أجرى المقابلة: سَماح إدريس ويُسري الأمير
حين التقينا والدكتور عزمي بشارة في ردهة الفندق، كان الرجل يغطّي الكثير من تعبه بلطفه وحسن استقباله. وهذا ما رافقه في حوار الساعتين في غرفته: فالتعب يكدّ الوجه الأسمر، وينافس أخضر العينين، لكنّ ذلك لم يمنعه من الخوض في النقاش، ولم يوقف حدّة الفكر ودقّة الملاحظة، لتكون النتيجة هذا الحوار الطويل ـ القصير: فقد كان طويلاً لأنّ بشارة استفاض في تقديم مفاهيمه حول القضايا القوميّة والعروبة ونضال فلسطينيي الداخل وتجاربه الذاتيّة وافق المستقبل؛ ولكنّه كان قصيرًا لأنّ الوقت لم يسعفْنا للحديث مع عزمي الأديب والروائيّ.
أُنهيَ الحوار ولم ينتهِ؛ فمن الصعب أن ينتهي نقاشٌ مع أمثال هذا الإنسان المجبول بالثقافة والنضال والناس والأمل.
1- عن المثقف والعمل التنظيميّ
يسري: د.عزمي، أرحّبُ بكَ في بيروت، وشعوري هو أنّك أنتَ مَن يرحّبُ بنا في وطنِه الكبير الذي يحمله معَه. وأعتمد على هذه الرحابة لأسألَكَ بدءًا من النهاية: متى ترى العودةَ إلى الوطن؟
- أتوق إلى العودة طبعًا، ولكني لا أرى أفقًا في الوقت الحاليّ لأنّ الظروف التي دعتْ إلى الخروج من الوطن ما زالت قائمةً، بل تفاقمتْ؛ وبات الأمرُ أكثرَ وضوحًا منذ خروجي، من حيث نوعُ التهم المَحُوكة الموجّهة إليّ. إذا تغيّرتْ هذه الظروف، تُمْكِن دراسةُ الموضوع؛ فالأمرُ ليس خيارًا، بل قرارٌ بأنْ أسلّم نفسي لمخططٍ واضح دونما فائدةٍ تُرجى من ذلك. على كلّ حال، سأَبدأُ، مثلَكَ، من النهاية، فأقول إنّ مفهومي للوطن أوسَع، وإنّ عناءَ المنفى ـ في حالتي كعربيّ وكفلسطينيّ وكمثقّف ـ وطنٌ هو أيضًا
.
يسري: الأمر مرتبطٌ إذًا بوقف الملاحقة القضائيّة لا غير؟
- ... بوقفها وتغيير طابعها. فقد كنتُ في السابق مُلاحَقًا قضائيّاً، وتعرّضتُ للمَحاكمَ، لكنني بقيتُ. غير أنّ هذا النوع من التُهم ـ التي توجَّه من دون أيّ أساسٍ أو أدواتٍ للتعامل معها لكونها تُهمًا أمنيّةً خارجةً عن قواعد المعركة السياسيّة القضائيّة المُمكِنة في النضال السياسيّ ـ لا يَترك لي مجالاً للبقاء. والحقّ أنني لا أرى أيَّ فائدةٍ في تسليم نفسي كما ذكرتُ؛ بل على العكس: فكلُّ سجينٍٍ أمنيٍّ أعرفه (أكان "بريئًا" في لغتهم أمْ "مذْنبًا") لم يسلّمْ نفسَه أو لا يسلّم نفسَه. وفي اعتقادي أنّ ما يَنتج من تسليم نفسي في هذه الظروف ضررٌ يصيب الحركةَ الوطنيّة، وهو غباء. وأما ما نتج من خروجي من المؤسّسات التي أقمناها، فقد بدا بفضله وكأنّني تنحّيتُ جانبًا؛ وهذا ما يُفترض أن يفعلَه القادةُ في حياتهم وإنْ كانوا مُؤسِّسين! وبخروجي أُعطِيتِ الفرصةُ لٍـ "التجمّع" بأن يستمرَّ، وللمؤسّسات بأن تنمو. إنّ جدليّةَ الأمور وصيرورتَها أثبتتا أنّ الحركة الوطنيّة ليست حركةً مُشخصَنة. لقد كنتُ أتمنّى، وأنا داخل الوطن، أن يحصل ما حصل الآن؛ وسبق أن طلبتُ التنحّي عدّة مرّاتٍ عن الترشّح للبرلمان على الأقلّ، إذ قمتُ فيه بكلِّ ما يمْكن، وباتَ يستنزفني. لكنْ لم يوافقني أحدٌ من الحركة الوطنيّة خشيةَ "الإسقاطات." وها قد جاء "التنحّي،" ولم تحصل "الإسقاطاتُ" التي كنّا نخشاها، بل حدث عكسُ ذلك: استنفارٌ للحفاظ على الحركة. وهذا يدلّ على أنّ حركتنا نضجَتْ ووقفتْ على رجليها
.
أنا مسرور لأنّ هذا الأمرَ تمّ في حياتي، وبنجاح، وهو في الواقع ما كنتُ أدعو إليه طوال الوقت: بناءُ المؤسّسات، على الضدّ من نزعة "النجوميّة الفرديّة" (التي يشجّعها الجمهورُ قبل أن يلومَ القادةَ عليها). ومن هنا أعتبر أنّي نجحتُ في امتحان الجيل المؤسِّس: أيَعْمل ليخلّفَ مِن بعدِه جيلاً يحْمل الرايةَ، ومؤسّساتٍ تحافظ على النهج والناس، أمْ لا؟ وفي هذا الوضع أتيحت لي أيضًا فرصةُ الاستمرار في العطاء الفكريّ والأدبيّ.
حين التقينا والدكتور عزمي بشارة في ردهة الفندق، كان الرجل يغطّي الكثير من تعبه بلطفه وحسن استقباله. وهذا ما رافقه في حوار الساعتين في غرفته: فالتعب يكدّ الوجه الأسمر، وينافس أخضر العينين، لكنّ ذلك لم يمنعه من الخوض في النقاش، ولم يوقف حدّة الفكر ودقّة الملاحظة، لتكون النتيجة هذا الحوار الطويل ـ القصير: فقد كان طويلاً لأنّ بشارة استفاض في تقديم مفاهيمه حول القضايا القوميّة والعروبة ونضال فلسطينيي الداخل وتجاربه الذاتيّة وافق المستقبل؛ ولكنّه كان قصيرًا لأنّ الوقت لم يسعفْنا للحديث مع عزمي الأديب والروائيّ.
أُنهيَ الحوار ولم ينتهِ؛ فمن الصعب أن ينتهي نقاشٌ مع أمثال هذا الإنسان المجبول بالثقافة والنضال والناس والأمل.
1- عن المثقف والعمل التنظيميّ
يسري: د.عزمي، أرحّبُ بكَ في بيروت، وشعوري هو أنّك أنتَ مَن يرحّبُ بنا في وطنِه الكبير الذي يحمله معَه. وأعتمد على هذه الرحابة لأسألَكَ بدءًا من النهاية: متى ترى العودةَ إلى الوطن؟
- أتوق إلى العودة طبعًا، ولكني لا أرى أفقًا في الوقت الحاليّ لأنّ الظروف التي دعتْ إلى الخروج من الوطن ما زالت قائمةً، بل تفاقمتْ؛ وبات الأمرُ أكثرَ وضوحًا منذ خروجي، من حيث نوعُ التهم المَحُوكة الموجّهة إليّ. إذا تغيّرتْ هذه الظروف، تُمْكِن دراسةُ الموضوع؛ فالأمرُ ليس خيارًا، بل قرارٌ بأنْ أسلّم نفسي لمخططٍ واضح دونما فائدةٍ تُرجى من ذلك. على كلّ حال، سأَبدأُ، مثلَكَ، من النهاية، فأقول إنّ مفهومي للوطن أوسَع، وإنّ عناءَ المنفى ـ في حالتي كعربيّ وكفلسطينيّ وكمثقّف ـ وطنٌ هو أيضًا
.
يسري: الأمر مرتبطٌ إذًا بوقف الملاحقة القضائيّة لا غير؟
- ... بوقفها وتغيير طابعها. فقد كنتُ في السابق مُلاحَقًا قضائيّاً، وتعرّضتُ للمَحاكمَ، لكنني بقيتُ. غير أنّ هذا النوع من التُهم ـ التي توجَّه من دون أيّ أساسٍ أو أدواتٍ للتعامل معها لكونها تُهمًا أمنيّةً خارجةً عن قواعد المعركة السياسيّة القضائيّة المُمكِنة في النضال السياسيّ ـ لا يَترك لي مجالاً للبقاء. والحقّ أنني لا أرى أيَّ فائدةٍ في تسليم نفسي كما ذكرتُ؛ بل على العكس: فكلُّ سجينٍٍ أمنيٍّ أعرفه (أكان "بريئًا" في لغتهم أمْ "مذْنبًا") لم يسلّمْ نفسَه أو لا يسلّم نفسَه. وفي اعتقادي أنّ ما يَنتج من تسليم نفسي في هذه الظروف ضررٌ يصيب الحركةَ الوطنيّة، وهو غباء. وأما ما نتج من خروجي من المؤسّسات التي أقمناها، فقد بدا بفضله وكأنّني تنحّيتُ جانبًا؛ وهذا ما يُفترض أن يفعلَه القادةُ في حياتهم وإنْ كانوا مُؤسِّسين! وبخروجي أُعطِيتِ الفرصةُ لٍـ "التجمّع" بأن يستمرَّ، وللمؤسّسات بأن تنمو. إنّ جدليّةَ الأمور وصيرورتَها أثبتتا أنّ الحركة الوطنيّة ليست حركةً مُشخصَنة. لقد كنتُ أتمنّى، وأنا داخل الوطن، أن يحصل ما حصل الآن؛ وسبق أن طلبتُ التنحّي عدّة مرّاتٍ عن الترشّح للبرلمان على الأقلّ، إذ قمتُ فيه بكلِّ ما يمْكن، وباتَ يستنزفني. لكنْ لم يوافقني أحدٌ من الحركة الوطنيّة خشيةَ "الإسقاطات." وها قد جاء "التنحّي،" ولم تحصل "الإسقاطاتُ" التي كنّا نخشاها، بل حدث عكسُ ذلك: استنفارٌ للحفاظ على الحركة. وهذا يدلّ على أنّ حركتنا نضجَتْ ووقفتْ على رجليها
.
أنا مسرور لأنّ هذا الأمرَ تمّ في حياتي، وبنجاح، وهو في الواقع ما كنتُ أدعو إليه طوال الوقت: بناءُ المؤسّسات، على الضدّ من نزعة "النجوميّة الفرديّة" (التي يشجّعها الجمهورُ قبل أن يلومَ القادةَ عليها). ومن هنا أعتبر أنّي نجحتُ في امتحان الجيل المؤسِّس: أيَعْمل ليخلّفَ مِن بعدِه جيلاً يحْمل الرايةَ، ومؤسّساتٍ تحافظ على النهج والناس، أمْ لا؟ وفي هذا الوضع أتيحت لي أيضًا فرصةُ الاستمرار في العطاء الفكريّ والأدبيّ.
الثلاثاء فبراير 28, 2023 12:27 am من طرف samarahmad78
» خسارة عليك يا منتدى النسر الاحمر
الأحد فبراير 26, 2023 1:48 am من طرف راهب الفكر
» أقوال جورج حبش
الأحد فبراير 26, 2023 1:47 am من طرف راهب الفكر
» اليسار التونسي الآن وهنا
الثلاثاء مارس 02, 2021 11:20 am من طرف mouyn
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
الإثنين ديسمبر 10, 2018 12:52 am من طرف Iyad
» أغنية يا أسرانا يا بواسل (جديد الشعبية)
السبت ديسمبر 08, 2018 6:14 pm من طرف Iyad
» فش غلّك واحكي .^ اكثر ظاهرة او عادة بتتمنى زوالها من مجتمعنا ^.
الخميس فبراير 22, 2018 5:00 pm من طرف زهر اللوز
» اربع كلمات تكشف عن حالتك
الخميس فبراير 22, 2018 4:58 pm من طرف زهر اللوز
» حصريا اغنية غسان كنفانى اسمو على الريشة
الجمعة أغسطس 21, 2015 2:33 pm من طرف ابو الحكيم 1
» احدث اغنية للجبهة:هيلا هيلا ديمقراطية جبهة قوية 200% تربي رجال
الخميس فبراير 26, 2015 12:56 pm من طرف ابن الديمقراطية
» مرحبا
الأربعاء يناير 28, 2015 9:33 am من طرف mared althawra
» أغاني رائعة للفرقة اليسارية...فرقة الطريق العراقية
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:22 am من طرف izzildin
» جميع البومات فرقة صابرين
الخميس سبتمبر 18, 2014 9:56 am من طرف ooyy
» ويستمرّ النضال في تـــونس..
السبت مارس 29, 2014 8:16 am من طرف mouyn
» حصريا اغنية وصية الشهيد من شريط الهدف 11
الأربعاء مارس 12, 2014 4:53 pm من طرف safwan zaben
» اغنية الزحف الجبهاوي للانطلاقة 42
السبت فبراير 15, 2014 12:06 pm من طرف mof2014
» حصري على ملتقى النسر الاحمر اغنية القدس تشرررع
السبت نوفمبر 30, 2013 12:40 am من طرف القدس عربية
» ******* ابو الفقر .. حداية نار موسى حافظ والجلماوي وكمان شاعر ثالث
الخميس أكتوبر 24, 2013 3:43 pm من طرف غالوب
» اشحن رصيدك مجانا
الإثنين سبتمبر 09, 2013 9:04 pm من طرف ندي فلسطين
» ماتفوت لهون
الجمعة يوليو 26, 2013 3:11 pm من طرف yayaba007