرنكلين حر طليق . وبالفعل وجدته
    بانتظاري في شقتي , وفي الساعة السادسة من صباح
    اليوم التالي كنا معا على متن الطائرة المتجهة إلى
    بيروت فنيويورك فسانت لويس , حيث رحبت أسرة فرنكلين
    بعودة إد إلى بيته .

    ويبدو أن حضوري الشخصي إلى عدن كان العامل الوحيد
    لتأمين الافراج عنه . لماذا ؟ لأن معنى ذلك أن عضوا
    في الكونجرس من اواسط الغرب لا يتمتع بشهرة محلية
    ولا دولية يرغب في تخصيص وقته لمساعدة أحد أبناء
    دائرته الأنتخابية وللاستماع إلى القضية العربية .

    وأنا على يقين من أن السبب الرئيسي في الأفراج عن
    فرنكلين كان أتجاه حكومة عدن نحو البحث بكل حذر عن
    علاقات أفضل مع الولايات المتحدة . والحذر ضروري إذ
    أن في البلدين أناسا لا يرغبون في تحسين العلاقات .
    والرئيس علي كان أقل زمرة الحاكمين الثلاثة جنوحا
    نحو الماركسية . وحتى في وزارة الخارجية الأمريكية
    كان بعض (الخبراء في الشؤن العربية) , مازالوا
    غاضبين لإبعاد اليمنيين الوجود الأمريكي قبل سنوات
    , واعتبروا عدن (مجرد مكان لتدريب الأرهابيين من
    منظمة التحرير الفلسطينية ) , بينما يرى آخرون مثل
    كيسنجر خلاف ذلك , فجاءت قضية إد فرنكلين تتيح
    الفرصة للبدء في البحث .

    غير أن الحكومة الأمريكية تلكأت وتهربت من الجواب
    وتأخرت ثلاث سنوات . وحل جيمي كارتر محل جيرالد فورد
    في البيت الأبيض وأصبح سايروس فانس وزيرا للخارجية
    . وقد رفضت حكومتنا طلب عدن شراء القمح بالدين , ثم
    رفضت عرضها لشراء ثلاث طائرات أمريكية مستعملة ,
    ومضت تؤجل حتى المحادثات التمهيدية .

    وعند اجتماعي الثاني بالرئيس العدني سالم ربيع علي
    في أيلول (سبتمبر) 1977 في نيويورك حيث ألقى خطابا في
    الولايات المتحدة , أعرب من جديد عن رغبته في تجديد
    العلاقات مع الولايات المتحدة وأقترح أن أرفع
    تقريرا عن محادثاتنا إلى وزير الخارجية سايروس
    فانس , ففعلت . وكانت النتيجة اتفاق فانس ووزير
    خارجية اليمن السيد مطيع على عقد محادثات
    استطلاعية , فبدا ذلك لي خطوة تقدمية رائعة . وكان
    المفروض أن تبدأ المحادثات في عدن خلال أسابيع
    قليلة , ولكن للأسف حصل تسويف في الموضوع .

    ولم يكن قد تحدد موعد لهذه المحادثات عندما عدت إلى
    الشرق الأوسط مع عدد من أعضاء الكونجرس الآخرين في
    كانون الثاني (يناير) 1978 . وأجريت تعديلا في برنامجي
    ليتسنى لي القيام بزيارة جانبية لعدن . وقبل أن أترك
    الفريق اجتمعنا إلى وزير الخارجية فانس الذي حدث أن
    تقاطعت رحلاته مع رحلاتنا , واجتمعنا إلى ولي العهد
    السعودي الأمير فهد , وهو شخص ضخم البنية , مثير
    للإعجاب , يتكلم الإنجليزية بفصاحة , وأصبح فيما بعد
    عاهل المملكة العربية السعودية .

    وأبدا الأمير فهد (يومذاك) تحبيذا لجهودي في عدن
    وطلب مني أن أبلغ المسؤوليين فيها أن المملكة
    العربية السعودية مستعدة لاستئناف مدهم
    بالمساعدات الاقتصادية .

    بشرى خير:

    عندما وصلت إلى عدن كان الوضع فيها قد تحسن , إذ
    تبادلت اليمن الجنوبية السفراء مع عدوتها اللدود
    السابقة العربية السعودية - على الرغم من استمرار
    المنازعات الإقليمية بينهما . وكانت عدن قد وافقت
    حينئذ على إقامة علاقات دبلوماسية مع الأردن .
    وتوقفت الإذاعة المحلية عن بث التعليقات المعادية
    (للاستعماريين) الأمريكيين والسعوديين . وقد
    رافقتني هذه المرة زوجتي لوسيل , فخصص لنا قصر
    الضيافة الذي حللت به في المرة السابقة , إلا أن
    التغير المهم الوحيد الذي طرأ هو وجود براد مليء
    بشتى أصناف المأكولات والمشروبات .

    واستقبلنا الرئيس علي في القاعة الرحبة إياها مع
    شلة من حرس الشرف . ومع أنه تجنب التعليق على عرض
    المساعدة السعودية . فقد تحدث بحماسة عن ولي العهد
    فهد .

    ومضى يقول : (إننا بانتظار وصول الوفد الأمريكي من
    الولايات المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي ) . عندها
    ذبت خجلا , إذ كنت أعلم أن الوفد لن يأتي في ذلك
    الشهر , بل أن سفره قد أرجئ إلى أجل غير محدد . وقبل
    أيام قلائل أبلغني فانس هذا الخبر السيئ ولكنه لم
    يوضح السبب , فقلت عسى أن يكون الرئيس العدني قد
    أشعر بهذا التأخير . فأجاب فانس (سأتأكد من ذلك) ولكن
    للأسف لم يتحقق شيء من هذا القبيل .

    وهكذا ظل ربيع علي ينتظر الوفد يوما بعد يوما , إلا
    أن الوفد لم يحضر . ولم أجرؤ على مصارحته بالتغير ,
    فرحت أستمع وأحاول التظاهر بالتفاؤل . وكنت أدرك
    أنني لو أبلغته النبأ السيئ لتعزز جانب منتقديه
    الذين كانوا يعارضون المصالحة مع أمريكا .

    وهنا غيرت الموضوع فقلت (يقول بعض خبرائنا
    الإستراتيجيين أنكم سمحتم للسوفيات بإقامة قاعدة
    بحرية هنا , فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟) .
    فاعترض بشدة قائلا (هذا غير صحيح . فنحن لا نسمح
    للسوفيات أو أية دولة أجنبية أخرى بإقامة قاعدة
    عسكرية في أراضينا . إلا أننا نتعاون مع السوفيات
    لأنهم يساعدوننا) . وختم الرئيس علي بأن حملني رسالة
    إلى واشنطن يقول فيها :

    (أرجوك أن تبلغ تحياتي الحارة للرئيس كارتر ,
    وتعلمه أننا تواقون للاحتفاظ بعلاقات ودية بين
    اليمن الديمقراطية والولايات المتحدة . ونحن نعلم
    أن الرئيس كارتر مهتم بالاحتفاظ بعلاقات ودية مع
    جميع البلدان , وندرك أن هذه سياسة إيجابية . ونعتقد
    أنه ينبغي زيادة تدعيم علاقاتنا).

    و عند الوداع قدمت إلى الرئيس العدني زهرية من فخار
    صنعتها ابنتي ديانا خصيصا له . فتقبلها قائلا (إنها
    جميلة جدا . أرجوك أن تشكر أبنتك . وأنا معجب بهذه
    الزهرية) ثم مشى معنا نحو الباب ليبدي إعجابه بشيء
    آخر هو هطول الأمطار , وذلك شيء نادر في عدن (بشرى
    خير) قال الرئيس علي .

    غادرت عدن وأنا أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن من
    شأن العلاقات الدبلوماسية مساعدة الولايات
    المتحدة وأصدقائنا في المنطقة . ومن مصلحة أمريكا
    والسعودية المشتركة الحد من الوجود السوفيتي في
    اليمن الجنوبية . فنحن بحاجة إلى بعثة دبلوماسية
    هناك . ولما عدت إلى واشنطن لم أدع فرصة تفوتني دون
    الإلحاح على الوزير فانس وموظفي البيت الأبيض بهذه
    التوصية .

    وبعد شهر تمكنت من عرض هذا الطلب على الرئيس جيمي
    كارتر شخصيا في البيت الأبيض , وقال لي أنه (دهش
    ومسرور) برسالة الرئيس العدني .
    وشكرني كارتر وقال , مثل ما سبق أن قاله فانس: (سأهتم
    بهذا الموضوع) .

    وقد صدق كارتر وعده , فبعد خمسة أشهر من آخر لقاء لي
    مع الرئيس علي , رتب فريق من موظفي وزارة الخارجية
    زيارة إلى عدن في 26 حزيران (يونيو) 1978 لإجراء
    (محادثات استطلاعية) والبحث (بطريقة لا التزاميه) في
    استئناف المفاوضات الدبلوماسية . وكان المفروض أن
    يستقبل الرئيس علي الفريق يوم وصوله .

    ولكن فات الأوان . فقد قرر الصقور الماركسيون في
    عدن التحرك , إذ أقلقهم سعي الرئيس علي لتحسين
    العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة العربية
    السعودية . فاستولى الراديكاليون على طائرات
    مقاتلة , وأطلقوا منها النار على مقر الرئاسة ثم
    استولوا على الحكم , كل ذلك في اليوم المقرر لوصول
    الوفد الأمريكي . واعتقل الرئيس علي ثم أعدم رميا
    بالرصاص . وأتصل بي السفير الأشطل بالهاتف من
    نيويورك ليخبرني أن الوفد سيكون موضع ترحيب على
    الرغم من كل ماحدث , إلا أن الرحلة كانت قد ألغيت .
    وبعد أن وصل الوفد إلى صنعاء , عاصمة اليمن الشمالية
    , في طريقة إلى عدن , عاد أدراجة إلى واشنطن . وقد
    غمني جدا إعدام سالم ربيع علي , فطلبت من الأشطل
    تفسيرا لذلك , فأجابني بأنها (مسألة داخلية لا دخل
    للعالم الخارجي بها) .

    ومع ذلك فإن مصير سالم ربيع علي كان يهمني , ولا
    يزال . وكثيرا ما تساءلت عما إذا كانت نيتي الحسنة
    من جهة ورأفته بإد فرنكلين من جهة أخرى بين الأسباب
    التي أدت إلى سقوطه .

    ولقد كانت لسلسلة رحلاتي إلى عدن أهمية شخصية
    تتجاوز جهودي التي لم تثمر في سبيل إعادة العلاقات
    الدبلوماسية . وبعد سنوات من وجودي في الكونجرس
    استمعت للمرة الأولى إلى وجهة النظر العربية , ولا
    سيما بشأن، نكبة الفلسطينيين . فأخذت أقرا عن شؤون
    الشرق الأوسط وشجونه وأتحدث عنها مع الخبراء
    لأتفهم المنطقة وتدريجيا برز العرب أمامي كبشر .

    وما أن تناقلت الألسن خبراتي في هذا الصدد حتى أصبح
    مكتبي محجة للمسافرين إلى الشرق الأوسط والقادمين
    منه من باحثين ورجال أعمال ورجال دين ورسميين . ولم
    يكن من المألوف لأي من أعضاء الكونغرس أن يزور
    البلاد العربية وأن يبدي اهتماما بمشكلاتها . فقد
    رفعت صوتي في الكونجرس مجادلا حول ما اعتبرته وجهة
    نظر أميركية غير منحازة لإسرائيل أو العرب . قلت أن
    تقاعسنا عن التحدث مباشرة مع قيادة الفلسطينيين
    السياسية هو مثل ترددنا في التحدث مع سالم ربيع علي
    في اليمن الجنوبي , يعرقل بحثنا عن السلام .
    فالاتصال الدبلوماسي مع الأطراف الأخرى مهما كانت
    غريبة عنا ومهما كانت صغيرة , مفيد لحكومتنا , وليس
    من الضروري أن يكون بمثابة مجاراة لها . من هنا كان
    تساؤلي عن سبب الامتناع عن إجراء محادثات مباشرة مع
    زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي
    يعتبر الناطق السياسي باسم الفلسطينيين . فاكتشفت
    أن من بين الأسباب إذعان هنري كيسنجر الذي ساعدني
    في طريقي الطويل إلى عدن , لمطالب إسرائيل , ومن ثم
    موافقته على عدم الاتصال رسميا بمنظمة التحرير
    الفلسطينية مالم تعترف بحق إسرائيل في الوجود .
    وهذا مطلب قاس ولاسيما بالنظر إلى إصرار إسرائيل
    على رفض قيام دولة فلسطينية بجوارها .

    وكسرا لهذا الجمود قررت الاتصال بعرفات على أفضل
    نحو أستطيعه شخصيا . فقابلت الزعيم الفلسطيني للمرة
    الأولى في كانون الثاني (يناير) 1978 خلال بعثه من
    الكونغرس إلى الشرق الأوسط التقيت فيها بسالم ربيع
    علي للمرة الأخيرة . وانضم إلي في تلك المقابلة عدد
    من زملائي بينهم ليو ريان (كاليفورنيا) الذي قتل في
    أحداث العنف في جونستاون بغيانا , وهيلين ماينر
    (نيوجرسي) وكلاهما ديمقراطي , ومعنا أيضا عضو جمهوري
    إلا أنه خشي أن يخلق ذكر اسمه في الأخبار متاعب له
    مع الفعاليات الإسرائيلية في منطقته , لذلك طلب مني
    عدم ذكر حضوره . وقبل المقابلة ساورتني الظنون
    ذاتها التي طرأت على ذهني قبل سفري إلى عدن للمرة
    الأولى منذ أربع سنوات , فتوخيت الحذر لأن الاجتماع
    مع عرفات يتجاوز الخط الأحمر الذي رسمه كيسنجر بناء
    على طلب إسرائيل .

    * نهاية الفصل الاول من كتاب (( من يجرؤ على الكلام ،
    الشعب و المؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي ))
    تأليف السناتور الجمهوري بول فندلي ، ممثل ولاية
    إلينوي لمدة 22 عام .


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 12:15 pm